“المصريون يؤدون صلاة الفجر بغير وقتها”.. بين الفتاوى الدينية والآراء العلمية أين الحقيقة؟!

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/15 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/15 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش

دار خلال شهر رمضان الماضي جدل واسع في الشارع المصري وعلى الشبكات الاجتماعية، بعد انتشار عدد كبير من التغريدات والمنشورات، تساءل كاتبوها عن صحة ميعاد صلاة الفجر المعمول به، وذلك نتيجة أن موعد أذان فجر يوم 15 رمضان كان قبل فجر مكة، وهو أمر مستغرب ربما يحدث لأول مرة.

لكن الخلاف لم يكن مستجداً، إذ يكثر الجدل كل عام حول صحة توقيت صلاة الفجر في مصر، وقد تفجَّر هذا الخلاف منذ عام 2014، بعد تصريح الدكتور ياسر عبدالفتاح الباحث في معهد العلوم الفلكية، بأن المصريين يصلون صلاة الفجر في توقيت خاطئ منذ 100 عام.

وأكد "عبدالفتاح" أن المسلمين اعتمدوا في تحديد مواقيت الصلاة على عالم فلك بريطاني، وضع هذه المواقيت منذ عام 1908، ولم تتغير هذه الحسابات منذ ذلك الوقت، رغم أنها لا تتناسب مع الحسابات الفلكية الجديدة، وفقاً لقياسات أحدث الأجهزة العلمية المعتمدة دولياً، وبناء على ذلك فإن المصريون يصلون صلاة الفجر قبل موعدها الصحيح بنصف ساعة.

الأمر يصل إلى ساحة القضاء

لم يقتصر النقاش حول موعد صلاة الفجر على الشبكات الاجتماعية، فقد قدم إمام مسجد الهداية في مدينة السادات بمحافظة المنوفية دعوى قضائية عام 2017 ضد وزير الأوقاف، ورئيس هيئة المساحة، ورئيس المركز القومي للبحوث الفلكية ومفتي الديار المصرية، طالبهم فيها بتعديل توقيت صلاة الفجر.

استندت الدعوى إلى نتائج البحث الذي أجراه معهد البحوث الفلكية، وإلى الفتوى التي أصدرتها دار الإفتاء المصرية، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1981، التي جاء فيها أن الحساب الفلكي لأوقات الصلاة الذي تصدره هيئة المساحة عُرض على لجنة متخصصة من رجال الفلك والشريعة، الذين أفادوا بأن الأسلوب الذي تتبعه مصر في حساب مواقيت الصلاة يتفق مع رأي قدماء علماء الفلك، ولا يتناسب مع التقدم العلمي للعصر الحديث.

وصرح مقدم الدعوى بأن رد هيئة المساحة المصرية على وزارة الأوقاف جاء فيه: "إن ميقات صلاة الفجر يحين عندما تكون الشمس تحت الأفق بمقدار 14.7 درجة زاوية انخفاض، أما درجة انخفاض الشمس تحت الأفق المعمول بها حالياً فهي 19.5 درجة".

مركز البحوث الفلكية يؤكد خطأ التوقيت الحالي

وفقاً لعدد من الباحثين في المركز القومي للبحوث الفلكية، فقد اقتنى المركز جهازاً يسمى "الفوتومتر"، وهو الجهاز الذي يعمل على قياس الضوء، وتحديد توقيت بداية الشفق، وعلى أساسه يُحدد موعد صلاة الفجر.

وبعد عدة تجارب أصدر معمل أبحاث الشمس التابع للمركز بياناً حول توقيت صلاة الفجر، أكد فيه اعتماده على عدة عوامل هي خطوط العرض وخطوط الطول، إلى جانب ميل الشمس الذي يتراوح بين -23.45 و+23.45 درجة، وانخفاض الشمس العمودي تحت خط الأفق عند بداية ظهور الخيط الأبيض.

وأوضح البيان أن القاهرة تقع على خط عرض 530.0 شمالاً وخط طول 531.25 شرقاً، في حين تقع مكة على خط عرض 521.34 شمالاً وخط طول 539.82 شرقاً، مع العلم أن درجة انخفاض الشمس عمودياً تزداد صيفاً كلما زاد خط العرض، وعليه فإن الفرق الزمني بين موعد أذان الفجر في القاهرة ومكة يضيق، خاصة في الصيف.

وتابع البيان أنه يجب أن يكون موعد أذان الفجر في مكة سابقاً لموعده في القاهرة، إذا كان انخفاض الشمس عمودياً متساوياً، لكن لأن السعودية بدأت مؤخراً اعتماد قيمة انخفاض شمسي عمودي تحت الأفق تقدر بـ518.5 وهي قيمة خاطئة، بينما ظلَّت قيمة انخفاض الشمس عمودياً عند قيمة 519.5، وهي قيمة أكثر خطأً، لذلك ظهر هذا التناقض في ترتيب موعد الأذانين.

واختتم البيان بالتنويه بأن القيمة الصحيحة لزاوية الانخفاض العمودي للشمس تحت خط الأفق، التي يجب أن تكون موحدة على مستوى العالم هي 514.7، والتي لو أُخِذ بها في تحديد توقيت صلاة الفجر لاختفى هذا التناقض.

وإلى جانب البيان السابق أرسل مركز البحوث الفلكية خطاباً قبل عامين إلى هيئة المساحة لتعديل توقيت صلاة الفجر، بعد قيامه بـ6 رحلات علمية ميدانية بدءاً من أغسطس/آب 2015 وحتى أبريل/نيسان 2016، شارك فيها كبار علماء الفلك والفقه والشريعة ومهندسو هيئة المساحة، وكانت نتيجة هذه الرحلات أن ميقات صلاة الفجر يحين عندما تكون زاوية انخفاض الشمس تحت الأفق 514.7 وليس 519.5.

لم يكن هذا موقف المركز القومي للبحوث الفلكية وحده، فقد أكد عدد من خبراء الفلك، أن مسلمي أوروبا ومصر والدول العربية يصلون الفجر في غير موعده، أما مسلمو شمال أميركا فهم الوحيدون الذين يصلونه في موعده، وذلك نتيجة معدل انخفاض الشمس تحت خط الأفق حسب قولهم.

بماذا ردت دار الإفتاء على الجدال؟

أصدر مفتي الديار المصرية الدكتور شوقي علام بياناً عام 2016، أكد فيه أن توقيت أذان الفجر المعمول به في مصر صحيح شرعياً وفلكياً، مستنكراً الشائعات التي تروّج للتشكيك في توقيت أذان الفجر، ومن ثم التشكيك في صلاة المسلمين وصيامهم عبر الزمن.

وأوضح "علام" أن دعوى بدء الفجر من درجة 515 أو نحوها باطلة ومخالفة لما تقتضيه الأحاديث النبوية، التي تشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي سُنة الفجر، ثم يغفو إغفاءة يسيرة يقوم بعدها إلى صلاة الفجر.

مؤكداً أن الشائعات التي تفيد باعتماد أهل مصر على أحد الفلكيين البريطانيين الذي جعل درجة 519 ميقاتاً لأذان الفجر خاطئة، إذ إن اعتماد هذه الدرجة هو عمل أهل مصر قاطبة منذ سالف الأزمان، وهو ما نص عليه كتاب "النفع العام في العمل بالربع التام" المنسوب إلى رئيس المؤذنين بالجامع الأموي في دمشق العلامة الفلكي علاء الدين أبو الحسن الشاطر.

وشرح موقفه المؤيد لصحة التوقيت الحالي بقوله، إن خطوط الطول تدل على فوارق التوقيت، في حين تدل دوائر العرض على طول النهار، فكلما اتجهنا شمال خط الاستواء ازداد طول النهار صيفاً وازدادت درجة حرارة الشمس، وبناء عليه فإن طول النهار يتغير بتغير فصول السنة تبعاً لدوائر العرض، ونخلص من ذلك إلى أنه يمكن مقارنة المدن الواقعة على دائرة عرض واحدة لتساوي طول النهار.

فإذا ما حاولنا المقارنة بين مكة والقاهرة من حيث خطوط الطول ودوائر العرض، نجد أنهم مختلفون في كليهما، إذ تقع مكة على خط طول 39.9 درجة ودائرة عرض 21.4 درجة، بينما تقع القاهرة على خط طول 31 درجة تقريباً ودائرة عرض 30 درجة، ونستنتج من ذلك أن نهار القاهرة أطول من نهار مكة المكرمة في فصل الصيف، كما حدث في 28 مايو/أيار 2018، إذ بلغ طول النهار في مكة المكرمة والقاهرة أربع عشرة ساعة، وخمساً وأربعين دقيقة، وخمس عشرة ساعة، وسبعاً وثلاثين دقيقة وذلك على الترتيب، وذلك يقتضي زيادة وقت الفجر في القاهرة عنه في مكة.

وأشار وزير الأوقاف المصري إلى أن مركز الفلك الدولي قد أصدر بياناً بتاريخ 5 يوليو/تموز 2015، لتأييد صحة العمل بهذه الدرجة (18-19.5)، مؤكداً اتفاق المتخصصين على أنه لا صحة للقول بأن موعد الفجر المبين في التقاويم مغاير للحقيقة، وأن ما يثار حول اعتماد الجمعيات الفلكية زاوية 15 خاطئ على الإطلاق.

علماء الدين بين الموافقة والمعارضة

أكد الداعية السلفي عبدالرحمن لطفي، أن صلاة الفجر يؤذن لها في توقيت خاطئ وعدّد أسماء العلماء الذين رأوا ذلك، ومنهم: الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق، والشيخ محمد حسان، والشيخ رشيد رضا، ومن علماء الفلك: الدكتور محمد أحمد سليمان، والدكتور عيسى على عيسى، والدكتور أسامة رحومة، ووصف "لطفي" ما يحدث بأنه كارثة يجب تداركها.

وعلى خلفية التصريح السابق يمكن القول إن الكثير من مشايخ التيار السلفي أفتوا بأن موعد أذان الفجر الحالي خاطئ، فالداعية سامح عبدالحميد يرى أن المصريين يصلون الفجر قبل موعده الحقيقي، مستشهداً بالدراسات التي تؤيد وجهة نظره، وعلى رأسها بحث الشيخ أحمد يحيى وفتوى الدكتور جاد الحق، الذي أكد فيها خطأ توقيت صلاة الفجر، ومن جانبه أكد الداعية تامر صلاح أن الدعوة السلفية تمتلك دراسات تؤكد بطلان موعد أذان الفجر الحالي.

على الجانب الآخر، في لقاء مع الباحث الشرعي خليل راشد، صرَّح بأن الإمام الطبري قد ردَّ بقوة على ذلك بأنه ليس المقصود بالخيط الأبيض طلوع النهار دون وجود الليل، بل إن توقيت صلاة الفجر عند الغلس أي في آخر ظلمة الليل، وأضاف أن الرسول وصحابته قد صلوا الفجر ولا يعرف الرجل مَن بجواره، وذلك كما جاء في حديث السيدة عائشة الذي يقول: "كانت نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر، متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حتى يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس".

وأوضح "راشد" أن علماء الفلك والحساب أكدوا صحة توقيت صلاة الفجر المبين في تقاويم كل من السعودية ومصر والأردن وفلسطين وغيرها، وقالوا إن حجة المشككين أنهم رصدوا الفجر، ولم يتبين لهم الفجر الصادق بعد، أو رصدوا الفجر من أماكن غير مناسبة.

علامات:
تحميل المزيد