الشمس حاربت مع الفيتناميين.. ألغام أميركية انفجرت قبل أوانها، ووثائق سرية تلوم عاصفة شمسية غامضة.. إليك قصتها  

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/18 الساعة 05:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/18 الساعة 05:04 بتوقيت غرينتش
Illustration of a big fiery red sun with planets and moons in the foreground.

كانت عملية مهمة للبحرية الأميركية، ولكن الألغام المستخدمة فيها انفجرت بشكل غامض، ولم يكن العدو هو الذي فعل ذلك، ولكن المفاجأة أن النشاط الشمسي هو الذي فجّر هذه الألغام.

مؤخراً رُفعت السِّرية عن هذه الحادثة الغامضة التي وقعت عام 1972، خلال حرب فيتنام، عندما أفسدت الشمس خطط البحرية الأميركية، وكأنها تحارب إلى جانب الفيتناميين.

وقد تم مؤخراً العثور على تقرير غير عادي يتناول تأثير الطقس الفضائي على العمليات العسكرية في فيتنام، في عام 1972، كان مدفوناً في أرشيفات البحرية الأميركية، وفقاً لمقالة نُشرت في دورية Space Weather.

ما النشاط الشمسي، وهل يؤثر علينا؟

كشف لنا العلم عمَّا يُعرف بالنشاط الشمسي، الذي لا يُرى بالعين المجردة.

هذا النشاط الشمسي يمر بدورة تُعرف باسم دورة الطاقة الشمسية، أو دورة النشاط المغناطيسي الشمسي، وهي مجموعة من التغيُّرات التي تحدث كل 11 سنة تقريباً في نشاط الشمس.

وتشمل دورة النشاط الشمسي تغيرات في مستويات الإشعاع الشمسي، وقذف (المواد الشمسية) والمظهر (التغيرات في عدد وحجم البقع الشمسية، والمشاعل، وعدة مظاهر أخرى).

وقد لوحظت تلك الدورة في النشاط الشمسي عن طريق ملاحظة التغيرات في مظهر الشمس، والتغيرات التي شوهدت على الأرض لعدة قرون.

دورات النشاط الشمسي تلك تمثل جزءاً مما يعرف بـ "الطقس الفضائي"، وكما أن للطقس الأرضي تأثيراته على نشاطاتنا البشرية المختلفة، فكذلك للطقس الفضائي تأثيراته المهمة.

انفجارات وبقع طينية غامضة تُحدِث مفاجأة في حرب فيتنام

لاحظ طاقم طائرة تابعة للقوات البحرية الأميركية، في الرابع من أغسطس/آب من عام 1972، بالقرب من حقل ألغام بحرية في المياه، قبالة هون لا "Hon La" في فيتنام، حدوث 20 إلى 25 انفجاراً خلال 30 ثانية تقريباً، حسب  التقرير.

وشهد الطاقم أيضاً وجود 25 إلى 30 بقعة طينية إضافية في المياه القريبة.

كان قد تم نشر ألغام Destructor البحرية تلك هناك، خلال عملية عُرفت باسم Pocket Money، وهي حملة تلغيم أُطلقت في عام 1972 ضد موانئ فيتنام الشمالية الرئيسية.

ولم يكن هناك سبب واضح وراء انفجار تلك الألغام.

الطائرات من طراز A-7 Corsair AH التي شاركت بالعملية/wikimedia
الطائرات من طراز A-7 Corsair AH التي شاركت بالعملية/wikimedia

لكن ما ظهر الآن في التقرير الذي كُشف حديثاً، أن البحرية الأميركية سرعان ما أرجعت ذلك الحادث إلى النشاط الشمسي الشديد في ذلك الوقت، كسبب محتمل لذلك الانفجار.

ومن ثم فإن الكشف عن تفاصيل هذه الحادثة يتيح لنا فرصة لكي  نفهم تأثير مثل هذا الطقس الفضائي على التكنولوجيا، بحيث نكون مستعدين لأي مظهر من مظاهر النشاط الشمسي في المستقبل.

ولكن كيف اكتشفت البحرية الأميركية مسؤولية النشاط الشمسي عن هذه التفجيرات الغامضة؟

أثار هذا الحدث تحقيقاً فورياً حينها، حول الأسباب المحتملة للانفجار العشوائي للعديد من الألغام البحرية.

ولم يكن هذا التحقيق معروفاً آنذاك، ولكن ظهرت المعلومات عنه في تقرير البحرية الأميركية (The Mining of North Vietnam)، الذي رُفعت عنه السرية الآن.

كان للألغام البحرية المنشورة ميزة تدمير ذاتي، لكن الحد الأدنى من وقت التدمير الذاتي لهذه الألغام لم يكن ليحل قبل 30 يوم أخرى، لذلك كان لا بد أن هناك شيئاً آخر يقع عليه اللوم.

في 15 أغسطس/آب 1972، سئل القائد العام لأسطول المحيط الهادي الأميركي، الأدميرال برنارد كلاري، عن فرضية مفادها أن النشاط الشمسي ربما يكون قد تسبب في انفجار الألغام.

كان العديد من الألغام البحرية التي تم نشرها حينذاك هي من نوع ألغام التأثير المغناطيسي البحرية، التي تنفجر عندما يتم اكتشاف تغيرات في المجال المغناطيسي.

وكان النشاط الشمسي معروفاً تماماً حينها بالتسبب في تغيرات في المجال المغناطيسي، ولكن لم يكن واضحاً ما إذا كان النشاط الشمسي قد تسبب في تلك التفجيرات غير المقصودة أم لا.

وتبيَّن أن أغسطس/آب 1972 شهد موجة من أكبر موجات التوهجات الشمسية

وبالفعل كانت فترة أوائل شهر أغسطس/آب عام 1972، قد شهدت أكثر النشاطات الشمسية كثافة على الإطلاق.

إذ أطلقت منطقة البقع الشمسية، المشار إليها بالرمز (MR 11976) سلسلة من التوهجات الشمسية المكثفة (الانفجارات النشطة للإشعاع الكهرومغناطيسي)، وانبعاثات الكتل الإكليلية (انفجارات مادة البلازما الشمسية التي تصاحب عادة التوهجات) وسحب الجسيمات المشحونة التي تسير بالقرب من سرعة الضوء.

كان من قاموا بالتحقيق في حادثة الألغام قد زاروا مختبر البيئة الفضائية في الإدارة الوطنية لعلوم المحيطات والغلاف الجوي "نوا NOAA" بالقرب من بولدر، بولاية كولورادو الأميركية، للتحدث إلى علماء الفضاء.

والتحقيق كان سِرياً حتى بالنسبة للعلماء المتخصصين

كان أحد العلماء في نوا في ذلك الوقت، هو البروفيسور الفخري بريان فريزر Brian Fraser، من جامعة نيوكاسل الأسترالية.

وهو حدث قال إنه يتذكره جيداً: كنت في أول إجازة تفرُّغ لي في نوا، أعمل مع مجموعة والاس كامبل (والي) Wallace Campbell، وفي أحد الأيام في مكتب والي، لاحظت وجود مجموعة من السادة ذوي القبعات النحاسية في البحرية الأميركية، واثنين من ذوي البذّات الداكنة.

يقول بريان إنه سأل فيما بعد "والي" عما كان يجري، وأوضح له "والي" أنهم كانوا يشعرون بالقلق حيال تغيرات في المجال المغناطيسي الأرضي، ربما تكون قد تسببت في إثارة الألغام البحرية في هاي فونج Hai Phong، بشمالي فيتنام.

لم يكن هناك ذكر ما إذا كانت تلك الألغام قد انفجرت أم لا، ولكن ربما كان والي خائفاً. وبالطبع كان كل شيء سرياً للغاية في ذلك الوقت.

وقد وصفت نتائج هذا التحقيق، كما جاء في تقرير البحرية الأميركية الذي رفعت عنه السرية، تفاصيل ما سمي بـ "درجة عالية من الاحتمالية" بأن ألغام Destructor قد تم تفجيرها بواسطة نشاط العاصفة الشمسية، في أغسطس/آب 1972.

وسبق أن تسبب النشاط الشمسي في إنقطاع التيار الكهربائي والتلغراف

تتسبب العواصف الشمسية في تقلبات قوية للمجال المغناطيسي للأرض.

ومن هنا يأتي تأثير الموجات الشمسية على الأجهزة التقنية.

إذ تؤثر هذه التقلبات في المجال المغناطيسي للأرض بدورها على البنية التحتية لشبكات الطاقة الكبيرة، لا سيما في المناطق ذات خطوط العرض العليا، تحت الشفق القطبي الشمالي والجنوبي، وفقاً لوكالة NASA الفضائية الأميركية.

النشاط الشمسي يؤثر على المجال المغناطيسي للأرض/ISTOCK
النشاط الشمسي يؤثر على المجال المغناطيسي للأرض/ISTOCK

ويبدو أن تأثير  عواصف أوائل أغسطس/آب 1972 لم يقتصر على ماحدث للبحرية الأميركية في فيتنام.

إذ كانت هناك العديد من التقارير عبر أميركا الشمالية، عن انقطاع التيار الكهربائي وانقطاع خطوط التلغراف.

والآن بعد أن ظهر تأثير هذا النشاط الشمسي على عمليات الألغام البحرية في عام 1972، أصبح لدى المجتمع العلمي مثال واضح آخر على تأثيرات الطقس الفضائي على التقنيات.

ولكن كيف تسبب النشاط الشمسي في التفجير؟

كانت شدة نشاط أوائل أغسطس/آب 1972 قد بلغت ذروتها، عندما أطلقت شعلة شمسية من طراز X-class، في الرابع من أغسطس/آب 1972، نفثة من كتلة إكليلية فائقة السرعة، وصلت إلى الأرض في زمن قياسي قدره 14.6 ساعة.

في حين تستغرق الرياح الشمسية عادة من يومين إلى ثلاثة أيام للوصول إلى الأرض.

ويعتقد العلماء أن النفثات الأبطأ من التوهجات السابقة قد مهَّدت الطريق لهذا الاضطراب السريع، على غرار ما لاحظته المركبة الفضائية STEREO لاحقاً في يوليو/تموز 2012.

إن تأثير هذا الاضطراب السريع في الرياح الشمسية على الغلاف المغناطيسي للأرض هو الذي ربما يكون قد تسبَّب في انفجار ألغام Destructor البحرية.

ولكن هناك شئ غريب لاحظه العلماء في العاصفة التي وقعت في حرب فيتنام

يُعد مؤشر Dst، المقاس بالنانو تسلا (nano-Tesla  – nT)، مقياساً نموذجياً لمستوى الاضطراب في المجال المغناطيسي للأرض.

وكلما كانت شحنة العاصفة سلبية كانت العاصفة أكثر حدة.

موقع الأرض بالنسبة للشمس والكواكب الأخرى/ISTOCK
موقع الأرض بالنسبة للشمس والكواكب الأخرى/ISTOCK

وفقاً لهذا المقياس، تبلغ قوة عاصفة عيد القديس باتريك التي وقعت عام 2015 (-222 nT) وعاصفة الهالوين عام 2003 (-383 nT).

وهما من العواصف الشمسية المتطرفة .

ومن المثير للاهتمام أن النشاط الوافر، في أغسطس/آب 1972 كان أقل حدة على هذا المقياس، حيث كان حمله أقل من -125.

فلماذا وصلت إذن هذه العاصفة بالضبط إلى أقصى حد لها على بعض المقاييس، مثل سرعتها العالية من الشمس، ولكن ليس على مقياس Dst النموذجي.

هذا هو موضوع مناقشة مهمة في الأدبيات العلمية.

وبالنظر إلى تعقيدات هذا الحدث، تضع هذه الورقة الجديدة بشأن إنفجار الألغام تحدياً كبيراً لمجتمع الطقس الفضائي.

إذ يجب على العلماء استخدام تقنيات النمذجة الحديثة لإعادة فحص هذا الحدث الشمسي. على أمل أن تفهمنا هذه الأحداث الغريبة الثورات الشمسية المستقبلية بشكل أفضل.

علامات:
تحميل المزيد