مدارس للتعليم التقليدي بالمغرب مهمتها تحفيظ القرآن.. يعتمدون على الألواح الخشبية ويمزجون الفلسفة بالعلوم الشرعية

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/07 الساعة 19:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/07 الساعة 19:04 بتوقيت غرينتش

طلاب من كلا الجنسين لم تُثنهم وعورة الجبال ولا برودة طقس المنطقة الواقعة قرب مدينة "شفشاون" شمال المغرب، عن الالتحاق بالمدرسة طمعاً في حفظ كتاب الله وإكمال مسيرتهم الدراسية.

ورغم المسالك الصعبة، يأتي الطلاب من كل صوب لمدرسة عمر بن الخطاب للتعليم العتيق (التعليم الديني التقليدي)، والتي تحتضنها قرية جبلية وعرة تدعى "باب برد"، تقع على منحدرات جبال إقليم شفشاون، حيث تجذب مئات الطلاب الذين تركوا منازلهم والتحقوا بها طلباً للعلم.

 

287 مَدرسة لتحفيظ القرآن بالمغرب

فتحت المدرسة التابعة لوزارة الأوقاف المغربية أبوابها عام 2001، أمام الطلبة من مختلف الجنسيات من أجل حفظ القرآن الكريم ومتابعة الدراسة الأكاديمية فيها، ومنذ ذلك الحين تخرج فيها مئات الطلبة الحافظين لكتاب الله والحاصلين على تكوين شرعي وعلمي يؤهلهم للالتحاق بمختلف جامعات وكليات البلاد.

الأمين بنعليلو اللنجري، المدير العام للمدرسة، يقول في حديث لـ"الأناضول": "بدأت هذه المدرسة العمل بنظام التعليم العتيق سنة 2001. وعلى الرغم من وجودها في منطقة نائية جداً، فإن ذلك لم يمنع المئات من الطلبة والطالبات من الالتحاق بصفوف المدرسة من أجل متابعة دراستهم وحفظ كتاب الله".

وتعتبر مدرسة عمر بن الخطاب واحدة من بين 287 مَدرسة (دينية) رسمية تتوزع على امتداد تراب المملكة المغربية، تدرس بالتوازي مع تحفيظ القرآن الكريم مختلف التخصصات الأكاديمية بالمدرسة، ويدرس بها ما يزيد على 32 ألف طالب من الذكور والإناث.

حفظ القرآن بالألواح الخشبية

بحيوية ونشاط منقطعي النظير، ينكب قسم من تلاميذ المَدرسة صباح كل يوم على ألواحهم الخشبية، مرتلين آيات الله بصوت جماعي يُخيَّل للسامع أنه طنين نحل، في حين يشرع القسم الآخر في دراسة مختلف المواد التعليمية التي تدرسها المَدرسة.

يبدأ تلاميذ "عمر بن الخطاب" مشوارهم في ترتيل الآيات القرآنية المكتوبة على الألواح الخشبية وحفظها واستظهار ما تم حفظه على شيخهم، قبل أن يملي هذا الأخير عليهم وِرْداً آخر ليعاودوا الكَرة مجدداً.

وقال محمد علال معلم بالمدرسة: "في الصباح الباكر، يبدأ التلاميذ حفظ الآيات القرآنية، بعد ذلك يقومون بعرض ما حفظوا على المحفظ (المعلم)، ثم تتم عملية محو الألواح الخشبية، لتبدأ بعدها مرحلة تلقين الآيات وكتابتها في الألواح، لتبدأ عملية الحفظ من جديد".

وعن مدة الدراسة بالمدرسة، أوضح علال لـ"الأناضول"، أن "هناك من التلاميذ من يرغب في المكوث عامين أو ثلاثة أو أربعة في حفظ القرآن، وبناء على ذلك نقوم بوضع برنامج تحفيظ خاص بكل طالب، حيث يتناسب هذا البرنامج مع قدرات الطالب ورغبته ووقته".

بعد 13 سنة فُتح المجال أمام الإناث

ظلت المَدرسة مقتصرة على تعليم الذكور فقط حتى عام 2014، وقتها أتاحت لأول مرة، الفرصة أمام الإناث من أجل حفظ القرآن والدراسة فيها.

ويوضح مدير المدرسة الأمين اللنجري، أنه "انطلاقاً من الحاجة الماسة إلى تخريج العالمات فتحت المدرسة سنة 2014 جناحاً خاصاً بالإناث من أجل تعليم القرآن الكريم ومتابعة الدراسة، وقد أكمل الفوج الأول من هؤلاء الفتيات حفظ كتاب الله كاملاً".

كورود مرتّبة في إكليل، تنتظم طالبات المدرسة بجلابيبهن الحمراء الموحدة حول محفّظهن، يرددن الآيات القرآنية تارة ويستظهرن ما حفظن تارة أخرى.

أسماء خرشيش (15 عاماً)، واحدة من تلميذات هذه المدرسة، تقول لـ"الأناضول": "أتممت حفظ القرآن الكريم خلال 3 سنوات، وأنا الآن مستمرة في تثبيت هذا الحفظ، وفي الوقت نفسه أتابع الدراسة في المستوى الثالث الإعدادي".

خريجو المدرسة يلتحقون بمعاهد الشرطة

توفر مدرسة عمر بن الخطاب، إضافة إلى التعليم الديني، إمكانية الدراسة في جميع المستويات الدراسية، ابتداءً من المرحلة الابتدائية إلى غاية الثانوية العامة.

وفي هذا الخصوص، يقول أمين اللنجري مدير المدرسة: "تدرس هذه المَدرسة كل المستويات من الابتدائي حتى الثانوي، وتؤهل لشهادة الثانوية العامة الصادرة عنها لإكمال الدراسة الجامعية في الجامعات المختلفة، كما تخول هذه الشهادة لحاملها ولوج معاهد الشرطة ومناصب العدل وغيرها".

عبد الواحد يخلف، أحد تلاميذ المَدرسة والذي التحق بصفوفها منذ عامين، يقول لـ"الأناضول": "التحقت بالمدرسة رغبةً في تعلُّم العلوم الشرعية، إلا أنني أتابع في الوقت نفسه دراسة العديد من المواد الأخرى كالرياضيات والفلسفة واللغات وغيرها".

وعن تجهيزات المدرسة لاستقبال الطلاب، وظروف إقامتهم بتلك البقعة النائية، يضيف يخلف: "على الرغم من برودة الطقس ووعورة المكان، فإن تجهيزات المدرسة، سواء على مستوى المبيت أو الدراسة، خففت من قساوة الظروف، إضافة إلى أن وجود طاقم معلمين متميز شجعني على الاستمرار وإكمال مسيرتي في هذه المدرسة".

أكثر من مليون حافظ للقرآن بالمملكة

ارتفع عدد حفظة القرآن الكريم إلى أزيد من 1.1 مليون مغربي خلال عام 2015، وقال أحمد العمراني، المتخصص بالشريعة الإسلامية وعضو المجلس العلمي، إن هذا العدد يظل ضعيفاً نسبياً، مشيراً إلى أن المغاربة تمكنوا من فرض أنفسهم في مجال حفظ القرآن.

وأوضح العمراني أن حمَلة القرآن المغاربة يتزايدون سنوياً بالآلاف، مشيراً إلى أن هناك توجُّهاً جديداً في المغرب يسير نحو التخصص بشكل أكبر في مجال تدبير القرآن.

 

علامات:
تحميل المزيد