دائماً ما تباهى الأوروبيون بقدرتهم الكبيرة على التأقلم مع حرارة الصيف دون الحاجة لمُكيِّفات الهواء الجليدية مثلما يفعل نظراؤهم الأميركيون. لكن في بعض الأحيان، تخرج الأمور عن السيطرة، وتصل درجات الحرارة إلى مستويات لا يمكن تحملها.
هذا ما حدث في النمسا هذا الصيف، عندما بلغت درجة الحرارة في خط "U6" بقطار أنفاق فيينا 35 درجة مئوية (95 درجة فهرنهايت) وفي أوروبا، حتى نَقل الماشية مُلزمٌ أن يكون في درجات حرارةٍ أقل من ذلك، حينها قرَّرت المدينة اتِّخاذ خطوة ما بشأن الأمر.
تحدَّت شركة النقل العام المملوكة للدولة مطالبات تركيب تكييف هواءٍ بالقطارات، وقررت بدلاً من ذلك أن توزِّع 14 ألف مزيل عرق على الركاب في بداية هذا الأسبوع، البادئ يوم السبت 14 يوليو/تموز.
لاقت الخطوة ردودَ أفعالٍ متباينة؛ بينما تلقَّت الهدايا الساترة للروائح ترحيباً كبيراً من قبل ركَّاب قطار أنفاق فيينا، إذ يقول متحدث باسم الشركة بأن مزيلات العرق "انتُزِعَت من أيدينا انتزاعاً". تساءل البعض عن الرسالة المُراد إيصالها من وراء هذه المبادرة. بالنسبة للبعض، كان شعار حملةٍ كتلك يجب أن يكون: "استحمُّوا أكثر" أو "على الأقل ضع بعض مزيل العرق قبل خروجك من منزلك".
أنظمة التكييف في انتشار حول العالم
وبينما كان استخدام تكييف الهواء ظاهرةً يزداد انتشارها على مدار العقود الأخيرة، إلَّا أنَّ معدَّل زيادة استخدامه في أوروبا أبطأ كثيراً من نظيره في الصين والولايات المتحدة. ومع ذلك فإنَّه الآن، وقد أصبحت فصول الصيف أكثر سخونة بالقارة العجوز في ظلِّ ارتفاع درجات الحرارة حول العالم، تجد المدن الأوروبية نفسها مُجبرةً شيئاً فشيئاً على تطوير أنظمة التبريد لديها في وسائل النقل العام وفي المكاتب كذلك.
قد تفسِّر الخصائص السكَّانية وموقع الولايات الواقعة جنوباً في الولايات المتحدة سبب النمو الأوروبي البطيء في استخدام تكييف الهواء، لكنَّ مسؤولي المدن الأوروبية أكَّدوا كذلك مراراً أنَّهم يريدون تجنُّب الانتقال كلياً للنهج الأميركي في استخدام مكيِّفات الهواء.
وكان خوفهم الأوَّل هوَ أنَّ نوع مكيِّف الهواء الرخيص الشائع استخدامه في الولايات المتحدة أقل فاعلية بنحو 25% من الأنظمة الأوروبية المعتادة.
لكنَّ السؤال الأعم يظل ما إن كان تكييف الهواء أمراً ضرورياً بالفعل، خاصةً فيما تحاول البلاد تقليل تأثيرات الكربون التي تخلِّفها في البيئة. وحتى اليوم بالفعل، كتب تقريرٌ نشرته وكالة الطاقة الدولية مؤخراً محذراً: "يستهلك 328 مليون أميركي طاقة تبريد تفوق ما يستهلكه 4.4 مليار شخصٍ يعيشون في إفريقيا، وأميركا اللاتينية، والشرق الأوسط، وآسيا مجتمعين".
من المتوقَّع أن تزداد تلك النسب والأرقام المتباينة أكثر فأكثر على مدار الأعوام القادمة، إذ يُتوقَّع أن تزداد المناطق المبرَّدة في المباني ذات الاستخدام التجاري من 60% إلى 85% بحلول عام 2050، وحتى عدد تِلك المباني نفسه سيزداد بشكلٍ مهول.
جديرٌ بالذكر أنَّ التغيُّر المناخي والنمو الاقتصادي في الدول النامية وحدهما مِن أسباب تعطُّش العالم المتزايد للهواء البارد.
وكتبت وكالة الطاقة الدولية في أحدث تقييمٍٍ نشرته: "على ما يبدو، فإنَّ العوامل الثقافية أيضاً تؤثر بمدى جاذبية مكيِّفات الهواء في بعض الدول. على سبيل المثال، كان الأوروبيون بشكلٍ عام أقل ميلاً لتركيب مكيِّفات هواءٍ بالمقارنة مع نظرائهم الأميركيين حتى وقتٍ قريب، مع أنَّ هذا يتغيَّر الآن، فامتلاك مكيِّفات هواءٍ في إيطاليا، وإسبانيا، واليونان، وجنوب فرنسا، هيَ ظاهرةٌ تشهد صعوداً سريعاً على مدار الأعوام العشرة الأخيرة".
ووفقاً لتقرير وكالة الطاقة الدولية، وبينما كان يعتبر حتى آنٍ قريب أنَّ تكييف الهواء هو رفاهيةٌ لا ضرورة لها في أغلب أوروبا، فإنَّه من المحتمل أن يكون الرأي العام الآن يشهد تحولاً تدريجياً.
ومع ذلك، ما زال أمام عواصمٍ مثل فيينا وبرلين طريقٌ طويل حتى يمكنها مضاهاة معدلات استخدام تكييف الهواء الموجودة في مدن قارة أميركا الشمالية. وحتى الآن، تمتلك نسبة 3% فقط من المنازل في ألمانيا مكيِّفاً للهواء، بينما في الولايات المتحدة، تبلغ تلك النسبة 87%.