وجودهم إشارة لإن الوضع سليم فقررت إسرائيل طردهم بالقوة

بدو خان الأحمر تحت وطأة التهجير ومأساتهم أثارت تعاطف بعض المستوطنين .. مدارسهم ومنازلهم المبنية من الطين تستفز الاحتلال

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/29 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/29 الساعة 14:12 بتوقيت غرينتش
Sad child, Activity, Camping, Street, Syria

جرافاتنا ستمحو منازلكم، وليس أمامكم سوى الرحيل.

يقول الجيش الإسرائيلي، إنه في أي يوم في الوقت الحالي سوف تصل الجرافات لتمسح من فوق الخريطة معالم المجتمع البدوي الكائن في الضفة الغربية، والمعروف بـ"الخان الأحمر".

أرادت إسرائيل لعقود من الزمان إخلاء قطاع كبير من الضفة الغربية يعود لآلاف من البدو -الذين يرعون الأغنام والماعز في ثنيات التلال شرقي القدس- كي يفسحوا المجال أمام توسعات المستوطنات اليهودية، ولكن هذه المساعي أصبحت محمومة في الآونة الأخيرة، حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.

في أواخر التسعينات وقعت أحداث طرد قبيحة بُثَّت تلفزيونياً، عندما ساق الجنود العائلات إلى الخارج وسوَّت الجرافات منطقةً كاملة بالأرض، وهو ما عرض القوة الغاشمة للاحتلال.

آنذاك ساعد القضاة الإسرائيليون الليبراليون والدبلوماسيون الأجانب في إبطاء عمليات الطرد. لم يتوقف أيُّ شيء، لكن كثيراً منها تعطل مرة تلو الأخرى.

حملة ممنهجة لجعل حياتهم بائسة.. ولكن وجود ترمب قد يشجع الجيش الإسرائيلي على ما هو أكثر

لقد اتخذ البدو من القرية موطناً لهم منذ سبعينيات القرن الماضي، منهم من يقول أنهم سكنوها حتى من قبل هذا الوقت
لقد اتخذ البدو من القرية موطناً لهم منذ سبعينيات القرن الماضي، منهم من يقول أنهم سكنوها حتى من قبل هذا الوقت

عشرات من أوامر الهدم والإزالة أصدرها الجيش الإسرائيلي لأكواخ البدو المتهالكة، التي تتكون من الصفيح الذي يشبه أبواب الكراجات، ومن خردة الخشب، وأنسجة النايلون.

يأتي الجنود بصورة دورية، ويمزقون بعضاً من الأكواخ، أو يقلبون خزانات المياه، أو يستولون على ألواح توليد الطاقة الشمسية، أو ينظمون تدريبات عسكرية في الموقع، في نهج يصفه النقاد بأنه حملة سيئة بوتيرة بطيئة، لجعل حياة السكان بائسة، مما يمكن أن يدفعهم بكل بساطة إلى المغادرة. لكن الجيش لم يتجرَّأ ويهدم قرية كاملة مرة أخرى.

بيد أن كبح جماح هذه الحملة قد يتوقف في الوقت الحالي.

فإسرائيل تخطط لجريمة حرب ضدهم

ففي ظل تقديم إدارة ترامب الغطاء الدبلوماسي، وضغط وزراء الجناح اليميني في الحكومة الإسرائيلية من أجل استغلال ذلك طوال وجوده، وتركيز الدعم الدولي للفلسطينيين في اللحظة الآنية على ما يحدث في غزة، فإن قراراً جديداً أصدرته لجنة تابعة للمحكمة الإسرائيلية العليا، أغلبها من المستوطنين، يحرر الحكومة على ما يبدو لبسط يدها في عملية إزالة جميع المجتمعات البدوية الموجودة في الضفة الغربية.

يقول المدافعون عن البدو، إن ذلك قد يرقى إلى جريمة حرب: وهو النقل القسري لمجموعة سكانية تحت حماية جيش الاحتلال.

وقال الناطق باسم التجمعات البدوية في الخان الأحمر عيد أبو خميس "الجميع يسألونني: ما الذي ستفعلونه أيها البدو؟ إنني لا أملك مقاتلة إف-16 أو إف-15. وإنني أسأل المجتمع الدولي: أين هي القوانين؟".

جاؤوا هنا قبل سقوط الضفة تحت الاحتلال بعد أن تم طردهم من النقب

تبدو منطقة الخان الأحمر نقطة مغبرة على الخريطة، ومحشورة خلف طريق سريع يفصل بين مستوطنتين إسرائيليتين مزدحمتين: وهما معاليه أدوميم، وهي مستوطنة راسخة بقوة تشكل ضاحية للقدس، لدرجة أن اليساريين الإسرائيليين يعترفون بوجود حاجة إلى إزالتها في حال إقامة دولة فلسطينية مستقبلية؛ ومستوطنة فرعية تنمو بسرعة وتسمى كفار أدوميم.

اتخذ البدو من الموقع سكناً دائماً لهم، على الأقل منذ السبعينيات، إلا أن بعضهم، مثل "أبو خميس"، يقول إنه وُلد هناك قبل ذلك.

وقد جابت قبيلة الجهالين، التي ينحدرون منها صحراء النقب حتى طُردوا منها بعد إقامة الدولة الإسرائيلية عام 1948. وعندما وصلوا إلى هنا في المنطقة التي كانت غير مأهولة من الضفة الغربية، كانت المنطقة تحت سيطرة الأردن.

ومع انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967، استولى الجيش الإسرائيلي عليها، وحظر تنقُّلات رعاة الغنم، وصادر المنطقة معتبراً إياها أرضاً تابعة للدولة، ولكنه لم يطرد البدو آنذاك.

وفي السبعينيات، تطلبت التوسعات التي شهدتها مستوطنة معاليه أدوميم إخلاء المنطقة من البدو، لبناء منازل لليهود في الشرق "وقطع الطريق على استمرار استيطان العرب بين يهودا والسامرة"، وهو مصطلح يستخدمه الإسرائيليون للإشارة إلى القطاعين الشمالي والجنوبي من الضفة الغربية.

وهذا سر رغبة إسرائيل  في محو هذا التجمع البدوي الصغير

تريد أن تطردهم منها لتفسح المجال أمام المستوطنات الإسرائيلية
تريد أن تطردهم منها لتفسح المجال أمام المستوطنات الإسرائيلية

مع بداية اتفاقيات السلام في أوسلو في التسعينيات، اتخذ حضور البدو أهمية جيوسياسية كبرى: فإذا أرادت إسرائيل تطوير المنطقة، وفقاً لما هدَّدت به الحكومة مراراً وتكراراً، سيكون عليها ربط مستوطنة معاليه أدوميم بخطِّ تماسٍ مع القدس الكبرى.

لكنها أيضاً قد تشطر الضفة الغربية إلى قطع، مما يعزل القدس الشرقية العربية ويقسم رام الله في الشمال عن بيت لحم في الجنوب، وهو ما سيترك أي دولة فلسطينية مستقبلية أمام محاولة الربط بين خطوطها، عن طريق أنفاق أو كباري تمر عبر الأراضي الإسرائيلية.

فوجودهم يعني أن الوضع سليم

وفي واقع الأمر، يعطي الوجود البدوي إشارة على أن الوضع الراهن طبيعي أو سليم، إذ يستطيع الفلسطينيون أن يشيروا إلى البدو على أنهم أصحاب المكان في حال إقامة دولة لهم في نهاية المطاف.

ولذا بالنسبة لإسرائيل يجب أن تُخلى المنطقة من البدو أولاً قبل أن تتمكن من البدء في عمليات البناء.

لا تبدو القرية أمام أي زائر يزورها للمرة الأولى، كأنها نقطة تنافس ذات أهمية كبيرة لمصير دولتين متنافستين. بل إنها لا تشبه كثيراً هيئة القرى. فلا توجد سيارة جيب  ولا حصان، إذ إن زوار الخان الأحمر عليهم أن يقفوا ويعبروا الطريق 1، ويراوغوا السيارات المسرعة على الطريق سيراً على أقدامهم، قبل أن يقفزوا من فوق الحواجز المعدنية ويتسلقوا التل الصخري. لا يوجد أي خطوط كهرباء أو أنابيب مياه.

وهذا ما استفزَّ الاحتلال ودفعه لاتخاذ قرار الإزالة

على بعد بضع خطوات لأعلى التل، يطل المنزل المفتوح على الهواء الطلق، الذي يعيش فيه فيصل أبو دهوك، 45 عاماً، وزوجته وأطفاله الستة و16 من الغنم يتشاركون معه حظيرة ضيقة في حجم مرآبين. وبعد خطوات قليلة من هذا المنزل، توجد مدرسة تضم الأطفال الأربعة الأصغر بالعائلة، وحوالي 150 طالباً آخرين من الخان الأحمر، والعديد من القرى البدوية الأخرى القريبة.

إنها مدرسة مشيّدة من إطارات السيارات المستعملة والطين

بنيت
بنيت "مدرسة الإطارات"بالكامل من الطين والإطارات المستعملة

فمع بدء نشاطها في عام 2009، بعد أن شيَّدتها منظمة إيطالية من الطين وإطارات السيارات المستعملة، وكلاهما وفير ورخيص، جعلت "مدرسة الإطارات" حضور الصف الدراسي آمناً ويسيراً لأطفال المنطقة، بعد أن صدمت السيارات المسرعة على الطريق العديد منهم أثناء ذهابهم إلى المدارس في أريحا قبل ذلك.

لكن المستوطنين في كفار أدوميم ومجموعة دعم تسمى "ريجافيم"، اعتبرته تهديداً، حسبما يقول شلومو ليكر، محامي البدو منذ فترة طويلة.

قال ليكر عن الحملة التي تنظمها ريجافيم لدفع الجيش الإسرائيلي نحو تنفيذ عمليات الهدم والإزالة "بدأ كل هذا يأخذ منحىً جاداً بعد أن بنوا المدرسة.

فما دام البدو فقط يعيشون في هذه الأكشاك، يعتقد الجناح اليميني أنه سوف يحين وقت، الآن أو في قادم الأعوام، سيجدون فيه طريقة لطرد البدو منها.

لكن كانت المدرسة الشيء الوحيد الباقي في المنطقة. لذا أصبحت رمزاً: فإذا كانت المدرسة هناك، فمَن يدري ما الذي سيخلفها؟

والحجة أن مباني البدو مخالفة.. فهل منحت إسرائيل للفلسطينيين تصريحاً يوماً؟

ريجافيم، التي تستعير تكتيكات استخدمها خصومها على شاكلة منظمة "السلام الآن" ضد البؤر الاستيطانية اليهودية غير القانونية في الضفة الغربية، تسعى وراء حجة بسيطة في المحاكم، تقول: القانون هو القانون.

لم ينازع أي شخص بأن مباني البدو، بما فيها المدرسة، أُقيمت بدون تصاريح. لكن النقاد يقولون إن خلاصة القول الذي يبدو معقولاً لمثل هذا الاستنتاج الدرامي: من أجل أن تُمنح المباني تراخيص، يجب أن تملك هذه القرية خطة تقسيم رئيسية، وإسرائيل لم يسبق لها على الإطلاق أن وافقت على طلبات الفلسطينيين بشأن أي منها.

كانت المحكمة العليا الإسرائيلية تميل في الماضي إلى تأجيل تصفية الحساب المتعلق بالمجتمعات البدوية، وفي أغلب الأحوال كان ذلك عبر طرح تساؤلات عما إذا كانت الحكومة ستقدم سكناً جديداً كافياً للسكان وقطعانهم.

ولكن إسرائيل وفَّرت لهم بديلاً.. بقعة ضيقة قرب مقلب نفايات

الجهالين التي تعدها إسرائيل لنقل سكان خان الأحمر
الجهالين التي تعدها إسرائيل لنقل سكان خان الأحمر

ينتظر أن يُنقل بدو الخان الأحمر على سبيل المثال إلى بقعة ضيقة، تسمى الجهالين غرب، على مقربة من بلدة أبو ديس، وهي منطقة حضرية بالقرب من مقلب نفايات قديم، لا تحتوي على أي مساحة للقطعان.

وفي قرار صادر في 24 مايو/أيار، توصلت لجنة مكونة من ثلاثة قضاة -يشير المدافعون عن البدو إلى أن اثنين من هؤلاء القضاة مستوطنان سابقان أو حاليان- إلى أن البدو يماطلون، ولا يوجد سبب قائم لتأجيل عمليات الهدم والإزالة أكثر من ذلك.

ولكن لم تكن المسألة المهمة في هذا النزاع القضائي قبول البديل المقترح من عدمه، حسبما حكمت المحكمة، بل ما إذا كان "تنفيذ أوامر الهدم والإزالة يستوفي المتطلبات القانونية".

كما أنها وعدتهم ببناء مدرسة أفضل على حسابها وكل عائلة سترعى أغنامها على 1/16 من الفدان

تقول إسرائيل إن تجمع الخان الأحمر ليس غير قانوني وحسب، بل إنه غير آمن أيضاً بسبب قربه من الطريق 1، وإن البديل -وهو عبارة عن قطع أراضي تصل إليها المياه والكهرباء- سيشكل تطوراً مميزاً.

وقال أساف زوهر، وهو متحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية، إن "دولة إسرائيل سوف تبني مدرسة جديدة عصرية على حسابها، وستكون أفضل بكثير من حيث الجودة من البناية الحالية".

بالرغم من أن الموقع الجديد منح كل عائلة 1/16 من الفدان، وهي المساحة التي منُحت لبدو القبيلة في أواخر التسعينات عندما طُردوا بسبب توسعات مستوطنة معاليه أدوميم، أمر قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بأن يكون هناك مكان تقتات فيه القطعان، مع أن الحكومة قد أقرت بالفعل بعكس ذلك.

قال "أبو خميس" متحدثاً عن الأرض المخصصة لكل عائلة من الـ32 عائلة المقيمة في الخان الأحمر "إنهم يعطون كل بدوي 250 متراً مربعاً. لمن يكون هذا؟ هل هذا من أجل الغنم؟ أم من أجل الحمير؟ أم من أجل الكلاب؟ أم من أجل البشر؟".

فداحة المأساة حرَّكت ضمائر بعض المستوطنين

شعر بعض المستوطنين بتأنيب الضمير بسبب ما حدث: فقد تخلَّت مجموعة من سكان كفار أدوميم عن مساعي الآخرين الذين يدفعون من أجل الهدم والإزالة، وطالبوا المحكمة بأن تطالب بتسوية يجري التفاوض حولها.

كان سالاي مريدور، وهو سفير إسرائيلي سابق لدى الولايات المتحدة أحد هؤلاء؛ إذ كتب لجيرانه رسالة غاضبة ومفتوحة.    

وجاء في نَص رسالة مريدور "كان البدو هنا عندما جئنا"، قائلاً إن وجودهم لم يعق تطوير المستوطنة. وأضاف "ما الذي سيعود علينا الآن من أننا نطالب بِحَمَلِ الرجل الفقير من أجل أنفسنا أيضاً؟".

إلا أن الحكومة الإسرائيلية واصلت مساعيها. بعد أيام من القرار، مُنحت الموافقة ببناء حيٍّ جديدٍ يتكون من 92 منزلاً في كفار أدوميم على بعد نصف ميل من الخان الأحمر.

وهناك فخ أخطر في الأرض الجديدة.. إنها مملوكة لفلسطينيين آخرين

القرية تقف أمام الزحف الاستيطاني الذي يحيط بها
القرية تقف أمام الزحف الاستيطاني الذي يحيط بها

وقال ليكر إن الحكومة زعمت، بدون أي أساس، أن البدو سوف يرحبون بالحياة في أي منطقة حضرية. إلا أن هؤلاء الذين أُجبروا على الانتقال إلى الجهالين غرب منذ أعوام، يقولون إنه كان من المستحيل الاستمرار في العيش وفقاً لنمط حياتهم السابق.

إذ قال محمد أبو خليل، البالغ من العمر 50 عاماً "إنهم يحاولون أن يجعلونا غير البدو الذين نريد أن نكون عليهم. فالأشياء الوحيدة التي لدينا في حياتنا هي تربية أغنامنا".

وأوضح أبو خليل أن بعض جيرانه عادوا إلى المنازل غير القانونية في التلال، ويرغب آخرون كذلك في هذا الأمر.

وفي الخان الأحمر، يقول "أبو خميس"، إن المقترح الإسرائيلي يحمل خللاً قاتلاً: فالمالكون الفلسطينيون الذين لديهم صكوك ملكية الأراضي في الجهالين غرب -الذين لا يعترفون بمصادرة إسرائيل لممتلكاتهم- هدَّدوا باللجوء للقضاء، في المحكمة الفلسطينية، ليمنعوا بدو خان الأحمر من الانتقال إلى أراضيهم.

يجعل كل هذا "أبو خميس" قلقاً من أن جيرانه قريباً لن يجدوا أي مكان ليعيشوا فيه.

إذ قال "طردوك من هنا، ثم إذا ذهبنا إلى هناك سنجد أنها أرض شخص آخر. في الولايات المتحدة، لديهم أشخاص يعملون لصالح وكالة ناسا ويصعدون إلى القمر. أتمنى أن يجدوا لي شخصاً قادراً على أن يصنع كوكباً خاصاً بي".

 

 

 

تحميل المزيد