انتظر من فضلك وسيفحصك الروبوت الآن: هل تصبح مهنة الطب في يد الحواسيب بالكامل؟

يمكن توظيف الروبوتات للمساعدة في إطعام المرضى ونقلهم بين أجنحة المستشفى وإعادة التأهيل ومراقبة العلامات الحيوية

عربي بوست
تم النشر: 2018/07/30 الساعة 21:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/08/02 الساعة 07:07 بتوقيت غرينتش
Human-friendly robot technology. Robots will soon replace our friends.

في وقتٍ سابق من الشهر الجاري يوليو/تموز 2018، داخل غرفة عمليات في مستشفى جامعي وسط لندن كان رجل على مشارف الستين من بوترز بار يخضع لعملية استئصال غدة البروستاتا المُصابة بالسرطان على "الأيدي الأربعة" المعدنية لماكينة، الروبوت، من صناعة أميركية، في ما يبدو أنَّه لمحة من الصورة المستقبلية التي ستكون عليها معظم العمليات الجراحية ومهنة الطب في يد الحواسيب.

جراحة بالروبوت وشاشة ثلاثية الأبعاد

كان الروبوت يخضع لتحكم غريغ شو، الجراح واستشاري أمراض الجهاز البولي، الذي كان يجلس في ركنٍ بعيد في الغرفة ورأسه مغطى بالقلنسوة السوداء لشاشة ثلاثية الأبعاد، كما لو كان مُصوِّر أفراح من العصر الفيكتوري. كان شو يوجه أذرع أداة الجراحة البعيدة باستخدام خليط مائع من عمود التحكم يُحرَّك باليد والضغط على بدال يعمل بالقدم، بالإضافة إلى إصدار تعليمات مشددة لفريق الجراحة التابع له الواقف إلى جانب المريض.

نفذ الجراح الأربعيني 500 عملية كهذه. ويعد هذا النوع من العمليات الجراحية مفيداً بشكل خاص للعمليات التي تُجرى في منطقة الحوض؛ أي العمليات التي يصفها شو بأنَّها إذا لم تُجر على يد الماكينة ستكون عبارة عن "النظر في عمق ثقب مظلم بمساعدة ضوء مصباح يدوي".

غرفة عمليات مجهزة بروبوت جراح
غرفة عمليات مجهزة بروبوت جراح

تمثَّل الجزء الأول من العملية في "تثبيت الجهاز فوق المريض". وبعد ذلك أُدخِلَت ثلاث أدوات جراحية وكاميرا فيديو، كلٌّ منها مثبت على مسبار طوله 30 سم، داخل جسم المريض من خلال الفتحات الجراحية الصغيرة في بطنه. وعلى مدار ساعة أو يزيد، شرح شو بالتفصيل ما قام به خلال العملية.

قال شو: "سأقص جزءاً بسيطاً من القناتين المنويتين لديه". ودون أن أشعر أجفلت عيني قليلاً عن يد الروبوت الدقيقة، المكبَّرة بمقدار 10 أضعاف على الشاشات المنتشرة في غرفة العمليات، وهي تقطع إلى الأبد خط إمداد بالحيوانات المنوية. وبينما يزيح مسبارٌ حاد برفق الأوعية الدموية ويشق طريقه عبر سطح العضو الممتلئ الظاهر على الشاشة، بكياسة لا تقل إطلاقاً عن كياسة البشر، يقول شو: "الآن أنا أحاول العثور على النقطة التي تربط المثانة بالبروستاتا".

وبعد ذلك بدأ الإيقاع البطيء لعملية القطع والكيّ على وقع أصوات "المقص الأحادي المتعرج" و"الملقط المتعلق الثنائي" وهما يعملان بصورة متزامنة، بحركات مبالغ فيها على نحوٍ مدهش ليدي شو وذراعيه، يفصل بها الأوعية الدموية الرقيقة والأنسجة الموصلة القرمزية داخل حوض المريض على بُعد 10 أقدام. وبهذه الطريقة بدأت البروستاتا بشكلها البيضاوي الشبيه بحبة اللوز تظهر ببطء على الشاشة وسط خيوط من الدخان نتجت عن عملية الكي.

لا تقلق، إنها مجرد تجربة عيادية في ألمانيا

تعد هذه العملية جزءاً من تجربة عيادية لعملية ابتكرتها المستشفيات الألمانية تهدف إلى الحفاظ على سلامة بُنية الأعصاب المجهرية المحيطة بالبروستاتا، وبالتالي الحفاظ على سلامة النشاط الجنسي للمريض. وبينما لم يذهب أثر المخدر بعد، يتم تجميد البروستاتا، بعد إزالتها وتعبئتها داخلياً، في معمل في المبنى الرئيسي للمستشفى على بُعد ميل، للنظر في ما إذا كان السرطان موجوداً على حوافها.

فإذا كان كذلك، ربما يجد شو نفسه مضطراً لقطع بعضٍ من تلك الأعصاب المهمة لضمان إزالة أي أثر للورم الخبيث. وفي حال عدم وجود أي أثر للسرطان على هوامش البروستاتا، يمكن حينها الحفاظ على الأعصاب. وفي الوقت الذي تُنقَل فيه البروستاتا من مكانٍ لآخر، يستخدم شو خطاف صنارة صيد بالغ الدقة على أحد أذرع الروبوت ليخيط المثانة بلطفٍ بمجرى البول.

لكن لا بأس في أن نتعرف على طريقة عمل "روبوتات الجراحة"

هذا الروبوت الذي يعمل بنظام Da Vinci للعمليات الجراحية من صنع شركة Intuitive Surgical الأميركية، الذي يستخدمه شو لإجراء العملية، مواكبٌ لآخر التطورات التقنية في مجال استخدام الروبوتات في قطاع الصحة. ويُمكِّن هذا الروبوت الذي يبلغ ثمنه حوالي 1.3 مليون دولار أميركي فريق العمل في المستشفى الجامعي من إجراء 600 جراحة على البروستاتا سنوياً، بزيادة قدرها أربعة أضعاف عما كان يمكن إنجازه بالأساليب اليدوية المنظارية الأقل دقة.

في معظم الأحيان، يُجري شو ثلاث عمليات ليومٍ أو يومين كل أسبوع، ولكن في بعض الأحيان، عند غياب بعض زملائه، كان يجري عملياتٍ لخمسة أو ستة أيام متصلة أسبوعياً. يقول شو: "لو حاولتُ القيام بذلك باستخدام طرق جراحات الحوض القديمة، ستجد آلاماً مبرحة في الكتفين وتيبُّسٍ في الظهر".

وثمة مزايا أخرى جانبية لهذه التقنية. فهي تسمح بطبيعتها بسرعة التعلم والتدريب عليها، بسبب الاحتفاظ بفيلم مصور ثلاثي الأبعاد لجميع العمليات التي تم إجراؤها، وتُمكِّن من تركيب جهاز واقع افتراضي، في صورة شبيهة بتعليم قيادة الطائرة باستخدام جهاز محاكاة. غير أنَّ الميزة الأهم هي القدر الأكبر من السلامة والقدر الأقل من المضاعفات الذي تضمنه الروبوتات.

لكن هل يغير هذا الأمر العلاقة النفسية بين الجراح والمريض، أعني تلك الألفة الملموسة بينهما.

فهي تشبه عملية "قيادة السيارات"!

لا يعتقد شو هذا، ويقول في هذا الصدد: "التقنية في حد ذاتها تشبه قيادة السيارات. غير أنَّ تلك الرؤية ثلاثية الأبعاد تدخل في أعماق العملية، وتُوصِّل لك الكثير من المعلومات بأقل قدر من التشتيت. وبذلك ترى دواخل المريض من على بُعد 2 سنتيمتر".

ويقول شو إنَّه لا يزال هناك جراحون متمسكون بإجراء جراحات البروستاتا بالطرق التقليدية؛ غير أنَّه يجد صعوبة في تصديق أنَّ مرضاهم على معرفة تامة بالبدائل المتاحة لذلك: "معظم الناس يأتون هذه الأيام ويطلبون أن يجري لهم الروبوت الجراحة".

وإذا كان هناك شيء يمكن استخلاصه من التقرير الذي نُشِرَ الشهر الجاري حول مستقبل هيئة الخدمات الصحية الوطنية، فسيكون أنَّ "طلب المرضى للروبوت" يمكن أن يصبح هو العرف المتبع بشكلٍ متزايد في المستشفيات. وأظهرت النتائج المؤقتة للاستقصاء طويل الأجل الذي أجراه معهد أبحاث السياسات العامة حول مستقبل الصحة بقيادة اللورد دارزي، الجراح المميز والوزير السابق في حكومة غوردون براون، أنَّ العديد من الوظائف التي يقوم عليها الأطباء والممرضون في العادة يمكن أن تحل محلها التكنولوجيا.

كما أنهم قادرون على إطعامكم ونقلكم في أجنحة المستشفى

وأشار التقرير إلى أنَّه بالإضافة إلى ذلك، يمكن توظيف الروبوتات للمساعدة في إطعام المرضى ونقلهم بين أجنحة المستشفى، في حين يمكن أن تساعد "روبوتات إعادة التأهيل" في العلاج الطبيعي بعد الجراحة. وحينها لن يكون هناك بدٌ من تغير العلاقة الممتدة منذ قرون بين الطبيب والمريض.

وسيعمل الطب الإلكتروني "Telemedicine" على مراقبة العلامات الحيوية والأوضاع المزمنة عن بُعد؛ كما ستكون الاستشارات الإلكترونية أمراً روتينياً، ويمكن أن تبدأ الفحوص "عند وصول المريض إلى قسم الحوادث والطوارئ بإجراء فحوص رقمية في جناح للتقييم المؤتمت".

حتى الحكمة المتراكمة لدى الطبيب الاستشاري سيجري استبدالها. فسرعان ما ستُوظَّف خوارزميات التعلم الإلكتروني بـ"البيانات الضخمة" بهدف "تحقيق تشخيص أدق للأمراض من قبيل الالتهاب الرئوي وسرطان الثدي والجلد، وأمراض العيون والقلب".

وبتبني عملية لتحقيق "الأتمتة الكاملة"، يتوقع تقرير اللورد دارزي توفير وقت موظفي هيئة الخدمات الصحية بما يعادل 12.5 مليار جنيه إسترليني سنوياً (16.3 مليار دولار)، أي 250 مليون جنيه إسترليني أسبوعياً (327.5 مليون دولار)، "لينفقوه في التفاعل مع المرضى"، وهو اعتقادٌ لا بد أن يحظى بما يستحق من الدعاية والترويج.

وقد بدأ بالفعل استتثمار ذلك

وفي حين يمكن أن يبدو للسامع أنَّ بعض تلك التصورات ذهبت مذهباً أبعد مما يمكن أن نتصور تحققه بعد عقدٍ من الزمن، فإنَّ بعضها أصبح واقعاً محققاً. يتزايد تجميع البيانات من المستشعرات والأجهزة المزروعة التي تقيس مستويات السكر في الدم وإيقاعات القلب وإدخالها مباشرةً إلى أجهزة مراقبة بعيدة؛ وفي لندن، شهدت الخطة الأولية المثيرة للجدل GP@Hand مشاركة أكثر من 40 ألف شخص في اتخاذ الخطوات الأولى نحو "واجهة صحية رقمية"، من خلال التسجيل للحصول على خدمات استشارية عبر الإنترنت يتم الوصول إليها عبر تطبيق، مع إلغاء تسجيلهم في نفس الوقت من أماكن تقديم الجراحات الموجودة على أرض الواقع.

في الوقت نفسه، في الطرف الأدق من الرعاية الصحية، في غرفة العمليات، تثبت أنظمة الروبوت الشبيهة بذاك الذي يستخدمه غريغ شو صحة ما توقعه التقرير من أنَّ الماكينات ستجري العمليات الجراحية بمهارة تفوق مهارة البشر. واللورد دارزي، باعتباره أحد رواد تقنيات الجراحة باستخدام الروبوت، يعرف هذا أكثر من غيره.

بطريقة أو بأخرى، من المثير للدهشة أن نستغرق كل هذا الوقت للوصول إلى هذه النقطة.

والفضل كله يعود للجيش الأميركي

استحدث الجيش الأميركي في نهاية القرن الماضي سُبل الجراحة التقليدية. وفي تسعينيات القرن العشرين، كان البنتاغون يرغب في استكشاف الطرق التي يمكن للروبوتات الخاضعة لتحكم الجراحين أن تجري بها العمليات الجراحية التي تُجرى في المستشفيات الميدانية على طريقة مسلسل M*A*S*H، من على بُعد مسافة آمنة من ساحة القتال.

وأدى استثمار البنتاغون في شركة Intuitive Surgical ونموذج Da Vinci للروبوتات الخاص بها إلى منح الشركة التي تتخذ من كاليفورنيا مقراً لها -وتبلغ قيمتها 62 مليار دولار أميركي- ميزة احتكارية فعلية، وتعززت هذه الميزة بوجود 4 آلاف روبوت يعمل حالياً على مستوى العالم.

يعمل الطبيب جيمي وونغ كبير الاستشاريين في برنامج الأبحاث والتطوير لدى شركة Intuitive Surgical. وهو طبيب مسالك بولية يستخدم روبوت Da Vinci منذ أكثر من عقد، وشهد تطوره من استخدام الشاشات ثنائية الأبعاد التي كانت تترك مساحةً أكبر للتخمين المكاني، حتى وصوله إلى نسخته الحالية التي تفوق النسخة السابقة بكثير من حيث القدرة على التحرك بخفة وشمولية الرؤية فيها.

لا يزال وونغ يجد متعةً في مشاهدة الجراحين التقليديين وهم يشهدون جراحة يُجريها الروبوت لأول مرة، و"مشاهدة الدهشة تعتلي وجوههم من كل تلك الأشياء التي لم يدركوا تماماً وجودها في تلك المنطقة".

وهو الآن يسعى لتحقيق ابتكارات قد تبدو "خيالية"

في المرحلة التالية من التطوير، يرى وونغ أنَّ الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة سيؤديان دوراً بارزاً في هذه التقنيات. ويقول: "الجراحة الآن في طور التحول إلى الصورة الرقمية، بدءاً من الأشعة ووصولاً إلى الحركة والمستشعرات. وكل شيء يُترجم إلى بيانات. والنظم تحتوي مقداراً ضخماً من القوة الحوسبية، ونحن نبحث منذ مدة عن طريقة لتصنيفها وتقسيمها. فنحن نؤمن على سبيل المثال بأنَّ بإمكاننا استخدام تلك العمليات لتقليل الإصابات التي تحدث عن طريق السهو أو التخلص من وجودها بشكلٍ كامل".

وحتى وقت قريب، كان لروبوت Da Vinci السبق في أي تنافس، وبدت الساحة خالية إلا منه. غير أنَّ العام القادم سيشهد تغير هذا الوضع. فقد استحدثت شركة Google، كما كان متوقعاً، منافساً (بالتعاون مع شركة Johnson & Johnson) سمّته Verb. وتهدف منصة الجراحة الرقمية، التي تعد "بالجمع بين قوة الروبوتات، والأدوات المتقدمة، والرؤية المحسنة، والتوصيل الجيد، وتحليل البيانات" إلى "إتاحة العمليات الجراحية لمزيدٍ من الناس" من خلال زيادة نسبة الجراحات التي تتم بمساعدة الروبوتات من 5% إلى 75%. أما في بريطانيا، باتت شركة Cambridge Medical Robotics المصنفة ضمن أقوى 200 شركة في البلاد قاب قوسين أو أدنى من الحصول على الموافقة على نظامها الرائد Versius، الذي تأمل أن تطلقه العام الجاري.

ويقول وونغ إنه يرحب بالمنافسة: "أميل إلى أن أعتبر أمراً كهذا دليلاً على أهمية ما نقوم به منذ عقدين من الزمان".

الجراحة بواسطة الروبوت خضعت لتجارب منذ بداية القرن الـ21
الجراحة بواسطة الروبوت خضعت لتجارب منذ بداية القرن الـ21

ويرى أحدث مطوري الروبوتات الجراحة أنَّ هناك طرقاً لإدخال هذه التقنية إلى مساحات جديدة. ويخبرني مارتن فروست، الرئيس التنفيذي لشركة Cambridge، كيف أنَّ تطوير Versius قد تضمن مدخلاتٍ من مئات الجراحين المختصين في مجالاتٍ مختلفة متعلقة بالأنسجة اللينة، لخلق منظومة محمولة ومعيارية يمكنها العمل ليس في منطقة الحوض فحسب وإنَّما في أماكن أخرى من الدماغ والرقبة والصدر يصعب الوصول إليها أكثر من الحوض.

ويقول فروست: "في كل غرفة عمليات في العالم مكون أساسي لا يغيب أبداً، ألا وهو ذراع الجراح وساعده. أخذنا جميع مزايا هذا النمط لصنع شيء لا يحاكي الطبيعة الحيوية فحسب، وإنَّما يحسنها أيضاً". ويرى فروست أنَّ الذي كانوا يحاججون بأفضلية العمليات الجراحية التي تحمل أقل قدر ممكن من استخدام المشارط الجراحية ربما انتصروا. ويقول في هذا الصدد: "لقد خرج مارد الروبوتات من القمقم".

وقد يصل الأمر لأن تسلِّم نفسك لجراح يبعد عنك آلاف الكيلومترات

ولكن ماذا عن المرحلة التالية؛ هل يرى فروست مستقبلاً تكون فيه التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي مدمجة في العملية نفسها؟ يقول عن ذلك: "نرى هذا يتحقق عن طريق اتخاذ خطواتٍ صغيرة. نرى أنَّه من الممكن، خلال سنواتٍ قليلة، أن ينفذ الروبوت جزءاً من بعض العمليات "بنفسه"، ولكن أمامنا طريقٌ طويل حتى نصل إلى مرحلة تنفذ فيها الماكينة التشخيص والعلاج، دون أي تدخلٍ بشري".

كما أنَّ معجزة الجراحات عن بُعد "telesurgery"، أي إمكانية إجراء عمليات جراحية "ميدانية" عن بُعد، قد باتت وشيكة. وفي مثالٍ حظي بحفاوةٍ بالغة، استخدم الدكتور جاك ماريسو، الجراح المقيم في مانهاتن، خدمة اتصال محمية وعالية السرعة وأدوات تحكم عن بُعد ليجري جراحة استئصال المرارة لمريض على بُعد 3800 ميل في ستراسبورغ عام 2001. ومنذ ذلك حين، هناك حالات فردية لإجراء جراحات عن بُعد دون استخدام برنامج بعينه.

وفي عام 2011، مول الجيش الأميركي مشروعاً بحثياً مدته 5 سنوات لتحديد مدى جدوى إنشاء برنامج كهذا في ظل وجود التقنيات الحالية. وتولاه الدكتور روجر سميث في مركز نيكلسون للجراحات المتقدمة في فلوريدا.

شرح سميث كيف أنَّ هذه الدراسة كانت مقررة في الأساس لتحديد أمرين: الأول هو زمن الاستجابة: أي الفجوة الزمنية البسيطة لوسائل الاتصال عبر الإنترنت على مدى مسافاتٍ كبيرة؛ والثاني مدى تدخل هذه الفجوة في تحركات الجراح. وانتهت دراساته إلى أنَّ الفجوة إذا زادت عن 250 مللي ثانية "يبدأ الجراح في إدراك أو استشعار أنَّ شيئاً ما لا يسير على ما يرام". ولكن أيضاً وُجِدَ أنَّه باستخدام وسائل اتصال البيانات الموجودة بين المدن الكبرى، أو على الأقل بين أنظمة المستشفيات الكبرى، "دائماً ما كانت فترة الاستجابة أقل بكثير مما يمكن للجراح البشري إدراكه".

لكن مشكلة وحيدة، لكنها قد تسلبك حياتك

تكمن المشكلة في مخاطرة عدم إمكانية الثقة في اتصال الإنترنت. يقول سميث: "نحن جميعاً نعيش على الإنترنت، وفي معظم الأوقات يكون اتصال الإنترنت رائعاً. ولكن أحياناً تصبح البيانات بطيئة لدرجة الحبو. الإشكال يكمن في أنَّنا لا نعرف مدى سيحدث هذا. لو حدث هذا أثناء إجراء جراحة، فأنت في ورطة". فلا الجراح ولا المريض يحب أن يرى رمز تعطل اتصال الإنترنت على شاشته أثناء الجراحة.

ويقول سميث إنَّ العرف حول العالم جرى بأن يتم تخصيص شبكات معينة لهذه الجراحات، مع وجود 5 خطوط للاتصال بمستوى أداء يفوق بضعفين على الأقل المستوى اللازم: "لذا فإنَّ فرصة حدوث مشكلة في الاتصال بالإنترنت تبلغ واحداً في المليون".

توجد هذه الأنواع من خطوط الاتصال، غير أنَّ إحجام المستثمرين عن المشاركة في أمر كهذا يرجع إلى أمور تتعلق بالتنظيم والمسؤولية أكثر من تعلقه بالتكلفة. فمَن سيتحمل مسؤولية انقطاع اتصال الإنترنت أثناء العملية؟ الولاية التي يقيم فيها الجراح، أم الولاية التي خضع فيها المريض للتخدير؟ أم الدول التي يمر بها كابل الإنترنت؟ نتيجةً لذلك، يقول سميث: "في العالم المتحضر، ثمة حالات قليلة يمكنك أن تقول فيها لا بد أنَّ يكون لدينا شيءٌ كهذا".

يتصور سميث ثلاثة أبطال محتملين للجراحات التي تجرى عن بُعد: الجيش، "إذا كان بوسعك أن تُنشئ شبكة اتصال عبر الإنترنت بحيث يكون الجراح في إيطاليا والمريض في العراق"؛ والبعثات التبشيرية الطبية "حيث يعمل الجراحون في الدول المتقدمة عبر الروبوتات لإجراء عمليات في أماكن لا يوجد فيها جراحون ماهرون"؛ وناسا، "في اللحظة التي يقيم فيها عددٌ كافٍ من البشر في الفضاء بحيث تحتاج إلى إيجاد طريقة لإجراء العمليات الجراحية". ولكن في الوقت الحالي فإنَّ التقنية ليست بالمتانة التي تؤهلها لتغطية أيٍ من تلك الحالات الثلاثة.

وبالنسبة لوونغ فإنَّ المخاطر ستظل كبيرة. وتسعى شركة Intuitive Surgery إلى تحقيق مبادئ "الاستشارة عن بُعد" أو "المراقبة عن بُعد" وليس الجراحة عن بُعد. ويقول وونغ: "يكون الجراح في مكان، في حين تكون الشاشة في مكان آخر، وينظر الاستشاري المختص في عدة مشاهد بالكاميرا بحيث يُقدم رأياً ثانياً. ويعد هذا بمثابة "الاستعانة بصديق".

أما الجراحة عن بُعد الحقيقية فتستلزم طرح سؤال أبعد من ذلك، ربما نسمعه خلال العقد القادم أو نحو ذلك: "هل تقبل بالخضوع لعملية جراحية دون وجود جراح في الغرفة؟". في الوقت الحالي، الإجابة بديهية قاطعة لا لبس فيها.


اقرأ أيضا

الطبيب المنسي الذي غيَّر وجه الطب الحديث.. هل كانت العنصرية سبباً لإهمال سيرة فريدرك أكبر محمد؟