ما سنذكره معقد بعض الشيء لكن الفيزيائيين يعتقدون أن هذه النظرية قد تكون “نظرية الكون”

عربي بوست
تم النشر: 2018/06/03 الساعة 10:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/06/03 الساعة 12:15 بتوقيت غرينتش

هي واحدة من أكثر الأفكار المثيرة للجدل في عالم الفيزياء وغير المثبتة حتى الآن، نتحدث عن نظرية الأوتار. يأتي في قلب نظرية الأوتار خيط يقودنا إلى فكرة ترددت في الفيزياء على مدار عقود مفادها أنَّه عند مستوى أساسي معين ترتبط جميع القوى والجسيمات والتفاعلات ومظاهر الحياة المختلفة معاً كجزء من نفس إطار العمل.

وبدلاً من أربع قوى أساسية مستقلة القوية والكهرومغناطيسية، والضعيفة والجاذبية- هناك نظرية واحدة موحدة تطوق هذه القوى جميعها.      

وفي كثير من النواحي، تُعد نظرية الأوتار المنافس الأمثل لوضع نظرية كَميَّة للجاذبية، والتي يصدف أنَّها تتحد عند النطاقات الأعلى من الطاقة.

ليس هناك دليل لكن كل شيء حولها مقنع

وعلى الرغم من أنَّه ليست هناك أدلة تجريبية تثبت النظرية، هناك أسباب تجريبية مُقنِعة تدفعنا للاعتقاد بأنَّها حقيقية. ففي عام 2015، كتب إد ويتن، أبرز علماء نظرية الأوتار الذين لا يزالون على قيد الحياة، ورقة بحثية حول ما يجب أنَّ يعرفه كل فيزيائي عن نظرية الأوتار. وإليكم ما يعنيه هذا، حتى وإنَّ لم تكن فيزيائياً.

حين يتعلق الأمر بقوانين الطبيعة، من المُلفت مدى التشابهات الموجودة بين ظواهر تبدو غير ذات صلة. فالبنية الرياضية التي تُشكل أساس هذه الظواهر تكون غالباً متقاربة وحتى في بعض الأحيان متطابقة.

ووفقاً لقوانين نيوتن للجاذبية، فالطريقة التي ينجذب بها أي جسمين هي تقريباً متطابقة للطريقة التي تتجاذب أو تتنافر بها الجسيمات المشحونة كهربياً. وتُماثل كذلك الطريقة التي يتحرك بها بندول الساعة للأمام وللخلف تماماً تلك الطريقة التي تتحرك بها كتلة على ينبوع ماء ذهاباً وإياباً، أو طريقة دوران كوكب حول نجم. وتتشارك موجات الجاذبية والماء والأضواء جميعها في سمات متشابهة إلى حد كبير، برغم أنَّها تأتي بالأساس من أصول فيزيائية مختلفة. وبنفس الأسلوب أيضاً، وعلى الرغم من أنَّ الكثيرين لا يدركون هذا، تتماثل النظرية الكمية لجسيم والطريقة التي تتتعامل بها مع نظرية كمية للجاذبية.

عملية حسابية تساعدك على فهم ما نقول

تعمل نظرية الحقل الكمومي عن طريق أخذ جسيم وإجراء "حاصل جمع التواريخ" له. لا يمكنك حساب أين كان الجسيم وأين هو الآن وكيف وصل إلى هذا المكان فقط؛ لأنَّ هناك شكوكاً كمية أساسية متأصلة في الطبيعة. ولكن في المقابل، تضيف كل الطرق المحتملة التي يمكن أنَّ يكون قد وصل إليها ليكون في وضعه الحالي (الجزء المتعلق بـ"التاريخ الماضي")، أي احتمالية مُقاسه على نحو دقيق، ثم يمكنك حساب الحالة الكمية للجسيم.

إذا أردت العمل مع الجاذبية بدلاً من الجسيمات الكمية، فعليك تغيير القصة قليلاً. ولأنَّ نظرية النسبية العامة لأينشتاين غير معنية بالجسيمات، بل على الأحرى بانحناءات الزمكان (الزمان والمكان)، فأنت لن تحسب متوسط مجموع التواريخ المحتملة للجسيم. ولكن بدلاً من هذا، ستقيس جميع الحسابات الهندسية المحتملة للزمكان.     

  

والعمل عبر 3 أبعاد مكانية صعب للغاية، وحين نكون أمام مسألة فيزيائية معقدة، نحاول غالباً حل صورة مبسطة منها أولاً. وإذا ما عملنا عليها من بعد واحد تصبح الأمور سهلة للغاية. الأسطح الوحيدة التي يمكن أنَّ تكون أحادية البعد هي وتر مفتوح ذو نهايتين منفصلتين غير متصلتين، أو وتر تتواصل نهايتاه لتشكيل حلقة. إضافة إلى هذا، فالانحناء الفراغي- الذي يتسم بالتعقيد الشديد حين تكون له 3 أبعاد- يصبح صفرياً. وبالتالي فإذا ما أردنا أنَّ نضيف المادة، لن يصبح لدينا سوى مجموعة من الحقول المقياسية (تماماً مثل أنواع معينة من الجسيمات) والثابت الكوني (والذي يعمل كمصطلح كتلي): تقارب جميل.   

ولن يكون لدرجات الحرية الإضافية التي يكتسبها الجسيم من كونه متعدد الأبعاد دور كبير؛ طالما أنَّك قادر على تحديد مُتَّجِه الاندفاع؛ فهذا هو البعد الرئيسي الذي يهم. ومن ثم عندما يكون ذا بعد أحادي، تشبه الجاذبية الكمية تماماً جسيماً كمياً حراً في أي عدد عشوائي من الأبعاد.                                    

حتى أننا سننتقل من بعد مكاني واحد إلى 3 أبعاد

والخطوة التالية هي دمج التفاعلات، والتحول من جسيم حر دون مطال تشتت أو قطاعات متداخلة إلى جسيم له دور فيزيائي متصل بالكون. وتسمح لنا الرسومات البيانية، مثل الرسم أعلاه، بوصف المفهوم الفيزيائي للتحرك في الجاذبية الكمية. إذا ما دوَّنا كل التركيبات المحتملة للرسوم البيانية المماثلة وحسبنا مجموعها- وفق القوانين ذاتها التي نطبقها دائماً، مثل بقاء كمية الحركة- فيمكننا إذاً إكمال المقاربة. وتشبه الجاذبية الكمية في بعدٍ واحدٍ كثيراً جسيماً يتفاعل في أي عدد من الأبعاد.              

وستكون الخطوة التالية هي الانتقال من بعد مكاني واحد إلى 3 أبعاد زائد بعد واحد إضافي: إذ إنَّ للكون ثلاثة أبعاد مكانية وبعداً زمانياً واحداً. لكن قد يكون هذا "التطوير" النظري للجاذبية صعباً للغاية. لذا قد يكون هناك في المقابل نهج أفضل، إذا ما اخترنا العمل في الاتجاه المعاكس. وبدلاً من حساب كيف يتصرف جُسيم (جسم بلا أبعاد) في أي عدد من الأبعاد، ربما يمكننا حساب كيف يتصرف وتر (جسم أحادي البعد)، سواء أكان مفتوحاً أو مغلق النهايات. ثم من هنا، يمكننا البحث عن مقاربات لنظرية أكثر تكاملاً للجاذبية الكمية في عدد من الأبعاد أكثر واقعية.

بدلاً من النقاط والتفاعلات، سنبدأ فوراً بالعمل مع الأسطح والأغشية. وبمجرد أنَّ يصبح لديك سطح حقيقي متعدد الأبعاد، يمكن ثني هذا السطح بنسبة ضئيلة لكن هامة. وتبدأ في الحصول على سلوكيات مثيرة جداً؛ والتي يمكن أنَّ تكون سبباً للانحناءات الزمكانية التي نختبرها في كوننا في إطار النسبية العامة.

وفي حين منحتنا الجاذبية الكمية أحادية البعد نظرية الحقل الكمومي للجسيمات التي قد تكون في زمكان منحني، فهي لم تصف الجاذبية نفسها. أهذا هو الجزء الدقيق الذي كان مفقوداً من الأحجية؟ لم يكن هناك تقارب بين العوامل أو الدوال التي تمثل الخواص والقوى الميكانيكية الكمية، والحالة الكمية، أو كيف تتطور الجسيمات وخواصها عبر الزمن. وكان هذا التشابه بين العوامل والحالة الكمية مكوناً ضرورياً، وإنَّ كان مفقوداً.                                        

حتى أن هناك  6 أبعاد

لكن إذا انتقلنا من الجسيمات على شكل نقاط إلى الأجسام التي تشبه الأوتار، يظهر هذا التشابه.   

وبمجرد أنَّ ترتقي من الجسيمات إلى الأوتار، يظهر تشابه فعلي بين العوامل والحالة الكمية. ويمثل التذبذب في مقياس الزمكان المتري (عامل) تلقائياً حالة في وصف ميكانيكا الكم لخواص الأوتار. فيمكنك إذن الحصول  من نظرية الأوتار على نظرية كمية حول الجاذبية في الزمكان.

لكن هذا ليس كل ما يمكنك الحصول عليه: إذ يمكنك الحصول على جاذبية كمية موحدة مع جسيمات وقوى أخرى في الزمكان، تلك التي تتقارب مع العوامل الأخرى في نظرية المجال للأوتار. وهناك أيضاً العامل الذي يصف التغيرات في هندسة الزمكان، والحالات الكمية الأخرى للوتر. أما الأنباء الأهم حول نظرية الأوتار فهي أنَّها يمكنها إعطاؤك نظرية كمية عاملة للجاذبية.                          

ومع ذلك، لا يعني هذا أنَّ الاستنتاج الذي يقول إنَّ نظرية الأوتار هي الطريق نحو الجاذبية الكمية هو استنباط مفروغ منه. ويتمثل الأمل الكبير في نظرية الأوتار في أنَّ هذه التشابهات ستصمد على كل المقاييس، وأنَّ يكون هناك مخططٌ واضح مباشر لصورة الأوتار في الكون الذي نشاهده حولنا.

وحالياً، هناك مجموعات قليلة فقط من الأبعاد التي تنسجم فيها صورة الأوتار/الأوتار الفائقة معاً، وحتى أكثر مجموعة واعدة منها لا تعطينا الجاذبية رباعية الأبعاد التي وصفها أينشتاين بأنَّها تُمثَّل كوننا. وفي المقابل، نجد نظرية برانز–ديك للجاذبية ذات الأبعاد العشرة. ولاستعادة جاذبية كوننا، يتحتم أنَّ "تتخلص من" ستة أبعاد، وتأخذ المُعامِل المتغير لنظرية برانز–ديك (ω) إلى اللانهاية.

إذا سمعت مصطلح compactification -أي تغيير النظرية في ما يتعلق بأحد أبعادها- في سياق نظرية الأوتار، فهذه هي إشارة تقر بأننا لابد لنا من حل هذه الألغاز.

ويفترض كثيرٌ من الأشخاص حالياً أنَّه يوجد حل كامل مُقنِع للحاجة إلى تغيير النظرية تلك. ولكن تظل كيفية الحصول على جاذبية أينشتاين والأبعاد 3 زائد واحد من نظرية برانز–ديك للجاذبية ذات الأبعاد العشرة تحد غير منته أمام نظرية الأوتار.                  

توفر نظرية الأوتار سبيلاً للجاذبية الكمية، والتي لا يمكن أنَّ تضاهيها حقاً سوى بدائل قليلة. وإذا ما لجأنا للخيارات الحذرة التي تقول إنَّ "هذه هي الطريقة التي تعمل بها الرياضيات" فسنتمكن من الوصول إلى النظرية النسبية العامة ونظرية النموذج المعياري منها. وإلى يومنا هذا، هذه هي الفكرة الوحيدة التي تخرج لنا بهذه النتيجة، ولهذا السبب تمثل مسعىً حثيثاً.            

وسواء كنت تميل إلى نجاحات نظرية الأوتار أو إلى فشلها، أو أي ما كنت تشعر به حول نقص التنبؤات القابلة للتحقق، فستظل هذه النظرية بلاشك إحدى أكثر المجالات فعالية في الأبحاث الفيزيائية النظرية.  

وتبرز نظرية الأوتار، في جوهرها، كالفكرة الأم في أحلام الكثير من الفيزيائيين العظماء حول الوصول لنظرية مطلقة.