سر تأجيل الجزائر لافتتاح ثالث أكبر مسجد بالعالم.. البعض يتحدث عن تعرُّض بوتفليقة لخديعة

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/17 الساعة 11:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/01/17 الساعة 12:45 بتوقيت غرينتش

قطع محمد آمعوش مئات الكيلومترات ليشاهد المسجد الأعظم بقلب العاصمة الجزائرية، الذي مازال مغلقاً أمام الصلاة رغم الوعود المتكررة بافتتاحة، إذ إن السلطات الجزائرية ترجئ افتتاح ثالث أكبر مسجد بالعالم المرة تلو الأخرى.

آمعوش الذي جاء من ولاية بورج بوعريريج 270 كلم شرق الجزائر، هو واحد من بين مئات المواطنين الذين تملكهم الفضول لرؤية هذا الصرح الكبير بعد أن سمعوا من وسائل الإعلام أنه أكبر مسجد بإفريقيا وبه أطول مئذنة في العالم، خاصة أنه لا يبعد عن قصر المعارض سوى بمسافة قليلة، ما جعله قِبلة لكل الوافدين لحضور مختلف الفعاليات.

وحسب المصادر الجزائرية، فإن المسجد هو ثالث أكبر مسجد في العالم بعد المسجد الحرام، والمسجد النبوي وسيسع لنحو 120 ألف مصلٍ.

ولكن السؤال الذي طرأ على ذهن آمعوش وعلى أذهان  كل مَن وقف على أعتاب أطول منارة في العالم، أو تحت أضخم ثرية في العالم أيضاً التي تزين سقف المسجد، هو متى سيفتتح هذا الصرح أمام المصلين؟ ومَن سيكون إمامه ومؤذنه؟

وإنه جدل لو تعلمون عظيم.

السلطات الجزائرية ترجئ افتتاح ثالث أكبر مسجد بالعالم مجدداً.. الموعد عند الرئيس

تكرر الإعلان عن موعد الافتتاح مراراً، وبعد أن يستعد الجزائريون للحدث الذي ينتظرونه بشغف، يتفاجأون بأن السلطات الجزائرية ترجئ افتتاح ثالث أكبر مسجد بالعالم إلى حين إشعار آخر.

فقد كان مقرراً افتتاحه نهاية 2016، قبل أن يتم تأجيله إلى ديسمبر/كانون الأول 2017، لكن الأشغال بالمسجد تأخرت فتم تأجيل افتتاحه إلى نهاية 2018 وهو ما لم يحدث إذا انتهى العام دون أن تنتهي الأعمال بالمسجد.

موعد افتتاح المسجد سيحدده الرئيس بوتفليقة/مواقع التواصل الاجتماعي
موعد افتتاح المسجد سيحدده الرئيس بوتفليقة/مواقع التواصل الاجتماعي

وأخيراً، أعلن وزير الأوقاف الجزائري أن  التسليم التقني لقاعة الصلاة للمسجد الأعظم سيكون نهاية الشهر الجاري يناير/كانون الثاني 2019، بحسب ما نقلت عنه صحيفة الاتحاد الجزائرية.

وبالنسبة للتدشين الرسمي للمسجد، رفض محمد عيسى الحديث عنه، وقال: "إن هذا القرار متروك للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، فهو وحده سيحدد تاريخ التدشين الرسمي لهذا الصرح الديني والثقافي".

والشركة الصينية تكشف أن الموعد قد يتأخر 

يقول محمد أمعوش لـ "عربي بوست" إن "سلسلة التأجيلات هذه جعلت الجزائريين متذمرين، وقلقين لرؤية مشروع القرن في الجزائر، والذي أُنفقت عليه أموال ضخمة، يتأخر، رغم أن هذه الأموال كانت كفيلة بإنهاء المشروع في سنتين أو ثلاث على الأكثر".

مسؤول بمكتب الدراسات الصيني المكلف بإنجاز أعمال إنشاء المسجد قال لـ "عربي بوست" إن "نسبة إنجاز الأعمال بالمسجد فاقت الـ 92%، وبلغت 100% بالنسبة لقاعة الصلاة التي ستسلم خلال أيام".

ولكن المصدر الذي رفض ذكر اسمه يستبعد "تسليم المشروع كلياً خلال الثلث الأول للسنة الجارية 2019، نظراً لأن تجهيز المسجد وحده سيستغرق أشهراً".

"هل يكذبون على الرئيس"؟

جمال شرفي، الخبير الدولي والعضو السابق في مجلس إدارة مشروع جامع الجزائر الأعظم، يقول إن الجامع الكبير هو ثالث أكبر مسجد بعد الحرمين الشريفين، ويقام على مساحة 29 هكتاراً.

ويقول شرفي لـ "عربي بوست": "إن المشروع يضم منشآت تحطم أرقاماً قياسية عالمية، منها أعلى منارة في العالم بارتفاع 265 متراً، وأعلى قبة في العالم (القبة المزدوجة)، بالإضافة إلى قاعة الصلاة ومركز البحوث والمكتبة العملاقة والمتاحف المرفقة، والساحة الخارجية التي تضم البحيرة الاصطناعية والحديقة الإسلامية وغيرها".

من داخل ثالث أكبر مسجد في العالم/ خاص عربي بوست
من داخل ثالث أكبر مسجد في العالم/ خاص عربي بوست

ويفسر شرفي أسباب تأخر الانتهاء من المسجد قائلاً: "لأن المشروع كان تحت رعاية مباشرة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فإن هناك وزراء ومسؤولين كانوا يكذبون لإرضائه".

وأضاف قائلاً إن الوزير الأول سابقاً (رئيس الوزراء السابق)، عبد المجيد تبون، انتهج سياسة الكذب على الرئيس، حسب تعبيره، والتي وصلت لحد تقديمه نسب إنجاز وصلت إلى 95%.

وتابع قائلاً: "أنا لم أتقبل هذا الأمر، وقدمت استقالتي بسببه سنة 2016".

والسجادة المهداة من إيران لتفرش في قاعة المسجد يبدو أنها معرضة للخطر

الوزير تبون حينها، بحسب شرفي، "جعل إدارة عملية إنشاء المسجد تتم فقط من قِبل ديوانه؛ ومن ثم كان يتحكم هو في المعلومة ويقدمها للرئيس كما أراد.

"ولذلك استطاع تضخيم نسب التقدم إلى نسب خيالية لا تتطابق مع الواقع، وهو ما جعل الأرقام تصل إلى الصحافة بشكل غير صحيح والمشروع ما زال على الأرض!".

المسجد سيوضع به أضخم ثرية في العالم/مواقع التواصل الاجتماعي
المسجد سيوضع به أضخم ثرية في العالم/مواقع التواصل الاجتماعي

ويقول شرفي: "ومن الأكاذيب التي مورست على الرئيس، ما يتعلق بسجادة قاعة الصلاة التي وصلت منذ 3 سنوات، وهي هدية من الحكومة الإيرانية".

إذ إن السجادة تعتبر من أجود السجاد الفارسي مساحتها 2 هكتار وتقدَّر قيمتها بـ60 مليون دولار .

وأضاف "أنها موجودة داخل حاويات في مركز الوقف ببئر خادم، ولا يعلم حالها بعد توقُّف تكييف الحاويات التي جاءت فيها".

المتعصبون للعاصمة ينتقدون المؤذن، والوزير يرد بأن صوته يشبه صوت الصحابي بلال بن رباح

قامت إدارة المسجد الأعظم بتجريب الأذان لأول مرة في 18 ديسمبر/كانون الأول 2018، وكان بصوت المنشد الجزائري محمد شعيب، الذي أدى أذاناً بالطريقة التيندية المعروفة بالجنوب الجزائري.

وقد دافع وزير الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، عن أذان المنشد أمام الانتقادات التي طالته وقال: "إن صوته جوهري ويشبه إلى حد كبير صوت الصحابي الجليل بلال بن رباح، لذلك وقع الاختيار عليه".

وأثارت تصريحات الوزير جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد المقارنة التي أجراها عيسى بين صوت المؤذن شعيب وصوت الصحابي بلال بن رباح مؤذن الرسول.

​وردَّ الوزير على انتقادات وجهها جزائريون للمؤذن المذكور بسبب "غياب اللمسة العاصمية المحلية في الطريقة التي يرفع بها هذا المؤذن الأذان (رفع الأذان بطريقة مختلفة عن السائد في العاصمة)".

ورفض عيسى، في تصريح صحفي لوسائل الإعلام، "انتقاد هذا الأذان بسبب أن المؤذن ليس عاصمياً (ليس من العاصمة الجزائرية)".

وقال وزير الأوقاف الجزائري : "لقد تم اختياره باعتبار أن الجامع هو ملك لجميع الجزائريين" ، مؤكداً في الوقت ذاته أن صوت الأذان الذي تم بثه من المنارة وصل إلى محيط 6 كيلومترات من المسجد".

وكشف الوزير: "عن إعداد أذان عاصمي (على طريقة العاصمة)، وبمقامات متنوعة، سيبث من المسجد حتى يكون للجميع أذانه الخاص، بغية إرضاء جميع الجزائريين".

ولكن يرى محمد محمد آمعوش "أن المشكلة ليست في الأذان، لكن في موعد تسليم المسجد ليؤدي دوره كمؤسسة دينية ثقافية علمية".

وهناك حل أغرب تم اقتراحه.. "المؤذن الآلي"

 النقابة الجزائرية للزوايا الأشراف، وفي مبادرة اعتبرها الجزائريون الأغرب على الإطلاق، اقترحت صيغة جديدة لرفع الأذان من على مئذنة مسجد الجزائر الأعظم بعد تدشينه.

 إذ اقترحت النقابة في منشور لها عبر صفحتها الرسمية بفيسبوك "وضع أذان آلي، يرفع تلقائياً مع كل الصلوات، من خلال تسجيل الصوت والاستغناء عن المؤذن".

الحل بحسب النقابة "يأتي لإنهاء الخلاف الحاصل عيين مؤذن للمسجد".

وقالت النقابة إن التسجيل الآلي يؤدي إلى حل الخلاف بشأن اختيار وتعيين مؤذن للمسجد".

وقد قوبلت دعوة النقابة بعشرات من التعليقات المنتقدة للاقتراح، واعتبروها مساساً بالأذان وقدسيته.

وها هي مشكلة جديدة تظهر.. هكذا رد بوتفليقة على اقتراح وضع اسمه عليه

يتساءل محمد آمعوش عن الاسم الذي سيحمله المسجد الأعظم.

ورغم أن الكثيرين سبق أن تحدثوا عن إطلاق اسم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة على المسجد، لكن تقارير إعلامية أفادت بأن بوتفليقة يرفض تماماً وضع اسمه على مسجد الجزائر الأعظم.

وقال موقع الجزائرية، نقلاً عن وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى، إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يرفض أن يحمل الجامع الأعظم اسمه، وأمر أن ينسب إلى الجزائر؛ لذلك فإن عنوانه جامع الجزائر وليس جامع الجزائر الأعظم، ليؤرخ لمرحلة الاستقلال كما أرَّخ مسجد كتشاوة للمرحلة العثمانية.

وهناك دعوة لتسميته باسم العلامة البشير الإبراهيمي

وكانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد قادت حملة كبيرة عبر موقعها الرسمي، وصفحاتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل تسمية الجامع الأعظم باسم العلامة البشير الإبراهيمي أحد أعلام العلم في الجزائر والرئيس الثاني لجمعية العلماء المسلمين التي لعبت دوراً مهماً في الحفاظ على هوية الجزائر العربية الإسلامية خلال فترة الاحتلال الفرنسي.

ونشرت الجمعية نداء سابقاً لعضو مكتبها الوطني قدور قرناش جاء فيه "جامع الجزائر الأعظم الشيخ البشير الإبراهيمي.. هل ممكن أن يتم ذلك تكريماً للإبراهيمي؟!".

ويتساءل قرناش: "هل تكرم الدولة الجزائرية فخر علمائها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي -رحمه الله – نظير ما قدمه لوطنه ودينه وأمته؛ إذ يشهد لتضحياته القاصي والداني، بتخليد اسمه على معلم من معالم الجزائر المستقلة؟".

لكن جمال شرفي، الخبير الدولي والعضو السابق في مجلس إدارة مشروع جامع الجزائر الأعظم، يقول لـ "عربي بوست"، إن الدولة ستترك اسم الجامع بـ "جامع الجزائر، ولو في السنوات العشر الأولى".

 ويضيف: "هناك مقترحات كثيرة وصلت الحكومة ووزارة الشؤون الدينية منذ الأيام الأولى لإنشاء المسجد، وكلها لأسماء صحابة، علماء وشهداء، لكن يبدو أن تسمية "جامع الجزائر" هي السائدة حتى الآن".

تحميل المزيد