من دقات قلبك وخطواتك وتفاعلات إنزيماتك.. شحن البطاريات من الجسد البشري خلال 10 سنوات

عربي بوست
تم النشر: 2018/04/17 الساعة 18:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/04/17 الساعة 18:11 بتوقيت غرينتش
A woven bracelet, created with conductive thread, surface mount LEDs, flexible lithium-ion batteries, motion sensing accelerometer and a bluetooth module for wireless communication, is displayed during a fashion exhibition at SIGGRAPH (Special Interest Group for Computer GRAPHics) 2007 in San Diego, California August 6, 2007. The exhibition showcased innovated and interactive works in fashion inspired by new technology by international designers. REUTERS/Mike Blake (UNITED STATES)

كانت مجرد نبوءة شعرية.

قبل أكثر من 150 عاماً كتبها الشاعر الأميركي الأشهر والت ويتمان في قصيدته I Sing the Body Electric، متغنياً بـ "نشاط وقوة اللحم البشري الفضولي الذي يتنفس ويضحك". لم يكن يعلم أن قصيدته المنشورة في ديوان "أوراق العشب"، ستلقى – إلى جانب الإعجاب الأدبي – تفسيراً علمياً لها.

ومؤخراً استطاعت كانان داغديفيرين، المهندسة بمعهد ماساتشوستس للتقنية، وزملاؤها الوصول إلى معنى جديد لقصيدة ويتمان، وذلك عن طريق جهاز يمكنه توليد الكهرباء من خلال الطريقة التي ينحني بها بسبب ضربات القلب، وفقاً لتقرير نشره موقع The Atlantic.

البطارية.. العيب المشترك بين كل أجهزة العالم

أصبحت الإلكترونيات الآن قوية للغاية، لدرجة أنَّ الهاتف الذكي أصبح لديه قوة حسابية أكبر من كل ما فعلته وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" عندما أرسلت أول رجل إلى القمر في العام 1969. وأعطت التكنولوجيا الاستثنائية المتقدمة أملاً في أنَّ الأجهزة التي يمكن وضعها على الجسد، أو حتى التي يمكن زرعها داخله، قد تصبح أيضاً أكثر كفاءة من أي وقتٍ مضى.

لكن العيب الرئيسي في كل الأجهزة التي يمكن ارتداؤها أو زرعها هو بطارياتها التي لا يمكن استخدامها لفترات طويلة، نظراً لسعتها المحدودة. فآخر شيء قد ترغبه عندما تنفد الطاقة من جهاز تنظيم ضربات القلب على سبيل المثال، أن تفتح جسد المريض لتغيير بطارية الجهاز.

والحل.. الطاقة التي يحملها الجسم البشري؟

الحل لهذه المشكلة قد يكمن داخل جسم الإنسان الغني بكل أشكال الطاقة: الكيميائية، والحرارية، والميكانيكية. وهذا ما دَفَعَ العلماء للتفكير في طرق عدة يمكن عن طريقها أن تحصل الأجهزة على الطاقة اللازمة لها من الأجساد التي تسكنها. وهو البحث الذي أجرته كانان وزملاؤها.

وبحسب بحث كانان يمكن إنتاج طاقة قدرها 0.83 واط من حركة انتفاخ القفص الصدري أثناء التنفس، و4.8 واط من حرارة جسم الإنسان، و60 واطاً من حركة ذراعيه. وهذه النتائج ليست بالأمر الهين خاصة وأنَّ جهاز تنظيم ضربات القلب يحتاج فقط إلى 50 جزءاً من المليون من الواط ليستمر في العمل لمدة سبع سنوات، وأنَّ جهاز المساعدة على السمع يحتاج إلى جزء من الألف من الواط ليستمر في العمل لخمسة أيام.. أما الهاتف الذكي فيحتاج إلى واط واحد ليعمل لخمس ساعات.

تصميم آلات تستخرج الطاقة من حركة الأجسام

تُصمِّم كانان وفريقها الآن آلات تستخدم جسم الإنسان باعتباره مصدر طاقتها. ويختبر العلماء تلك الأجهزة التي يمكن ارتداؤها أو زرعها على نماذج حيوانية وعلى البشر أيضاً.

تتضمَّن إحدى خطط الحصول على الطاقة، تحويل طاقة الاهتزازات والضغط والضغوط الميكانيكية الأخرى إلى طاقة كهربائية. وعادةً ما يُستخدَم هذا النهج، الذي ينتج ما يعرف بالكهربائية الضغطية (الكهروضغطية)، في مكبرات الصوت والميكروفونات.

ومن المواد الكهربائية الضغطية المستخدمة مُركَّب "تيتانيت الزركونيت رصاص"، والذي يثير محتوى الرصاص بداخله مخاوف من احتمال كونه ساماً بالنسبة البشر. تقول كانان: "لكن لكي يتحلل الرصاص من المُركَّب، لابد من تسخينه لدرجة حرارة أعلى من 700 درجة مئوية. ولن تبلغ مثل هذه الحرارة داخل جسم الإنسان أبداً".

الأعضاء والعضلات تخلق شحنات كهربائية

وللاستفادة من الطاقة الكهروضغطية، تمكَّنت كانان وفريقها من تطوير أجهزة مسطحة يمكنها أن تُلصَق على الأعضاء والعضلات، مثل القلب والرئتين والحجاب الحاجز. هذه الأجهزة "خفية ميكانيكياً"، لأنَّ خواصها الميكانيكية مشابهة تماماً للأنسجة التي ستُوضَع عليها. لذلك، فإنَّها لن تعوق تلك الأنسجة أثناء حركتها.

حتى الآن، تم اختبار  هذه الأجهزة على الأبقار والأغنام والخنازير وكل الحيوانات التي لها قلوب تماثل حجم قلب الإنسان تقريباً. تشرح كانان: "عندما تتقلص تلك الأجهزة ميكانيكياً، تخلق شحنات موجبة وشحنات سالبة، وجهداً وتياراً كهربياً، ويمكنك تجميع كل تلك الطاقة لشحن البطاريات، ويمكنك استخدامها لتشغيل الأجهزة الطبية الحيوية، مثل أجهزة تنظيم ضربات القلب، بدلاً من تغييرها كل ست أو سبع سنوات بعد أن تفرغ بطارياتها".

الكهرباء من المشي وثني الذراع

ويطور العلماء أيضاً أجهزة حاصِدة للطاقة الكهروضغطية، يمكن ارتداؤها فوق المفاصل، مثل الركبة أو الكوع، أو داخل الأحذية، أو السراويل، أو الملابس الداخلية. بهذه الطريقة، سيتمكن البشر من إنتاج الكهرباء للإلكترونيات كلما مشوا أو ثنوا أذرعهم.

عند تصميم الأدوات الكهروضغطية، قد لا يرغب المرء -على عكس ما يُعتَقَد- في الحصول على المواد الأفضل في توليد الكهرباء. وعلى سبيل المثال، بدلاً من اختيار أداة تُحوِّل 5% من كل الطاقة الحركية التي تستقبلها إلى كهرباء، فإنَّك قد ترغب في أداة  بكفاءة 2% فقط أو أقل. وتقول كانان إنَّ الأداة إن حولَت طاقة أكثر، "فإنَّها قد تقوم بذلك بوضع المزيد من الحمل على الجسم، وأنت لا ترغب في أن تسبب لك التعب".

أو من نبضات  قلبك ودفء جسمك

وهناك منهج آخر مختلف لحصد الطاقة  يتمثل في استخدام مواد كهروحرارية، تحول حرارة الجسم إلى كهرباء. تشير كانان إلى أنَّ "قلبك ينبض أكثر من 40 مليون مرة سنوياً". وتتبدد كل هذه الطاقة في صورة حرارية داخل الجسم، وهي مصدر ثري مُحتَمل يمكن استغلاله من أجل استخدامات أخرى.

تواجه المُولِّدات الكهروحرارية بعض التحديات الرئيسية. فهي تعتمد على الاختلاف في درجات الحرارة، لكن البشر عادةً ما يحافظون على درجة حرارة ثابتة داخل أجسامهم. لذلك، فإنَّ أي اختلاف في درجة الحرارة لن يكون كبيراً بشكلٍ كافٍ لتوليد كميات كبيرة من الكهرباء. لكنَّ هذا لن يمثل مشكلة إذا كانت الأجهزة مُعرَّضة إلى هواء بارد نسبياً، بالإضافة إلى دفء الجسم المستمر.

يستكشف العلماء أجهزة كهروحرارية يمكن ارتداؤها، مثل تشغيل ساعات اليد. مبدئياً، يمكن للحرارة المنبعثة من جسم الإنسان أن تُولِّد طاقة كهربائية كافية لتشغيل أجهزة مراقبة الحالة الصحية اللاسلكية، وقوقعة الأذن، وجهاز تنظيم الدماغ الذي يُستخدَم لعلاج الاضطرابات مثل مرض باركنسون (الشلل الرعاش).

ويمكن أيضاً توليد الكهرباء من الاحتكاك

بحث العلماء في استخدام التأثير نفسه المُسبِّب للكهرباء الساكنة الموجودة في حياتنا اليومية من أجل تشغيل الأجهزة. فعندما تصطدم مادتان مختلفتان أو تحتكان ببعضهما بشكلٍ متكرر، قد يستقطب سطح إحداهما الإلكترونات من سطح المادة الأخرى، فتتراكم الشحنة، مُسبِّبةً ظاهرةً تعرف باسم كهرباء الاحتكاك. ومن المميزات الرئيسية لكهرباء الاحتكاك أنَّ كل المواد تقريباً، الطبيعي منها والمُخَلَّق، قادرةٌ على توليدها، مما يعطي الباحثين نطاقاً واسعاً من الاحتمالات التي يمكن عن طريقها تصميم الأجهزة.

وقد خضعت أجهزة تنظيم ضربات القلب، وأجهزة مراقبة القلب، وغيرها من الأجهزة التي يمكن زرعها وتشغيلها بكهرباء الاحتكاك عن طريق التنفس أو ضربات القلب، للاختبار على الفئران والأرانب والخنازير. ويقول  تشونغ لين وانغ، المتخصص في تكنولوجيا النانو في معهد جورجيا التقني: "نبحث أيضاً إمكانية استخدام كهرباء الاحتكاك داخل جسم الإنسان لتحفيز نمو الخلايا وتحسين شفاء الجروح. بالإضافة إلى ذلك، بدأنا إجراء تجارب كهرباء الاحتكاك على تحفيز الأعصاب، لنرى إذا كان في استطاعتنا المساهمة بأي شيء في علم الأعصاب".

وهذه ملابس تشحن البطاريات أثناء المشي

صمَّم وانغ وفريقه أيضاً أجهزة يمكن ارتداؤها، تعمل بكهرباء الاحتكاك. على سبيل المثال، صنعوا ملابس تعتمد على كهرباء الاحتكاك، ويمكنها شحن حزام مرن يحتوي على بطاريات ليثيوم-أيون. يمكن لهذا أن يُشغِّل جهازاً لقياس ضربات القلب يمكن ارتداؤه، ويستخدم تقنية بلوتوث لإرسال بياناته لاسلكياً إلى الهاتف الذكي. قال وانغ: "قد نتمكَّن من تحويل طاقة الإنسان الحركية اليومية إلى كهرباء من خلال ملابسنا".

وكهرباء من تفاعل إنزيمات الجسم والغلوكوز

تعتمد خطة أخرى على أجهزة تعرف باسم "خلايا الوقود الحيوي"، والتي تُولِّد الكهرباء عبر التفاعلات الكيميائية بين الإنزيمات وجزيئات الوقود الموجودة داخل الجسم، مثل الغلوكوز الموجود في الدم، أو التي يفرزها الجسم، مثل اللاكتات التي تُفرَز في العرق. على سبيل المثال، يمكن لإنزيم نازعة هيدروجين السيلوبيوز الموجود في فطر فانيروكيت سورديدا (Phanerochaete sordida)  أن يكسر السكريات ويُولِّد تياراً كهربياً عندما يُلصَق على أنابيب كربون فقط باتساع نانومترات (أجزاء من المليار من المتر).

اختيار الإنزيم ليس سهلاً.. فبينما وجد العديد من العلماء أنَّ إنزيم الغلوكوز أوكسيديز يمكن أن ينتج الكهرباء في خلايا الوقود الحيوي المزروعة في جرذان المختبر، فإنَّ الإنزيم أيضاً يولد بيروكسيد الهيدروجين، وهو مادة مُبيِّضة شائعة. وقد يُسبِّب هذا تدهور أداء الجهاز، وربما يؤذي الجسم على المدى الطويل.

وبحسب أبحاث كانان حتى الآن، فإن تلك الأجهزة من المتوقع ظهورها في غضون أقل من 10 سنوات. وفي المستقبل، قد تصبح أجهزة حصد الطاقة مُصمَّمة بشكل أفضل لتناسب الجسم.  

تحميل المزيد