سيتحكمون بالمادة التي تمر إليك ويمنحون الأولوية لمن يدفع ويسحقون المبادرات الصغيرة.. عصر حياد الإنترنت انتهى

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/13 الساعة 13:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/13 الساعة 13:54 بتوقيت غرينتش

الإنترنت الذي نعرفه قد يشهد تغييراً كبيراً، حجم التغيير ونتائجه لا يمكن تحديدهما بدقة، ولكنه غالباً قد يكون للأسوأ، كما يحذر الكثيرون.

أما المفارقة فإن الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يتهمه الكثيرون بإفساد حرية التجارة العالمية له علاقة أيضاً بالمشكلة المُحتملة التي قد تواجه الإنترنت.

فمنذ انطلاق الإنترنت وانتشاره، لم يسبق أن تعرضت حيادية الإنترنت إلى التهديد حتى تلك اللحظة التي أعلنت  فيها لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية في نهاية العام الماضي 2017، عن إعادة النظر في قواعد حيادية تنظيم الإنترنت التي يتم العمل بها منذ عام 2015.

لكن أولاً ما معنى حيادية الإنترنت؟

نظراً لأن شبكات تزويد الإنترنت حديثة العهد مثل الإنترنت ذاته، لم يظهر على الساحة تعريف صريح حول حيادية تزويد الجميع بالإنترنت حتى عام 2002 عندما أصدر تيم وو Tim Wu، أستاذ القانون في جامعة كولومبيا الأميركية ورقة بحثية تضمنت تعريفاً قانونياً شاملاً لحيادية الإنترنت، وقواعد عدم التمييز بين المستخدمين.

وينص هذا التعريف على أنه "لا ينبغي السماح لمزود خدمة الإنترنت بحظر أو تقليل الوصول إلى بعض المواقع أو الخدمات، علاوة على عدم السماح بتخصيص "مسار سريع" يسمح للمحتوى الذي يفضله مزود خدمة الإنترنت بتحميله بسرعة أكبر من بقية المستخدمين".

لذا أصبح مزودو الخدمة ملزمين بحيادية توزيع الإنترنت على الجميع، حتى وإن كانت بعض التطبيقات تستهلك خدمات الإنترنت بصورة أكبر من غيرها.

ويُعد تطبيق فيسبوك من أكثر المُدافعين عن قوانين حيادية الإنترنت، كون النجاح الباهر الذي حققه التطبيق نفسه يُعزي فضله إلى تلك الحيادية، التي سمحت للفيسبوك بالانتشار، وإتاحتها للاستخدام دون فرض أي رسوم إضافية على مُصممه أو على مستخدميه من جهة مزودي خدمات الإنترنت.

ما الهدف من هذه القواعد الجديدة، وهل أصبحت سارية؟

تحقيق أقصى استفادة تجارية ممكنة لمزودي الخدمة من الإنترنت، أصدرت لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية في ديسمبر/كانون الأول الماضي من عام 2017 قواعد جديدة تلغي حيادية الإنترنت، والتي تعطي الصلاحية لمُقدمي خدمات الإنترنت على تسريع حركة مرور الإنترنت أو تقليلها، بما يتناسب مع ما يدفعه المشتركون.

وأثار قرار لجنة الاتصالات حفيظة العديد من المشتركين، الأمر الذي دعا مجموعة مؤلفة من ممثلين عن 22 ولاية أميركية لمقاضاتها بشأن الإلغاء، لكن لم يتم تحديد موعد جلسة استماع لتلك القضايا في أي محكمة فدرالية في واشنطن حتى الآن.

وفي مُحاولة للمُحافظة على حرية حيادية الإنترنت سعى الديمقراطيون إلى الدعوة إلى إجراء تصويت في مجلس النواب، لوقف قرار لجنة الاتصالات الفيدرالية والحفاظ على توزيع متساو لجميع المشتركين طبقًا لقانون مُعارضة الكونغرس (CRA)، الذي يتيح للكونغرس وقف قرارات الوكالات الحكومية التي صدرت مؤخراً.

وإذا لم يتحرك الكونغرس فمِن المقرر أن يصبح إلغاء الحيادية ساري العمل يوم الإثنين، الحادي عشر من يونيو/حزيران عام 2018.

50 صوتاً أميركياً يحتاجها العالم لحماية حيادية الإنترنت!

 ربما لم يفت الآوان بعد، فمنذ أن دعا الديمقراطيون إلى إعادة النظر في إلغاء حيادية الإنترنت، نجح النائب "مايك دويل" في جمع توقيعات موافقة على إعادة التصويت مرة أخرى بشأن إعادة حيادية الإنترنت، وإلغاء قرار لجنة الاتصالات، إلا أن القوانين الحالية تُجبر مايك على الحصول على أغلبية 218 صوتاً في مجلس النواب، للموافقة على هذا الالتماس.

ونجح النائب الديمقراطي في الحصول على 170 صوتاً بالموافقة بالفعل، ما يجعل حيادية الإنترنت قاب قوسين للعودة مرة أخرى، ولكن الأمر رهن بموافقة 50 نائباً على أقل تقدير.

لهذه الأسباب تصر الإدارة الأميركية على القواعد الجديدة

الولايات المتحدة هي أمة تتشاجر مع نفسها في الوقت الحالي بسبب حيادية الإنترنت.

وترى لجنة الاتصالات الفيدرالية وكل المؤيدين لإلغاء حيادية الإنترنت، أن هذا القانون يُساهم بشكل كبير -على حد قول رئيس لجنة الاتصالات أجيت باي- في توفير خدمات أرخص للإنترنت، ومنافسة أوسع نطاقاً للشعب الأميركي.

ويرى رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية الأميركية أجيت باي، الذي تم تعيينه في منصبه بعد مجيء الرئيس دونالد ترمب للسلطة، أن حيادية الإنترنت تقلل الحوافز في الاستثمار لتطوير الشبكات، الأمر الذي ينذر بمشكلة في حال استمرار توسع استخدام الإنترنت الحالي.

ويزعم المعارضون لحيادية الإنترنت أيضاً، أن إلغاءها يُساهم بشكل عادل في توزيع مُتساو للخدمات على جميع المستخدمين، فعلى سبيل المثال هناك بعض الخدمات حساسة أكثر من غيرها لمسألة التأخير في تسليم البيانات عبر الإنترنت، مثل خدمات الاتصال الصوتي والألعاب عبر الإنترنت، الأمر الذي يستدعي توفير سرعة أكبر لمعالجة البيانات.

علاوة على ذلك يسعى المعارضون إلى بث الطمأنينة بين المستخدمين حول إلغاء الحيادية، تحت زعم أن مُزودي خدمات الإنترنت لن يسعوا إلى فرض رسوم مُبالغ فيها، ففي النهاية يحاول مزودو الخدمة الفوز بكل المستخدمين للهيمنة على السوق.

والمدافعون عن الحيادية يتوقعون سيناريو سيئاً

في المقابل، يقول المدافعون عن حيادية الإنترنت قائلين، إن معظم سكان الولايات المتحدة يرغبون في الحفاظ على الإنترنت عادلاً ومجانياً، مع الأخذ في الاعتبار قواعد حيادية الشبكة باعتبارها ضرورة في مواجهة تغول الشركات الكبرى.

فالإنترنت، يمر عبر خطوط ضخمة طويلة من الأسلاك الأرضية، كفلت حيادية الإنترنت توزيعاً عادلاً لكل المستخدمين عبر تلك الخطوط، وإلغاء تلك الحيادية يُمكن مُقدمي خدمات الإنترنت من تحديد أولوية حركة المرور عن طريق عرقلة، أو تقليل سرعة خطوط إنترنت بعض المستخدمين، لصالح تسريع الإنترنت في خطوط البعض الآخر، ما يقضي بشكل كبير على المُنافسة العادلة التي تمتعت بها تطبيقات الإنترنت لعهد طويل.

فيكفي أن يدفع أحد المنافسين اشتراكاً أكبر ليحصل على الإنجاز كله، دونما النظر لجودة محتوى تلك التطبيقات المُنافسة، أو مناسبتها للعرض على الجميع، حسبما يحذر المدافعون عن حيادية الإنترنت.

ويؤثر إلغاء حيادية الإنترنت أيضاً على التكلفة المتوقعة لخدمات الإنترنت في الفترة القادمة إذا تم تمرير القانون، فمن المتوقع أن يواجه المستخدم العادي ارتفاعاً في فاتورة الإنترنت بشكل ملحوظ.

ولكن لماذا على العالم أن يخاف من قرار اتخذته جهة أميركية؟

كل ما تفعله السلطات الأميركية فيما يتعلق بالإنترنت ستكون له تداعيات كبيرة لبقية العالم أيضاً.

فأميركا تشكل نموذجاً لكثير من الدول التي قد تقلد هذه القواعد، كما أنه يمكن أن ترتفع أسعار الخدمات الدولية التي تقدمها شركات أميركية عبر الإنترنت.

وإذا طبقت القواعد الجديدة.. فكيف سينعكس ذلك على المستهلكين؟

هناك بعض التطبيقات بعينها، التي يتوقع أن تواجه تهديداً جراء إلغاء حيادية الإنترنت.

على سبيل المثال قد تواجه شبكة "نتفليكس" مشكلة كونها المُنافس الأحدث على شبكات الكابل الأرضي، مثلما حدث من قبل مبكراً عام 2014، عندما فُرض عليها تسديد رسوم من أجل الحصول على إرسال أقوى.

هذا الوضع قد يدفع نتفليكس إما إلى تقليل جودة خدماتها، أو إلى فرض رسوم أكثر على مستخدميها، من أجل ضمان توفير الدعم المالي اللازم لزيادة اشتراك خدمات الإنترنت.

وقد يصبح لدينا أيضاً تمييز طبقي في الإنترنت

أما على جانب المستخدمين، فهناك العديد من التخوفات إزاء حرية وصول المعلومات إليهم، إذ لن يؤدي تطبيق إلغاء حيادية الإنترنت إلى منع وصول بعض المعلومات إليهم، لكن يجعل وصول الخدمات الأحدث والأكثر أهمية منوطاً بما إذا كان المستخدم صاحب اشتراك إنترنت بخط سريع أم لا.

من المتوقع أيضاً أن يُصيب الشركات الناشئة الضرر الأكبر جراء هذا التعديل، كون تلك الشركات تعتمد بشكل أساسي على حيادية الانترنت، وتُجاهد لتحتل مرتبة بين المتميزين بجودة أفكارها والابتكار، الأمر الذي يضع عبئاً مادياً جديداً على تلك الشركات لدفع اشتراكات الإنترنت الأكثر سرعة.