سكانها لا يعرفون شيئاً عن العالم، وكل مَن يحاول الوصول إليهم يطلقون عليه سهامهم.. قصة الجزيرة النائية التي حيَّرت الكثيرين

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/23 الساعة 18:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/23 الساعة 18:57 بتوقيت غرينتش

حالة غريبة وحياة أغرب يعيشها سكان جزيرة هندية منذ مئات السنين، فهو لا يسمحون لأي أحد أن يقتحم عليهم عالمهم الغريب، ولو حدث ذلك سيكون مصيره القتل أو على الأقل الإصابة بعاهة مُستديمة.

صحيفة The New York Times الأميركية، سلَّطت الضوء على سكان هذه الجزيرة النائية المليئة بالشعاب المرجانية في بحر أندامان التي تعد أحد أكثر القبائل بدائيةً وغموضاً في العالم، فهي عبارة عن مجموعةٍ معزولة بشكل استثنائي من الأشخاص الخجولين المُرتعدين من الغرباء بشكلٍ مؤلم، الذين يأكلون الجذور والسلاحف ويُخزِّنون كومةً من جماجم الخنازير البرية.     

وفي أواخر القرن التاسع عشر، خطف موريس فيدال بورتمان، الضابط في القوات البحرية البريطانية، العديد من سكان الجزيرة. وأخذهم إلى منزله في جزيرة أكبر، حيث كان البريطانيون يديرون أحد السجون. لكنَّه شاهد الأشخاص البالغين المُختَطَفين يمرضون ويموتون. لذلك قرَّر إعادة الأطفال إلى الجزيرة، وأنهى تجربته، واصفاً إياها بالفشل.

وكتب بورتمان في كتابه الصادر عام 1899: "لا يمكن القول إلا أنَّنا لم نفعل شيئاً سوى المساهمة في زيادة حالة الذعر والعداء العامة الموجودة لديهم تجاه جميع القادمين إليهم".  

وبحسب الصحيفة الأميركية فعلى مدار القرن اللاحق، لم يذهب إلى هناك سوى عددٍ قليل من الغرباء. كانت الجزيرة، التي تدعى نورث سنتينيل، عبارة عن عالم كثيف من الأدغال والمرتفعات قائم بذاته، تقترب مساحتها من مساحة حي مانهاتن الأميركي. ويُستَقَبل أيُّ شخصٍ يتجرَّأ على زيارة الجزيرة بالسهام الطائرة. أُصيبَ مدير برنامج وثائقي في National Geographic بسهمٍ في ساقه. 

هل أصابتهم صدمة؟

وبحسب الصحيفة الأميركية، ربما أُصيبَ سكان الجزيرة بصدمةٍ جراء عملية الخطف الأولى. ربما شعروا بالخوف من الأمراض الخارجية. لم يكتشف أحدٌ على الإطلاق السبب الدقيق لمعاداتهم الشديدة للغرباء، ولا تزال لغتهم مبهمة. 

تضاءل الاهتمام على مدار أعوامٍ بأخبار وأحوال الجزيرة حتى يوم الأربعاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني عندما كشفت الحكومة الهندية أنَّ شاباً أميركياً جدَّف ووصل إلى أحد الشواطئ في زورق تجديف صغير وقُتل بالسهام على يد رجالٍ قبليين. 

يبدو أن هذه الواقعة تمثَّل صداماً ثقافياً بين أجنبي مغامر، ربما كان يحاول نشر المسيحية، وبين واحدةٍ من أكثر المجتمعات المنغلقة غير القابلة للاختراق في العالم.

دفع جون ألين تشاو، مواطنٌ أميركي بلغ من العمر 26 عاماً من ولاية واشنطن، لمجموعة من الصيادين مبلغ 350 دولاراً في الأسبوع الماضي لكي يأخذوه إلى جزيرة نورث سينتينيل في جنح الظلام. وقد حذَّره الصيادون من الذهاب إلى هناك.

حاول تشاو استخدام نفس اللغة للتحدَّث إلى أفراد القبائل، الذين كانوا صغار البنية ويلصقون عجينة صفراء على أجسادهم. كان بعضهم لطيفاً وآخرون لم يكونوا كذلك، وفقاً لباتاك الذي استشهد برسالةٍ طويلة أعطاها تشاو للصيادين قبل أن يبدأ رحلته بالزورق في حال عدم عودته. 

وقال الصيادون، الذين ساعدوا تشاو، إنَّهم أبحروا من ميناء بلير الهندي إلى جزيرة نورث سينتينيل على مدى عدة ساعات. انتظر تشاو حتى صباح اليوم التالي، عند الفجر، لكي يحاول الوصول إلى شاطئ الجزيرة. ألقى تشاو زورقه  في الماء على مسافة أقل من نصف ميل (1.6 كيلومتر) وجدَّف نحو الجزيرة.

وأضاف الصيادون أنَّ رجال القبائل أطلقوا السهام عليه، الأمر الذي اضطره إلى التراجع. وكما تقول الشرطة، يبدو أنَّه حاول عدة مرات أخرى الوصول إلى الجزيرة على مدار اليومين التاليين، محاولاً تقديم هدايا مثل كرة قدم صغيرة، صنَّارة صيد، ومقص. لكن في صباح يوم 17 نوفمبر/تشرين الثاني، قال الصيادون إنَّهم رأوا سكان الجزيرة يحملون جثة تشاو.

الشرطة تعتقل الصيادين

وبحسب الصحيفة الأميركية، اعتقلت الشرطة الأشخاص السبعة الذين ساعدوا تشاو في الوصول إلى الجزيرة ووجهت إليهم تهمة التورط بالخطأ في جريمة قتل، وهي تهمة لا ترقى إلى مستوى جريمة القتل، بالإضافة إلى انتهاك القوانين التي تحمي القبائل ساكني الجزيرة الأصليين. وطلبت عائلة تشاو، في منشور على موقع إنستغرام، الإفراج عن السبعة أشخاص المعتقلين، قائلين إنَّ تشاو "قد غامر بالخروج بمحض إرادته".

تراقب الهند بشكلٍ صارم طرق الوصول إلى تلك القبائل المنعزلة، التي تتمتَّع بوضع الحماية، وتعتبر الجماعات المحلية الأصلية التي تعيش في جزر بحر أندامان ونيكوبار من أكثر المناطق المحروسة والمحميَّة بعناية.

وتبعُد الجزر أكثر من 700 ميل (1126.5) عن البر الرئيسي. وكانت الحكومة الهندية قد اتخذت قراراً بأنَّ أيَّ اتصال مع سكان الجزر، الذين تغيَّر نمط حياتهم بقدرٍ قليلٍ للغاية على مر القرون، قد يتسبَّب في تدمير ثقافتهم وربما حياتهم. إذ قد لا تكون أنظمة مناعة أجسادهم غير مؤهَّلة للتعرُّض للميكروبات الحديثة.

من ناحية أخرى، يقول بعض المسؤولين إنَّ هذا النهج عفا عليه الزمن وهو قائم على أسلوب الرعاية الأبوية.

ويرتدي سكان الجزيرة، الذين وصفهم باتاك بأنَّهم كنزٌ ثقافي يجب حمايته، ثوباً يحيط فقط بالجزء السفلي من الجسم بدايةً من منطقة الخصر ويعيشون في أكواخٍ بسيطة. ويُعتَقَد أنَّ عددهم يتراوح بين 50 و100، ويصطادون برماحٍ وسهامٍ مصنوعةٍ من مخلفات معدنية تُغسَل على شواطئهم. وتتسم جزيرتهم بالغابات الكثيفة.

وقال العالم الهندي تريلوناث بانديت، المتخصص في الأنثروبولوجيا (علم دراسة أصل وتطور سلوك الإنسان) والذي زار جزيرة نورث سينتينيل عدة مرات في الفترة بين عامي 1967 و 1991، إنَّ درجة عدائهم بسيطة. هم لا يريدون إلا أن يُترَكوا لحالهم.

وأضاف: "هم لا يريدون أيَّ شيءٍ من العالم الخارجي. نحن مَن نذهب إليهم. إنَّهم يتشككون في سوء نوايانا تجاههم. وهذا هو سبب مقاومتهم لنا".

أصولهم إفريقية

يعتقد علماء الإنثروبولوجيا أنَّ أصول سكان هذه الجزيرة تنحدر من مهاجرين أفارقة جاءوا إلى بحر أندامان منذ آلاف السنين. وتُعد جزيرة نورث سينتينيل من ضمن حفنة مُتقلّصة من جزر بحر أندامان التي تعد موطنا لأناس ليس لديهم، حتى الآن في عام 2018، سوى اتصال بسيط للغاية بالعالم الخارجي.

في السنوات التي تلت استقلال الهند عن بريطانيا، حاولت مجموعات من علماء الإنثروبولوجيا دراسة هؤلاء الناس.

لكن لم يتمكَّن أحدٌ من الحديث معهم. قال بانديت إنَّ سكان الجزيرة أداروا ظهورهم عدة مرات لعلماء الإنثروبولوجيا واتخذوا وضع القرفصاء، كما لو كانوا يتغوطون.

وفي عام 2006، قُتِلَ اثنان من الصيادين الهنود، الذين اقتربوا وشوهدوا بالقرب من شواطئهم دون قصد. وعندما حلَّقت مروحية عسكرية صغيرة على مستوى منخفض فوق الجزيرة، أطلق بعض رجال القبائل السهام عليها. لا تغامر السلطات الهندية حالياً باتخاذ أيِّ إجراء. تفرض القوات البحرية منطقة عازلة بطول 3 أميال (4.8 كيلومتر) حول جزيرة نورث سينتينيل. لكن تشتبه الشرطة أنَّ تشاو ذهب ليلاً بنيَّةِ التحايل على السلطات.

من غير المعروف ماذا يُطلِق سكان الجزيرة على بعضهم البعض أو ما إذا يوجد أي مجموعة أخرى في العالم تفهم لغتهم. عندما أحضرت بعثة استكشافية أفراداً من قبيلة أصلية أخرى من سكان جزر أندامان إلى جزيرة نورث سينتينيل، معتقدين أنَّهم ربما يتشاركون تشابهات لغوية، لم يفهم أيٌّ من الجانبين الآخر.    

جدير بالذكر أنَّ آخر بعثة وصلت الجزيرة كانت في عام 1991، عندما وقف بعض علماء الإنثروبولوجيا في المياه بالقرب من الشاطئ وأعطوا ثمار جوز الهند إلى رجل قبيلة مبتسم. لكن بعد مرور بضع سنوات، توقف ذهاب مثل هذه البعثات التي تُقدَّم الهدايا.

لا يستقبلون الوافدين إلا نادراً

ومن جانبه، قال أ.ك سينغ، وهو حاكم سابق في إقليم جزر أندامان ونيكوبار، إنَّ الاستقبال الودي للغرباء من جانب سكان الجزر كان أمراً نادراً. وأضاف أنَّ هناك مدرستين فكريَّتين حول كيفية حكم هذه الجزر، التي هي جزءٌ من الهند، بحسب الصحيفة الأميركية.

ترى وجهة النظر الأولى أنَّ "أيَّ اتصالٍ بين سكان الجزيرة والعالم الخارجي سيضر بمصلحتهم، ومن ثم يجب أن ندعهم وشأنهم"، بينما تقول وجهة النظر الأخرى: "من نحن لنحرمهم من ثمار التنمية. لماذا لا يذهب أبناؤهم إلى المدرسة؟ إنهم يتطلعون إلى أسلوب حياة أكثر حداثة".

وأوضح سينغ أنَّه "كان هناك دائماً صراع بين هذين الرأيَّين".

لكن يقول الخبراء إنَّه من الصعب للغاية معرفة ما يريده سكان الجزيرة. فقد بدأت بعض المواقف في مجتمع قبيلة جاراوا، وهي قبيلة بدائية أخرى كانت تتسم بالعدائية تجاه الغرباء، تتغير بعد أن عولج شاب من سكان القبيلة قبل بضع سنوات من إصابة كسر في الساق في مستشفى أندامان.

لكن لم تتغير كل المواقف. في عام 2015، اتُّهِمَ رجلٌ من قبيلة جاراوا بقتل طفل ذو بشرة أفتح أنجبته امرأةٌ غير متزوجة من نفس القبيلة ويبدو أنَّه كان دخيلاً. وقال أحد زعماء القبائل إنَّه إذا سُلِّمت جثة الطفل إلى المحققين "سينتفض العالم وسنموت جميعاً". لم تعتقل الشرطة القاتل بسبب الجريمة.

ويمكن أن يحدث الشيء نفسه الآن. يدرس المسؤولون الهنود ما إذا كانوا سيواصلون التحقيق في اتهامات القتل الموجهة لسكان الجزيرة أو حتى السعي لاستعادة جثة تشاو، التي تعتقد الشرطة أنَّها قد تكون دُفِنَت بالقرب من الشاطئ.

ويشعر بعض مسؤولي الشرطة بالقلق حيال ما ستقود إليه التحقيقات، قائلين إنَّهم إذا ذهبوا إلى الجزيرة للحصول على جثة تشاو، ربما يتعرَّضون للقتل أيضاً.

علامات:
تحميل المزيد