تخيَّل أنك تخوض سباقاً بين الأُسود ووحيد القرن والزرافات في قلب إفريقيا.. حكايةُ أميركيةٍ مع نصف ماراثون بالغ المشقة

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/04 الساعة 21:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/07/04 الساعة 21:13 بتوقيت غرينتش

عشيَّة السباق بدأتُ أشعر بالتوتر البالغ. أعلم أنَّ قليلاً من التوتر أمرٌ طبيعي قبل أي سباق، غير أنَّ الأمر كان مختلفاً هذه المرة. في الماضي، حين كنتُ أشارك كهاوٍ في سباقات الجري، كنت آوي إلى فراشي عشيَّة أي سباق وتبدأ الأفكار القلقة تساورني حول ما إذا كنتُ قد أخطأت في ضبط المنبه؛ أو ما إذا كان سيدق في موعده؛ أو عن المكان الذي سأقصده لتناول الفطور بعد السباق.

ولكن، ها أنا ذا، تقول الكاتبة راشيل ليفان، في تقرير بصحيفة Wall Street Journal الأميركية، أرقد على سريرٍ قابل للطيّ في خيمة من القماش شمال كينيا، قبل ساعاتٍ من بدء نصف الماراثون، وأنا قلقةٌ مما يمكن أن تفعله بي الأسود؛ كأن يأكلني أحدها.

بداية الرحلة من سان فرانسيسكو إلى نيروبي مروراً بفرانكفورت

وأضافت الكاتبة في التقرير الذي نُشر الثلاثاء 3 يوليو/تموز 2018: سافرتُ الصيف الماضي أنا وزوجي و4 من أصدقائنا من سان فرانسيسكو عبر فرانكفورت، لنصل في ساعةٍ متأخرةٍ إلى نيروبي لقضاء الليلة هناك، قبل أن نستقل طائرةً صغيرة صبيحة اليوم التالي إلى محمية ليوا للحفاظ على الحياة البرية.

بعبارةٍ أخرى، لم نكن في أفضل حال لنخوض سباق ماراثون، ولا حتى نصف ماراثون. ومسار السباق لم يكن بالمعقول، ولا بالسهل؛ بل يُقال إنَّه واحدٌ من أصعب المسارات في العالم. كانت ليوا، التي تقع على ارتفاع 5500 قدم، حارَّةً وجافةً ومُتربة. وفجأةً تجلَّت في خاطري فكرة: ربما كان عليَّ أن أتدرب على التعامل مع هذا الأمر.

لدواعي التفاؤل أطلقنا على أنفسنا اسم "فريق الظبي"، وشاركنا في ماراثون Safaricom، وهو حدثٌ منظم بعناية تستضيفه محمية ليوا بالاشتراك مع جمعية Tusk غير الهادفة للربح، لجمع تبرعاتٍ لصالح المحافظة على الحياة البرية والتعليم وتنمية المجتمع في جميع أنحاء كينيا.

لنصل إلى محمية تحتضن وحيد القرن وأُسوداً وحتى الزرافات

محمية ليوا، التي تبلغ مساحتها 55 ألف فدان، تحتضن 137 وحيد قرن، و182 زرافة، و1160 حماراً وحشياً، ونحو 500 فيلٍ مهاجر، و26 أسداً، وبها أيضاً -كما وُعِدت قبل أن أُلزِم نفسي بالمشاركة في هذه الفكرة الحمقاء- 140 حارساً مسلحاً متأهباً للتدخل في حال حدوث أي مكروه (وذلك رغم أنَّ الماراثون يُقام منذ عِقدين من الزمن تقريباً ولم تحدث أي مشكلةٍ فيه).

ومع ذلك، وبينما أنا أرقد في الظلام أستمع لحفيف أوراق أشجار البابون، ألحَّت عليَّ فكرة إمكانية وقوع مكروه. فقبل ذلك بساعاتٍ قليلة، ذهبنا في جولة بالسيارة في البراري، وشاهدنا عشراتٍ من الحيوانات البريَّة: الجاموس الإفريقي، والضباع، ووحيد القرن الأسود والأبيض، كثيرٌ من حيوانات وحيد القرن. ولاحقنا فهداً؛ ولكن مهلاً، كنا في سيارة لاند كروزر ولسنا على أقدامنا. وطوال أيام السنة لا تسمح المحميّة لضيوفها في رحلات السفاري بالتجول بِحريِّة، غير أنَّ يوم السباق كان له ترتيبٌ مختلفٌ تماماً..

لكن رغم التعب لا يمكن أن تفوّت الفرصة للاستيقاظ باكراً، فقد حان موعد السباق

استيقظتُ من نومي قبل شروق الشمس على أنغام موسيقى البوب الكينية تنبعث من مكبِّرات الصوت، وتتردد في أرجاء المعسكر، في دعوةٍ للجميع للاستيقاظ والنهوض. تبع ذلك أزيز طائرات الهليكوبتر، تحلق بنشاط في السماء لتجهيز مسار السباق. وفي مكان انعقاد السباق طافت الطائرات، وبداخلها مايك واتسون، الذي يشغل منذ زمنٍ طويل منصب الرئيس التنفيذي لمحمية ليوا، ومعه زملاؤه، وراحت الطائرات تحلّق فوق الرؤوس، وتتقاطع مساراتها لتزيح برفقٍ الحيوانات استعداداً للسباق، ولتفسح الطريق أمام النوع الذي يندر وجوده في المحمية: البشر.

جنسيات من أكثر من 20 بلدا تشارك في السباق
جنسيات من أكثر من 20 بلدا تشارك في السباق

كل عامٍ صبيحة يومٍ من شهر يونيو/حزيران، يجتمع 400 مشارك من 20 دولة، معظمهم من كينيا، تحت شعار الحفاظ على البيئة والْتماس الإلهام. معظم المشاركين يختارون المشاركة في سباق نصف ماراثون، لكن هناك نحو 200 مشارك ممن يتمتعون ببنْيةٍ قوية، بينهم كبار العدَّائين الكينيين مثل حامل الميدالية الذهبة في أولمبياد عام 2016 إليود كيبشوغ، يختارون سباق ماراثون كامل، يشمل قطع المسافة نفسها ذهاباً وإياباً. وقبل هذا السباق يُعقد سباق للأطفال بطول 5 آلاف كيلومتر. ويتدرب الأطفال من تلاميذ المدارس المحليِّة طوال العام على أمل الفوز بقسائم شراء من المتاجر الكبرى، أو حقائب ممتلئة بالجوارب والأقلام والأوراق والشوكولاتة، ومن يفوز بالمركز الأول يربح هاتفاً.

وقبل أن تبدأ تأكَّد من أنك حملت معك ما يلزمك من زاد

اصطحبنا زادنا للرحلة، والذي كان عبارة عن موز وقهوة وقَدرٍ كبير من الماء المعبّأ في زجاجات، وربطنا أحذيتنا ودلفنا في طريقٍ طيني متجهين إلى خط البداية، حيثُ التقينا عضواً آخر من "فريق الظبي": يعقوب كاناكي، الذي يعمل سائقاً في محمية ليوا منذ سنوات، ولم يسبق له أن شارك في السباق من قبل. حين رآنا قال لنا: "أنا مستعد!". تعانقنا، ووصلَنا صوتٌ مكتوم من مكبر الصوت يدعو الجميع للتوجه إلى خط البداية. رفرف العَلم الكيني وانطلقنا. كان الأمر أشبه بطوفانٍ بشريَّ؛ إذ اندفع 1400 عدَّاء بمستوياتٍ متنوعة صوب خط البداية، الذي لم يكن سوى لافتةٍ بسيطة مثبَّتة في فرعي شجر، يكشف عن طريقٍ طينيٍّ ضيِّق للغاية.

تزاحمنا على الطريق الأملس الممتلئ بالحجارة، ومِن حولها الأرض غير المستوية والحشائش الممتلئة بالأشواك؛ وعملنا على التأكد من أنَّنا لن نبتعد كثيراً عن الجموع، وانطلقنا بصورةٍ جماعية، برفقة حشدٍ من الكينيين مفتولي العضلات، والكينيين ضِخام الجثة، وبعض الكينيين الحفاة، وكذلك أجانب في أبهى ملابس وأفضل لياقة، يرتدون قمصاناً ضد الحرارة عليها شعارات لبعض الشركات، وأجانب ليسوا بالقدر نفسه من اللياقة، مع الاحترام الكامل لزملائي في فريق الظبي.

ولا تحملْ هَمّ الحيوانات "المفترسة" فهناك من يتكفَّل بحمايتك

وبعد ذلك، ما لبثت الحماسة التي أطلقها فينا الأدرينالين أن خفّت، وحلَّ محلَّها هدوءٌ جماعي، وعلى الفور غشيت الجميع حالةٌ من الرهبة، أو ربما القلق، ربما بفعل المساحة الشاسعة التي تحيط بنا، أو ربما بفعل المسار الذي ينبغي لنا أن نقطعه. ومِن خلفي كانت هناك كتيبة مصغَّرة من الحراس تمسك بمسدساتها. حلَّقت طائرة هليكوبتر فوق رؤوسنا؛ سعياً للاطلاع على مكان كل واحدٍ منا، كما لو كانت أُمّاً تُفْرط في القلق على صغارها. ما لبثت الجموع أن تفرَّقت. وبدأتُ أنسجم مع الموقف، وشعرتُ بشيء من الارتياحٍ والاسترخاء، وأدركتُ أنَّني لن أسمح لشيءٍ بأن يُفسد عليَّ يومي.

ركضتُ، وركضتُ، متجاوزةً أشجار السنط، ونعامةً وحيدة، وزوجين من الزرافات في الأفق، تنهضان من الأرض كتمثالين أنيقين وامضين. كان المتفرجون متفرِّقين، حفنةٌ منهم في محطاتٍ متناثرة مصنوعة محليّاً؛ والبعض الآخر خارج كيرافو، وهي واحدةٌ من بين 5 أماكن مخصصة للسكن بالمحمية. وقف العاملون في المحمية بزيهم الموحد يلوّحون ويحيون المشاركين. ربما كان هذا اليوم أكبر أيام السنة في ليوا، لكنَّه ليس كذلك قياساً على ماراثون بوسطن.

زدتُ من سرعتي وصعدت تلَّةً صغيرة، وواصلتُ الركض قاطعةً ظُلَّة من أشجار السنط. ثم ما لبثتُ أن وجدتُ نفسي أركض في تلازمٍ مع رجلٍ كيني مفتول العضلات. أسرعنا العَدْو صوب خط النهاية، وعبَرناه معاً ثم تبادلنا التحية. أنهيتُ مسافة السباق في مدة تبلغ 1:56:28، ولدواعي دهشتي قطعتْه أسرعُ امرأة في السباق، وهي الكينية بيتي كارامبو، في مدةٍ قدرها 1:14:28. وبعد فترةٍ ليست بالطويلة، قطع البطل فيليمون بارو فارع الطول السباق كاملاً، أي مسافة 26.2 ميل، في مدةٍ قدرها 2:22:18، قبل أن يُتم زملائي في فريق الظبيّ حتى نصف هذه المسافة!

طائرات هليكوبتر لحماية المتسابقين من الحيوانات المفترسة
طائرات هليكوبتر لحماية المتسابقين من الحيوانات المفترسة

وقضينا ما تبقى من الرحلة في سفارٍ عادية، نقتفي آثار النمور، ونستكشف فروة الأُسود وقطعان الفيلة؛ ونذهل لرؤية صغار وحيد القرن، ونندفع عبر الأشواك على ظهر سيارة اللاند كروزر. وطوال هذه الرحلة كنتُ أتحرق شوقاً لأترجل من السيارة وأتابع الرحلة على قدماي.

Safaricommarathon.com

وإذا كنت مهتماً فإليك 4 سباقات ماراثون أخرى في طرقٍ نائية:

فلات أوت: ماراثون المناطق النائية في أستراليا

مسار الماراثون مسطَّح في معظمه، وهي طبيعة المناطق النائية في جميع الأحوال، مع وجود بعض الكثبان الرملية التي يجب تسلقها، ويمكن من خلالها رؤية الأولورو (صخرة آيرز) وجبل كاتا تجاوتا (أولغاس).

تاريخ الماراثون: 28 يوليو/تموز 2018.

australianoutbackmarathon.com

واين آد داش: ماراثون ميدوك في بوردو بفرنسا

دعك من الموز ومشروبات الطاقة. هنا في بوردو تشارك في سباقٍ يجوب كروم العنب، مع محطاتٍ للتزوَّد ذات طبيعةٍ فرنسية خاصة: قصورٌ تقدِّم للعدَّائين زجاجاتٍ من الخمر، والمحار، والمثلجات؛ والماء بطبيعة الحال.

تاريخ الماراثون: 8 سبتمبر/أيلول 2018.

marathondumedoc.com

ميدنايت ران: نصف ماراثون الليل القطبي، في ترومسو بالنرويج

بإمكان أي شخصٍ -كائناً من كان- أن يستقبل العام الجديد بالسباحة في الماء البارد؛ ولكنَّ نحو 2000 مشاركٍ جَسورٍ فقط هم من قرروا العدو في الليل القطبي، حيثُ لا تشرق الشمس في الأفق أبداً. الطريق مضاء بالمصابيح، وبالشفق القطبي في بعض الأحيان، وإن كان هذا غير مؤكد.

تاريخ الماراثون، 5 يناير/كانون الثاني 2019.  

msm.no

فلاي باست: ماراثون كيوتو في اليابان

فقط في كيوتو، يحتوي طريق الماراثون على 7 مواقع أثرية ثقافية، وأضرحة يعود إنشاؤها إلى القرون القديمة. شارِك في الماراثون لتمر بالبِرَك والحدائق النباتية وشوارع المدينة الضيِّقة الملتفة.

تاريخ الماراثون: 17 فبراير/شباط 2018.

www.kyoto-marathon.com