اللطف فطريٌّ لديهم وليس بتعليماتٍ من بوتين.. رحلتي إلى نيجني نوفغورود: عندما يتحد سائقو التاكسي ضد فرض سعرٍ أعلى

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/26 الساعة 12:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/26 الساعة 19:00 بتوقيت غرينتش

وصلت مع شقيقي إلى مطار ستريجينو الدولي، المطار الوحيد بالمدينة، الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف ليل الأحد، 24 يونيو/حزيران. عند باب الخروج، واجهنا بعض سائقي التاكسي الذين يعرضون علينا خدمة التوصيل، لكننا كنّا نرد عليهم بالرفض والشكر، إذ كعادتنا في كل من موسكو وفولغوغراد كنا نفضل استخدام تطبيقي أوبر أو ياندكس تاكسي، من أجل التنقل.
كان قد تم استغلالي على أكمل وجه في أول أيامي في العاصمة موسكو، عندما أوقفت تاكسي أمام محل إقامتي هناك، وطلبت منه إيصالي إلى منطقة المشجعين، قال السائق إنه سيأخذ 600 روبل روسي (حوالي 10 دولارات). وافقت وأنا أعتقد أنه طلب أكثر من المعتاد، لأن الطبيعي أنه سيقوم بتشغيل العداد.
لكن المفاجأة كانت عند عودتي من نفس المكان إلى محل إقامتي، عبر ذات الشوارع، لكن في الاتجاه المعاكس لا غير. عندما أوقفت التاكسي قال لي السائق إنه سيقوم بتشغيل العداد، وهو ما أشعرني ببعض الراحة، لكن المفاجأة كانت أن قيمة الرحلة وصلت إلى 2000 روبل! هنا قرَّرت استخدام التطبيقات، وعدم إيقاف أي سائق بشكل مباشر.

سائق التكسي فاليرا
سائق التكسي فاليرا

لكن في نيجني نوفغورود كان الوضع مختلفاً، فعند وصولنا للمطار فوجئنا أنه لا يوجد أي سائقين متاحين على أوبر، ولم أجد سوى سائق واحد على تطبيق ياندكس تاكسي فقط، بعد عدة محاولات فاشلة خلال 10 دقائق كاملة.
وجدت السائق يرسل لي رسالةً عبر التطبيق يخبرني عن مكان الوصول الذي أريده، فأخبرته رغم أن المكان محدد مسبقاً عبر التطبيق. لكنه عاد وأرسل رسالة يقول إن قيمة الرحلة ستكون 1000 روبل، نظرت إلى شاشة التطبيق فوجدت أن قيمة الرحلة المفترضة هي 518 روبل. شكرته ورفضت عرضه

طوال 15 دقيقة تالية كنت أحاول الوصول إلى سائقين متاحين عبر كلا التطبيقين، لكن دون فائدة. خلال هذه الفترة، كان يظهر أحد سائقي التاكسي ليعرض علينا التوصيل، وعندما نرفض، يقول إننا لن نجد أي سائق متاح عبر التطبيقات.
في النهاية اضطررنا للاستسلام، وبدأت استمع لعروض السائقين التي كانت تبدأ من 1500-2000 روبل. في النهاية قَبِل أحد السائقين أخذ مبلغ 1200 روبل لإيصالنا.

كان أغلب السائقين يستخدمون خاصية الترجمة الصوتية الفورية عبر تطبيق ترجمة جوجل، فالغالبية العظمى بالمدينة، بل في روسيا كلها، لا تعرف الإنكليزية. بعدما بدأت الرحلة، فوجئنا أن السائق يقوم بترجمة مقاطع صوتية ويُسمعنا إياها بشكل مستمر، هو يريد التحدث بشكل متصل، عن وجهتنا، ومكان الملعب، ومنطقة المشجعين وغيرها.

لحسن الحظ فاليرا يتحدث باللغة الإنكليزية
لحسن الحظ فاليرا يتحدث باللغة الإنكليزية

لكن المشكلة كانت في حجم الإجهاد والتعب والرغبة في عدم التحدث مع أي شخص، لذلك كنا ننهي أسئلته بإجابات مقتضبة، فوقت الرحلة يبلغ 40 دقيقة تقريباً، ولن نتحمّل الحديث طوال هذه الفترة. لكنه كان مصراً على الحديث قائلاً "الآن سأحدثكم عن المدينة". هنا فاض بِنَا الكيل، وأخبرناه أننا نتابع بعض المقاطع على هواتفنا، فوصلته الرسالة ليقول عبر جوجل إنه سيتوقف عن إزعاجنا.
كان الرجل يبدو في نهاية الخمسينيات من عمره، وهو ما جعلنا نتفهّم إصراره على التحدث، ونعتقد أن الموضوع فردي. فقد اعتدنا في موسكو وفولغوغراد على صمت السائقين، والتحدث في أضيق الحدود. عندما اقتربنا من الوصول، عاد الرجل للتحدث من جديد عن ميزة موقع فندقنا الصغير، ومدى قربه وبعده من الملعب ومنطقة المشجعين وقلب المدينة، كانت 5 دقائق فقط، لكنها مرت كالدهر.

المدينة تحب المساعدة

في الصباح، استيقظت مبكراً بعض الشيء، كي أستغل بعض الساعات القليلة قبل انطلاق مباراة إنكلترا وبنما، التي كنت أملك وشقيقي تذاكر لها، وهي المباراة التي ستنطلق في تمام الثالثة عصراً بالتوقيت المحلي. عندما بدأت السير على نهر الفولغا في الجهة المقابلة لملعب المباراة، فوجئت بانتشار كميات من "الهاموش"، أو تلك الحشرات التي تشبه الناموس، وتنتشر في فصل الصيف في المناطق الزراعية.
احتجت للتوجه لوسط المدينة كي أشتري "إسبراي" واقياً، بالإضافة لتجديد باقة الإنترنت. ووسط حيرتي في البحث عن أقرب مكان، فوجئت بإحدى المتطوعات صغيرات السن بسؤالي عما أبحث عنه. نفس الأمر تكرر معي لاحقاً في مطار المدينة خلال رحلة العودة بعد نهاية المباراة مباشرة، عندما عرضت علينا إحدى المتطوعات مساعدتي فيما أريد. صراحة لم أعتد على مثل هذا النوع من المبادرة في موسكو أو فولغوغراد.


لكن الحديث لا يتوقف

كان موعد طائرتي لمغادرة المدينة بعد ساعتين بالضبط من نهاية المباراة، لذلك خرجنا بضع دقائق باكراً قبل صافرة النهاية للحصول على تاكسي ومحاولة الوصول للمطار سريعاً قبل الزحام. وتكرَّرت نفس تجربة المطار، نحاول أن نطلب عبر التطبيقين لكن دون جدوى، فاستسلمنا سريعاً إلى سائقي التاكسي، الذين فوجئنا أنهم جميعاً مصرّون على مبلغ 2000 روبل لإيصالنا للمطار، مع العلم أن القيمة عبر التطبيقات لا تتعدى 650 روبل.
اتفقنا مع سائق شاب أخيراً، اسمه فاليرا ويبلغ 34 عاماً. كان يتميز بلغة إنكليزية جيدة جداً، مقارنة بأغلب الشعب الروسي. وفاجأنا بطلب مبلغ الأجرة مقدماً، وعندما سألناه عن السبب كان جوابه حتى لا تقع مشكلات بعد انتهاء الرحلة. ما فهمناه منه لاحقاً أن هناك القليل من الأشخاص الذين لا يدفعون قيمة الرحلة، ويتحججون بعدم توافر أموال معهم، وبالتالي يريد أخذ الحيطة. عندما انطلق بِنَا باتجاه المطار أخبرناه أننا في عجلة كبيرة من أمرنا بسبب موعد الطائرة، فردَّ بأن الطريق سيأخذ حوالي 45 دقيقة، وأننا سنصل في وقت مناسب.
بدأ الشاب بشكل تلقائي يتجاذب معنا أطراف الحديث، عن روسيا وبناتها وطبيعة السكان، الشاب يبدو أنه لن يتوقف عن الحديث، ورغم ميلنا لعدم التحدث طويلاً، إلا أن إنكليزيته الجيدة، والوقت المتوسط من النهار شجعنا على إكمال الحديث معه.
تجاذبنا أطراف الحديث طوال فترة الرحلة، لكن اهتمامنا انصبَّ في جزء من الوقت على فهم السر وراء عدم توافر سائقين من خلال التطبيقات.
ذكر لنا الشاب الذي تعلم الإنكليزية منذ سن الخامسة، أن الشوارع المحيطة بالملعب وتلك المجاورة لمنطقة المشجعين والشارع المطل على محطة السكك الحديدية يُمنع فيها دخول السيارات العادية وسيارات الأجرة، ما عدا سيارات الأجرة الحاصلة على ترخيص مسبق لدخول هذه المناطق. سيارته واحدة منها، وذلك بعدما دفع رسوماً تبلغ 3100 روبل.
هو يعمل سائقاً عبر تطبيق أوبر أيضاً، قام بفتح التطبيق أمامنا، وأوضح كيف أنه لا يوجد أي طلبات عبره في منطقة المطار أو الملعب، وأن الطلب عبر أوبر يقتصر على منطقة مركز المدينة فقط.
هذا يوضح كيف أنه في مدينة صغيرة مثل هذه لا يتجاوز عدد سكانها 1.3 مليون نسمة، يسهل على سائقي الأجرة الاتفاق على شيء ما، مثل سعر موحد للتنقلات من مكان لآخر. فاليرا يتحجج بما دفعه من رسوم ليبرر هذا السعر المرتفع للتنقلات، مشيراً إلى أن كأس العالم فرصة جيدة ولن تعوض لجمع بعض المال.
هذا النوع من الاستغلال لا يغير أبداً من حقيقة أن سكان المدينة مثلهم مثل جميع سكان روسيا، يتميزون بالطيبة الواضحة والأدب في التعامل. حاولت في البداية أن أقنع نفسي أنها تعليمات عليا من الرئيس بوتين لشعبه، بالتعامل الجيد مع ضيوف البلاد، لكن تفاصيل المعاملة تؤكد لي أن هذا أمر فطري فيهم، وليس مصطنعاً على الإطلاق.


اقرأ أيضا

قواعد طيرانهم غريبة، لا يتكلمون أي لغة أخرى ولا يبتسمون!.. مغامرة شاب مصري في أول رحلة له إلى روسيا لحضور المونديال

علامات:
تحميل المزيد