أعادت روسيا مجدداً إلى الواجهة التشكيك في حقيقة هبوط الأميركيين على سطح القمر، بعد أن اقترح رئيس وكالة الفضاء الروسية، ديمتري روغوزين، إرسال مهمة إلى القمر للتحقق مما إذا كان هبوط الأميركيين على سطح القمر قد حدث بالفعل.
جاء ذلك خلال لقاء جمع روغوزين مع رئيس مولدوفا إيغور دودون، وردَّ فيه على سؤال بشأن ما إذا كان برنامج أبولو التابع لإدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) قد وضع بالفعل رجالاً على القمر في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
وبدا أنه كان مازحاً عندما تكلف الابتسام وهز كتفيه أثناء الإجابة. لكن المؤامرات التي تحيط بمهمات ناسا إلى القمر شائعة في روسيا.
Отвечаю на вопросы президента Молдавии: были ли американцы на Луне, зачем у @roscosmos есть истребители и трамваи и как российская космонавтика поможет молдавскому винограду?https://t.co/IRV3HUT6Sz
— Дмитрий Рогозин (@Rogozin) November 24, 2018
وفي فيديو لمحادثتهما نُشر على حسابه في تويتر الذي يضم 815 ألف متابع، السبت 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قال روغوزين: "قد حددنا هذا الهدف للسفر (إلى القمر) والتحقق مما إذا كانوا هناك أم لا".
تحقيقات وكالة الفضاء الروسية في هبوط الأميركيين على سطح القمر
ولاحقت مهمات ناسا الست المأهولة إلى سطح القمر، التي بدأت مع رائدي الفضاء نيل آرمسترونغ وبز ألدرين في يوليو/تموز 1969 واستمرت مع رائدي الفضاء جيني سيرنان وجاك شميت في ديسمبر/كانون الأول 1972، نظريات المؤامرة التي تزعم أن ناسا لم تطأ سطح القمر مطلقاً، وأنه تم تمثيل كل شيء داخل أستوديو.
وفي عام 2015، دعا المتحدث سابق للجنة التحقيق الروسية فلاديمير ماركن إلى إجراء تحقيق في هبوط الأميركيين على سطح القمر .
وقال ماركن إنه ينبغي إطلاق تحقيق في اختفاء لقطة أصلية من أول هبوط على سطح القمر في عام 1969، ومكان وجود صخرة قمرية، التي نقلت إلى الأرض.
وكتب في مقالة افتتاحية نشرتها صحيفة "إزفيستيا" الروسية: "نحن لا نقول إنهم لم يطيروا (إلى القمر) وببساطة صنعوا فيلماً عن ذلك، لكن كل هذه الآثار العلمية -أو ربما الثقافية- هي جزء من إرث الإنسانية، واختفاؤها دون أثر هو خسارة مشتركة. والتحقيق سيكشف ما حدث".
وكان الاتحاد السوفييتي سابقاً قد أنهى برنامجه للهبوط على سطح القمر في منتصف سبعينيات القرن الماضي بعد انفجار 4 صواريخ اختبار قمرية.
يُذكر أنه في وقت سابق هذا الشهر كشف روغوزين عن خطط للبدء ببناء قاعدة على القمر بعد عام 2025. وسيضع هذا المشروع أول إنسان روسي على سطح القمر بحلول عام 2030 أو 2031.
فهل كانت مجرد "خدعة" من وكالة الفضاء الأميركية ؟
تلاحق الشكوك الولايات المتحدة في كل شيء، فهي متهمة بأنها خلّقت فيروس الإيدز وأوبئة أخرى، وأنها تقف وراء كل الشرور، بل وحامت الشبهات حتى حول وصول روادها إلى سطح القمر.
ويمكن القول إن بعض منتقدي الولايات المتحدة يرتابون في كل ما يصدر عنها. وهم ربما لتراكمات تاريخية عميقة ومشروعة، لا يثقون فيما أنجزت إلا في أنها كانت السباقة في استعمال القنابل النووية في هيروشيما ونكازاكي!
أما "نظرية المؤامرة" التي تقول إن واشنطن حاكت للعالم خدعة كبرى، وإنها زوَّرت أدلتها بشأن هبوط الأميركيين على سطح القمر ، بعد أن صورته على الأرض وفي منطقة بألاسكا كما تذهب إحدى الروايات أو في المنطقة 51 الشهيرة بنيفادا بحسب أخرى، فقد انتشرت بمرور الزمن بشكل واسع.
إلا أن اللافت أن الشكوك في إمكانية وصول الأميركيين إلى القمر 6 مرات بين عامي 1969 – 1972 انطلقت شرارتها الأولى من الولايات المتحدة ذاتها وبعد وقت قصير من أول رحلة لهذه السلسلة التي توقفت تماماً منذ عام 1976.
بدأ ذلك بشكل واسع منذ عام 1970 بصدور كتاب لعالم الرياضيات الأميركي جيمس كريني بعنوان "هل هبط الإنسان على القمر؟"، ثم تكاملت تلك الشكوك الرافضة للروايات الرسمية عن الرحلات الفضائية الأميركية المأهولة للقمر بكتاب آخر يحمل عنوان "نحن لم نذهب بتاتاً إلى القمر"، صدر عام 1976، وجنى صاحبه بيل كيسينغ من ورائه أموالاً طائلة.
وهو ما جعل الكثيرين يحققون في صدقية صور الوكالة الأميركية
وعكف الكثيرون ومنهم بعض المختصين على تفحص ورصد صور ناسا الثابتة والمتحركة عن تلك الرحلات، ليخرجوا ببراهين تدحض صدقية الولايات المتحدة، وتظهر ما يصفونه تفننها في التزييف وصناعة الكذب، لتحقق لنفسها انتصاراً ساحقاً في فترة السباق الفضائي المحموم مع الاتحاد السوفييتي.
فمن العلم الذي يرفرف على سطح لا ريح ولا نسائم فيه، وقفزات الرواد الواهنة على سطحه التي لا تتوافق مع جاذبية القمر الأقل 6 مرات من مثيلتها على الأرض، وظهور ظلال في اتجاهات مختلفة، إلى غير ذلك من التفاصيل الصغيرة والكبيرة.
وتصل شكوك البعض في هبوط الأميركيين على سطح القمر إلى الدفع نهائياً بعدم إمكانية القيام برحلات مأهولة في ذلك الوقت لعدم كفاية التقنيات الضرورية، مروراً باستحالة عبور رواد الفضاء بحزام الأشعة القاتلة حول القمر، وبتفاصيل علمية أخرى يصعب على غير الخبراء فهمها.
ويُطالب بعض المتحمسين لنظرية المؤامرة الأميركية القمرية بأن يتم توجيه المناظير الفلكية نحو أماكن هبوط الرحلات الأميركية المأهولة، خاصة الرحلة الأولى التي تنصب الشكوك عليها أكثر من غيرها لكشف المستور، إلا أن قوة هذه المناظير لا تسمح حتى الآن بتحقيق مثل هذا الهدف.
ولسوء حظ هؤلاء بالمقابل، ظهرت عام 2009 أدلة تؤكد وصول الأميركيين إلى سطح القمر، إذ رصدت صور مستكشف القمر المداري "LRO" آثاراً للرحلات الأميركية المأهولة، بل ولآثار الرواد وعربة استعملوها في التنقل على سطحه.
وأعلن براكاش تشوهان، وهو خبير بارز في وكالة الفضاء الهندية، أن مركبة "تشاندرايان- 1" تمكنت من استقبال صور تظهر آثار رحلات أبولو الأميركية المأهولة، وهو الأمر ذاته الذي أكده مسؤولون فضائيون صينيون عام 2012 استناداً إلى معلومات المسبار "تشاني – 2".
فهناك من يدعي أن المشاهد صُوِّرت في أستوديوهات أميركية
يؤكد عدد من علماء الفضاء والرواد الروس أن الروايات القائلة إن الأميركيين لفقوا رحلات أبولو المأهولة لا يُعتد بها.
وأشار أحدهم وهو رائد الفضاء ألكسي ليونوف في ذات الوقت إلى أن بعض مشاهد هبوط الأميركيين على سطح القمر صُورت بالفعل في أستوديوهات بهدف ربطها بالأشرطة الأصلية لإعطاء صورة متكاملة لتلك الرحلات.
ويشارك رائد الفضاء الروسي غيورغي غريتشكو زميله في هذا الرأي، وهو يصف نظرية المؤامرة بأنها مثيرة للسخرية، قائلاً إن تلك الرحلات حدثت بالفعل، مضيفاً: "نحن نعلم ذلك بشكل دقيق تماماً".
ويمكن أن نقول إن الخبر اليقين بشأن هذه القضية المزمنة قد أتى به العالم السوفييتي الروسي قسطنطين فيوكتيستوف، وهو رائد فضاء بارز ومصمم مركبات فضائية.
جاء ذلك في كتابه "مسار الحياة بين الأمس والغد" من خلال العبارات التالية: "التقطت أجهزة استقبالنا الإشارات من مدار القمر من المركبة أبولو 11، والمكالمات، ومشاهد الخروج إلى سطح القمر. ولعل تلفيق مثل هذه الخدع لا يقل صعوبة من تنفيذ رحلة حقيقية، إذ كان يتوجب مسبقاً إنزال معدات الإرسال التلفزيوني على سطح القمر، واختبار عملها من الأرض.
وكان يتعين في أيام الرحلة الافتراضية إيصال معدات بث لإشارات الراديو إلى القمر لمحاكاة عملية الاتصالات بين أبولو والأرض على طول مسار الرحلة إلى القمر، وهذا معقد جداً ومضحك".
ربما لن يرضى البعض عن هذه النتيجة، وسيصر على الاحتفاظ بشكوكه وتغذيتها أكثر فأكثر بمزيد من المبررات والحجج، والأميركيون ذاتهم لا يمانعون في ذلك، فقد أعلنت وكالة فضائهم عام 2009 أن التسجيلات المصورة الأصلية للهبوط الأول على القمر، وتضم 45 فيلماً قد ضاعت.