صراخ مفزع أعقبه تمزيق للملابس.. هستيريا عنيفة تصيب طالبات مغربيات، «الزومبي» هو السبب أم هذه التعاويذ الغامضة؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/20 الساعة 21:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/20 الساعة 21:58 بتوقيت غرينتش

صرخاتٌ مدويةٌ ومفزعةٌ انطلقت، وبعدها بدأت التلميذات يسقطن تباعاً على أرضية المدرسة، وهن يمزقن ملابسهن ويلحقن الأذى بكل من يحاول الاقتراب منهن.. كان هذا هو ملخص الحالة الغريبة التي أصابت طالبات مغربيات.

أنهت هؤلاء الطالبات حصة صباحية عادية، ولكن بعدها توالت أحداث جعلت تلاميذ ومُدرسي ثانوية "الإمام القسطلاني" بمدينة الدار البيضاء، يشعرون بالذهول والجزع لما أصاب 9 تلميذات تعرضن لحالة هستيرية عنيفة وغريبة.

وعلى الرغم من مرور أسبوع على هذا الحادث الذي استنفر وزارة التربية الوطنية (التعليم) والجهات الأمنية، فإن التقرير الطبي الخاص بالتلميذات لم يتم الإفصاح عن تفاصيله بعد.

وما عُلم لم يفسر ما حدث.

الحالة الغريبة التي أصابت طالبات مغربيات قد يكون سببها هذا المخدر البشع

الحالة الغريبة التي أصابت طالبات مغربيات، دفعت البعض إلى توجيه أصابع الاتهام نحو مخدر يسمى "الزومبي" المعروف محلياً بـ "فْلاكا"، أو إلى وقوع المراهقات التسعة تحت تأثير تعاويذ السحر الأسود!

ويسبب الفلاكا عند تعاطيه حالة من الهذيان والهلوسة الشديدة، قد تؤدي إلى ممارسة العنف، ويشبه البعض متعاطي هذا المخدر بـ"الزومبيز" أو الموتى الأحياء؛ إذ يكونون غير واعين لتصرفاتهم، التي قد تصل إلى ارتكاب جرائم قتل.

وما يزيد هذا الاحتمال أن المَدرسة توجد بحي "درب السلطان"، وهو أكبر أحياء الدار البيضاء وأقدمها، والذي خرّج عدداً كبيراً من مقاومي الاستعمار الفرنسي والفنانين والعلماء المغاربة، إلا أنه بات اليوم مرتعاً للعصابات الإجرامية وحصناً لمروجي المخدرات.

عبد الصمد تحفي، المنسق الوطني لقافلة "لا للمخدرات"، التي سبق أن عقدت دورات لتوعية تلاميذ "الإمام القسطلاني" منذ سنوات قليلة، كشف الوضع السيئ بهذا الحي.

إذ قال لـ "عربي بوست" إن هناك "انتشاراً خطيراً لجميع أنواع المخدرات بمنطقة درب السلطان، وبمحيط المؤسسات التعليمية الموجودة به"، وفق تعبيره.

وأضاف قائلاً إن المبادرة التي يعمل في إطارها طوال 15 سنة، دقت عدة مرات ناقوس الخطر، دون أي اهتمام من المسؤولين، حسب قوله.

إنه يجعل المتعاطين يشعرون بأنهم "سوبرمان"

وعن إمكانية أن تكون المخدرات، خاصة "فلاكا"، أحد مسببات هذه الهستيريا الغريبة، قال عبد الصمد تحفي إن هناك أنواعاً من المخدرات تصيب متعاطيها بالتسمم، لما تحتويه من مواد جد سامة ومخدرة، تصيب بهستيريا الضحك أو البكاء أو الخوف الشديد، في حين تصيب أنواع أخرى بالخلل العقلي الدائم أو السكتة القلبية.

 

نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي تناقلوا شريط الفيديو بكثافة، وأجمعوا على أن التلميذات تناولن عقار "فلاكا" أو "الزومبي"، خاصة أنهن كن في حالة غير طبيعية تميل إلى العنف، في حين عمدت بعضهن إلى الرفس ومحاولة ضرب من يقترب منهن.

ويحمل هذا المخدر أسماء عديدة، كما يطلق عليه اسم "مخدر السوبر مان" حيث يشعر متعاطيه بامتلاك قوة خارقة، في حين يطلق عليه علمياً اسم "ألفا بي في بي".

ويصنَّع هذا المخدر في الصين ويباع بأسعار زهيدة، وهو ما يجعل انتشاره أسرع بين المدمنين.

عليكم الاختيار بين "كفن" و"قفل".. هذا ما قاله الرجل غريب الأطوار

ولكن هناك تفسيرات أخرى لما حدث بالمَدرسة التي توجد بالحي العريق.

إذ تحدث شهود عيان عن وجود رجل غريب الأطوار، يشتبه في تعاطيه الشعوذة، في أثناء فترة الاستراحة بالقرب من المؤسسة التعليمية.

وقالت التلميذات لاحقاً إن الرجل شرع في تلاوة طلاسم وتعويذات على مسامعهن، قبل أن يطلب منهن الاختيار بين كلمتي "كفن" أو "قفل".

والشرطة حددت هويته.. وهذا ما فعلته معه

هذه الكلمات والطقوس كانت كفيلة بإثارة الرعب في نفوس التلميذات المراهقات، حسب روايتهن، التي تفيد بأنهن تعرضن لصدمة جعلتهن يدخلن في نوبة هستيريا انقضت بعد ساعة.

ولقد رافقهم آباؤهن وأمهاتهن نحو المنزل قبل أن يعاودوا الالتحاق بالمدرسة عشية اليوم نفسه.

تحقيق بدأته فرقة الشرطة القضائية بالمنطقة، تمكن من تشخيص هوية الرجل الغريب والتحقيق معه بشأن المنسوب إليه تحت إشراف النيابة العامة المختصة، ليتم إطلاق سراحه لاحقاً، بسبب عدم ثبوت أي تهمة عليه.

وهستيريا الطالبات تصل إلى البرلمان

"فحص هؤلاء التلميذات لا يظهر تناولهن أي مادة مخدرة"، حسبما ذكرت وزارة التعليم المغربي.

ولكنها لم تكشف عن أسباب هذه الهستيريا الجماعية.

هذا الأمر دفع النائب البرلماني عبد اللطيف وهبي إلى مساءلة وزير التربية الوطنية (التعليم)، بشأن هذه القضية الغريبة.

النائب البرلماني تساءل عن الإجراءات التي ستقوم بها الوزارة لمعرفة الأسباب الحقيقية لهذه الواقعة، والسبل الوقائية، حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث".

واقع التعليم بالمغرب مؤسف، فحتى المدرسون يعتدون على حرمته

لا شك في أن مثل هذه الحوادث تؤثر سلباً في المؤسسات التعليمية بالمغرب وفي العملية التربوية برمتها، خاصة مع جملة المشاكل التي يعيشها هذا القطاع، حسبما يقول الباحث التربوي منير الجوري.

وقال الجوري لـ "عربي بوست"، إن الوضع الذي تعيشه المؤسسات التعليمية يجعل منها نقطاً مستهدفة للترويج للمخدرات، بسبب الأزمة التي تعيشها منظومة التعليم والتي لا تتسبب فقط في "التردي التربوي والأخلاقي، وإنما تؤسس أيضاً لجوٍّ من عدم احترام القطاع التعليمي، واستعداد المروجين وحتى المعلمين للتعدي على حرمة المدرسة".

ويرى الباحث في القضايا التربوية أن المؤسسة التعليمية تشكل تجمعاً مهماً لفئة شبابية قليلة التجربة والخبرة، في مرحلة عمرية تتميز بالاندفاع وحُب استعراض الذات والتحدي، في غياب الرعاية والمتابعة، سواء من قِبل الأسرة أو المَدرسة، وهو ما يسهل اختراق المؤسسة بنشر المخدرات وسطها.

ووفرة المخدرات حول المدارس تثير تساؤلاً عن موقف الأمن  

"الانفتاح التكنولوجي والثورة التواصلية شريك أساسي في هذا الواقع"، حسبما يقول الجوري.

إذ فتحت هذه التكنولوجيا أعين الشباب على مناطق مظلمة لا تقوى عقولهم وشخصياتهم الشابة على الانفلات منها ، فيكون تعاطي المخدرات إحدى وسائل الهروب أو الاستعراض.

وتابع قائلاً إن "وفرة المخدرات التي تروَّج بشكل لافت تجعل المراقب يتساءل عن مدى الجدية الأمنية في محاصرة هذه السوق والقضاء عليها".

لا حل لهذه المعضلة إذن، إلا بإعادة الاعتبار إلى المؤسسة التعليمية وقيمتها الأخلاقية، وفق منير الجوري.

ودعا إلى تعاطٍ أمني جدي ومستمر مع توزيع المخدرات، خاصة في محيط المؤسسات وداخلها؛ حماية لأجيال المستقبل.

وأكد ضرورة منع تجار الموت من الوصول إلى هذه السوق المربحة لهم والتي يملأها زبائن ضحايا أوضاع معيشية وأسرية هشة، حسب تعبيره.

وشدد على أهمية التوعية المستمرة والدائمة، وإيجاد متابعة لصيقة بالمتعلمين تقيهم هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، وأن للأسر هنا دوراً كبيراً إلى جانب الأطر التربوية تنسيقاً وتعاوناً.

تحميل المزيد