استغرقوا 15 عاماً لبنائها.. تلسكوبات عملاقة بملايين الدولارات لكشف أسرار الطبيعة

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/22 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/23 الساعة 13:15 بتوقيت غرينتش

حان ميعاد القول الفصل، مرةً أخرى، للفلكيين الذين يرغبون في بناء تلسكوبٍ هائل على مونا كيا، البركان الكبير القائم في جزيرة هاواي الكبرى.

في 21 يونيو/حزيران 2018، ستسمع المحكمة العليا بهاواي مرافعاتٍ شفوية في هونولولو حول ما إن كانت ستوافق على منحهم رخصة بناء التلسكوب، الذي سيكون الأكبر والأعلى تكلفة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.

ألغت المحكمة نفسُها تصريحَ بناء التلسكوب قبل عامين ونصف العام لأسبابٍ إجرائية، بعدما منعت مجموعة من الاحتجاجات البناء على قمة الجبل كما جاء في صحيفة  The New York Times

تحوُّل جديد في علم الفلك

كان تلسكوب الـ30 متراً (الذي سُمِّي بناءً على حجم قُطر المرآة الرئيسية لجمع الضوء) قد مضى على تخطيط بنائه 15 سنة، ليكون واحداً من 3 تلسكوبات عملاقة مُخطَّط لبنائها، ويمكن أن تُشكِّل تحوُّلاً حقيقياً في علم الفلك بالقرن الـ21.

إذا لم يحصلوا على تصريحٍ للبدء في البناء على مونا كيا قريباً، يقول علماء الفلك القائمين على بناء التلسكوب إنَّهم سيبنونه على جزيرة لا بالما الإسبانية التابعة لجزر الكناري، والواقعة قبالة إفريقيا، حيث يوجد مرصد روك دي لوس موتشاسوس الذي يضم العديد من التلسكوبات، من ضمنها تلسكوب الكناري العظيم الذي يبلغ حجم قُطره 10 أمتار.

سينتهي بناء تلسكوب الـ30 متراً عام 2029، وذلك إذا بدأوا في بنائه خلال العام المقبل (2019). لكن، لا يزال هذا احتمالاً غير أكيد، ما سيُقلِّل من فرص انتصار التلسكوب أمام منافسيه في السباق على توسيع مجال رصد الفلك.

ألقت الدراما المحيطة بمونا كيا بظلالها على قضايا أخرى تتعلَّق بتمويل الجيل التالي من التلسكوبات الضخمة (كما يُطلق عليها) واستخدامها مستقبلاً.

لم تجمع معظم المجموعات المعنيَّة، على سبيل المثال، كل الأموال والشركاء المطلوبين بعد.

لكنَّ هذا في حدِّ ذاته لا يثير الدهشة.

التلسكوب الضخم.. له منافس

قال تشارلز ألكوك، مدير مركز هارفارد-سميثونيان للفيزياء الفلكية، وعضو مجلس إدارة مرصد ماغلان لبناء التلسكوبات العملاقة الذي يبني تلسكوباً عملاقاً منافساً في تشيلي: "يستغرق بناء تلسكوبٍ واحد جيلاً كاملاً". وأضاف أنَّ على المُخطِّطين ألا ينتظروا الحصول على تكلفته كاملةً قبل أن يبدأوا؛ بل يجب أن تبدأ أعمال البناء بأي أموالٍ في متناول اليد.

ووفقاً لتقديراتٍ غير رسمية من علماء خارجيين، يفتقر كلٌّ من ماغلان وتلسكوب الـ30 متراً إلى مئات الملايين من الدولارات اللازمة لإتمام خطة تمويلهما. ويقول بعض علماء الفلك إنَّ تلسكوب الـ30 متراً، الذي قُدِّر في البداية أنَّه سيُكلِّف 1.4 مليار دولار، يحتاج الآن إلى نحو ملياري دولار. ورفض مسؤولو المشروع أنفسهم تحديد مقدار تكلفة ما يحتاجون إليه.

في حين قال إدوارد ستون، الأستاذ بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا والمدير التنفيذي للمرصد العالمي لتلسكوب الـ30 متراً، إنَّ تكلفة التلسكوب تعتمد على توقيت بنائه ومكانه.

تتحدَّد قدرة التلسكوب وفقاً لمدى تجميع الضوء على مساحة مراياه الرئيسية أو الأساسية. وهذا يعني أنَّ التلسكوبات قيد التطوير التي تبلغ أقطارها 30 متراً ستكون أقوى 10 مرات من التلسكوبات القائمة بالفعل على الأرض، والتي تحتوي على مرايا أساسية بعرض 10 أمتار.

هذه القوة تُكلِّف أموالاً باهظة وتقنياتٍ مُتقدِّمة

على غرار نموذج تلسكوبات "كيك" أعلى مونا كيا، ستصبح مرآة التلسكوب الرئيسية لتلسكوب الـ30 متراً عبارة عن فسيفساء من مئات من المرايا السداسية الأصغر حجماً، والموضوعة بعضها بجانب بعض مثل البلاط على أرضية الحمام. لكن على النقيض من ذلك، تكمن قوة تلسكوب ماغلان العملاق في الجمع بين 7 مرايا، يبلغ قُطر كل منها 8 أمتار.

ومع ذلك، سيبدأ تلسكوب ماغلان العملاق بـ4 مرايا فقط في عام 2023، مما يجعله أكبر تلسكوب مؤقت على الأرض.

لكنَّ نجمه سيغيب بعد مرور عام واحدٍ، إثر دخول متسابق آخر إلى سوق رهانات التلسكوبات العملاقة: التلسكوب الأوروبي فائق الضخامة، الذي يبنيه المرصد الأوروبي الجنوبي في تشيلي أيضاً. كانوا يُخطِّطون في الأصل ليكون عبارةً عن فسيفساء قُطرها 100 متر (يُعرَف سابقاً باسم التلسكوب بالغ الضخامة أو OWL)، لكنَّهم خفضوا حجم قُطرها إلى 42 متراً، ثم 39 متراً عندما يبدأون العمل به في عام 2024، سيكون أكبر تلسكوب رصد بصري بالعالم.

الاجتماعات أعطت المشاريع زخماً سياسياً ومالياً مهماً

لكن، ما يُشكِّل أزمةً حقيقية لكلٍّ من مشروعي تلسكوب الـ30 متراً، وتلسكوب ماغلان هو أنَّ أياً منهما لم يتلقَّ أي دعم من مؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، التي تُموِّل عادةً مشاريع الرصد الفلكي الأرضية في الولايات المتحدة.

غير أنَّ هناك الآن اقتراحاً قائماً لإصلاح هذا: وفقاً للخطة، التي ما زال يقف أمامها العديد من الخطوات البيروقراطية والأكاديمية والسياسية، ستسهم المؤسسة الوطنية للعلوم بربع تكلفة كلٍ منهما مقابل إطلاع علماء فلك خارجيين على عملية الرصد.

بخلاف ذلك، سيُخصص كل وقت التلسكوب لعلماء الفلك من الشركاء المؤسسيين في تلك التعاونات.

وقال ديفيد سيلفا، مدير المرصد البصري الوطني لعلوم الفلك، إنَّ الفكرة نشأت في العام الماضي (2017)، خلال المناقشات حول إجراء دراسة مستقبلية للأولويات الفلكية من الأكاديميات القومية للعلوم. كل 10 سنوات، تعقد الأكاديمية اجتماعاً رفيعَ المستوى لمناقشة كيفية إنفاق الدولارات الفيدرالية. سيبدأ استطلاع عام 2020 هذا الخريف، عندما ينتهون من اختيار شخص ما لقيادة اللجنة الرئيسية.

يذكر د.سيلفا طرح سؤال مهم في الاستطلاع حينها، وهو ما يجب فعله لتعزيز أحد أو كلا التلسكوبين العملاقين؛ ماغلان والـ30 متراً. بدأ المشروعان على بُعد بضعة أميال في باسادينا -بمراصد كارنيغي وفي معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، الشريكين مع جامعة كاليفورنيا- بأفكارٍ مختلفة جداً حول كيفية المضي قدماً، ثم نمت الجهود لتصبح اتحادات دولية مترامية الأطراف، ومنافسة شديدة للشركاء وموارد أخرى منذ بدايتها.

وقال مات ماونتن، رئيس رابطة جامعات الأبحاث في علم الفلك، الذي يدير المرصد الوطني ومنشآت فلكية أخرى تابعة للحكومة: "أدرك العاملون على كلا المشروعين في النهاية حقيقة أنَّ التلسكوب الأوروبي ذا الـ39 متراً تغلَّب على كلٍ منهما".

وخلص د.سيلفا وآخرون، وأبرزهم د. ماونتن، إلى أنَّ المشروعين سيحظيان بفرصة أفضل للنجاح إذا تضافرت جهودهما وطرحا قضية علمية موحدة.

مظلة أكبر قد تعمل بشكل أفضل

وأشار إلى أنَّ الفلكيين الأميركيين، دون وضع خطة، كانوا يواجهون احتمالية ألا يكونوا جزءاً من أكبر تلسكوب على الأرض، بعد قرن من الهيمنة بتلسكوبات كالتي يصل حجم أقطارها إلى نحو 5 أمتار على جبل بالومار في كاليفورنيا.

وقال إنَّ الوضع يُذكِّرنا بمحنة علماء الفيزياء الأميركيين المختصين بعلم الجسيمات، الذين تخلوا عن الريادة في فيزياء الطاقة العالية منذ ربع قرن عندما أُلغِيَ المصادم الفائق، ذو التوصيل الفائق. بعد ذلك،  بَنَت المنظمة الأوروبية للبحوث النووية مصادم الهادرون الكبير في سويسرا، وصار مركز الفيزياء منذ ذلك الحين.

وذكر د.سيلفا في رسالة بالبريد الإلكتروني، أنَّ الفلكيين الأميركيين لا يزالون قادرين على المشاركة في المشاريع التي تقودها أوروبا بتشيلي، إذا لم يؤتِ تلسكوبا الـ30 متراً وماغلان ثمارهما؛ لكنَّه أشار إلى أنَّه "على أقل تقدير، سيكونون بذلك قد عبروا خطاً نفسياً مهماً لأجل علم الفلك الأميركي".

وتستلزم الخطة تحديد "برامج علمية أساسية" تشمل موضوعات، أو كواكب خارجية، أو طاقة مظلمة، يمكن ملاحقتها بكلا التلسكوبَين الأميركيَّين في شكل "بياناتٍ كبيرة" منسقة، وسوف يتحكَّم المرصد الوطني في وقت الرصد.

في الوقت الحالي، أعجب مجلسا التعاون المشترك على حد سواء بالفكرة. قال د.سيلفا: "هذا عمل لا يزال طور الإعداد بنسبةٍ كبيرة. نحن في مرحلة بناء الثقة. هل يمكننا العمل معاً؟".

قال الدكتور ألكوك إنَّهم لم يحددوا إلى الآن رقماً ثابتاً حول مقدار مساهمة مؤسسة العلوم، إلا أنَّهم كانوا يتحدثون عن منح 350 مليون دولار لكل من التلسكوبين، لكن ربما يخصص لكلٍّ منهما ما يزيد على ذلك في نهاية الأمر.

وعبَّر النائب جون كولبرسون، الجمهوري عن ولاية تكساس ورئيس لجنة بمجلس النواب تشرف على تمويل المؤسسة الوطنية للعلوم، مُؤخَّراً، عن دعمه المُحتَمَل للتلسكوبَين العملاقَين بمضاعفة الميزانية المُقتَرَحَة لخطط بناء الوكالة لعام 2019 إلى 3 أضعافها.

وقال الدكتور ألكوك: "يجب أن يكون هناك مساحة كافية في المجتمع الدولي لبناء 3 تلسكوبات فائقة الضخامة".

مكان إقامتها ما زال يُمثِّل مشكلة

يعتبر البعض مونا كيا، بارتفاعه الهائلة، وسمائه الهادئة المظلمة، المكان الطبيعي لبناء تلسكوبٍ مثل تلسكوب الـ30 متراً. مونا كيا جزء مما يسمى "الأراضي المُتنَازَع عليها" التي كانت في الأصل مملوكةً لمملكة هاواي وتديرها الآن الدولة لصالح هاواي.

في عام 1968، استأجرت جامعة هاواي أعلى 11 ألف فدان من الجبل مقابل دولار واحد في السنة، وبدأت إبرام عقود إيجار من الباطن مع مختلف المراصد لوضع تلسكوبات.

لكنَّ بعض أنصار البيئة وجماعات هاواي المحلية يقولون إنَّ انتشار المراصد في القمة يُلوِّث الجبل، ويتدخَّل بالممارسات الثقافية والدينية التقليدية، أو ينتهك في الواقع سيادة مملكة هاواي.

في عام 2014، كسر المتظاهرون أساسات بناء تلسكوب الـ30 متراً، ثم حاصروا الجبل، ومنعوا البناء. وتدرس المحكمة ذاتها التي سحبت تصريح بناء التلسكوب أيضاً استئجار موقعه من الباطن.

أظهر استطلاعٌ أخير أنَّ الغالبية المتزايدة من سكان هاواي يُفضِّلون بناء التلسكوب على مونا كيا، لكن لا أحد يعرف ما الذي سيحدث أو من قد يحتج عندما تمنح المحكمة ترخيص بناء التلسكوب أو السماح بتأجير الموقع، أو عندما تبدأ شاحنات البناء في العودة إلى أعلى الجبل.

سيكون الكون كله مُترقِّباً.