هل مومياء أتاكاما من الكائنات الفضائية حقاً؟ لا، لكن القصة الحقيقية أغرب من ذلك بكثير

رغم حدوث الواقعة قبل عقدين، في صحراء أتاكاما بأميركا اللاتينية شمالي تشيلي إلا أن العلماء توصلوا قبل أسابيع إلى سر مومياء غريبة

عربي بوست
تم النشر: 2018/03/25 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/03/30 الساعة 18:24 بتوقيت غرينتش
Atacama

رغم حدوث الواقعة قبل عقدين، في صحراء أتاكاما بأميركا اللاتينية شمالي تشيلي إلا أن العلماء توصلوا قبل أسابيع إلى سر مومياء غريبة متناهية الصِّغر التي قيل عنها إنها تعود لكائنٍ فضائيٍّ.

وبحسب تقرير لصحيفة New York Times الأميركية، انطلقت الشائعات منذ نحو عقدين بعدما وجد أحد الهواة المستكشفين لمدينةٍ مهجورة قطعة قماشٍ بيضاء داخل كيسٍ جلديّ، وحين فكَّ ربطة قطعة القماش وجد هيكلاً عظمياً طوله 6 بوصات (15 سم)، قالوا حينها إنها لمومياء أو كائن فضائي، لكن الحقيقة غير ذلك.

وبحسب الصحيفة الأميركية فإنه على الرغم من حجمه الصغير، فإن الهيكل العظمي كان كامل الأجزاء. بل وحتى كانت لديه أسنانٌ قوية، وبدت عليه كذلك علاماتٌ مدهشة؛ فلديه 10 أضلع بدلاً من الـ12 المعتادين، وتجويفٌ كبيرٌ للعينين، وجمجمةٌ طويلةٌ تنتهي بطرفٍ مُدبَّب.

ما قصة هذه المومياء الغريبة؟

وبعدما كُشِفَ أمر الرفات، وانتهى بها الحال إلى حفظها في مجموعةٍ خاصة، استمرت الشائعات مدعومةً بشكلٍ جزئيٍّ بفيلمٍ وثائقيّ عن الأطباق الطائرة صَدَرَ عام 2013 وظهرت فيه المومياء. لكن فريقاً من العلماء قدَّمَ تفسيراً مختلفاً تماماً قبل أيام بشأن مومياء أتاكاما، بعيداً عن تفسير كونها كائناً فضائياً، ولكنها غريبةٌ من زاويةٍ أخرى، بحسب الصحيفة الأميركية.

وتحتوي عظام مومياء أتاكاما على حمضٍ نووي لا يُظهر فقط كونها لبشريٍّ، بل إنها تنتمي لذلك البلد. ويُظهِر ما هو أكثر من ذلك؛ فقد صنّف العلماء الحمض النووي المُكتَشَف فيها ضمن مجموعةٍ من الطفرات الجينية المتصلة بتطوُّرِ العظام.

وبعض هذه الطفرات الجينية قد تكون مسؤولةً عن التكوين العجيب للمومياء، متسببةً في الاضطراب الوراثيّ الذي لم يُعرَف من قبل في تاريخ البشرية.

ووصف أنطونيو سيلز إيللاكورياغ، المُتخصِّص في علم الجينات بجامعة سانتياغو دي كومبيستيلا في إسبانيا والمشارك في الدراسة الجديدة، نتيجة الدراسة بأنها "مثالٌ غايةٌ في الجمال بشأن الكيفية التي يمكن أن يساعد بها علم الجينوم (فرع من علم الجينات) في تفكيك التضارب الحاصل بين كلٍّ من الأنثروبولوجيا (علم دراسة الإنسان) وعلم الآثار"، بحسب الصحيفة الأميركية.

ومن الممكن أن يساعد "تشريح الحمض النووي"، وفقاً لتسمية دكتور إيللاكورياغ، في تسليط الضوء على التضاربات الطبية "بالنظر إلى الماضي للمساعدة في فهم الحاضر".

وبدأت الدراسة، المنشورة في صحيفة جينوم ريسيرتش الأميركية، عام 2012، عندما أثار الوثائقي عن الأطباق الطائرة، الذي حمل عنوان "Sirius"، حفيظة غاري نولان المُتخصِّص في علم المناعة بجامعة ستانفورد الأميركية، بينما كان الوثائقي ما زال قيد الإنتاج.

في ذلك الحين أرسل الدكتور نولان رسالةً على البريد الإلكتروني إلى مُنتِجي الفيلم وعَرَضَ عليهم محاولة الحصول على الحمض النووي للمومياء. ووافق مالك الهيكل العظمي على إجراء تصويرٍ بالأشعة السينية، وكذلك سَحَبَ عينةً من سائل النخاع من الضلوع والعضُد، كما تقول نيويورك تايمز.

المومياء تعود لكائن بشري

وبحسب الصحيفة الأميركية فإنه بمجرد أن تسلَّم نولان وزملاؤه العينات، تمكَّنوا من استخراج بعضٍ من الحمض النووي من نخاع الخلايا العظمية دون عناءٍ كبير. وصرَّحَ أتول بوت، المُتخصِّص في علم الأحياء الحاسوبي في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو، والباحث المشارك في الدراسة الجديدة "بإمكاننا أن نؤكِّد على الفور أن المومياء تعود لكائنٍ بشريّ".

وخطَّط العلماء في نهاية الأمر لإعادة ترتيب الكثير من المعلومات المتوافرة حول التركيب الجيني لعظام أتاكاما. فوجدوا أنها كانت فتاةً، تتقارب صفاتها كثيراً مع سكان تشيلي الأصليين. ولكن لديها أيضاً قدرٌ كبيرٌ من الأصول الأوروبية، بحسب الصحيفة الأميركية.

ولم يتمكَّن العلماء من تحديد تاريخٍ دقيقٍ لهذا الهيكل العظمي، لذا لم يستطيعوا أن يُحدِّدوا في أي زمنٍ عاشت. ولكن أصولها الأوروبية قد تفيد بأنها عاشت في وقتٍ ما بعد الاستعمار الأوروبي لتشيلي، في القرن السادس عشر الميلادي، بحسب الصحيفة الأميركية.

ويتحلَّل الحمض النووي بعد الموت إلى جزيئاتٍ تتضاءل تدريجياً عبر القرون. لكن جزيئات الحمض النووي لمومياء أتاكاما لا تزال كبيرة، الأمر الذي يقود إلى لغزٍ آخر بأنها عاشت منذ أقل من 500 عام.

وبينما يأخذ رأسها شكلاً طولياً غريباً، فإن ذلك ليس بأغرب شيءٍ في هيكل أتاكاما العظمي. وعلى الرغم أن حجمها يماثل حجم جنينٍ بشريّ، طول قلمٍ تقريباً، فإن عظامها مُتطوِّرةً في بعض الجوانب كعظام طفلٍ في السادسة من عمره.

فَحَصَ رالف لاشمان، الخبير في أمراض العظام الوراثية بجامعة ستانفورد، الأشعة السينية الخاصة بها. وخلُص إلى أن مجموعة الأعراض الموجودة لديها لا تتطابق مع أعراض أي مرضٍ معروف، وأرجع العلماء ذلك إلى أن مومياء أتاكاما يمكن أن تكون أصيبت باضطرابٍ وراثي لم يوصَّف قط من قبل، بحسب الصحيفة الأميركية.

وبحثت سانشيتا باتاشاريا، الباحثة في معمل دكتور بوت، في الطفرات الجينية بالحمض النووي الخاص بمومياء أتاكاما، وتوصَّلَت إلى 2.7 مليون اختلاف في خصائصها الجينية. وقد قلَّصَت هذه القائمة إلى 54 طفرةً نادرة، يُحتَمَل أنها عطَّلَت الجينات التي تواجدت فيها.

وقالت باتاشاريا: "ذُهِلت بما يمكن أن نعرفه من المُخطَّط الجيني".

إذ تبيَّن أن العديد من هذه الجينات يشارك في بناء الهياكل العظمية. وبعضها مرتبطٌ بالفعل بالحالات التي تتراوح من الجنف (انحناء العمود الفقري) والتقزُّم، إلى ظهور عدد غير طبيعي من الضلوع.

لكن بعض الطفرات في هيكل أتاكاما جديدةٌ على العلم، يُحتَمَل أن بعضها جعل عمودها الفقري ينضج سريعاً حتى مع فشل النمو في الوصول إلى الحدِّ الطبيعي.

خلل مماثل

وتُرجِّح باتاشاريا أن خللاً مُماثِلاً جعل الطفلة تولد ميتةً، وتؤكِّد أن هذه الطفرات الآن هي مجرد افتراضاتٍ نظرية.

ووافقها في هذا علماء آخرون، إذ قال دانيال جي ماك آرثر، أخصائي الوراثة في معهد بورد بكامبريدج، والذي لم يشارك في الدراسة: "لا يوجد اكتشافٌ حاسم يُفسِّر المظهر الغريب لهذا الكائن".

ومع ذلك فإن فهم ما حدث لمومياء أتاكاما يمكن أن يُلقي الضوء على تشوُّهات الهيكل العظمي التي نراها هذه الأيام. قد يتطلَّب هذا إنشاء خلايا جذعية لكل طفرة بين الـ54، وتكبيرها في طبق اختبار، ومتابعة التغيرات التي تطرأ على تقدُّمها.

وسمع الطبيب نولان قصصاً عن هياكل عظمية مشابهة في مناطق أخرى من العالم، وربما لو تمكَّن من فحصها كلها، لاكتشف بعض الطفرات في حمضها النووي كذلك.

كنَّا لنحصل على تأكيدٍ مباشر لو انتبه العلماء أكثر إلى حالات موت الجنين داخل الرحم.

فعلى الرغم من وجود 24 ألف حالة موت للأجنة داخل الرحم في أميركا وحدها، لا يُسجِّل الأطباء عادةً سمات هذه الأجنة، ناهيك عن فحص حمضها النووي. ومع قلة البيانات المُتوفِّرة، يستحيل أن نعرف إذا كانت أتاكاما فريدةً من نوعها أم لا.

وقال ألبرت زنك، عالم الإنسانيات في معهد أبحاث يوروبيان في بولسانو بإيطاليا، والذي لم يشارك كذلك في الدراسة الجديدة: "قد تكون هذه إشارةً للاهتمام بالحالات المماثلة".

ورغم أن نولان بدأ هذا المشروع لأجل "المتعة"، فهو يعتقد أن الشواهد الآن تتطلَّب إعادة المومياء إلى تشيلي لتلقي العلاجات الملائمة باعتبارها بقايا بشرية، إذ قال: "على الإنسان أن يحترم أموراً كهذه".