خطيرة وتتمدد، لكن لا أحد يتحدث عنها.. عصابات البيض التي تخفيها السلطات

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/07 الساعة 08:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/07 الساعة 08:44 بتوقيت غرينتش
white ganag

حين كان بيني إيفي فتى في الثالثة عشرة من عمره، ضربه ثلاثة مراهقين بيض. ضربوه على صدره وظهره إلى جدار منزل صديقه في فلورنس بولاية مسيسيبي. كان على الفتى الأشقر النحيل أن يُظهر جلداً يؤهله لأن يصبح عضواً في عصابةٍ للسود.

وقالت صحيفة الغارديان البريطانية أن هذه القصة كانت في عام 1989، أي في ذروة عصر وباء المخدرات، وكانت لدى العديد من الأطفال البيض رغبةٌ في الانضمام إلى عصابات السود التي لم تُرحب بهم، لذا بادروا في ما بينهم بتأسيس عصاباتٍ محلية مستنسخة منها.

عاش إيفي في ساحة انتظار للمقطورات، وجذبته فكرة ارتداء لوني العصابة الأسود والأزرق لأن يكون جزءاً من شيءٍ أبعد من حياته الأسرية المتفككة.

لم يكن أيٌ منهم يعرف بديهيات الانضمام إلى عصابة، ومع ذلك تاق الكثير من الأطفال إليها، حتى عدد من الأطفال الذين كانوا "يعيشون في منازل جميلة مع عائلاتهم" حسب قول إيفي. بعضهم نشأ في ظروفٍ مشابهة لظروفه: ابن زقاقٍ فقير، مدمن للأفيون، ومؤهل بجدارة لأن يقتنصه عالم يعده بالأخوة والولاء والاحترام.

غير أنَّ مستقبل إيفي لم يكن ضمن عصابة من عصابات السود، بل واحدةٍ من أقدم عصابات البيض وأكبرها في الولايات المتحدة الأميركية، عصابة سيمون سيتي رويالز.

ويقول إيفي عن نشأته: "الكثير منا نشأ في المناطق المهمشة، وفيها تبدأ معظم حياة العصابات تقريباً".

إيفي، الذي يبلغ من العمر الآن واحداً وأربعين عاماً، يمتلك جسداً مفتول العضلات، ويُحب الحفاظ على لياقته وإن كان وزنه لا يتجاوز 72.5 كيلوغرام. وله شعرٌ قصير وتغطي الوشوم معظم أجزاء جسده. ويفخر بوصف نفسه واحداً من "ذوي الرقاب الحمراء"، وهو لقبٌ يطلَق على المتعصبين الريفيين القاطنين بجنوب أميركا.

البيض أيضاً يعيشون في الأحياء الفقيرة

يشرح إيفي وهو يشير بكل شغف خلال جولة وسط منازل جاكسون التي اقتحمها على مر السنين مدى سخافة تركيز الإعلام على العصابات "داخل المدن". ويقول: "ينبغي أن يعرف العالم أنَّ هناك من البيض من يعانون في الأحياء الفقيرة شأنهم في ذلك شأن كافة الأعراق، وأنَّ أغلب هؤلاء الأطفال الذين يعانون يصبحون أفراداً في عصاباتٍ أو مدمني مخدرات".

كان إيفي في الثانية عشرة من عمره حين بدأ يشم منظف السكوتش غارد؛ ثم تبع خطى والديه بالتبني وعميه -وجميعهم لم يكملوا تعليمهم- نحو الإدمان. كان والده يكسب 20 دولاراً في الساعة من عمله بالنجارة، ولكن معظمها كان يُنفَق على المخدرات.

ومع بلوغه سن الخامسة عشرة، كان إيفي قد ترك المدرسة وسطا على ما يقرب من مئتي منزل، وسرق تاجر أفيون، وطُرِح أرضاً على يد رجال الشرطة، وبدأ بيع المخدرات ليحصل على المال لشراء المخدرات لنفسه. ودخل الإصلاحية عدة مرات و"مدارس التدريب" سيئة السمعة في ميسيسبي قبل إصلاحها، حين كانت أشبه ما تكون بغرف التعذيب، ونزلاؤها معظمهم من الأميركيين من أصولٍ إفريقية والمجرمين من فقراء البيض.

وحين وصل الحادية والعشرين من عمره، كان إيفي يقطن مع غيره من المدمنين الذين ساعدوا بعضهم في استئجار منزلٍ صغير. وفي أحد الأيام، دخل إيفي إلى المنزل ووجد صديقه المفضل جيمي يكتب خطاباً إلى أخيه الصغير، الذي قالت أمه إنَّه لا يستطيع أن يراه مرةً أخرى. ودار الحوار بينهما كالتالي:

إيفي: "ماذا تفعل يا فتى؟".

جيمي: "أكتب خطاباً إلى جوردان".

إيفي: "وتظن أنَّه يستطيع قراءته؟"

جيمي: "سيفعل، يوماً ما سيفعل يا رجل".

وحين سار إيفي صوب المطبخ، قال له جيمي: "سأذهب للنوم قليلاً على سريرك".

ذهب إيفي لينصب المشواة، ولكنَّه شعر بشيءٍ غريب، فعاد إلى غرفته ليجد جيمي يجلس في مقدمة السرير ويصوب مسدساً إلى رأسه، والخطاب على الأرض بجواره. كان هذا المسدس الذي يحتفظ به إيفي تحت مخدته.

تساقط التراب من السقف حين اصطدمت به الرصاصة. ومال رأس جيمي والدم يتقاطر منه إلى داخل الفراش. قفز إيفي على السرير بجانبه وهو يصرخ في الآخرين: "اتصلوا بالشرطة، اتصلوا بأي شخص!".

وبعد وفاة جيمي، انهار إيفي تماماً. ويقول عن الفترة التي أعقبت وفاته: "لم ألقِ بالاً لأي شيء على ما أعتقد. بعد أن قتل نفسه، ازددتُ شراسةً".

ثم أُدينَ بعدها بالاعتداء العنيف على رجل وكسر فكه. وظل طليقاً بعد أن حكم عليه بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، غير أنَّه استمر في السرقة حتى قُبِضَ عليه وأعيد إلى السجن.

وفي السجن، التقى إيفي بفردٍ من عصابة سيمون سيتي رويال يلقب نفسه بـ"ترو لاف" أو "الحب الحقيقي".

تاريخ دموي من الصراع فيما بين العصابات البيض

تعود جذور هذه العصابة إلى الجانب الشمالي من شيكاغو عام 1952، حين حرست عصابتان للبيض "المُشحِّمين" وهما آشلاند رويالز وسيمون سيتي ساحة سيمون بارك عند دخول البورتوريكيين.

كان الأعضاء الأوائل في العصابتين من المهاجرين، وأغلبهم إيطاليون، وأطلق عليهم هذا الوصف البيض الأكثر ثراءً لأنَّهم كانوا يعملون في تشحيم الماكينات في وظائف فنية. وفي عام 1968، اتحدوا جميعاً في عصابة "سيمون سيتي رويالز"، وكانوا في أغلب الأحيان يتصارعون مع العصابات اللاتينية في المدن المجاورة، وكذلك عصابة جاي لوردز من المؤمنين بسمو العرق الأبيض. (ولغة خطابهم مألوفة: فقد لقب موقع يؤرخ لأيام عصابة الجاي لوردز العصابات اللاتينية بأنَّها "صناديق تخزين للمهاجرين غير الشرعيين".)

Folk Nation

كانت عصابة رويالز من أكبر عصابات الشوارع وأكثرها عنفاً في شيكاغو بحلول سبعينيات القرن العشرين، حين انضموا إلى ائتلاف فولك نايشن مع عصابة غانغستر ديسايبلز من السود، وبدأوا حينها ضم ذوي الأصول الإسبانية، ولاحقاً النساء والسود.

وبحلول ثمانينيات القرن العشرين، ضرب الضعف أوصال العصابة بعد اعتقال بعض زعمائها ومقتل آخرين.

وتحولت القوة إلى السجون، وانتشرت العصابة إلى الولايات الجنوبية والولايات الواقعة في منتصف الغرب مثل مسيسيبي، حيث يُعد الرويالز الآن أحد أكبر العصابات وأكثرها عنفاً في الولاية.

عصابات البيض 40% مع ذلك تقول السلطات أنها 10٪

وأظهرت الاستطلاعات المجراة على الأميركيين البيض أنَّ 40% ممن يقولون إنَّهم ينتمون إلى عصابات هم من البيض، غير أنَّ الشرطة تميل إلى خفض نسبتهم إلى ما بين 10% و 14%، وأن تبالغ في أعداد أفراد العصابات من ذوي الأصول الإسبانية أو السود، على حد قول بابي هاويل أستاذة القانون الجنائي في جامعة سيتي بنيويورك التي تركز على الجريمة والعرق.

وتقول بابي: "تنظر الشرطة إلى أفراد جماعات البيض الشباب بصورةٍ فردية، وتعد كل فردٍ منهم مسؤولاً عن سلوكه فقط، أمَّا الملونون المنضمون إلى عصابات الشوارع فيتحملون المسؤولية الجنائية عن تصرفات أقرانهم".

ويمكن أن تكون الكيفية التي تصنف بها السلطات المسؤولة عن إنفاذ القانون عصاباتٍ بعينها عامل إسهام في التستر على عضوية البيض في تلك العصابات، وفقاً لما تفترضه دراسةٌ أجريت عام 2012 ونشرت في دورية Michigan للعرق والقانون.

وأجرى الباحث جوردان بلير وودز دراسةً تتناول كيف أنَّ الأجهزة الفيدرالية طبقت قانون المؤسسة الفاسدة والمتأثرة بالابتزاز (ريكو) على العديد من العصابات. مرَّر الكونغرس القانون عام 1970 لاستهداف المافيا باعتبارها مؤسساتٍ للجريمة المنظمة. وفي بدايات تسعينيات القرن العشرين، بدأت النائب العام جانيت رينو تطبيق قانون ريكو لإدانة عصابات الشوارع الإجرامية.

ويشرح وودز أنَّ سلطات إنفاذ القانون عادةً ما تقسم نشاط العصابات إلى ثلاث مجموعات: عصابات السجون من المؤمنين بتفوق العرق الأبيض، وعصابات الدراجات الخارجة عن القانون، وعصابات الشوارع من المجرمين. وانتهى إلى أنَّ العنصرية النظامية غالباً ما تُبقي العصابات البيضاء مصنفةً في فئة جماعات الدراجات والسجون، بدلاً من تصنيفها كعصابات شوارع، وهي الفئة التي تنال أقسى العقوبات وأشد التهم.

وكتب وودز أنَّ هذا يعني أنَّ عصابات البيض غالباً لا تخضع لمعاقبة الشرطة بنفس القدر من الصرامة، كما أنَّ أعضاءها لا ينالهم نصيب من حالات التدخل التي غالباً ما تُقدَّم لأعضاء عصابات الملونين الأكثر شهرة. وذاك النوع من التدخل يمكن أن يتضمن تقديم وظيفة، وتدريباً على المهارات الحياتية، أو التفاعل مع أشخاص مُدرَّبين لإيقاف العنف، وهم غالباً ما يكونون أفراد عصابات سابقين.

ويلقي وودز باللائمة على وسائل الإعلام فيما يخص التعتيم على نشاط عصابات البيض. ويؤيد ما ذهب إليه إيفي من عدم الانتباه إلى هذه العصابات، إذ كتب أنَّ وسائل الإعلام يمكن أن تكون أكثر ميلاً إلى تغطية أنشطة عصابات السود والإسبان "بسبب طلب المستهلكين لقصص عن عنف العصابات العنصري المثير".

ويقول إيفي: "كيف لك أن تساعد في حل مشكلة إذا كنتَ لا تعترف بوجودها؟ الكثير من أطفال البيض في الخامسة عشرة والسادسة عشرة من أعمارهم ينظرون إلى أفراد العصابات البيض كنجوم".

أدرجت ولاية مسيسيبي حديثاً عصابة الرويالز، التي يغلب على أعضائها البيض، وعصابة البانديدوز، وهي "نادٍ" لراكبي الدرجات بدأه ضابطٌ في البحرية اتُّهِمَ لاحقاً بالقتل، من بين أكبر عصابات الشوارع الإجرامية لديها في التقييمات السنوية التي صدرت على مدار العِقد المنصرم. وغالباً ما تُشير رابطة محققي العصابات في مسيسيبي إلى عصابات البيض العنيفة للضغط في سبيل تطبيق القانون عليها بشكلٍ أشد قسوة، وتُصرِّح لوسائل الإعلام بأنَّ 53% ممن ثبت انتماؤهم للعصابات في الولاية من البيض.

ولكن رغم تنامي عصابات البيض، فإنَّ المحامي العام لولاية مسيسيبي أندريه دو غروي يقول إنَّه ما بين 2010 و2017 كان جميع الأشخاص البالغ عددهم 97 الذين جرت محاكمتهم بموجب قانون العصابات الحالي من الأميركيين من أصولٍ إفريقية.

ذوو الأعناق الحمراء

حين التقى إيفي بـ"ترو لاف" في السجن عام 1998، اكتشف أخوةً تفهم تعصب ذوي الأعناق الحمراء كما يفهمه هو. لم يكن لدى أمه ما يكفي لتستقل المواصلات وتزوره، فكان وحيداً خلف القضبان، ولذا قرر حينها ومن موقعه في السجن أن يعتبر الرويالز عائلته.

كغيره كثيرون، دخل إيفي العصابة خارجاً من حياةٍ عشوائية خالية من القدوة الحسنة، متطلعاً إلى ما يميل من يحاولون الانضمام إلى العصابات إلى تسميته "التحسين".

يقول إيفي: "الأمر كله كان يتعلق بتحسين نفسك: الحصول على وظيفة، والذهاب إلى المدرسة، وتعلم مهارات التواصل بحيث أتمكن من فعل أي شيء، والذهاب إلى البنوك، والحصول على قروض. معظم من انضموا إلى العصابات لم ينحدروا من بيئاتٍ تعرف كيف تكتب شيكاً، وليس لديهم مهارات الحياة الأساسية".

Simon City Royals

غالباً ما يكون أعضاء العصابات المنضمون حديثاً قد سبق وتورطوا مع الشرطة. فقد أظهرت دراسةٌ أجريت عام 2016 في جاكسون وركزت على عصابات السود الحضرية أنَّ عدم إتمام الدراسة في المدرسة ودخول عربة الشرطة هما من أهم العلامات التي تشير إلى ارتكاب الشاب لجرائم أسوأ في المستقبل.

ويقول إيفي إنَّه لا أحد حاول إمداده بالتوجيه والإرشاد بينما كان يتنقل بين الإصلاحيات والسجون، حيثُ كان يدخن الحشيش يومياً. ويقول عن ذلك: "لم يحاول أحدٌ أبداً إعادة تأهيلي، دائماً ما كانوا يرسلونني إلى السجن".

وفي السجن تعهَّد إيفي لترو لاف أن يظل وفياً حتى الموت، وأن يحافظ على سرية قوانين العصابة. لطمه أفراد العصابة بقوةٍ في صدره 12 مرة، وجرحوا إصبعه حتى ينزف داخل النجمة السداسية للعصابة على "شهادة ميلاد"، بينما كان حراس السجن ينظرون بعيداً.

ونُقِلَ بعدها إلى السجن حيثُ كان عليه أن يدافع عن حلفاء عصابته التي انضم إليها حديثاً، عصابة غانغستر ديسايبلز من السود.

تجنب إيفي الصراع مع أخوية آريان، الذين كانوا يعدون الرويالز خونةً للعرق الأبيض، ولكن كان عليه أيضاً أن ينتفض لمواجهة حلفائه من السود.

ويقول إيفي: "في السجن، وصل الأمر إلى اعتبار أفراد عصابة الرويالز رجال المهمات الصعبة، وبدأتُ أحصل على مكانةٍ مرموقة نسبياً، ولم أتحمل ذلك. كانوا يعرفون أنَّ بوسعي أن أخرج عليهم بسكين، لأنَّني لن أكون خادمهم.. لذا دائماً ما كانوا يعاملونني باحترام.. لم يسبق لي أن طعنتُ أحداً، لم أحتج أبداً إلى ذلك".

أدبيات الرويالز

وخلال الفترة التي قضاها خلف القضبان، درس إيفي أدبيات الرويالز، وهي عبارة عن 50 صفحة من السياسات والتاريخ، وبدأ تأسيس شبكة علاقات. وحين عاد إلى منزله عام 2003، كان قد حصل على لقب قائد إقليمي لمنطقة وسط مسيسيبي.

وفي الخارج بدأ إيفي ترتيب صفوف الرويالز. ويقول: "عام 2003، لم تكن هناك بنية للعصابة ولا اجتماعات، لذا كنتُ أتجول بحثاً عن أفرادٍ أضمهم إلينا". هذا كل ما في الأمر، كان يريد أن يضم آخرين إلى العصابة. وأضاف: "لم أنضم إلى العصابة لأنِّي أردتُ بيع المخدرات والسرقة في الشوارع.. كل ما أردته هو روح الأخوة. كنت أدعمهم ويدعمونني أياً ما كان الأمر".

بيني ايفي

وفي عام 2004، سُجِنَ إيفي مرةً أخرى لأربع سنوات بتهمة تصنيع مُخدر الميثامفيتامين. وكان يدير أموره بالهاتف المحمول، ويرسل تعليماتٍ إلى أعضاء العصابة في الخارج من خلاله.

وفي عام 2008، عاد إلى ساحة انتظار المقطورات إلى حيثُ كانت تعيش أمٌ لطفلين تسمى سبيريت تساعده في عمله. قدَّمت له يد العون في إدارة الموارد المالية للعصابة؛ وكان يفرض على كل عضوٍ من الأعضاء البالغ عددهم 150 المساهمة باثني عشر دولاراً شهرياً. وكان بوسعهم أن يقترضوا من أموال العصابة لإتمام أيٍ من أمورهم الحياتية.

ولو لم يردُّوا ما اقترضوه، أو في حالة خرق أي قواعد أخرى، كان إيفي يُرسل لهم من العصابة من يضربهم.

كان الأعضاء التابعون له يفخرون بأنَّهم غير عنصريين. فقد كانوا متصالحين تماماً مع فكرة التحالف مع عصابةٍ من السود، غير أنَّهم كانوا "جميعاً من البيض" حسب قوله. ومع ذلك لم يكن يرى كثيراً من التعصب لدى أفراد عصابته، فيقول: "أعتقد أنَّ الأمر برمته يتوقف على طبيعة الشخص.. حتى أنَّ بعض أفراد الرويالز كانت تصرفاتهم تميل إلى ثقافة السود أكثر منها إلى ثقافة البيض".

التقاعد من العصابة

وبحلول نهاية عام 2008، بدأت منظمة إيفي تتفكك من الداخل. فقد بدأ نائبه الأول كروز يتشاجر مع اثنين من أعضاء العصابة من الشباب يُسميان سماش وستريت، إذ كان يشُك في وجود علاقة بينهما وبين الشرطة. وبعد فترةٍ وجيزة، أخبرت الشرطة إيفي أنَّه يحسُن بأفراد العصابة ألا يتعرضوا بسوءٍ لمخبريهم. وقال له ملازمٌ محلي: "لو حدث شيءٌ لهما، سنلاحقكم".

غادر إيفي البلدة لعدة أسابيع بدافعٍ من الخوف، وفي غيابه ضرب بعض أفراد العصابة سماش وستريت، وأُلقِيَ القبضُ عليهم حتى يسددوا مبلغ مليون دولار. ويقول أندرو باباكريستوس خبير علم الاجتماع والعنف في جامعة نورثويسترن إنَّه حين يُقبَض على قادة العصابات يكون الوقت ملائماً لاندلاع العنف، الذي بات الآن أكثر شيوعاً بين أفراد العصابة الواحدة منه بين أفراد عصابتين مختلفتين.

وأُرسِلَ إيفي الذي كان يبلغ من العمر حينها 32 عاماً إلى إصلاحية دلتا الخاصة بسبب نشاطه العصابي. وهناك جمع أفراد العصابة في باحة السجن وقال: "عليَّ أن أتقاعد لأنني قد أصبحت عبئاً عليكم". ولم يعترض أحد.

ويقول مسؤولو إنفاذ القانون إنَّ أعداد أفراد العصابة بدأت تتضاعف على ساحل الخليج عام 2008، أي في العام الذي تقاعد فيه إيفي، وأنَّها باتت الآن ثالث أكبر عصابات الشوارع الإجرامية في مسيسيبي.

ويشير أفراد العصابة إلى أنفسهم في الوقت الراهن باسم "الفصل الثالث عشر" وائتلاف مقاتلي المسيسيبي. وتقول الشرطة إنَّ العصابة تُهرب السلاح والمخدرات، ويشارك بعض أفرادها في عمليات عنف بشعة ضد من يشون بهم لدى الشرطة.

وغطى إيفي علامات وشم النجمة السداسية في بعض أجزاء جسده، غير أنَّه ترك درع عصابة الرويال على ذقنه، وكتب أسفله "مُتقاعِد".

ويقول الآن: "كان الأمر منحةً في ثوب محنة. حين انتهى الأمر برمته في البداية انكسر قلبي. كنتُ أظن أنَّني أفعل شيئاً؛ غير أنَّ كل ما كنتُ أفعله هو إطالة أمد وجودي البائس".

وحتى بعد مغادرته إصلاحية دلتا، عاد إيفي إلى السجن مرةً أخرى لاقتياده امرأة إلى تاجر مخدرات. وفي نهاية المطاف دله صديقٌ له على راندي أدامز، خريج محكمة المخدرات الذي كان يدير مركز كومون بوند للتعافي في جاكسون.

انهار إيفي في البكاء أمام أدامز، الذي أخبر الشرطة: "نعم أنا أريده في مصحة التعافي الخاصة بي". وفي المركز مارس إيفي الرياضة، وصلى، وكتب قصته بالورقة والقلم لمدة ثمانية أشهر.

ويقول إيفي عن المصحة: "قابلتُها هناك"، مشيراً إلى شقراء في الثلاثين من عمرها تجلس في الجهة المقابلة له على كرسيٍ منتفخ.

التحول الكبير

كانت كريستينا أرنولد تزور شخصاً آخر في المصحة حين قابلها. وتعقيباً على أول لقاء بينهما: "كان كل شيء في غير صالحه، بدى لي بلطجياً". كان والداها مدمنين أيضاً، وكان لديها ابنة في السادسة عشرة. وكانت هي نفسها قد أقلعت عن الإدمان وتدرس لتصبح مساعدة طبيب.

تحدثا عبر الهاتف، وتناولا الغداء معاً حين أتت للزيارة. في البدء أخبرته أنَّها غير مهتمة بالانتقال بالعلاقة إلى مستوى آخر. فكان رده: "حسناً سيكون عليَّ أن أسعى لكسب ودك إذن".

وحينها كان إيفي قد بدأ يعتني بنظافته، ويكتب، ويصلي، ويمارس الرياضة، ويحاول أن يتخيل شكل مستقبله. لمست فيه إخلاصاً وفتح قلبها له. وتقول كريستينا الآن: "أظن أنَّ الرب وضع كلاً منا في طريق الآخر لسبب".

وفي فبراير/شباط 2012، استأجر إيفي منزلاً له ولكريستينا وابنتها، التي كانت حينها في السادسة من عمرها وتبلغ من العمر الآن 12 عاماً. وتبناها في عيد الحب عام 2013.

كغيره من أفراد العصابات، لم يسبق لإيفي أن تكون له وظيفة حقيقية أو حتى رخصة قيادة، غير أنَّ أحد أصدقائه أحاله إلى شركة لأعمال السباكة وإعادة التصميم. بدأ العمل في إعادة تبليط الأرضيات في كنتاكي وتنظيف المصارف مقابل 10 دولارات في الساعة، وزادت بعدها إلى 15 دولاراً في الساعة بعد خمسة أشهر. وحين مات أحد رؤسائه قبل عامين، أشركه الآخر في العمل.

وفي عام 2017، اشترى الزوجان منزلاً مساحته 195 متراً مربعاً في مقاطعة رانكين بسعرٍ زهيد، لأنَّه كان في حاجة إلى الكثير من الإصلاحات.

ويقول إيفي: "من كان يظن أنَّني سأعيش في منزلٍ كهذا؟ أنا الذي سكنتُ العشش ولم أبت ليلتي أبداً في منزلٍ كهذا طوال حياتي".

وعلى مدار العام المنصرم، بنى إيفي منصةً كبيرة ليطهو في الهواء الطلق في أيام الأحد، ووضع شاشةً كبيرة لمشاهدة مباريات ناسكار، وحوَّل مرآب منزله إلى إستوديو لممارسة التمارين، مع وضع علم كونفدرالي كبير على الأوزان التي يحملها.

ويقول إيفي: "لستُ عنصرياً، ولكنِّي أحبُ العلم"، ووصفه بعلامة تحدٍ لمن خذلوا ذوي الأعناق الحمراء، قائلاً: "الشماليون يحبون السخرية منا".

ومع ذلك، أزال العلم في ديسمبر/كانون الثاني حين زاره مصور أسود تعرَّف عليه لغرض إعداد هذا المقال". وقال لاحقاً: "لم أشأ أن أجرح شعور المصور إيماني، ولكنَّ العلم ليس إشارةً عنصرية بالنسبة لي".

تحول داني شقيق إيفي الذي يخضع لإعادة التأهيل في الوقت الراهن إلى عصابة أخوية آريان في السجن، ورسم وشم صليب معقوف على صدره. غير أنَّ إيفي يقول إنَّ أخاه قضى كثيراً من الوقت برفقة سود عايشوا نفس معاناته، مما جعل من الصعب عليه أن يعتقد نفسه أفضل منهم.

البيض ليسوا متفوقين.. لكن السيادة للأغنياء

ولا يؤمن إيفي بتفوق وسيادة البيض في الحقيقة. غير أنَّه يؤمن أنَّ هناك سيادة للأغنياء: "أعتقد أنَّها سيادة الأغنياء؛ لا يهم لونك، ما دمتَ فقيراً ستعامل معاملة سيئة. لأنَّني لم أحظَ أبداً بهذا التميز لأنِّي أبيض".

ويقول إيفي: "لدينا نفس المشكلات التي تواجه الأعراق الأخرى في ما يتعلق بالمال، والوضع الاجتماعي، والعيش المعدم، والمخدرات، والإدمان، والفقر. هذا كله واقع مخيف يعيشه الكثير منا".

يرتاد إيفي كنيسةً بها بضعة من الرجال السود على الطريق السريع. ويعمل في منازل في جنوب جاكسون التي كانت فيما سبق مسكونة بالبيض في أغلبها، وحيثُ انقلبت ديمغرافية السكان منذ انتقلت أسرته إلى هناك. ويقضي وقته متحدثاً إلى الأطفال في إحدى مقاطعات جاكسون حول تجنب حياة العصابات.

ويقول: "جميعهم أطفالٌ سود؛ لن يستمعوا إلى نصائح أحمق مثلي".

واليوم يندهش الكثير من السكان المحليين لمعرفة أنَّ أفراد عصابات البيض كانوا يهربون المخدرات ويقتحمون البيوت لعقدين من الزمن بين جاكسون وضواحيها التي يقطنها أغلبيةٌ من البيض.

ويقول إيفي: "نشاهد الأخبار كل صباح؛ وتأتي صغيرتي إلى هنا وتسألني "لمَ يرتكب السود كثيراً من الجرائم؟".

فأرد عليها: "هذا يا حبيبتي لأنَّنا نشاهد أخبار جاكسون، وأكثر من ثلثي سكانها من السود؛ غير أنَّ البيض يقترفون السوء أيضاً".

علامات:
تحميل المزيد