تقف شامخة بين سلسلة جبال الظاهر في عمق الجنوب التونسي منذ 900 سنة تقريباً. فرغم الظروف المناخية القاسية، لا تزال زيتونة العكاريت بمنطقة تطاوين جنوب تونس صامدةً طوال قرون، وعطاؤها متواصل لا يتوقف، حيث وصفها البعض بالزيتونة المعجزة.
تعد زيتونة العكاريت أكبر شجرة زيتون بتونس وفي حوض البحر المتوسط من حيث العمر والحجم.
من يقف بجانبها يشعر بمدى ضخامة الجذع المتفرع إلى عدة جذوع ضخمة، تتفرع بدورها إلى أغصان كبيرة متشابكة تغطيها أوراق كثيفة، تحجب وسطها أو الجانب الآخر منها.
تتربع على مساحة تقدَّر بـ2000 متر مربع، ومحيط دائرتها يصل إلى 116 متراً.
جميع سكان المنطقة يعرفون جيداً زيتونة العكاريت، ويتطوع بعضهم بمشاركة مالكها لجني زيتونها.
شجرة العكاريت في تونس تنتج 1500 لتر سنوياً
الشيخ محمد، من منطقة الديورات، رجل مسنٌّ يبلغ من العمر 80 عاماً. يقول لـ "عربي بوست": "أعرف الشجرة منذ صغري، ووصلت إلى هذا العمر ولم ألحظ تغيراً فيها سوى زيادة حجمها كل سنة. فهي معجزة ربانية، إذ تنتج كميات هامة من الزيتون طوال هذه السنوات، رغم المناخ الجاف الذي تتميز به منطقتنا".
تنتج "الشجرة المباركة" سنوياً أكثر من 1500 لتر من الزيت الذي يتميز بجودة عالية يشهد بها جميع سكان المنطقة.
ويعادل إنتاجها 17 ألف دينار تونسي (قرابة 6 آلاف دولار)، أي إعالة عائلتين بدخل جيد طوال سنة كاملة، لا سيما أن المنطقة ريفية بالأساس، ومورد رزق سكانها الأساسي هو زيت الزيتون استهلاكاً وبيعاً.
وِجهة سياحية لظلّها وهوائها المنعش
ذاع صيت الشجرة العملاقة في البلاد بالكامل، وتناقلت وسائل الإعلام قصتها.
فالزيتونة فريدة من نوعها، وإنتاجيتها عالية، وزيتها ذو جودة لا نظير لها، وهو الأمر الذي جعل الشجرة الضخمة تدرَج ضمن المسالك السياحية للتعريف بسلسلة جبال الظاهر، الممتدة على طول 6500 كم، من محافظة قابس إلى مدنين.
فمحافظة تطاوين تتميز بهواء بارد منعش، كما أصبح محيط هذه الشجرة وِجهةً للسياح من أبناء المنطقة ومن المناطق المجاورة وحتى من قِبل السياح الأجانب.
يحضرون من كل حدب وصوب، لرؤية الزيتونة عن قرب، والاستمتاع بالهواء المنعش بين جذوعها.
من يدخل وسط الزيتونة في الصيف يكاد ينسى حرارة الطقس بالخارج، فظلها شاسع والهواء داخلها بارد، وأصوات العصافير ينتشي لها كل من زارها.
ولا يغادرها أحد قبل أن يلتقط صورة إلى جانبها.
عروسي العكروت، مالك زيتونة العكاريت، قال لـ "عربي بوست"، إن هذه الزيتونة تعود إلى العهد الروماني.
ويضيف: "ورثتها عن أسلافي منذ قرون، وتكفلت برعايتها منذ 30 سنة تقريباً. أجني ثمارها كل سنة، وأرعاها بتقليم الأغصان وحرث التربة المحيطة بها قصد تهويتها".
وأضاف عروسي: "تتفاوت إنتاجية الزيتونة بين سنة وأخرى، حيث تتجاوز 1500 لتر في السنوات الممطرة".
"يكاد زيتها يضيء" فهي تعيش على مياه المطر
يتميز زيت زيتونة العكاريت بلونه الأصفر الذهبي وجودته العالية، على غرار بقية زيوت منطقة الدويرات الجبلية.
تختلف تلك الأشجار عن غيرها، فهي تُسقى فقط من مياه الأمطار المنحدرة من الجبال العالية، وهو ما يعني أن زيتها عضوي 100%.
أما عن سر جودة الزيت في تلك المناطق الجبلية ووجود أشجار قديمة جداً، فأكد نبيل اليحياوي، مهندس فلاحي ورئيس دائرة الإنتاج النباتي بمحافظة تطاوين، لـ "عربي بوست"، أن تركيبة الزيتون تتميز عن غيرها.
وأضاف اليحياوي: "زيت الأشجار المزروعة بين الجبال يتميز بجودته العالية، شريطة أن يُعصر إثر جَنيه مباشرة، لكيلا يفقد خاصيته ولا يتغير طعمه".
وقال: "إن الطرق المعتمدة في العناية بتلك الأشجار طرق تقليدية بالأساس".
فزيتون تونس بترول أخضر
يقلّم الفلاح أشجاره وينزع الفروع اليابسة، فتصبح الشجرة خضراء بالكامل.
أما عمليات السقي فهي محدودة، وتتغذى الأشجار فقط من مياه الأمطار الجارية في القنوات التقليدية القادمة من الجبال بأحواض ساكبة، ومن ثم تتوزع على الحقول فترتوي أشجار الزيتون.
ويشار إلى أن زيت الزيتون التونسي يحتل المراتب الأولى في العالم من حيث الإنتاج والجودة، ويسميه التونسيون "البترول الأخضر".
وقد حصد جوائز عدة في مناسبات مختلفة. ويُذكر أن إنتاج زيت الزيتون التونسي يتراوح بين 300 و350 ألف طن، منها نحو 65 ألف طن عضوي.