الحرارة لم تفرق هذا العام بين كندا والجزائر.. العالم شهد أسوأ موجة حر، والعلماء: الوضع سيسوء أكثر.. لكن ما السبب؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/23 الساعة 16:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/23 الساعة 16:57 بتوقيت غرينتش
A child plays in a fountain of water to cool off from the heat in Nantes as unusually high temperatures hit France, June 21, 2017. REUTERS/Stephane Mahe

اتخذت السلطات السويدية الأسبوع الماضي خطوةً غير عادية، إذ أطلقت نداءً تناشد فيه الدول لمساعدتها على التصدي لوباء حرائق الغابات المتفشي عبر البلاد خلال الأيام القليلة الماضية.

بعد أشهر من انعدام هطول الأمطار، تليها أسابيع من درجات الحرارة المتصاعدة، تحولت الغابات بالبلاد إلى مستودعات للبارود.

وكانت النتيجة حتمية، بحسب تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، إذ اندلعت النيران في أشجار الغابات وبحلول نهاية الأسبوع الماضي كانت الحرائق قد أكلت أكثر من 50 غابة عبر أنحاء السويد، تقع اثتنا عشرة منها داخل الدائرة القطبية الشمالية.

ويوضح التقرير الذي نُشر الأحد 22 يوليو/تموز 2018 أن تلك الدولة، المشهورة ببرودة جوها وتساقط الثلوج، وجدت نفسها عاجزة عن التعامل مع الحرائق الهائلة التي تنشب داخل حدود بلادها، لذا طالبت بالحصول على مساعدةٍ دولية، وبالفعل استجابت النرويج وإيطاليا لطلبها عن طريق إرسال فرق مكافحة الحرائق المنقولة جواً للمساعدة على التصدي لتلك الحرائق في السويد.

لكن "مصائب" حرائق الغابات لم تعد بغريبة في الوقت الحالي

 إذ أنه عبر الكثير من البلاد في نصف الكرة الشمالية، تُسبِّب موجات حر شديدة ومطولة في إحداث دمار وتخريب في قارة أميركا الشمالية، والمنطقة القطبية الشمالية، وأوروبا الشمالية، وإفريقيا التي بلغت حداً قياسياً في درجات الحرارة المرتفعة. وفي إفريقيا، سجلت هيئة أرصاد جوية في مدينة ورقلة بالجزائر في الصحراء الكبرى درجة حرارة بلغت 51.3 درجة مئوية، وهي أعلى درجة حرارة موثقة بلغتها دولة في إفريقيا.

وفي اليابان تجاوزت درجة الحرارة 40 درجة مئوية، فحثت السلطات الأفراد على اتخاذ الاحتياطات اللازمة بعدما وصل عدد الوفيات إلى 30 شخصاً مع نقل آلاف آخرين إلى المستشفيات للحصول على العلاج نظراً لاضطراباتٍ متعلقة بالحرارة. وفي كاليفورنيا، أدى تشغيل وحدات تكييف الهواء من أجل التصدي لظروف درجات الحرارة الحارقة هناك إلى نقصٍ في الطاقة. 

الحرائق بسبب ارتفاع درجات الحرارة في السويد أتت على آلاف الهكتارات من الغابات
الحرائق بسبب ارتفاع درجات الحرارة في السويد أتت على آلاف الهكتارات من الغابات

لكن ربما شهدت كندا التأثير الأغرب الناتج عن ذلك الارتفاع الشديد في درجات الحرارة. إذ تعرضت هي الأخرى لدرجات الحرارة الشديدة، وسجلت مدينة تورونتو درجات حرارة تجاوزت الـ30 درجة مئوية على مدار 18 يوماً من هذا العام، فيما لم تكن قد ارتفعت إلى هذا المستوى في الصيف الماضي إلا في تسعة أيام فقط.

توفي عشرات من الأشخاص خلال موجات الحرارة المكفهرة التي تصحبها عواقب شديدة ومهلكة. امتلأت مشرحة مدينة مونتريال بجثث الأشخاص الذين ماتوا بسبب الحرارة، في حين كان لابد من تخزين الكثير من الجثث في أماكن أخرى من المدينة. قال جين بروشو، الطبيب الشرعي بمونتريال، إنها المرة الأولى التي تكتظ فيها المشرحة بهذه الطريقة.

وباتت حديث العالم في مختلف وسائل الإعلام 

فقد تصدرت أخبار الطقس المكفهر عناوين الصحف في المملكة المتحدة بانتظام، إذ اجتاحت درجات الحرارة المرتفعة بريطانيا وتسبَّبت في انصهار سطح مركز العلوم لمدينة غلاسكو وجفاف حدائق المنازل الأثرية بالبلاد. ومع ذلك، كان تأثير الطقس معتدلاً نسبياً مقارنةً بما شهدته العديد من المناطق الأخرى في أنحاء البلاد.

لا تندرج الموجات الحارة ضمن المشكلات المحدودة، إذ تُعد قضيةً تؤثر بوضوح على مساحات شاسعة من كوكبنا، وقد تحولت من كونها مشكلة محلية إلى عالمية.

لكن لماذا يعاني الكثير من عالمنا حالياً من الطقس الحار الشديد؟

ما الذي يدفع إلى اشتعال الغابات، ودرجات الحرارة المتصاعدة، وتلك الأسطح التي تنصهر؟ إنها أسئلة يصعب الإجابة عليها، مثل الطبيعة المعقدة لأنظمة المناخ على كوكب الأرض. يشير أغلب العلماء إلى مجموعة من العوامل، وجاء الاحتباس الحراري ليصبح المُرشَّح الأكبر بوضوح من ضمن هذه العوامل. ومع ذلك يحذر علماء آخرون من أنه سيكون من الخطأ المبالغة في تقدير دوره المؤثر في موجات الحرارة الحالية.

السويد لجأت لمساعدات الدول الأوروبية
السويد لجأت لمساعدات الدول الأوروبية

وقال دان ميتشل من جامعة بريستول: "أجل، يصعب عدم تصديق أنه لابد أن التغير المناخي يلعب دوراً في ما يجري حول العالم في الوقت الحالي. فبعد كل شيء، هناك بعض الأرقام القياسية المطردة المسجلة في الأسابيع القليلة الماضية. مع ذلك، يجب الحذر من التأثير الشديد الناتج عن التغير المناخي لأنه من الواضح أيضاً وجود عواقب أخرى أثرت على قطاع العمل".

يُعد التيار المتدفق من بين العوامل الأخرى المسببة، وهو الرياح العاتية التي تسير فوق خمسة إلى سبعة أميال فوق سطح الكرة الأرضية وتهب من الغرب إلى الشرق وتتحكم في الطقس حول العالم. وأحياناً عندما تشتد الرياح تجلب معها العواصف. وأحياناً أخرى عندما تكون رياح خفيفة تجلب معها أياماً هادئة ومستقرة. وهذا ما يحدث في الوقت الحالي.

أضاف ميتشل: "يتسم التيار المتدفق الذي نشهده حالياً بأنه ضعيف للغاية، لذا تظل مناطق الضغط المرتفع ثابتة لفترات طويلة فوق نفس المكان".

وكيف انتقلت موجات الحرارة من الجنوب إلى أقصى الشمال؟

هناك عوامل أخرى في التسبُّب في تلك الظروف الجوية التي جلبت معها موجة الحرارة تلك إلى النصف الشمالي من الكرة الأرضية والتي انطوت على تغييرات كبيرة طرأت على درجات حرارة سطح البحر في شمال المحيط الأطلسي. قال الأستاذ آدم سكيف، من مكتب الأرصاد الجوية: "إنها جزء من الظاهرة المعروفة باسم تأرجح الأطلسي متعدد العقود". 

وأضاف سكيف: "في الواقع، يشبه الوضع إلى حد كبير ما شهدناه عام 1976، عندما كانت درجات حرارة المحيط الأطلنطي مشابهة ولم يتغير التيار المتدفق ما أدى إلى وجود مناطق هائلة من الضغط العالي لفترات طويلة".

وتابَعَ: "بالطبع كان فصل الصيف في هذا العام هو الأكثر جفافاً وحرارةً وشمساً في المملكة المتحدة على مدار القرن العشرين".

ارتفاع درجات الحرارة لم يعد مقتصرا على منطقة دون غيرها
ارتفاع درجات الحرارة لم يعد مقتصرا على منطقة دون غيرها

وأضاف الأستاذ تيم أوسبورن، مدير البحوث في وحدة البحوث المناخية بجامعة إيست أنغليا: "مع ذلك، هناك فارق مهم بين ما شهدناه عام 1976 وما يحدث في الوقت الحالي. إذ إن خط القواعد الذي تستند إليه تلك التأثيرات مختلف اليوم كثيراً. منذ عام 1976، عانينا على مدار عقود من الاحتباس الحراري الناتج عن زيادة انبعاثات الكربون والذي أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية الأساسية بشكل كبير".

وبالتالي فإن أي ظاهرة مثل ضعف التيار المتدفق سيصحبها أثر أشد مما كان منذ 40 عاماً مضى. 

والوضع مرشح لأن يسوء أكثر

يحذر العلماء من أنه مع استمرار ارتفاع انبعاثات الكربون العالمية إلى جانب التوقعات التي تشير إلى أن العالم لن يكون قادراً على إيقاف ارتفاعات درجة الحرارة التي يشهدها هذا القرن حتى لا يتعدى ارتفاع الحرارة 2 درجة مئوية عن مستويات ما قبل عصر الصناعة، ومن المرجح أن تسوء موجات الحرارة واسعة النطاق لتصبح أكثر تكراراً.

لا تقف مشكلة موجات الحرارة الخطيرة المتزايدة عند حدود اليابسة وحسب. قال مايكل بوروز، من المعهد الإسكتلندي البحري بمنتجع أوبان: "نشهد موجات حرارة بحرية أيضاً تدور حول العالم. على سبيل المثال، ضربت موجة حرارة بحرية كبيرة ساحل أستراليا العام الماضي ودمرت مساحات كبيرة من الحيد المرجاني العظيم. والأهم من ذلك أن تلك الموجات تحولت لتصبح أشد وأكثر تكراراً مثل تلك الموجودة على اليابسة، وهذا أمر آخر يجب أن نقلق بشأنه كثيراً".

علامات:
تحميل المزيد