سكان هاواي القريبون من البركان: “الناس يحسبوننا مجانين لأننا نعيش في منطقة كهذه”

مأساة بكل ما للكلمة من معنى يعيشها سكان مقاطعة بونا بعدما اندلع بركان كيلاويا، ليجرف بطريقه بقعة تجمع الجمال والمساكن ذات الأسعار المعقولة

عربي بوست
تم النشر: 2018/05/12 الساعة 07:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/05/12 الساعة 12:25 بتوقيت غرينتش

في مقاطعة بونا بإحدى جزر هاواي، وجدت الأميركية إيماجو مانا مجتمعاً من النباتيين الذي يعيشون ويعتاشون من الطبيعة، يُسمح لها بالعمل مقابل العيش في كوخٍ ناءٍ على مساحة 50 فداناً من الأدغال. فتركت حياتها خلفها واشترت تذكرة ذهاب بلا عودة. ما لم يكن في الحسبان هو اندلاع حِمم بركانية في تلك الجزيرة الجميلة، اختفت معها معالم المكان.

مأساة بكل ما للكلمة من معنى يعيشها سكان مقاطعة بونا بعدما اندلع بركان كيلاويا، ليجرف بطريقه بقعة تجمع الجمال والمساكن ذات الأسعار المعقولة.

وتقول إيماجو لصحيفة The Guardian: "لطالما قلت لنفسي إن الانتقال إلى هاواي أمرٌ غير ممكن في الوقت الراهن، فالحياة فيها باهظة التكلفة". ثم حين أوشكتْ على بلوغ الخمسين، بدأت تصاب بصداع نصفي مزعج. وخسرت عملها ومنزلها وسيارتها؛ وعادت للحياة مع والدتها. وحين كانت تحاول اتخاذ قرار حول الخطوة التالية التي ينبغي لها اتخاذها، حدَّثتها صديقتها عن جزءٍ من هاواي تختلف الحياة فيه اختلافاً قليلاً، وتتخذ صورة أقرب إلى البراري.

وبعد مرور 10 سنوات على مكوثها في بلدة باهو، غادرت إيماغو، التي باتت في أواخر الخمسينيات، مجتمع النباتيين؛ إذ كانت ضمن من جرى إجلاؤهم يوم الخميس 10 مايو/أيار 2018؛ بسبب استمرار انبعاث الحِمم من بركان كيلاويا القريب.

الفيديوهات والصور الرهيبة القادمة من الجزيرة أظهرت الحِمم البركانية تزحف ببطء في الطرقات وتذيب كل ما يعترض طريقها.

عاشت إيماغو 3 سنوات في عقارات ليلاني دون أن تسدد إيجاراً نظير تقديم الرعاية لأحد السكان. وربما يعد هذا أحد أسباب تمكنها من العيش اعتماداً على ما تتقاضاه من راتب إعاقة يبلغ 1400 دولارٍ أميركي.

والآن، باتت إيماغو واحدة من بين كثيرين ممن يحاولون إيجاد بديل لمساكنهم ذات الأسعار الزهيدة، حيث يعتمد الكثيرون على انخفاض تكاليف المعيشة. وتمكَّنَت إيماغو وغيرها كثيرون من مواصلة حياتهم دون الحاجة إلى قدرٍ كبير من المال، والثمن الذي سددوه لذلك هو حياتهم في منطقة الحمم، وغالباً غياب بِنْية تحتية مثل المياه وأنابيب الصرف الصحي.

الصورة من قمر اصطناعي لـ"ناسا"، البقع الخضراء والصفراء هي تشكُّلات جديدة أنتجتها الحِمم، واللون الأحمر هو الأراضي الزراعية، والبقع السوداء والرمادية هي حِمم سابقة وقديمة شكَّلت أرضاً جديدة في وقتها.

وتعد مقاطعة بونا وبلدة باهو، التي دمَّرت الحِمَم المنازل الموجودة فيها، من بين الأماكن الأقل ثمناً في جزر هاواي الخمس. فيمكنك بسهولة أن تجد منزلاً بـ3 غرف نوم وحمامين على فدان من الأرض مقابل 250 ألف دولارٍ فقط، وفقاً لسمسارة العقارات من بلدة باهو، كاثي فيداك، التي تعيش هي الأخرى في عقارات ليلاني.

ويقول أميديو ماركوف، الذي افتتح معرضاً ومتجراً للهدايا في بونا، خلال شهر مارس/آذار 2018، لبيع قطع فنية خشبية مصنوعة يدوياً وأعمال فنية محلية: "هناك الكثير من الفنانين الذين يموتون جوعاً هنا بكل ما تعني الكلمة من معنى". وأضاف ماركوف أنه مع ورود أخبار البركان وما أثارته من ذعر في أوساط السائحين، بات مجتمع الفنانين، الذين بالكاد يجدون قوت يومهم، في خطر أعظم.

وقال ماركوف إنه بالنسبة للمقيمين والشركات والفنانين، فإن السكن الرخيص أمرٌ أساسي.

وقال: "هناك العديد من الأسباب التي تدفع الناس إلى الحياة في بونا. غير أن السبب الأول هو جمال المكان، تليه أسعار العقارات التي تناسب ذوي الدخل المتوسط".

وهذا هو الحال بالنسبة لكوري هالي، التي حضرت إلى باهو قادمةً من كاليفورنيا قبل نحو 4 أعوام، واشترت قطعة أرضٍ قوامها فدانٌ واحد بالقرب من عقارات ليلاني مقابل 15 ألف دولار.

وكانت هالي، التي تبلغ من العمر 54 عاماً وعملت في الماضي مستشارة أزمات، تنوي بناء منزل على قطعة الأرض المملوكة لها ذات النباتات الكثيفة، غير أنه كان عليها الانتظار حتى تجمع القدر الكافي من المال. في غضون ذلك، عاشت بـ"عربة للغجر" منحها لها أحد جيرانها، وبدأت العمل في إصلاح مواطن تسرب المياه وبناء غرف استحمام خارجية من الألواح الخشبية القديمة، وصناعة مصابيح زيتية للرؤية ليلاً.

ومع الوقت، أصبح امتلاك الأرض والعيش بنمطٍ بعيدٍ عن الوسائل التكنولوجية والحياة العصرية أكثر أهمية بالنسبة لها، حين أصابتها الإعاقة وانخفض دخلها الشهري إلى 340 دولاراً بشكل قسائم طعام من الدولة و338 دولاراً نقداً. وقالت هالي إنه لحسن الحظ، لم يزعجها الجوع؛ بسبب وفرة أشجار الأفوكادو والمانجو والبابايا والموز حول قطعة الأرض الخاصة بها.

وقالت هالي: "أوجدت لنفسي حياة طيبة. كانت بسيطة ولكنها طيبة؛ الحياة هنا ملأى بالفوضى، ولكنها حقيقية وجميلة".

وأكدت هالي، التي أُجلِيت من أرضها يوم الخميس 10 مايو/أيار 2018، إن الأمل يحدوها بالعودة إلى منزلها قريباً. وهي تقيم في الوقت الراهن بملجأ تابع للصليب الأحمر في باهو. وكانت مترددة في وضع خطط لما ستفعله قريباً؛ إذ لا أحد يعرف كم من الوقت سيستمر فوران الحِمَم أو كم من الوقت ستُمنع عودة السكان إلى بيوتهم.

ويوم الثلاثاء 8 مايو/أيار 2018، بعدما هدأت الأمور، تلقت هالي صدمة أخرى حين خرجت الحِمَم من شقَين للبركان بالقرب من أرضها. وتخشى أن تكون الحمم غيَّرت وجه المكان الذي عرفته وأحبَّته.

وقالت: "بعد أن تذهب الحِمَم وتعود إلى المكان، ستعود إلى كوكب مختلف. كان عليَّ أن أودِّع أرضي حين رحلت، وقلبي منكسرٌ من هذا".

وقال ماركوف إنه بدأ يضجر من الطريقة التي تعاملت بها وسائل الإعلام الإخبارية مع الكارثة.

وأضاف: "هناك فكرة تقول إن من يعيشون هنا مجانين. غير أن العديد من الناس شبُّوا هنا ويعيشون في هذه الأرض منذ أن وُلدوا". بالإضافة إلى ذلك، فإن المنطقة -على حد قوله- تعد بوتقة تحمل روح هاواي القديمة، بعيداً عن العمران الذي أحدث تغيراً كبيراً في الأجزاء الأخرى من جزر هاواي. وقال كذلك إن البركان نفسه له جاذبية إلى حدٍ ما.

وختم قائلاً: "إنه شعورٌ رائع أن تعيش بالقرب من أرض جديدة تتشكَّل. هذا أمرٌ بالغ القوة في نفوس الناس".

تحميل المزيد