حظرت الحكومة الروسية، الشهر الماضي، ما يقرب من 19 مليون عنوان بروتوكول IP على الإنترنت، في محاولةٍ لمنع الأشخاص من الدخول إلى تطبيق المراسلة تلغرام. الإجراء الروسي جاء رداً على رفض التطبيق الانصياع لمطالب الحكومة بمشاركة المحتوى الذي تتضمنه محادثات الدردشة المشفرة.
وحظرت السلطات العديد من بروتوكولات الإنترنت، لأنَّ Telegram استخدم تقنية تُسمَّى Domain Fronting، للتحايل على عمليات فلترة عناوين الويب الخاصة بتلغرام، وفق ما أوضح موقع The Daily Beast.
تسمح التقنية لتلغرام بأن يَظهر للمراقبين الروس كأنَّه نطاقٌ مختلف غير مراقب، يستخدم خدمات تلغرام السحابية، وهما في الأساس جوجل وأمازون، فيما ينتقل تلغرام نفسه من عنوان بروتوكول إلى آخر، وعلى خدمة الاستضافة السحابية كذلك، كي يتجاوز الحظر المفروض من جانب الحكومة عليه.
ونتيجةً لعدم قدرتها على تحديد أيٍّ من عمليات الاتصالات تنتمي لنطاقات تلغرام، أملت السلطات الروسية على الأرجح، أن تحظر عدداً كافياً من عناوين البروتوكول، أو IP Adresses، لتصعيب الوصول إلى عمليات الاتصالات النشطة لتلغرام.
حظر تلغرام رسالة روسية للشركات الأخرى
ولعل المسؤولين يحدوهم الأمل في أنَّ مثل هذا الحظر المكثف، الذي يحظر على الروس أيضاً الوصول إلى الآلاف من عملاء جوجل وأمازون، ممن ليس لهم صلة بهذا الأمر، قد يشجع شركاتٍ أخرى لوقف أعمالها مع تلغرام، وأي منظماتٍ أخرى تستخدم خدمات الاستضافة السحابية الخاصة به، للتملص من الرقابة المفروضة على شبكة الإنترنت.
ففي وقتٍ مبكر من شهر أبريل/نيسان، هدَّدت الرقابة الروسية بحظر ملايين الـIP Adresses، لتمنع الروس من الدخول إلى تطبيق Zello، وهو تطبيق اتصال صوتي استخدمه سائقو الشاحنات في روسيا لتنظيم الاحتجاجات.
وقتها رضخت أمازون وجوجل لهذا الضغط، وطلبت من القائمين على تطبيق Zello التوقف عن استخدامه.
وجوجل وأمازون تتراجعان عن خديعة التمويه
وأيّما كانت الاستراتيجية التي تستخدمها الرقابة في روسيا أو في دول أخرى، فيبدو أنَّهم سيسعدون هذا الأسبوع.
إذ أعلنت جوجل وأمازون أنَّهما بصدد إطلاق تدابير لمنع العملاء من استخدام تلك التقنية، وحذَّرا فعلياً بعض العملاء الذين يستخدمونها من التملص من الرقابة.
وتضم هذه المجموعة من العملاء تطبيق المراسلة الآمن Signal، إضافةً إلى متصفح Tor.
وأعلن القائمون على إدارة متصفح Tor أنَّهم استمروا في عملياتهم عن طريق الانتقال إلى مايكروسوفت "أزور" للخدمات السحابية، إلا أنَّه تنامى إلى مسامعهم، أنَّ مايكروسوفت قد تحظر قريباً هذه التقنية هي الأخرى.
وقد يكون الضغط الروسي مفيداً
ظهرت خطط جوجل لأول مرة في 13 أبريل/نيسان، عندما توقفت التقنية عن العمل لدى العديد من المستخدمين. وأعلنت أمازون عن خططها، في 27 أبريل/نيسان. ودفع هذا التوقيت البعض لأن يتساءلوا ما إذا لعب الضغط الروسي دوراً في هذا القرار.
لم تُجب جوجل وأمازون بعدُ عن التساؤلات حول هذا الموضوع، لكنَّ هذا القرار لم يصدر من فراغ.
لم تقدم أيٌّ من الشركتين صراحةً التقنية على أنَّها خدمة للتهرب من الرقابة، إلَّا أنَّ ذلك أصبح ممكناً للشركات التي تفهم جيداً الطريقة التي تعمل بها خدمات الاستضافة السحابية للشركتين.
لكنَّ الشهور الأخيرة شهدت تزايداً في الوعي بإمكانية استخدام الأداة للتهرب من الرقابة، مما أجبر جوجل وأمازون على مواجهة حقيقة أنَّ استمرار السماح باستخدام التقنية يعني أنَّهما تنحازان في القضايا السياسية الحساسة المنتشرة حول العالم، وأنَّهما يُمَكِّنُان الأنشطة غير المشروعة على شبكة الإنترنت.
مأزق الاعتراف بدعم المتظاهرين في إيران وخرق العقوبات
بدأ الأمر خلال الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران، خلال ديسمبر/كانون الأول، ويناير/كانون الثاني الماضيين، إذ تعرضت جوجل آنذاك لضغطٍ من المدافعين عن حرية التعبير، كي تساعد التقنية الإيرانيين على التملص من تصفية البيانات عبر الإنترنت.
تحظر جوجل أغلب عمليات الاتصال مع إيران التزاماً بالعقوبات الدولية، وقد يساعد تغيير تلك السياسة الإيرانيين من أجل التحايل على جهود الرقابة، لكنَّه من الممكن أن يشكل اعترافاً فعلياً من جوجل بأنَّها كانت تتعمد دعم المتظاهرين ضد رغبات وأوامر الحكومة الإيرانية.
وتسبَّب تهديد روسيا بحظر الملايين من عناوين البروتوكولات التي يستخدمها تطبيق Zello، في رفع درجة الخطورة، فقد حملت معها تداعياتٍ حقيقية غير مقتصرة على جوجل وأمازون وحسب، بل على آلاف العملاء أيضاً.
الأكثر من هذا أنَّ روسيا ليست البلد الوحيد الذي استطاع فرض حظرٍ على هذا المستوى الكبير، ويمكن أن تجد الشركات نفسها قريباً هدفاً لحملة حظرٍ ضخمة في عددٍ من البلاد التي تفرض رقابةً أساسية على الإنترنت.
فالتقنية تفتح الباب للناشطين والمجرمين
وبالإضافة إلى وجود رغبة في تجنب الجدل الثار عالمياً، تمتلك الشركتان العملاقتان أسباباً أمنية حقيقية للقلق بشأن التقنية. إذ تعمل التقنية من خلال السماح لمستخدميها بزعم أنَّهم جاؤوا من موقعٍ ليس بينهم وبينه اتصالٌ حقيقي. يستطيع الهاكرز والجواسيس استخدامه، وكذلك قادة الحملات المناهضة للرقابة.
وتعتبر مجموعة Cozy Bear أشهر مجموعات الجاسوسية الإلكترونية التي تستخدمها، وهي واحدة من المجموعتين الروسيتين اللتين فضحتا اللجنة الوطنية الديمقراطية في الولايات المتحدة خلال عام 2016. استخدمت مجموعة Cozy Bear التقنية قبل أن تصبح معروفةً بسنوات.
وقالت أمازون عن إساءة الاستخدام، إنها ستُنهي التقنية: "بكل وضوح، لا يرغب أي عميل أن يجد شخصاً آخر يتنكر في هيئة موقعه البريء".
من المفهوم أنَّ مالكي المواقع لا يريدون أن يكونوا مكتوفي الأيدي فيما يتعلق بمنع الآخرين من انتحال هوياتهم. لذا يبدو إنهاء التقنية أمراً منطقياً إذا ما نظرنا للمسألة بهذا المنظور".
وبعض المواقع تنتحل هوية المشغلين أنفسهم
ويوجد خيار آخر من الناحية النظرية، إذ إنَّ كثيراً من الجهود القائمة للتملص من الرقابة لا تنتحل هويات المواقع المستقلة، بل تنتحل هويات مقدمي الخدمات السحابية أنفسهم. ينجح هذا لأنَّ مواقع مثل جوجل مهمة للغاية لدرجة تجعل البلاد مترددةً في حظرها. وإذا كان موفرو خدمات الاستضافة السحابية يسمحون فقط باستخدام مواقعهم من قبل مناهضي الرقابة، فمن الممكن لهم أن يمنعوا المجرمين بدون صدِّ جهود المنظمات الناشطة في جهودها لمكافحة الرقابة.
أبدت جوجل موافقةً ضمنيةً على الأقل على هذا النهج، في أواخر 2014، عندما كتب المدير التنفيذي آنذاك مقال رأي في صحيفة New York Times الأميركية، قال فيه إنَّ "تقنيات التشويش -عندما يُموَّه شيءٌ ليبدو شيئاً آخر- هي أيضاً طريقٌ للأمام. أي نفق رقمي من إيران إلى النرويج، يمكن أن يتنكر في هيئة مكالمة سكايب عادية".
قد يتطلب هذا موقفاً سياسياً واضحاً، وهو موقف يمكن أن يبدو عدائياً في البلاد التي تفرض شكلاً من الرقابة. وفي أي بلد، يمكن أن يتعرض موفرو الخدمات للانتقادات، أو حتى يتم تحميلهم مسؤولية ارتكاب الجرائم أو الأنشطة الأخرى غير المشروعة.وبالرغم من أنَّ خدماتٍ مثل Signal وTor هامة للنشطاء الديمقراطيين، يمكن أيضاً أن يستخدمهما المجرمون والإرهابيون، ولا يستطيع موفرو الخدمات السحابية أن يفرقوا بين الصالح والطالح.