يتحدون الجاذبية بحركاتهم السريعة.. “البريك دانس” في المغرب ليس رقصاً وحسب

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/29 الساعة 10:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/29 الساعة 11:42 بتوقيت غرينتش

أسفل القبة الصفراء للمسرح الملكي بمدينة مراكش المغربية، وقف حشدٌ صغير من الناس يهتفون وهم يشاهدون، في ذهولٍ، بعض راقصي "البريك دانس" من جميع أنحاء العالم يؤدون حركاتٍ لولبية سريعة تتحدى الجاذبية، في منافسة تُبَث عالمياً عبر الإنترنت.

صاح مضيف الحدث في الميكروفون: "أحدِثوا بعض الضجة!، تحمَّسوا، فالناس لا تعرف شيئاً عن المغرب".

وإذا بصياح المتفرجين يعلو أكثر.

كانوا متحمسين لأداء فؤاد أمبيلج على وجه الخصوص، وهو أعجوبةٌ مغربية يبلغ من العمر 24 عاماً ويرقص مثل Lil Zoo الذي أصبح ظاهرة عالمية.

قال أمبيلج: "يُعد الرقص مَنفذاً عظيماً للطاقة السلبية. أحب عدم وجود قواعد به. يمكنني التعبير عما أريد، فهو يجعلني أشعر بالحرية".

هذا النوع من الرقص الحماسي، كان يتم في الخفاء ولا يحوز ربما إعجاب وموافقة الأهل، ولكن عندما بدأت برامج المواهب تنتشر على الشاشات العربية، ظهرت الفرق المغاربية بقوة وكثرة، كاشفة بعض حقائق هذا الفن، فهو أحلى عندما يكون جماعياً ويسيطر الوفاق والانسجام على الراقصين.

ساعد "البريك دانس" الشباب في المغرب -حيث تندر مؤسسات الفنون وكذلك التمويل الحكومي لها- على خلق متعتهم الخاصة منذ وصوله إلى هناك في ثمانينيات القرن العشرين.

كان شكل الرقصة -التي نشأت قبل وصولها إلى المغرب بعقدٍ في مقاطعة ذا برونكس بولاية نيويورك- حُرّاً في ظاهره، ولا يحتاج إلا لأجسادٍ متمكنة ومكانٍ واسع.

رقص الهيب هوب خيار لمن لا يهوى المقاهي أو كرة القدم

الباحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراه بكلية كينغز في لندن، كريستينا مورينو ألميدا، التي درست ثقافة الهيب هوب في المغرب، قالت لصحيفة The New York Times: "إذا كنت شاباً بالدار البيضاء، ولا تملك المال ولا ترغب في الجلوس بأحد المقاهي يومياً للتحدُّث عن كرة القدم، فإنَّ أحد الأشياء الممتعة التي يمكنك القيام بها هو الذهاب إلى مكان خالٍ والاستحواذ عليه. إنها لغةٌ عالمية يتحدثون بها ويعرفونها جميعاً".

وفرقة "بي بويز" اخترعت حلبات من الورق المقوى للتمرين

وعلى مرِّ سنوات طويلة، كانت فرقة "بي بويز" ترقص بالأماكن العامة في الهواء الطلق. وجدير بالذكر أنهم اخترعوا حلبات رقص مؤقتة من الورق المقوى؛ ليتمرنوا على حركة الدوران بالرأس؛ نظراً إلى أنهم لم يعثروا على حقول عشبية.

كسر منهجهم الترفيهي -القائم على أسلوب "افعلها بنفسك"- الأعراف الثقافية. وقال هشام عايدي الباحث بجامعة كولومبيا والذي يكتب عن الهيب هوب العالمي والسياسة الثقافية: "عادةً لا يرقص الشباب المغربي في الأماكن العامة إلا إذا كان هناك حفل زفاف أو موكبٌ صوفي".

قبل يوتيوب كانوا يشاهدون الرقصات على أجهزة الفيديو

قبل أن يتيح الإنترنت والهواتف الذكية مشاهدة العروض المتتابعة على موقع YouTube، كان هؤلاء الراقصون يشاهدون في أثناء التمرين أفلام الهيب هوب على أنظمة الفيديو المنزلية ويتدربون بلا كلل.

كان هشام أبكاري، (52 عاماً)، من جيل رواد راقصي "البريك دانس" المغربيين في الثمانينيات. وهو يتذكر مشاهدة مايكل تشامبرس الراقص والممثل الأميركي الذي اشتهر بلقب بوغالو شريمب وهو يؤدي رقصة المقشة التوربينية في فيلم "Breakin" للهيب هوب الذي صدر في عام 1984. وحاول أبكاري تقليد الحركات مع أصدقائه لاحقاً.

وقال أبكاري: "في بادئ الأمر، انجذبنا إلى الموسيقى ومظهر الراقصين، فقد كانوا يرتدون ما يحلو لهم ويبدون طلقاء. أحببنا في ذلك أنَّه كان تعبيراً فنياً خالياً من أي أحكام ببساطة".

يتولى أبكاري اليوم منصب رئيس مسرح محمد السادس الذي فتح أبوابه للراقصين بمدينة الدار البيضاء المغربية في عام 2006، ثم تبعه مركز لوزين الثقافي في عام 2014. وسمح لهم هذان المكانان بالتدرُّب على فنونهم وتحسينها واحترافها.

في المغرب والجزائر ينتشر الفن بمساعدة المهاجرين

وقال عايدي إنَّ المغرب والجزائر يحظيان بأغنى مشاهد الهيب هوب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتباطهما بمجتمعات المهاجرين في المناطق الحضرية الفرنسية حيث يتمتع الهيب هوب بشعبيةٍ كبيرة.

وقال: "حين بدأت رقصة البريك دانس -أو "Le smurf" كما كان يُطلق عليها- في فرنسا في الثمانينيات من القرن العشرين، تسرَّبت أساليبها إلى شمال إفريقيا على أيدي الشباب المنحدرين من أوروبا الحاملين معهم أشرطة تسجيلية وأحذية رياضية وأشرطة برنامج H.I.P.H.O.P التلفزيوني الفرنسي الرائد الذي بدأ بثه في عام 1984، أي قبل برنامج Yo! MTV Raps بأربع سنوات.

ويتأثر بالأحداث السياسية وهموم الشعب

وذكر عايدي أنَّ شكل الرقصة تطوَّر في خضم فترة سياسية متوترة بالمغرب، عندما كانت الحكومة تقمع الاحتجاجات في الشوارع عقب أعمال الشغب التي نشبت إثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية عام 1984، فيما عرف وقتها بـ"انتفاضة الخبز". وبينما كانت السلطات تستهدف المتظاهرين والفنانين الذين ينتقدونها بصراحةٍ، لم تكن الأنظار مُسلَّطة على الراقصين؛ إذ كان يُنظر إليهم على أنهم غير سياسيين.

وعندما ظهر جيل ثانٍ من فرقة "بي بويز" المغربية في أوائل القرن الـ21، بدأ فنهم في الازدهار بالفعل.

وقال عايدي في إشارةٍ إلى الهجوم الإرهابي الذي أسفر عن مقتل 45 شخصاً: "بدأت الحكومة أيضاً بدعم الهيب هوب جدياً في منتصف القرن الـ21، عقب تفجيرات الدار البيضاء التي وقعت في عام 2003. رأت في الموسيقى سبيلاً لإقصاء الشباب عن التطرف. ويفرض النظام المغربي رقابةً صارمة إلى حدٍ ما على مشهد الهيب هوب، مسلِّطاً الضوء على فناني الراب الموالين للنظام مع عزل واعتقال المعارضين منهم".

فريق الـ"بي غيرلز".. للفتيات نصيب أيضاً وطموحات

أما الآن، هناك جيل جديد من الـ"بي بويز" والـ"بي غيرلز" يتشكل في المغرب.

بدأت هاجر شيبوب، (21 عاماً)، "البريك دانس" وهي في الـ13 من عمرها؛ إذ رأت مجموعة مراهقين في مثل عمرها يتدربون على الرقص بالقرب من شقتها في مدينة تمارة القريبة من العاصمة المغربية الرباط. وقد رحَّبوا بها وعلَّموها أساسيات الرقصة.

وقالت: "لم تكن مثل أي رياضة أو حتى رقصة أخرى. انتابني شعورٌ بالراحة. كنت أعرف جميع الشباب وكنت مثل أختهم".

Tchara vibes Part 2 Lil Zoo X @tarzanisme !!

A post shared by LilZoo (@lilzooisme) on

البطالة وصعوبة تأشيرات السفر لا تسهّلان الأمر عليهم

ومع أنَّ "البريك دانس" لم يعد فناً خفياً، ما يزال هؤلاء الفنانون الشباب يواجهون عوائق مالية كبيرة، ووفقاً للبنك الدولي، فإنَّ أكثر من ربع الشباب المغاربة عاطلون عن العمل، إلى جانب صعوبة حصولهم على رعاية، إضافةً إلى أن فرص الراقصين للتنافس دولياً تقيُّدها صعوبة الحصول على تأشيراتٍ للسفر. لكنَّ الحماسة المتأصلة في الراقصين، حاضراً وماضياً، حافظت على استمرار هذا الشكل الفني.

كان ياسين العلوي إسماعيلي، الذي التقط بعض الصور المنشورة في التقرير، جزءاً من موجة راقصي "البريك دانس" بالدار البيضاء في أوائل القرن الـ21. وتُعد قِصته مألوفة؛ إذ رأى أناساً يرقصون في الحديقة وانجذب فوراً إلى طاقتهم وحماستهم.

وقال إسماعيلي، البالغ من العمر 33 عاماً: "توجد هنا الروح نفسها التي كانت موجودة عند نشأة البريك دانس في مقاطعة ذا برونكس، حيث كان الأشخاص يتوقون إلى مكانٍ ما ليعبِّروا فيه عن أنفسهم".

علامات:
تحميل المزيد