شباب يتعلمون اللغة الروسية.. الدافع ليس سياسياً ولا ثقافياً وإنما الحب

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/16 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/16 الساعة 14:35 بتوقيت غرينتش

في جامعة دمشق وتحديداً بكلية الآداب، تجمَّع عدد من الطلبة، عددهم يتجاوز الـ20 بقليل، يحملون كتباً برتقالية اللون مكتوباً عليها بحروف غريبة، ويلقون التحية على بعضهم بلغة غريبة أيضاً.

هم طلاب التخرج بقسم اللغة الروسية، وهو قسم حديث العهد، عمره لا يتجاوز 4 سنوات، وهؤلاء الشباب المندفعون هم أولى تجارب هذا القسم وأول المتحمسين له، لهذا تحملوا أن يتلقوا دروسهم في قاعات صغيرة وموزعة بين عدة أبنية؛ لأن قسمهم لا يملك بعدُ مبنى خاصاً به، كما أنه لم يملك في البداية كتباً ومناهج خاصة به.

كنا على موعد مع نادين التقي، وهي من طلاب السنة الرابعة أيضاً وباتت على أبواب التخرج، كانت تحمل الكثير من الأحلام، ولكنها اليوم لا تعرف أياً منها سيتحقق وأياً من الوعود سيتم تنفيذه.

تشجعت على دخول هذا القسم عام 2014؛ لكونه جديداً، وقد يحمل فرصاً كثيرة في المستقبل، لا سيما أن العلاقات بين سوريا وروسيا في أوجها اليوم وعلى الأصعدة كافة، وهذا سينعكس بفرص عمل على أرض الواقع أو بمنح دراسية إلى روسيا.

كلٌّ وهواه..

التقي في الأصل، كانت تحب اللغة والثقافة الروسية، وتعزَّز حبها لها بعد التحاقها بالجامعة، لهذا بدأت قبل عدة شهور بتدريسها، وتعاقدت مع أحد المعاهد الحكومية لتقدِّم دورة للمستوى المبتدئ، "أريد تعريف الناس على هذه اللغة الجميلة".

في الكلية نفسها، كان هناك طلاب آخرون يحملون أحلاماً كبيرة وطموحات عديدة، ينتظرون حصولهم على شهادة التخرج كي ينطلقوا في مشوارهم، حلم السفر لروسيا هو أول أولوياتهم، أما الالتحاق بوزارة التربية والتدريس في المدارس الرسمية، فهو آخر اهتماماتهم، عكس نادين التقي.

يؤكد أحد الطلبة أن قسمهم ممتع للغاية، وغني بالمعلومات، لكن رغم ذلك تقلَّص عدد الطلاب الذين انتسبوا إليه؛ إذ كان عددهم بدفعتهم في حدود 80 في السنة الأولى، ليصبح العدد أقل من 30، ومن سيتخرج منهم لن يتجاوزوا 20.

الجامعة أرسلت خلال السنوات الأربع السابقة، الطلاب العشرة الأوائل إلى موسكو، كما أرسلت في السنة التالية 10 آخرين إلى سوتشي، حيث أمضوا نحو أسبوعين بهدف تعزيز قدرتهم على الحوار.

الساحل يتحدث الروسية

بدأت اللغة الروسية تشهد حضوراً قوياً في سوريا منذ نحو 4 سنوات، خاصة بعدما دخلت روسيا كلاعب قوي في الملف السوري، وبات لها قاعدة ضخمة في حميحيم، وهذا ما يفسر سبب الإقبال الشديد لسكان تلك المناطق على تعلُّم اللغة الروسية أكثر من بقية المدن.

في مصياف، تحدثنا إلى سيدة تملك معهداً لتعليم اللغات، أوضحت أنها أدرجت اللغة الروسية من نحو 4 سنوات، وهي اليوم من أكثر اللغات المطلوبة؛ لهذا تقدم يومياً دورات لمختلف المستويات من الصباح إلى المساء.

ويتراوح عدد الطلاب في كل صف بين 8 و10 طلاب، وتشرح السيدة -التي فضلت عدم ذكر اسمها- أن مدينتهم تشهد وجوداً روسيّاً مقبولاً، والكثير منهم يحتاج لشراء البضائع أو المعالجة؛ الأمر الذي دفع سكان المدينة لتعلُّم لغة هؤلاء الضيوف أو اكتساب بعض مفرداتها.

تعلُّم الروسية منتشر بين الفتيات أكثر، كما توضح صاحبة المدرسة، وتضيف مازحة: "ربما السبب رغبتهن في التعرف على شاب روسي وسيم"، وتذكر أنها دُعيت في الفترة الماضية لخطوبة بين شابة من مصياف وشاب روسي، وبقية الشباب يتعلمون اللغة بهدف الترجمة للروس الموجودين، أو تقديم الدروس الخصوصية.

وكنوع من تعميق العلاقات بين سوريا ورسيا، قررت وزارة التربية إدخال اللغة الروسية إلى المناهج التعليمية ابتداء من الصف الأول الإعدادي، لتكون كلغة أجنبية اختيارية كالفرنسية والإنكليزية، وفي البداية تردَّد الطلبة، لكن مع الأيام ازداد الإقبال عليها.

في مدينة حمص، بدأت مدرّسة روسية مقيمة، بتعليم اللغة الروسية مع شعبة واحدة، ولكن اليوم أصبحت تُدرس 12 شعبة، كما تعلّم اللغة في إحدى المدارس الخاصة أيضاً، الناس في حمص يقبلون بشدة على تعلُّم هذه اللغة الجديدة نسبياً في سوريا، كما تؤكد المدرّسة.

وقررت الهيئة العامة السورية للكتاب ترجمة 15 كتاباً من الروسية خلال العام الجاري (2018)، ومن أبرزها "الأزمة العربية ونتائجها الدولية"، و"العالم الثالث بعد نصف قرن"، و"التسونامي السياسي"، و"تحليل الأحداث في شمال إفريقيا والشرق الأوسط"، و"التهديدات الدولية عام 2017″، و"المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإثنية والطائفية لدول الشرق".

وللمونديال نصيب

قد تكون الرغبة في حضور المونديال بروسيا أحد دوافع تعلُّم اللغة الروسية كما تقول أناغيم عزام، وهي طالبة هندسة معلوماتية ومتطوعة في عدة جهات، تحب اللغات وتتقن الإنكليزية والفرنسية، وتخطط في حياتها لتعلُّم 5 لغات، الروسية واحدة منها.

تعرفت أناغيم على صديق لها يتكلم اللغة الروسية بطلاقة، فأحبَّت اللغة وبدأت تتعلم مفرداتها وكلماتها في منزلها من خلال تطبيق على الموبايل اسمه "Duolingo"، كما أضافت إلى جهازها الخليوي كيبورد باللغة الروسية كي تألف الأحرف الروسية.

بدأت مشروعها هذا منذ 3 أشهر، وهي تمضي يومياً 20 دقيقة إلى ساعة على التعلم من خلال التطبيق، وتراجع ما اكتسبته من مفردات أو جمل مع صديقها، وتنوي في الوقت اللاحق الانضمام إلى أحد المعاهد من أجل تعزيز معرفتها باللغة.

مشاكل في النطق

الروسية التي اكتسبت شهرة كبيرة في اللاذقية وغالبية مدن الساحل، تقلُّ شعبيتها نوعاً ما بدمشق. وفي جولة لنا على عدة معاهد، تبين أن عدد المنتسبين قليل، في معهد شهير طرحوا إعلاناً لافتتاح صف لتعليم اللغة الروسية، لكنه لم يجذب الكثيرين؛ لهذا قرروا اختصار الأمر على دروس خصوصية بين المعلم المعتمد من قِبلهم والطلاب.

معهد آخر أعلن افتتاح صف جديد، لكنه مازال ينتظر اكتمال العدد، وربما الحضور الأقوى لهذه اللغة يسجل في معهد اللغات التابع لجامعة دمشق؛ إذ يشهد بشكل ثابت، تنظيم 3 صفوف بمستويات مختلفة، يتراوح عدد المشاركين فيها ما بين 8 و14 طالباً ينتمون إلى أعمار مختلفة ودراسات متنوعة.

ويبقى هدف غالبية المشاركين هو اقتناص فرصة العمل بشركات وبنوك وحتى فنادق روسية، تقول الكثير من المؤشرات إنها تنوي القدوم للاستثمار في بلادهم.

في قاعة صغيرة، اجتمع 6 طلاب و5 فتيات وشاب واحد، هذا هو الفصل الذي تدرّس فيه نادين، وحينما سألتهم عن سبب انتسابهم إلى هذه الدورة، ضحك الشاب وقال: "لا أعرف"، ثم عاد ليضيف: "المستقبل للغة الروسية؛ لهذا نريد اكتسابها"، أيدته بالرأي بقية الفتيات، وأوضحت إحداهن أنها رغبت في البداية فك طلاسم هذه اللغة وفهم حروفها، لكنها بدأت اليوم تحبها، وأضافت أخرى: "بسبب ماشا، أحببت اللغة الروسية"، وماشا هي شخصية كرتونية شهيرة.

وزَّعت نادين على الطلاب أوراقاً مطبوعاً عليها نصوص قصيرة وبدأت بالقراءة أمامهم، ثم استعادت معهم أبرز الكلمات التي تعلَّموها في دروس سابقة، كما نبَّهتم إلى كلمات أخرى، وحاولت تبسيط نطقها.

رغم مرور 3 أشهر على التحاقهم بهذا الصف لكن مشكلة النطق تبدو المشكلة الرئيسية عند جميع الحاضرين، وهو ما ظهر في الأخطاء الكثيرة التي ارتكبوها خلال قرائتهم الأسطر القليلة المطلوبة منهم.

توضح نادين أنه من الطبيعي أن يرتكبوا بعض الأخطاء، فهي لغة غريبة عنهم وغير منتشرة في البلاد، حتى هي وزملائها، وبعد دراستهم 4 سنوات في الكلية ما زالوا يعانون مشكلة النطق، ويتعذر عليهم قراءة مسرحية أو رواية باللغة الروسية، وتقتصر قراءتهم على القصص القصيرة لا أكثر.. وطبعاً على التواصل مع الشباب الروس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في انتظار تحقيق الحلم الروسي.