مسدسه مرصّع بالألماس وبندقيته من ذهب واستخدم الغواصات لتهريب المخدرات.. قصة التاجر الذي صدّع رأس أمريكا

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/15 الساعة 09:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/20 الساعة 11:53 بتوقيت غرينتش

 وأخيراً ستبدأ محاكمة إل تشابو أشهر تاجر مخدرات، فعندما بدأت طائرة الشرطة المكسيكية في الهبوط إلى جزيرة لونغ آيلند، لم يكن لدى خواكين غوزمان لويرا أدنى فكرة عن وجهتها.

وكان كلُّ ما عرفه أنه قبل ساعات، جرى إخراجه من سجنٍ في مدينة سيوداد خواريز وصعد على متن الطائرة.

ولكن مع ظهور أضواء المطار على الأرض خارج نافذته، سأل غوزمان بقلقٍ -بينما كان مغلول القدمين ومكبل اليدين في عهدة اثنين من عملاء إنفاذ القانون الأمريكيين- عن المكان الذي كانا يأخذانه إليه، حسبما أفاد شخصٌ اطلع على ما جرى في الرحلة.

مرحباً بك في نيويورك

أجابه واحد من الأمريكيَين بالإسبانية قائلاً: "مرحباً بك في نيويورك".

كان ذلك قبل حوالي عامين، عندما جرى ترحيل غوزمان، بحسب تقرير نشرته THE NEW YORK TIMES زعيم تجارة المخدرات سيئ السمعة الذي يشتهر باسم "إل تشابو"، من المكسيك ونقله عبر الحدود، لتنتهي واحدةٌ من أعتى المسيرات الإجرامية في القرن الحالي.

ونظراً لأنه زعيم منظمة الاتجار بالمخدرات المعروفة بـ "كارتل سينالوا" منذ فترة طويلة، يرتدي إل تشابو عديداً من الأقنعة.

إذ إنه المهرب العبقري الذي عبَّأ الكوكايين في علب فلفل الهالبينو، والقاتل الدموي الذي أطلق النار في ملهى ليلي بمدينة بويرتو فالارتا، وبطل القصص الشعبية الذي هرب من السجن مرتين.

وأخيراً سيمثل للمحاكمة

إل تشابو أشهر تاجر مخدرات في العالم
إل تشابو أشهر تاجر مخدرات في العالم

ولكن في هذا الأسبوع، وبعد عقدٍ زمني من مرواغة المسؤولين في بلاده، حيث أُدين في عام 1993 لارتكابه تهماً تتعلق بالقتل والاتجار في المخدرات، سيمثل هذا الداهية الأسطوري أخيراً للمحاكمة في إحدى محاكم الولايات المتحدة.

وفي هذه المحاكمة التي بدأت الثلاثاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني في المحكمة الفيدرالية ببروكلين، ستحاول الحكومة تعريف غوزمان بأنه زعيم عصابةٍ إجراميةٍ هرَّبت إمبراطوريته المتناثرة أطناناً من الهيروين والكوكايين والماريغوانا عبر 4 قاراتٍ في أسطول دائم التغيير من المقطورات والطائرات ومراكب الصيد والغواصات.

يخطط المدعون، من خلال الأدلة التي تتضمن دفاتر المخدرات وصوراً ملتقطة بالقمر الصناعي وتسجيلات صوتية مسجلة سراً، للدفع بأن غوزمان (59 عاماً)، من خلال أعماله الممتدة منذ أكثر من 20 عاماً، جمع  أرباحاً غير مشروعة بقيمة 14 مليار دولار.

وهي ثروة تمكَّن من حمايتها من خلال دفع رواتبٍ هائلةٍ إلى مسؤولين فاسدين وجيشٍ من القتلة المحترفين.

المحاكمة لحظة فاصلة في أمريكا

ستُشَكِّلُ المحاكمة لحظةً فاصلةً في تاريخ الحرب الأمريكية على المخدرات وفي العلاقة المشحونة بين الولايات المتحدة والمكسيك.

يملك قادة كارتلات المكسيك موارد ضخمة لدفع الرشاوى إلى هيئات إنفاذ القانون المحلية ولإرهابها.

(تمكن غوزمان، عن طريق الرشاوى، من الهروب من السجن في عامي 2001 و 2015). تطلب ترحيله بعد إلقاء القبض عليه في بدايات 2016 في المكسيك ما يقرب من عامٍ من المناشدات التي نجحت في تحقيق مبتغاها بشق الأنفس.

لكن المحاكمة في نيويورك، التي قال عنها المدعون إنها قد تستغرق ما يصل إلى أربعة أشهر، ستكون شيئاً أكبر من مجرد معركةٍ قضائيةٍ: إذ ستسمح للحكومة بسرد القصة الملحمية المميزة لحياة غوزمان.

يُتوقع أن يشارك عددٌ من الخصوم والحلفاء وصغار رجال العصابات، إضافةً إلى خبراء الكارتلات ومسؤولي هيئات إنفاذ القانون، لسرد التفاصيل المتعلقة بكيفية صعود نجم غوزمان من مجرد عاملٍ مراهقٍ فقيرٍ بدأ حياته في عالم الجريمة من خلال زراعة الماريغوانا في سينالوا الريفية لينتهي به المطاف في منزلةٍ على شاكلة "آل كابوني" في الاتجار بالمخدرات حول العالم، وهو ما جعل مجلة Forbes تضعه من قبل ضمن قائمتها السنوية لمليارديرات العالم.

أحد الشهود غيّر ملامح وجهه

تاجر المخدرات الشهير إل تشابو/ سوشال ميديا
تاجر المخدرات الشهير إل تشابو/ سوشال ميديا

ويعد ذلك شهادةً بنطاق عمليات غوزمان، الذي واجه بالفعل قبل ترحيله اتهاماتٍ من 6 دوائر قضائية فيدرالية متفرقة، من بينها سان دييغو، وميامي، وشيكاغو، وإل باسو.

ستُعقد المحاكمة في بروكلين بأمرٍ من لوريتا لينش، النائب العام السابقة للولايات المتحدة، التي شغلت من قبل أيضاً منصب المدعي العام الفيدرالي الأعلى في بروكلين.

وتستند الاتهامات الموجه إليه في محكمة بروكلين، التي قُدمت لأول مرة في 2009، إلى سلسلة من حالات القتل المأجور الغامضة التي حدثت في نيويورك في بدايات التسعينيات، حسبما قال ثلاثة مسؤولين حاليين وسابقين بهيئات إنفاذ القانون.

وربط العملاء الفيدراليون الذين كانوا يحققون في سلسلة القتل المأجور هذه العمليات بمهربٍ كولومبيٍ من كارتل نورتي ديل فالي: وهو خوان كارلوس راميريز أباديا، المعروف بـ "تشوبيتا"، وهي لفظة عامية إسبانية تعني "المصاصة".

وبالرغم من تغيير هيئة وجهه عن طريق عملية تجميل جراحية، أُلقي القبض على راميريز في البرازيل عام 2007 وأُرسل إلى بروكلين.

حيث تولى قضيته بعضٌ من المدعين الذين سوف يحاكمون غوزمان.

صار راميريز لاحقاً مخبراً لدى الحكومة، ليساعد السلطات في إلقاء القبض على ألفريدو بلتران لييفا، أحد أقرب حلفاء غوزمان. قد يظهر راميريز أيضاً باعتباره شاهداً خلال محاكمة غوزمان.

انتهت أيام بندقية الكلاشينكوف المطلية بالذهب

بندقيته المطلية بالذهب/ سوشال ميديا
بندقيته المطلية بالذهب/ سوشال ميديا

وفي واقع الأمر، يُتوقع أن يعرض المدعون ضمن قضيتهم تاريخاً مصغراً للاتجار في المخدرات بأمريكا اللاتينية، وسوف يعرضون كيف تعاون غوزمان مع الكارتلات الكولومبية خلال التسعينيات. غير أنه خلال عقدٍ من الزمان، حسبما تقول الحكومة، تخلى الكولومبيون عن مسارات توزيع المخدرات الأمريكية الخاصة بهم.

نظراً إلى أن البلاد مررت قوانين ترحيلٍ جديدةٍ من شأنها أن تُعرِّض المهربين لخطر الخضوع لمحاكمات في الولايات المتحدة.

يقول المدعون إنّ غوزمان تقدّم لشغل هذا الفراغ، ليخلق مساراتٍ لتوزيع المخدرات في أماكن مثل نيويورك ونيوجيرسي، وإلينوي، وتكساس، بل امتد نطاق هذه الشبكة لتصل إلى الهند والصين. تقول أوراق المحكمة إنه من خلال الأرباح التي تحققت "بمستويات مذهلة"، صار غوزمان زعيم عصابة قوياً.

عازماً على حماية نطاق نفوذه بالتعذيب الوحشي وإراقة الدماء.

لكنه رسَّخ أيضاً صورةً لنفسه كأنه روبن هود العصر الحالي، ورجل عصابةٍ أسطوريٌ مُمَجَّدٌ في مجموعة من الأغاني الشعبية المكسيكية تسمى Narcocorrido، وصار مشهوراً بحمل مسدسٍ مرصعٍ بالماس وبندقية كلاشينكوف AK-47 مطليةٍ بالذهب.

وقد اشتهر أيضاً لفراره المتكرر من السجن، وربما يكون هذا هو أكثر ما اشتهر به غوزمان.

ففي عام 2011، تمكن غوزمان بمساعدة مأمور السجن من الخروج من سجن بوينتي غراندي، وتشير الروايات إلى أنه من الممكن أن يكون قد اختبأ داخل عربة غسيل.

أحد المرات قبض عليه وهو داخل مواسير صحية

وبعد أكثر من عقدٍ من الزمان، بعد اعتقاله مرة أخرى، هرب زعيم العصابة من سجن ألتيبلانو، ولكن هذه المرة كان هروبه من خلال ركوب دراجة بخارية تركها له شركاؤه في نفق على عمق ميل بعد أن حفروه أسفل مكان الاستحمام في زنزانته.

وبعد واحدةٍ من أكثر المطاردات المكثفة التي نفذتها الحكومة المكسيكية، أُلقي القبض مرة أخرى على غوزمان في يناير/كانون الثاني 2016، بعد مسيرةٍ طويلةٍ عبر مواسير الصرف في مدينة لوس موتشيس بولاية سينالوا المكسيكية.

وقد هرب قبيل ذلك من عدد من الغارات التي شنتها السلطات المكسيكية ضده، بما في ذلك مواجهة مباشرة بعد أن أجرى مقابلة مع الممثل الأمريكي شون بن.

ونتيجةً لمواهبه شبه السحرية في الهروب، وضعت السلطات في نيويورك غوزمان على الفور في جناح 10 جنوب، وهو جناح شديد الحراسة في سجن مانهاتن الفيدرالي.

وقضى غوزمان هناك أكثر من 20 شهراً بمعزلٍ عن العالم الخارجي ومحبوساً داخل زنزانةٍ لمدة 23 ساعة يومياً.

غير أن ترتيباتٍ بديلةً -وسرية- وُضعت من أجل المحاكمة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن محنة مرافقته في موكبٍ تقوده الشرطة عبر نهر إيست ريفر ليصل إلى المحكمة كانت تتطلب وحدها كابوساً مرورياً في نيويورك وحدها، إذ يتطلب ذلك إغلاق جسر بروكلين مرتين يومياً.

كان الأمن مشدداً بنفس القدر في قاعة المحكمة. إذ إنَّ المبنى الذي يقع في بروكلين هايتس يُمَشَّط باستمرارٍ عن طريق الكلاب البوليسية للكشف عن القنابل، وتحرسه دورياتٌ من فرق عملٍ ذات تسليحٍ ثقيلٍ يقودها مارشالات أمريكيون وضباطٌ من المحكمة المحلية وفريقٌ تكتيكيٌ من وحدة الطوارئ التابعة لشرطة نيويورك.

أعضاء التحكيم غير معروفين.. لسلامتهم!

زوجته وابنتيه
زوجته وابنتيه

سوف تبقى هويات أعضاء هيئة المحكمة -التي تتكون من 5 رجال و7 نساء- غير معروفة، وسوف يقودهم حراس من المحاكمة وإليها كل يوم. بلغت النيابة مدى غير مسبوقٍ من تأمين الشهود الذين من المقرر لهم أن يُدلوا بشهاداتهم، ورفضت ذكر أسمائهم قبل المحاكمة ووضعتهم تحت حماية لا تفارقهم على مدار الساعة.

لكن الوثائق العامة قدمت بعض الدلائل حول من يُحتمل أن يقف على منصة الشهود. يتضمن الشهود المحتملون راميريز، وفيسنتي زامبادا نيبلا، وهو ابن إل مايو الذي تولى إدارة الكارتل منذ سقوط غوزمان؛ وبيدرو ومارغريتو فلوريس، وهما أخوان من شيكاغو اعترفا من قبل بعملهما معه في توزيع المخدرات بالولايات المتحدة؛ وداماسو لوبيز نونييز، مأمور السجن الذي ساعده في الهروب من سجن بوينتي غراندي.

ومن المحتمل أن الطعن على مصداقية الشهود سوف يكون عنصر الضغط الرئيسي من جانب الدفاع، وهو فريقٌ مكونٌ من ثلاثة محامين متمرسين. المحامي الرئيسي في هذا الفريق هو أنخيل إدواردو بالاريزو، وهو خبير في شؤون الكارتلات دافع من قبل عن بلتران ليفا. ويشاركه في هذا الفريق المحامي جيفري ليختمان، وربما يشتهر ليختمان بنجاحه في إبقاء سليل عصابات المافيا جون غوتي جونيور خارج السجن. ويكمل هذا الفريق وليام بربورا، الذي ترافع من قبل عن زعيم الاتجار في المخدرات ببالتيمور، ريتشارد أنتوني ويلفورد.

بادئ ذي بدء، اعترض فريق الدفاع على ظروف احتجاز غوزمان، واعترض كذلك على أن الكمية الضخمة من الأدلة التي قدمتها الحكومة من خلال عمليات الكشف حرمته من إمكانية الحصول على محاكمة عادلة. في الأسابيع القليلة الماضية وحدها.

أمدَّت النيابة الدفاع بـ 14 ألف صفحة جديدة من الوثائق، وكان كثيرٌ من هذه الوثائق مكتوباً باللغة الإسبانية. ويقال إنَّ الوثائق تقدم تفاصيل حول بعض من الـ 33 جريمة اغتيال التي يُتَّهم غوزمان بارتكابها.

كتب المحامون مؤخراً: "على مدى خبرتهم الجماعية، لم يشهد فريق الدفاع أي شيءٍ كهذا".

وقد وصفوا الملاحقة القضائية أكثر من مرة بأنها "محاكمةٌ عن طريق نصب الكمائن".

ولكن حتى مع الشكاوى التي تقدم بها المحامون من طول وثائق القضية، لم يفتح غوزمان فمه إلا نادراً خلال جلسات استماع ما قبل المحاكمة. إذ إن سلوكه المعتاد في قاعة المحكمة يكون مرتخياً، وذا نظرةٍ خاويةٍ وصمتٍ رهيب كما لو كان قد تعاطى مخدراً، وهو ما يبدو على النقيض من سمعته السيئة.

وانتهت معها الحياة الباذخة له ولعائلته

عيد ميلاد ابنتيه/ سوشال ميديا
عيد ميلاد ابنتيه/ سوشال ميديا

جاء بيانه العلني الوحيد في مارس/آذار، عندما كتب خطاباً إلى القاضي بريان كوغان، افتتحه بسطرٍ مكتوب بلغة قانونية مهذبة قال فيه: "أنا، خواكين غوزمان لويرا، أريد أن أشرح لك المشاكل التي لدي فيما يتعلق بقضيتي".

أخبر غوزمان القاضي بأنه لم ير زوجته -وهي ملكة الجمال السابقة إيما كورونيل ايزبورو- منذ أكثر من عام. وذكر أيضاً أنه اشتاق إلى ابنتيه التوأم، اللتين بلغتا من العمر آنذاك 6 سنوات.

احتفلت الابنتان، إيمالي وماريا خواكين، في سبتمبر/أيلول بعيد ميلادهما السابع من خلال حفلةٍ باذخةٍ على نمط عرائس الباربي (عربات ملاهي، وثُرَيَّات ذهبية، ومئات البالونات وردية اللون). وقد أثارت صور الحفل ضجةً على وسائل التواصل الاجتماعي فور ظهورها.

ويبدو أن غوزمان لا يزال يفتقد عائلته، فقد تقدم محاموه في الأسبوع الماضي بالتماسٍ إلى القاضي كوغان وطلبوا منه أن يُسمح له، في "لفتةٍ إنسانيةٍ"، بأن يعانق زوجته في المحكمة قبل بدء المحاكمة.

كتب القاضي كوغان أنه بالرغم من أنّه "متعاطف"، فإن عناقاً بين الزوجين، وإن كان لوقتٍ قصيرٍ، من شأنه أن يعرِّض أمن المحكمة للخطر في نفس الوقت الذي كانت فيه دوافع غوزمان "للهرب قويةً بدرجةٍ خاصة".

وفي نهاية المطاف، رُفض هذا الالتماس.