السعادة تغمرهنَّ ولن يتخلَّين عن سائقيهن..

السعوديات يتولين عجلة القيادة بمجرد رفع الحظر ويتطلعن لإلغاء نظام الولاية

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/28 الساعة 17:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/29 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش

كان زوج دانية العقيلي يجلس إلى جانبها بمقعد الركاب في حين تُهلِّل ابنتها تشجيعاً لها. قادت دانية سيارتها الرياضية على طريق الملك عبد العزيز يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، مخترقةً ببساطة، حاجزاً عن طريق التقدُّم بشجاعةٍ وسط حركة المرور الصاخبة بالمملكة.

هذا هو اليوم الذي كانت دانية تنتظره طوال الأعوام الـ30 الماضية، كما تقول بفرح بالغ. فقد سمحت المملكة العربية السعودية للنساء بقيادة السيارات لأول مرة؛ إذ رفعت الحظر الأخير من نوعه في العالم والذي كان رمزاً للقهر الشديد الذي تمارسه المملكة على النساء.

وأقيمت احتفالاتٌ دعمتها الحكومة احتفاءً برفع الحظر، وشملت تجمُّعاً كبيراً للسائقات بالقرب من مركزٍ تجاري بجدة في منتصف ليلة الأحد. جاءت بعض السيدات في السيارات التي يقودها أزواجهن ثم تولَّين القيادة بأنفسهن. انطلقت السائقات في موكبٍ صغير لاستكشاف طرق المدينة، في حين تجمَّع حولهن الصحفيون.

انطلقت السائقات السعوديات لأول مرة
انطلقت السائقات السعوديات لأول مرة

أعاد هذا المشهد إلى الأذهان الاحتجاج الذي نشب في الرياض، عاصمة السعودية، منذ 30 عاماً تقريباً، عندما اجتمعت عشراتٌ من السعوديات عند متجرٍ كبير وقُدن سياراتهن تجوُّلاً في أرجاء المدينة، وذلك قبل أن يُلقَى القبض عليهن ويُحتَجَزن. كان الاحتجاج نقطةَ تحوُّلٍ بالنسبة للنسويات السعوديات ولما قد يصبح بمثابة حملةٍ دامت عقوداً لرفع الحظر على القيادة.

إنجاز كبير للنساء.. والرجال

رفع الحظر عن قيادة السعوديات للسيارات واحد من سلسلة التغييرات التي أدخلها ولي العهد محمد بن سلمان، والتي خفَّفَت بعض القيود الاجتماعية المفروضة في المملكة السعودية، وضمنها الفصل الصارم بين الجنسين. وتُواصل السعوديات المطالَبة بتحقيق المزيد من التغيير بعيد الأثر، وضمنه القضاء على نظام ولاية الذكور، الذي ينص على طلب المرأة الإذن من أحد رجال عائلتها للسفر والعمل.

دانية في الـ47 من عمرها وقد حصلت على رخصة القيادة منذ 23 عاماً في الولايات المتحدة
دانية في الـ47 من عمرها وقد حصلت على رخصة القيادة منذ 23 عاماً في الولايات المتحدة

وفي حين تجلس المرأة السعودية خلف المقود للمرة الأولى، الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، أشاد كثيرون بهذه الخطوة بانبهارٍ وسعادةٍ وتشجيعٍ من النساء اللاتي لم يحصلن على رخصهن بعدُ، ونظروا إليها على أنها خطوةٌ مهمة نحو تحقيق المزيد من الحرية والتحكُّم في حياتهن بأنفسهن.

دانية في الـ47 من عمرها وقد حصلت على رخصة القيادة منذ 23 عاماً في الولايات المتحدة، ولم تفعل شيئاً لكبح سعادتها العارمة بسبب تمكُّنها أخيراً من القيادة بمدينتها وفي الطرق التي تختارها وبمفردها.

حرمانها من حقها في القيادة والاعتماد على زوجها أو سائقها للتنقُّل، كانا يشعرانها بأنها ثقيلةٌ ومُقيَّدة، اتجَّهَت إلى منزل والدها؛ لأنها تعلم أنه سيرغب في مشاركة اللحظة مع ابنته الوحيدة. وقالت: "إنه إنجازٌ كبيرٌ بالنسبة للنساء، وللرجال الذين دعمونا أيضاً".

لقد وُلدن اليوم..

انطلقت السيارات على طريق الملك عبد العزيز، وهو طريقٌ سريع مروع يمثل أيضاً حجة لإعادة النظر في صلاحيات القيادة التي يتمتَّع بها بعض الرجال بالمملكة العربية السعودية.

كانت عهد نيازي، البالغة من العمر 23 عاماً، والجالسة على المقعد الخلفي بالسيارة، تشجع والدتها دانية: "أنتِ تقومين بعملٍ رائع يا أمي". واتصل هاني نيازي، زوج دانية، بابنتهما الثانية، ليال (19 عاماً)، القاطنة بواشنطن، والتي ظهر وجهها على شاشة الهاتف.

سألتها ليال: "ماما، كيف تشعرين؟". ردَّت الأم: "أشعر بأنني بحالةٍ رائعة، لقد وُلِدت اليوم!".

وقامت الحكومة السعودية، في مايو/أيار 2018، أي قبل أسابيع من رفع الحظر، باعتقال بعض أبرز المدافعات عن حقوق المرأة في البلاد، وضمنهن سيدة شاركت في احتجاج 1990.

وفسر مُحلِّلون الاعتقالات بأنها جاءت لتحبط أي نشاط سياسي آخر، وربما كان الهدف منها تهدئة المحافظين الدينيين الذين دعموا حظر القيادة وعارضوا حقوق المرأة الأخرى.

أشعر بأنني بحالةٍ رائعة، لقد وُلِدت اليوم!.
أشعر بأنني بحالةٍ رائعة، لقد وُلِدت اليوم!.

حرية.. وفوائد اقتصادية

ولم يتضح بعدُ إذا ما كانت ستُقْدم أعدادٌ كبيرة من السعوديات على القيادة في الشوارع. الحكومة السعودية صرحت، يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، بأن أكثر من 120 ألف امرأة قدَّمن طلباتٍ للحصول على رخصة القيادة، مع أن عملية إصدار الرخص قد أُبطِئت؛ بسبب العدد القليل من المدارس المتاحة للتدريب على القيادة.

كما سلَّط المسؤولون الضوء على الفوائد الاقتصادية لرفع الحظر، وضمنها توفير الأموال للنساء ذوات الدخل المنخفض اللاتي كنَّ يضطررن إلى دفع الأموال للسائقين.

وسارعت بعض النساء، مثل غالية صوفي، لاغتنام الفرصة، فاشترين سيارةً وحدَّدن موعداً لاختبار القيادة في اليوم نفسه الذي رُفِعَ فيه الحظر، لم تكن تلك السيدة، البالغة من العمر 33 عاماً، تمانع أن يكون لديها سائق، ولكنها كانت تكره أن تجعله ينتظرها بينما تزور أصدقاءها وأقاربها بالساعات.

أكثر من 120 ألف امرأة قدَّمن طلباتٍ للحصول على رخصة القيادة
أكثر من 120 ألف امرأة قدَّمن طلباتٍ للحصول على رخصة القيادة

ولكونها أماً لطفلين، وحاملاً بالطفل الثالث، كانت تعتبر أن عدم إمكانية القفز في السيارة سريعاً لاصطحابهم إلى المستشفى في حالة الطوارئ أمر مرعب، وقالت: "أحب الاعتماد على نفسي، وأن أختار الطرق التي أسير فيها وبطريقتي الخاصة".

وفي حين كانت تقود السيارة بشوارع الحي الذي تقطن فيه، الأحد، أي بعد فترةٍ وجيزة من تسلُّمها الرخصة، قالت إنه كان من الممكن أن يتلاشى الشعور بالبهجة إزاء تلك النقلة الجديدة؛ لأنها من الممكن أن تتعب من القيادة في حركة مرور جدة، ولكن ذلك لم يحدث بعد: "لم أتخيل قط أن هذا سيتحقق. إنه شعورٌ رائع!".

لن أتخلى عن سائقي

كانت دانا القصيبي، مدربة اليوغا والخيول البالغة 37 عاماً، تتحرَّك بحذرٍ أكثر. امتلكت رخصة قيادة سارية حصلت عليها من دولة البحرين المجاورة، واعتقدت أن بإمكانها في النهاية شراء سيارة قوية من شأنها سحب المقطورات. وقالت: "أنا سائقة ولست راكبة".

سلَّط المسؤولون الضوء على الفوائد الاقتصادية لرفع الحظر، وضمنها توفير الأموال
سلَّط المسؤولون الضوء على الفوائد الاقتصادية لرفع الحظر، وضمنها توفير الأموال

لكن، ربطتها علاقةٌ خاصة بسائقها، يوسف محمد (55 عاماً)، الذي جاء من الهند وعمل لدى عائلتها ما يقرب من ربع قرن. رافقها محمد عندما حصلت على رخصة القيادة لأول مرة من البحرين؛ إذ كان يمسك المقود ويهزها لتستيقظ؛ إذ كانت تغفو بينما كانت تقود في طريقها للعودة إلى السعودية.

وعندما أنجبت زوجة محمد طفلاً في الهند، سموا الطفلة دانا كما تحكي، "إنه يعرف كلَّ شيءٍ عني"، مضيفة أنها عندما تتمكَّن من القيادة أخيراً، فإنها قد تُفضِّل أن تصطحبه معها على أنه راكب.

محمد، الذي كان يحضر حفل خطوبة ابنته دانا في الهند يوم الأحد 24 يونيو/حزيران 2018، أكد في حوارٍ عبر الهاتف، أنه لم يهتم كثيراً لما قد يَعنيه رفع هذا الحظر لمستقبله كسائق. وأضاف ببهجةٍ تطغى على صوته: "أنا سعيد من أجلها، في غاية السعادة".