هنا في غزة يفكون رموز شفرة الحاسوب.. شبان يخططون لجعل القطاع مجمعاً عالمياً للتقنية

"مجمع التقنية العالمي" لا يمكن تخيل أن هناك شيئاً بهذا الوصف في قطاع غزة المحاصر. لكن شباب فلسطيني يحاولون تغيير مصيرهم عبر اختراق عالم التكنولوجيا

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/05 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/05 الساعة 14:07 بتوقيت غرينتش
مجمع التقنية العالمي

"مجمع التقنية العالمي" لا يمكن تخيل أن هناك شيئاً بهذا الوصف في قطاع غزة المحاصر الذي أنهكته الحرب. لكن مجموعة من الشباب الفلسطيني في تلك البقعة الصغيرة التي تؤوي 1.8 مليون نسمة يحاولون تغيير مصيرهم عبر اختراق عالم التكنولوجيا، والدخول لعالم التشفير (أي كتابة الأفكار بطريقة يفهممها الحاسوب).

لن تصدق أن هذا المكان في غزة المحاصرة

ثلاث حروب مريرة عاصرها جميع مبرمجي الحواسيب الشباب في مقر Gaza Sky Geek المغطى بالكتابات الجدارية، بيد أن مكان العمل العصري هذا يبدو أشبه بشركة يافعة ما زالت في بداية طريقها الوعر في مستودع بحي هاكني اللندني، لا مكتباً في واحدة من أشقى مدن العالم معاناة من الحروب، حسب وصف صحيفة The Independent البريطانية.

جدران المبنى تغطيها كتابات شتى: عبارات إلهامية مثل "قل نعم للمغامرات الجديدة" وسطور مقتبسة من فيلم Pirates of the Caribbean ورسومات كرتونية.

أما تحت شعارات كل من Amazon وGoogle وMicrosoft فيزدحم المكان بالشباب والشابات وكلٌ يعمل على حاسوبه كأن المكان خلية نحل نشطة.

مركز التقنية في قطاع غزة
مركز التقنية في قطاع غزة

ولكن من أطلق هذه المبادرة؟

المبادرة انطلقت في بدايتها على يد جوجل بالتعاون مع Mercy Corps الخيرية (مؤسسة إنسانية غير حكومية يوجد مقرها في الولايات المتحدة، وبريطانيا) عام 2011 في محاولة لمساعدة الشباب على إيجاد وظائف، في غزة التي أكثر من نصف سكانها هم شباب دون الـ29 من العمر تعاني من نسبة بطالة رهيبة بين الشباب تصل 60%، لتصنف من بين أعلى المعدلات في العالم حالياً.

والعام الماضي 2017، أطلقت أول أكاديمية لفك الشيفرات في غزة بالتعاون مع شركة التدريب على الحاسوب اللندنية  Founders and Coders.

إنه الحصار، هو الذي ولد هذه الفكرة

الفكرة ولدت من الحاجة، فمعدل البطالة في غزة مرتفع جداً نظراً للحصار وقطع المساعدات الآن حسبما يقول مؤمن أبو عويدة الذي هو أحد الأعضاء المؤسسين لمركز Gaza Sky Geek.

يضيف أبو عويدة لا يوجد شيء في القطاع الخاص بغزة ولا في المنظمات غير الحكومية، فلا يمكنك فتح شركة خاصة من دون بنية تحتية صلبة."

صورة عامة للشباب المشارك في فعاليات المركز
صورة عامة للشباب المشارك في فعاليات المركز

ويضيف "لذا بدأ الناس يفكرون بالإنترنت، سواء كان بالتشفير أم بالعمل الحر أم بالمقاولة أم بتوفير الحلول التقنية، فالإنترنت بات بوابتنا الوحيدة بسبب الحصار، ومع الإنترنت لا يوجد حصار."

العام الماضي بدأ الفريق دورات تدريبية تمتد لـ6 أشهر في غزة في الوقت الذي كان فيه معظم السكان مازالوا يعيدون بناء حياتهم وأرزاقهم بعيد الدمار الذي لحق بها في حرب عام 2014 مع إسرائيل.

في تلك الحرب التي دامت 50 يوماً قتل أكثر من 2100 فلسطيني بالقطاع فضلاً عن 66 جندياً إسرائيلياً و7 مدنيين في إسرائيل، لكن التوتر وصل أوجه ثانيةً خلال الصيف، وكاد الطرفان أن يشتبكا مجدداً لولا أن تدخلت الأمم المتحدة ومصر لجرهما بعيداً عن حافة الحرب.

والآن ها هم يحاولون الانتقال إلى الضفة.. ولكن إذا سمح لهم الإسرائيليون

وهاهو المجمع التقني الآن يحاول التوسع إلى الجهة الأخرى من فلسطين، ألا وهي الضفة الغربية التي تفصلها الجغرافيا (بينهما إسرائيل) عن قطاع غزة.

معظم سكان غزة من الشباب لم يسبق لهم مغادرة غزة نظراً للحصار الخانق المفروض عليها من قبل إسرائيل ومصر منذ تولت حركة حماس المسلحة قيادة وإدارة القطاع عام 2007.

ولكن ورغم الحواجز الفاصلة، تسعى أكاديمية Gaza Sky Geeks لإطلاق أول فرع لأكاديمية فك شيفرات بالضفة الغربية في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل بل حتى إنها ترسل أبرع مشفريها إلى هناك، إن منحهم الإسرائيليون الإذن  بالسفر.

والهدف جعل غزة المجمع التقني للمنطقة والعالم كله

رغم العقبات والتحديات، عقدت أكاديمية Gaza Sky Geeks هذا الشهر اجتماعاً أولياً للتسجيل في مدينة الخليل بالضفة الغربية بغية استقطاب وجذب المهتمين.

الدورة التدريبية لا تقتصر على تدريس التشفير فحسب بل كذلك تساعد الطلبة على تقديم نماذج للشركات والمنظمات الخيرية، وفي آخر شهرين من برنامجها تتحول الدورة التدريبية إلى شبه مكتب للتوظيف فتضمن لطلبتها وظائف بدوام كامل.

يقول أبو عويدة متابعاً "نريد أخذ مهاراتنا وشبكاتنا إلى الضفة الغربية. إننا نعمل للتو مع شركات مختلفة وعلامات تجارية عديدة مثل Amazon  وFacebook وGoogle. علينا مشاركتهم بهذا."

ويقول "إن مهمتنا في نهاية المطاف هي جعل غزة المركز والمجمع التقني لكل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بل وحتى العالم."

يبحث الشباب هنا عن الانتقال إلى مناطق أخرى
يبحث الشباب هنا عن الانتقال إلى مناطق أخرى

وعندما بدأوا في تعليم بني جلدتهم الأكثر ثراء وانفتاحاً.. أذهلهم ما يفعله الغزاويون  

تخضع الضفة الغربية للسلطة الفلسطينية ذات الاتجاه الأكثر علمانية، وثمة من يقول إن الضفة أكثر انفتاحاً على العالم من غزة التي تواجه عقوبات أقسى وقبضة مشددة.

لهذا تملكت الدهشة شباب الضفة الغربية لدى رؤيتهم لمهارات بني جلدتهم الغزيين.

تقول رند صافي (26 عاماً) من رام الله بالضفة الغربية التي عقدت بها أكاديمية Gaza Sky Geeks جلسة لقائية في يوليو/تموز برغم السماح فقط للأساتذة الأجانب بمغادرة القطاع والسفر إليها "الصراحة أن الناس هنا ذهلوا جداً."

وقالت صافي التي تعمل مع منظمة Mercy Corps الخيرية إن الكثيرين وخصوصاً النساء انضموا كذلك إلى الجلسة التعريفية بالتشفير في مدينة الخليل والتي يقال إنها أكثر مدن الضفة متاعب. هذا وسيغلق الشهر القادم أكتوبر/تشرين الأول 2018 ، الباب أمام طلبات التسجيل على دورة التشفير الجديدة.

وأضافت "نأمل أن تكون هذه وسيلة لأهل غزة كي يتشاركوا معارفهم مع نظرائهم في الضفة الغربية، فنحن كذلك لدينا مشكلة بطالة هنا، وهناك الآلاف من الخريجين في كل عام ليس أمامهم طريق يسلكونه."

أما مات ديفيس الذي هو خبير بريطاني في التقنيات من مؤسسة Founders and Coders والذي هو أيضاً جزء من فريق كادر التدريس الدولي، فقال إن المبادرة تركت لتوها أثراً عميقاً "الناس متشوقون لتغيير النظرة تجاه غزة وفلسطين من كونهما منطقة حرب إلى منطقة تكنولوجيا."

وقد تغيرت حياة الكثيرين بفضل هذا البرنامج

أما في غزة فقد غير البرنامج حياة الكثيرين. حنين شهوان مثلاً، ذات الـ25 عاماً، والتي هي مهندسة حاسوب من غزة كانت تبحث دون طائل عن وظيفة بعد تخرجها من الجامعة بامتياز، وهاهي الآن في المراحل النهائية من خامس دفعة طلابية بدورة التشفير بالأكاديمية.

تتحدث حنين إلى صحيفة الإندبندنت من مقر Gaza Sky Geeks قائلة "الصراحة أني حاولت جاهدة العثور على عمل آخر لكن الوضع في غزة صعب جداً حالياً. من بين الـ50 الذين يتخرجون لا أكثر من 2 أو 3 سيحالفهم الحظ ليظفروا بوظيفة. لذا اتجهت إلى التشفير."

وتختم حنين شهوان بالقول "الآن بوسعي العمل في أي مكان من بيتي أو من مقهى، فمع مهارات برامج السوفت وير الكافية أستطيع التقدم إلى وظائف على مواقع، والأهم أني أستطيع العثور على واحدة بسهولة."

علامات:
تحميل المزيد