انتقلت من حدائق دمشق إلى جبال الأطلس.. حكاية الوردة التي يخصَّص لها مهرجان سنوي يتوَّج بملكة جمال في المغرب

ورغم أن الورود التي تُنتَج في قلعة مكونة أصبحت رمزاً لهوية سكان المنطقة الأمازيغيين، فإنها تخفي وراءها قصة تنقُّل طويلة قادتها من حدائق دمشق الغنّاء إلى صحاري شمال إفريقيا.

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/18 الساعة 18:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/18 الساعة 18:09 بتوقيت غرينتش

على الأرض الترابية المفروشة بزرابيّ حمراء، كانت أحلام لكحل تحيي الجماهير الحاضرة لمهرجان الورود في منطقة قلعة مكونة بجنوب شرقي المغرب، بعد فوزها بلقب ملكة الدورة الحالية من بين 9  فتيات أخريات.

أحلام بملامحها القمحية ولباسها الأمازيغي كانت تعكس هوية المهرجان؛ رداء أصغر للرأس وآخر أبيض شفاف يلفها كلها، وفستان وردي.. هي ألوان الورود التي تنتجها المنطقة وتنظم لها كل عام، في 13 مايو/أيار 2018، مهرجاناً خاصاً يحاول أن يغير صورة المدينة، التي احتضنت منذ السبعينيات مركز تزمامارت، المعتقل سيئ الذكر إبان ما يسمى "سنوات الرصاص" في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

ورغم أن الورود التي تُنتَج في قلعة مكونة أصبحت رمزاً لهوية سكان المنطقة الأمازيغيين، فإنها تخفي وراءها قصة تنقُّل طويلة قادتها من حدائق دمشق الغنّاء إلى صحاري شمال إفريقيا.

ملكة.. بمسؤوليات ثقيلة

لم تكن أحلام تتوقع أن تفوز بلقب ملكة جمال الورود، والذي يعدّ تقليداً سنوياً في المنطقة منذ عام 1962؛ إذ فازت آنذاك تودة أزمري أو للّا تودة كما يناديها أهل المنطقة، بأول لقب ملكة جمال ورد مكونة.

أحلام التي سارت على خطى تودة، "فوجئت بإعلان لجنة التحكيم اختيارها ملكة جمال الورود من بين أخريات"، ولم تخفِ، في تصريح لـ"عربي بوست"، "فرحتها بالفوز في أول مشاركة لها".

هي مشارَكة تعتبرها ملكة جمال الورود 2018 "مهمة جداً ومسؤولية ثقيلة في الآن ذاته"، بالنظر إلى أن لقب الملكة "يفرض على حامله التعريف بشكل أكثر بقلعة مكونة، وإعطاء إشعاع أكبر لورد المنطقة وثقافتها التي تميزها".

هذا بالضبط ما تحاول لجنة تحكيم المسابقة الوصول إليه، من خلال التركيز في معايير اختيارها، أن تكون ملكة الورود "متحدّرة من منطقة قلعة مكونة الكبرى، وتملك ثقافة ومعلومات ترتبط بتفاصيل الورد"، تقول خديجة مناضل، رئيسة لجنة تحكيم مسابقة ملكة جمال الورود.

وتوضح رئيسة اللجنة، في حديثها لـ"عربي بوست"، أنه "يجب أن تكون ملكة جمال الورود ملمّة بوقت زراعة الورد وبموعد جَنيه وبكل استعمالاته".

ولا تشترط اللجنة في المتسابقات على اللقب أن يكنّ ذوات مستوى دراسي عالٍ، فقط أن تتجاوز سنُّهن 16 عاماً.

تاريخ وردة

لو لم يكن لزراعة الورد في قلعة مكونة تاريخ عريق، لما سطعت على السطح نجمات ملكات للوردة الدمشقية في هذه المنطقة النائية جنوب شرقي المغرب.

تذكر الروايات الشفاهية في قلعة مكونة، أن الوردة استُقدمت من دمشق عن طريق القوافل التجارية في الماضي، وهو ما يشير إليه يوسف أوباعسين، الباحث في جغرافية المنطقة.

وورد أيضاً في رواية مختلفة، أن الوردة كانت موجودة بحوض دادس (شرق المغرب) قبل الفتح الإسلامي للمنطقة، وانتقلت بذلك من المغرب إلى أوروبا.

يوسف أوباعسين، الباحث في الجغرافيا وصاحب كتاب "تثمين الموارد الترابية بواحة دادس.. الورد نموذجاً"، يرجح أن يكون اليهود هم الذين جلبوا الورود إلى المنطقة؛ نظراً استقرارهم القديم بها، واعتنائهم بالمزروعات التسويقية والصناعة التحويلية.

زراعة الوردة الدمشقية ستعرف انتشاراً واسعاً، منذ سنوات الثلاثينيات من القرن الماضي، مع دخول الاستعمار الفرنسي للمنطقة، وإنشاء أول معمل لتقطير الورود بقلعة مكونة عام 1938، ثم معمل ثان سنة 1948.

هذه المنشآت الجديدة حفزت الساكنة على تكثيف جهودها للزيادة في غرس الورود وتوسيع مجال انتشارها لقيمتها الاقتصادية، باعتبارها المنتج الوحيد المدرّ للمال بالمنطقة.

ويمتد انتشار زراعة الوردة الدمشقية في المنطقة اليوم على طول 55 كم على طول وادي دادس، و23 كم على امتداد وادي إمكون غي جنوب شرقي المغرب.

جمال يخفي الأشواك

لكي تُواصل المنطقة إنتاج هذا الورد، المشهود له بجودة عالية عالمياً، تتكاثف جهود فلاحين بسطاء في معاناة يومية، بدءاً بالعمل المضني في الحقول والاستيقاظ المبكر، مروراً بتقطير الورد وبيعه بسعر بخس، وانتهاء بالاحتكار الذي يمارسه بعض المنتجين.

شركتان احتكرتا إنتاج وتقطير الورد مدة طويلة، وفرضتا شروطهما والثمن الذي تريانه مناسباً على حساب الفلاحين البسطاء، كما يقول المزارع علي بعربيةٍ ذات إيقاع أمازيغي مميز.

علي يعتبر أن المزارعين أمثاله هم الحطب الذي يحترق من أجل إمداد المصانع الموجودة في قلعة مكونة بما تحتاجه من الورود، التي "تخفي رائحتها ولونها الوردي أمراض حساسية تهدِّد عدداً من الفلاحين والقاطفين.

عملية الجني تبدأ من الصباح الباكر؛ أي قبل أن تطلق الشمس أشعتها، وتتخللها صعوبات بسبب أشواك الورد الكثيفة، التي تتسبب في جروح للفلاحين بسواعدهم وأياديهم، خاصة النساء منهم.

ويطالب مزارعو قلعة مكونة، ومن بينهم علي، بقطع الطريق على من يغرق السوق بمنتجات الورد المزورة؛ لأنهم يساهمون في تراجع الإقبال على المنتج الأصلي المحلي، ويضرون في الآن نفسه بالمستهلك الذي يفقد الثقة بمنتجات قلعة مكونة، كما يشرح.

طلب عالمي.. وإنتاج ضعيف

مع حلول شهر مارس/آذار 2018 من كل سنة، تبدأ أزهار الوردة الدمشقية في التفتح، ويكون موعد قطف الأزهار مع بداية شهر أبريل/نيسان 2018، لتبدأ بعد ذلك عملية البيع وتوزيع الورد الطري والمجفف في الأسواق المحلية والوطنية والدولية أيضاً، وكذلك توزيع ماء الورد وزيته.

هذه المنتجات المرتبطة بالورد الدمشقي، غالباً ما تُستعمل للزينة أو لأغراض طبية؛ لذلك "هناك طلب عالمي متزايد عليها، ما يتطلب تطوير القطاع بتوسيع المساحات المزروعة بالورود"، يشدد الحسين الإدريسي، نائب رئيس الفيدرالية البيمهنية للورد العطري.

وقد تم توقيع اتفاقية في 2012 بين الفيدرالية والحكومة تشمل مبلغ 10 ملايين يورو، على امتداد 8 سنوات؛ أي إلى غاية 2020، بهدف رفع المساحات المزروعة بالورد من 800 إلى 1200 هكتار، وكذلك جعل كمية الإنتاج من الورد ترتفع من 2000 طن حالياً إلى 8000 طن.

غير أنه لم يتحقق من هذا البرنامج الطموح، بحسب الإدريسي، دائماً، سوى ما يقارب 20 في المائة فقط؛ لأن الأمر يرتبط بشكل كبير بـ"تكوين الفلاحين دون إقصاء، وتأطيرهم على مستوى الإلمام بالتقنيات الفلاحية العصرية والبيولوجية، وكذا تعريفهم بطرق ووسائل التسويق وتقنياتها".

وباستثناء العوامل الطبيعية كالصقيع الذي يقضي على الورود، فقد استطاع منتجو الورود محاربة الوسطاء في المجال؛ لأن تحويل الورد يتم على مستوى المنطقة مع إنشاء وحدات متعددة جديدة، إضافة إلى أن التعاونيات يُسمح لها بالتعامل المباشر مع الأسواق الأوروبية والأميركية والخليجية.

هذه التطورات وغيرها من التحديات الأخرى تعيها أحلام، ملكة الجمال المتوجة، وطوال السنة الحالية ستعمل على نشر ثقافة منطقتها والترويج للوردة الدمشقية إلى أن تُسلِّم تاجها لملكة جديدة الموسم المقبل.

علامات:
تحميل المزيد