الإنسان القديم لم يرفع حاجبيه.. هكذا تطوَّر الوجه البشري ليعبّر عن الدهشة

لو كان بإمكان الإنسان الآن التواصل مع أحد أسلافه القدماء، الذين عاشوا قبل مئات آلاف السنين، والتحدث إليهم، قد يظن أن أجداده أشخاص غاضبون وجافون في تعاملهم فقط بسبب شكل حواجبهم في ذلك الوقت.

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/11 الساعة 07:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/11 الساعة 07:17 بتوقيت غرينتش
African American boy (6 months old) laying on his back looking up at the camera surprised with eyes open wide.

لو كان بإمكان الإنسان الآن التواصل مع أحد أسلافه القدماء ممن عاشوا قبل مئات آلاف السنين، والتحدث إليهم، فقد يشعر أن أجداده غاضبون وجافون في تعاملهم، فقط بسبب شكل حواجبهم في ذلك الوقت!

بحسب وصف CNN، فقد كان الإنسان القديم يتميَّز بشكل حاجبيه السميكين، والذي منحاه مظهراً عدوانياً ساعده في بسط سيطرته ونفوذه على الآخرين.

تشير دراسة حديثة إلى أن الإنسان الحالي تمكَّن من رفع حاجبيه، كدليل على الدهشة أو المكر والدهاء، بعد فقد الإنسان العاقل الأوّل "هومو سابينس" حاجبيه السميكين، ذوي العظام البارزة التي تمتّع بها، وذلك لصالح ملامح وجه أكثر نعومة، يستطيع من خلاله التعبير عن تعاطفه مع الآخر أو إظهار الدهشة.

وبحسب ما نقلته صحيفة The Guardian البريطانية، الإثنين 9 أبريل/نيسان 2018، يعتقد باحثون من جامعة يورك الكندية، أن البشر الأوائل كانوا يتمتعون ببروز واضح للحاجبين، كعلامة على الهيمنة الجسدية، وخلال تطوّر الوجه البشري على مدار 100 ألف عام، ليصبح أصغر وأكثر انبساطاً، صار بإمكان الحاجبين القيام بمجموعة من الانفعالات الدقيقة.

يقول أستاذ التشريح والباحث الرئيسي في الدراسة، بول أو هيغينز "استبدلنا الوجه ذا الهيمنة والعدوان بآخر لديه قدرة أكبر على التعبير. حين أصبح الوجه أصغر، وصار الجبين منبسطاً، صار بإمكان عضلات الوجه تحريك الحاجبين إلى أعلى أو أسفل، وصار بإمكاننا التعبير عن كل هذه المشاعر الدقيقة الغامضة".

ويؤكد فريق جامعة يورك، أن نتائجه مثيرة للاهتمام، وإن كانوا على صواب، ربما يكون تطوّر الوجوه الأصغر حجماً والأكثر انبساطاً قد أطلق عنان القوة الاجتماعية للحاجبين، حيث سمح للبشر بالتواصل مع بعضهم بطرق أكثر دقّة.

يقول بيني سبيكينز، عالم آثار العصر الحجري القديم في جامعة يورك، والمؤلف المشارك في الدراسة التي نشرتها صحيفة Nature Ecology & Evolution، "انتقلنا من وضع أردنا فيه المنافسة، وكان به المظهرُ الأكثر تخويفاً ميزةً، إلى وضع آخرٍ من الأفضل فيه أن نتواصل مع الناس، وأن نتعرّف على بعضنا البعض عن بعد، بحركة سريعة للحاجب، وأن نتعاطف، وما إلى ذلك".

تغيّر شكل الحاجبين يحير العلماء

وبدأ العلماء في تحرّي الأسباب وراء امتلاك البشر القدامى ارتفاعات بارزة للحاجبين في المقام الأول.

وعلى مرِّ السنين، طرح باحثون مجموعةً من الفرضيَّات، إحداها تقترح أن ذلك البروز كان ببساطة يملأ الفجوة التي كانت تتواجد بين الوجه الخارجي و"قحف المخ"، وهو العظم المغطِّي للدماغ، وتزعم أخرى أن الجبين البارز كان بمثابة تعزيز هيكلي، من شأنه أن يضمن تحمُّل الوجه لضغط المضغ القويِّ.

وخلال عمل الباحثين مع زميلهم ريكاردو غودينهو، أجروا مسحاً بالأشعة السينية ثلاثية الأبعاد لجمجمة قديمة، تنتمي إلى جنس بشري قديم، يدعى هومو هايدلبرغ نسيس، كان قد عاش في المنطقة التي أصبحت الآن زامبيا (جنوبي إفريقيا)، قبل فترة تتراوح بين 300.000 و125.000 عام.

وأظهرت الجمجمة التي يُطلق عليها اسم "كابوي 1" بروزاً سميكاً للحاجبين، كان حتّى أكثر وضوحاً من ذلك الذي شوهِد لدى جنس إنسان "نياندرتال" البدائي (الذي انقرض قبل نحو 40.000 عام).

وباستخدام نماذج الكمبيوتر، أجرى العلماء سلسلةً من التجارب على الجمجمة الافتراضية؛ إذا قاموا أولاً بالنظر إلى مقدار الحاجة إلى عظمة الحاجب، إن كان الغرض منها هو سد الفجوة بين الوجه وقحف الدماغ، ويقول أو هيغينز "لقد قمنا بتهذيب العظمة لنحصل على الحد الأدنى المطلوب لسد الفجوة، وتوصَّلنا إلى أنه بإمكاننا تقليل حجمها بشكل هائل"، وأضاف أن "الجمجمة فيها عظمة أكبر بكثير من المطلوب لملء الفجوة".

وبعد ذلك؛ نظر الباحثون إلى كيفية انتشار ضغط عملية المضغ في أنحاء الوجه بوجود بروز الحاجب وبدونه. ومجدداً، اتَّضح أنها تُحدث فارقاً بسيطاً، ويقول أو هيغينز "لقد توقَّعنا تماماً عواقبَ كبيرة على الوجه، ولكن لم يحدث شيء. من الواضح أن الأمر لا يتعلَّق بمقاومة الانحناء في الوجه"، وتابع قائلاً "ما تبقَّى لنا هو التفسير الاجتماعي للأمر".

وعلى الرغم من أن العوامل التي دفعت وجه الإنسان ليصبح أصغر بمرور الزمن ويفقد بروز حاجبه السميك ليست واضحة، إلا أن الوجه الأكثر انبساطاً قد مهَّد الطريق أمام تواصلٍ إنساني أكثر ثراءً، مع التعاون الأوسع الذي ظهر مع جنس الهومو سابينس (وهو النوع الذي ينتمي إليه الإنسان الحديث).

ففي جنس هومو هايدلبرغ نسيس، وغيره من الأسلاف، كان الحاجب السميك دليلاً على القوّة الجسدية على حساب حركات الحاجب، بحسب ما يبدو؛ وفي البشر الأوائل، كانت العضلات التي تحرّك الحاجبين تسحبهما ببساطة إلى الخلف وإلى الأعلى.

ويشير روبن دنبر، أستاذ علم النفس التطوري في جامعة أكسفورد، إلى أنه بالنظر إلى أهميّة الحاجبين في التواصل البشري، ليس من الواضح لماذا لا تستخدمها الرئيسيات الأخرى أكثر من ذلك (والرئيسيات هي مجموعة من الثدييات تشمل الإنسان والحيوانات القريبة الشبه به).

وتقول راشيل جاك، التي تدرُس التفاعل الاجتماعي الإنساني في جامعة غلاسكو، إن القيمة التعبيرية للحاجبين قد جعلتهما "مُرشّحين قويين للتطوّر بصفتهما باعثين لإشاراتٍ اجتماعية"، ولكنها أضافت أن "الوجه البشري على الرغم من ذلك لديه عضلات أكثر من ذلك بكثير، ومن المحتمل أن تكون قد أسهمت بشكل كبير في تطوير التواصل الاجتماعي المعقّد، وتماسك المجموعات وأدائها، وبالتالي البقاء على قيد الحياة والازدهار. لذلك فأنا لست مقتنعة بشكل كامل أن الحاجبين هما حل اللغز المفقود".