يقيم الأمير البريطاني وليام، نجل ولي العهد البريطاني الأمير تشارلز، في فندق الملك داود بالقدس، في مستهل رحلته للأراضي الفلسطينية وإسرائيل برفقة دوقة كامبريدج.
وأشار الأمير إلى أنه سيزور البلدة القديمة في القدس وسيقيم بفندق الملك داود، الذي استُخدم من قِبل بريطانيا مركزاً لإدارة حكمها في فلسطين قبل قيام إسرائيل عام 1948.
وقال الكاتب البريطاني بيتر أوبورن، في مقال له بصحيفة "ميدل إيست آي"، إن الأمير وليام ينبغي أن يحيي ذكرى قتلى الانفجار الذي جرى في عهد الملك جورج السادس، أي الجد الأكبر للأمير وليام.
لكن حكاية الفندق لم تبدأ هنا، ولم تنتهِ حتى بعد التفجير العنيف.
وللفندق الذي يقيم فيه الأمير تاريخ مهم؛ إذ قامت عصابات من شبان يهود مسلحين في 1946 بمهاجمة مبنى الفندق؛ ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات، العديد منهم كانوا موظفين بريطانيين مدنيين وعسكريين، إلى جانب عرب ويهود وآخرين.
لا يزال الفلسطيني محمد جاد الله، (97 عاماً)، يتذكر هذا اليوم عندما وصل للتو إلى القدس للعمل نادلاً في الفندق الذي استخدمته السلطات البريطانية كمقر للانتداب على فلسطين في ثلاثينيات القرن الماضي.
قال بينما يسترجع الواقعة، إن المتفجرات "قسمت الغرفة إلى قسمين… كان هناك حالة من الفزع. كان الناس يركضون في غرفة الطعام وبأماكن أخرى من الفندق".
وتوقف جاد الله عن تقديم الخدمة للبريطانيين من نزلاء الفندق الرسميين، بعد أن قامت عصابة الإرغون اليهودية بتفجير الفندق. وفي يوليو/تموز عام 1946، أصبح يحارب مع الجانب العربي في الحرب التي اندلعت فيما كان العهد البريطاني يوشك على الأفول، حسب وكالة رويترز للأنباء.
مصري يهودي بنى الفندق في القدس
استثمرت عائلة موصيري اليهودية المصرية من أصل إيطالي، في فنادق مصر الكبرى مثل "كونتننتال" و"ميناهاوس" و"سان ستيفانو"، لكنَّ عزرا موصيري، ابن العائلة الثرية، قام في ثلاثينيات القرن الماضي بتأسيس فندق كبير بالقدس، التي كانت تحت الانتداب البريطاني (1920-1948).
حينما فجرت العصابات الصهيونية المقر الإنجليزي
وفي الساعة الثانية عشرة والنصف، نفَّذت منظمة صهيونية متشددة هجوماً إرهابياً على فندق الملك داود؛ إذ قامت عصابة الأرغون الصهيونية يوم الإثنين 22 يوليو/تموز 1946، بتفجير الفندق الذي كان المقر الإداري للانتداب البريطاني على فلسطين.
فلقي 91 شخصاً على الفور مصرعهم، وأصيب قرابة 46 آخرين.
كان الفندق يمثل المكاتب المركزية للسلطات الانتدابية البريطانية في فلسطين، وبصورة أساسية سكرتارية لحكومة فلسطين ومقر القوات المسلحة البريطانية في فلسطين وشرق الأردن.
وعند التخطيط، حصل الهجوم -الذي اعتُبر الأكثر دموية ضد البريطانيين خلال فترة الانتداب البريطاني- على موافقة عصابات الهاغاناه، المجموعة شبه العسكرية اليهودية الرئيسية في فلسطين قبل قيام إسرائيل.
لاحقاً قامت الهاغاناه بإلغاء موافقتها، لكن الإرغون لم تعرف وقامت بتنفيذ العملية "الإرهابية". وتم تصويرها في سياق الرد على عملية "أغاثا" التي قامت بها السلطات البريطانية ضد منظمات صهيونية متمردة في الأراضي الفلسطينية.
تنكُّر الإرهابيين في هيئة عمال عرب
قام أفراد من الأرغون، متنكرين في هيئة عمال مطابخ عرب ونادلين بالفندق، بزرع قنبلة في الطابق السفلي من المبنى الرئيسي للفندق، الذي كان جناحه الجنوبي يضم أمانة الانتداب وعدداً قليلاً من المكاتب التابعة للمقر العسكري البريطاني.
وتسبب الانفجار الناتج في انهيار النصف الغربي من الجناح الجنوبي من الفندق. ووقعت بعض الوفيات والإصابات أيضاً في الطريق خارج الفندق وبالمباني المجاورة.
لاحقاً، قالت منظمة الأرغون إنها أرسلت تحذيرات بالهاتف إلى الفندق وقام الموظفون بتجاهلها، لكن السلطات البريطانية نفت ذلك.
وقُتل عربٌ وبريطانيون ويهود في التفجير الإرهابي
على أثر التفجير لقي قرابة 91 شخصاً مصرعهم، بينهم 28 من البريطانيين، و41 من العرب، و17 يهودياً، و5 أفراد من نزلاء الفندق الآخرين، كما أصيب العشرات على أثر التفجير الدموي.
إذن ما هي عصابات "الإرغون"؟
نشأت منظمة الإرغون (التي صنفتها السلطات الإنكليزية كمنظمة إرهابية عام1931) كفرع من الحركة الصهيونية المسلحة "هاغاناه"، شعرت "الإرغون" بأن بريطانيا تفرض قيوداً على الهاغاناه في تعاملها مع العرب والفلسطينيين فانشقت عنها.
وتلقّت "الإرغون" دعماً مادياً وعسكرياً سريّاً من بولندا ابتداءً من عام 1936؛ لتشجيع هجرة اليهود البولنديين الذين كانوا من أفقر طبقات المجتمع.
وبعد إعلان دولة إسرائيل، حلّت الحكومة الإسرائيلية المؤقّتة آنذاك جميع العصابات العسكرية؛ لتكوين "الجيش الإسرائيلي"، وكانت "الإرغون" إحدى تلك المنظمات التي انضمت إلى الجيش بعد مواجهة محدودة معه واعتقال قادتها.
ومن أشهر عمليات "الإرغون" مذبحة دير ياسين التي راح ضحيتها 360 فلسطينياً، وذكرها بيجن في كتابه "التمرد.. قصة الأرغون" وعملية فندق الملك داود، واغتيال ممثل هيئة الأمم المتحدة الكونت "برنادوت" في 17 سبتمبر/أيلول 1948 بالتعاون مع منظمات شتيرن والهاغاناه، بعدما لم ترُق مقترحاته للتسوية للمنظمات اليهودية.
سادس رئيس لوزراء إسرائيل ومؤسس عصابة الإرغون
مناحم بيغن، سادس رئيس لوزراء إسرائيل، المولود في روسيا البيضاء عام 1913، هو مؤسس حزب الليكود ومؤسس منظمة "الإرغون" التي تعني المنظمة العسكرية القومية في إسرائيل، وتُلفظ: إرغون تسفائي لئومي.
سافر بيغن للدراسة في بولندا، وأسس هناك منظمة يهودية قبل أن يذهب إلى الأراضي الفلسطينية ليشارك في القتال ضد العرب هناك.
وحصل بيغن على جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات.
ويحتفلون بالتفجير بعد 60 عاماً
في يوليو/تموز 2006، نظم مركز مناحم بيغن للتراث مؤتمراً للاحتفال بالذكرى الـ60 للتفجيرالإرهابي. وحضر المؤتمر رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو وأعضاء سابقون في "الإرغون".
واحتج السفير البريطاني في تل أبيب والقنصل العام في القدس، قائلَين: "لا نعتقد أنه من الصواب القيام بإحياء ذكرى عمل إرهابي أدى إلى فقدان العديد من الأرواح"، كما طالبت الحكومة البريطانية بإزالة اللوحة التذكارية التي تحتفي بالتفجير وعُرضت في الحفل.
إقرأ أيضاً..