لقد كانت الجريمة المنظمة تقليداً في العالم، في حين كان دور المرأة ينحصر في أمور هامشية في صلب هذا المجتمع الأكثر سرية على الإطلاق، كانت هناك حالات مشهورة في معاقل المافيا في إيطاليا، أدلت فيها سيدات برسائل سرية عن آبائهن المسجونين، في حين بادرت الأرامل بجمع أموال الحماية نيابة عن أزواجهن المتوفين، وأخفت حتى الأمهات السكاكين المستخدمة في عمليات القتل بين الملاءات الجديدة.
لكن دور المرأة في المافيا الإيطالية بدأ يأخذ صورة جديدة، لقد لعبت النساء المتزوجات من أعضاء المافيا دوراً محورياً، ولكن ليس في مساعدة أزواجهن المجرمين هذه المرة، بل في التعاون مع السلطات في محاولة منهن لمنع أطفالهن من التورط في حياة الجريمة؛ ما أدى إلى سلسلة توقيفات كبيرة شهدتها المافيا هذه الفترة.
نفذ أكثر من 250 عضواً من شرطة العمليات الخاصة سلسلة من عمليات المداهمة والتوقيف في العاصمة الإيطالية لتدمير آثار عصابة كازامونيكا، التي ترتبط بالعصابة الإجرامية "Mafia Capitale" أو "Capital Mafia" التي نجحت في اختراق المدينة على مدى العقد الماضي. ووفقاً لشرطة المدينة الإيطالية، تدير عصابة كازامونيكا لوحدها أعمالاً تجارية تقدر بحوالي 90 مليون يورو (1.475 مليون دولار) سنوياً تتعلق بنشاطات غير مشروعة.
دمَّروا روما لتسهيل نشاطهم
في سنة 2014، اهتزت روما عندما تم الكشف عن هذه الجريمة المنظمة التي أطلق عليها اسم "Fifth Mafia" من قبَل المسؤولين المناهضين للمافيا. وكانت هذه المجموعة تعمل تحت مراقبة الشرطة والصحافة لسنوات عديدة، وكانت تستغل أضعف سكان مدينة روما وتدمر الخدمات الأساسية على غرار تنظيف الشوارع وجمع القمامة؛ مما يجعل المدينة الخالدة غير مؤهلة للعيش بشكل متزايد، وخطيرة على حد سواء. وقالت حينها جمعية المستهلكين لحقوق المستهلك الإيطالية "Feder Consumatori": إن "التحقيقات التي تحدث في روما، التي تمثل عاصمة المافيا، تفضح وضعاً مثيراً للاشمئزاز ومروّعاً يتخطّى حتى أكثر الفرضيات سوءاً". لقد أصبحت المدينة التي لطالما كانت الحياة فيها مثيرة ورائعة، تعاني المرارة.
أصدر ضباط مكافحة المافيا هذا الأسبوع مذكرات توقيف بحق 37 شخصاً بتهمة التواطؤ مع المافيا وتهريب المخدرات والابتزاز وجرائم أخرى ذات صلة، في حين لا يزال ستة من المشتبه فيهم طلقاء. كما صادرت الشرطة أيضاً أكثر من 50 ألف يورو نقدًا، مكدسة ومقسمة إلى رزم، تبلغ كل رزمة 5 آلاف يورو، فضلاً عن عشرين سيارة، و15 ساعة نوع رولكس، بالإضافة إلى دفاتر حسابات لقروض بفوائد فاحشة، تقول الشرطة إنها تبين كيف اضطر مشاهير مدينة روما وجملة من السياسيين إلى دفع ما يصل إلى ألف بالمائة فائدة من أجل الحفاظ على سرية القروض.
واستولت الشرطة على العديد من الممتلكات التابعة لهذه العصابات، بما في ذلك مطعم المأكولات البحرية الفاخر الذي يدعى "Snob Fish" قرب ساحة "كامبو دي فيوري" وملهى ليلي شهير يسمى "Marilyn" في مقاطعة تيستاتشيو. وقد أغلقوا مركزاً للتجميل يدعى "Femme Fatale"، حيث ساعدت النساء، على ما يبدو، أزواجهن على غسل الأموال. كما تم غلق نادٍ رياضي يدعى "Vulcano gym" الذي يديره دومينيكو سبادا، ملاكم سابق تم سجنه أيضاً. ويبدو أن النوادي الرياضية تمثل المكان المفضّل بالنسبة للعديد من النواب التابعين لحركة النجوم الخمس في إيطاليا. كما استولت السلطات على عصيّ صحية استخدمت في تهديد وضرب الصحافيين الذين حاولوا التحقيق في الأنشطة غير المشروعة لهذه العصابات.
اعتقال بفضل النساء
ولم تكن عمليات الاعتقال والقبض على عناصر المافيا لتتحقق إلا بفضل مجموعة من النساء اللاتي يخضعن لحماية خاصة من قبَل الشرطة. وقد كان لهن دور فعال في تشتيت شبكة إجرامية معقدة في العاصمة. على الرغم من أن العديد من الأسماء تم الكشف عنها من قبَل وسائل الإعلام الإيطالية، فإن صحيفة Daily beast لم تستطع تأكيد صحة هذه التقارير الصحافية من خلال السلطات المعنية.
أكدت الشرطة أنها تعرفت على هؤلاء النساء في الصيف الماضي عندما حظي زعيم العشيرة، فيتوريو كازامونيكا، بجنازة رسمية في روما، في حين كانت خيول سوداء تسحب العربة التي تحمل التابوت عبر المدينة الأبدية، في الوقت الذي كانت فيه طائرة هليكوبتر تحلّق على ارتفاع منخفض وتلقي ببتلات الورود على الحشود المشاركة في مراسم الدفن. كما تم عزف موسيقى مسلسل الأب الروحي للحاضرين من قبَل عازف بوق.
صرح قاضي التحقيق، غاسباري ستورزو، للصحافيين بأن إحدى النساء عملت بجد لجمع الأدلة لاستخدامها ضد عصابة كازامونيكا قبل أن تهرب دون أن تحمل معها أي ممتلكات شخصية أو حتى هاتفها. وقبل أربعين يوماً من توجهها إلى الشرطة، أفاد ستورزو بأن مجموعة من أفراد العصابة كانت تشك في أنها قد تفشّي أسرارهم، لذلك أبقتها أسيرة في أحد المنازل الفخمة في روما. ولم يفصح القاضي عما إذا كانت المرأة تجمعها بأحد الأشخاص الذين ألقي القبض عليهم قرابة دموية أو زواج، لكنه لمّح إلى أنها خاطرت بحياتها هي ومجموعة من الأشخاص الآخرين من أجل كشف جرائم العصابة. ونقل ستورزو عن المرأة قولها: "إذا تكلمت، سيقتلونني، هذه هي عشيرة كازامونيكا لا يمكنك أن تعبث مع هؤلاء الأشخاص".
وعند وصفه للعملية، أشار ستورزو إلى العشيرة باسم "أرخبيل كازامونيكا" (التي تختص في الربا والابتزاز وتهريب الأسلحة، فضلاً عن المخدرات والوثائق المزورة)، كما أشار إليها بأنها "نظام معقد يتكون من عائلات تجمعها علاقات مترابطة ببعضها البعض، لكنها في نفس الوقت مستقلة"، كما أنها تشبه إلى حد ما عصابة ندرانجيتا التي تتركز في مدينة كالابريا ومافيا كامورا الموجودة في نابولي.
ابتزاز من نوع خاص
واتهمت الشرطة عصابة كازامونيكا بأنها تمكنت أيضاً من شراء المتاجر من الأشخاص الذين تخلفوا عن سداد القروض الخاصة التي سبق أن اقترضوها منها، وتم إبقاء أصحابها في حالات احتجاز، على غرار عاملة خياطة دفعت أكثر من 50 ألف يورو مقابل قرض بقيمة 800 يورو عندما احترق متجرها. وتقول الشرطة إن هذه المرأة قد أُجبرت على أن تصبح خياطة شخصية لزوجات أعضاء العصابات؛ لأنها لم تستطع سداد رسوم الفائدة الباهظة. ويرزح أصحاب الأعمال التجارية أصيلو منطقة روما الآخرون، بمن في ذلك الميكانيكيون والأطباء ومتعهدو دفن الموتى، تحت التزامات مماثلة لهذه العصابة الإجرامية.
من جانبه، صرح جيسيبي جوفرنال، كبير المدعين العامين المكافحين للمافيا، لصحيفة Daily Beast بأن هذه الاعتقالات ليست سوى غيض من فيض، كما أن تفكيك شبكة كازامونيكا قد يؤدي بسهولة إلى مزيد من الاعتقالات وينتج عنه تحقيقات جديدة. وحيال هذا الشأن، قال جوفرنال: "إنها بداية جيدة، ولكن في كل الأحوال لقد أغلقت هذه القضية".
في يونيو/حزيران، أخبر جوفرنال مجموعة من المراسلين الأجانب الموجودين في مدينة روما بأن المافيا في روما تعتبر قوة لا يستهان بها، قائلًا: "يدّعون أن المافيا لا وجود لها في روما، سأكون شجاعاً وأخبرك بأنها موجودة وبقوة".
اقرأ أيضاً