بات الاتحاد الإسباني لكرة القدم مهدداً بالإقصاء من خوض نهائيات كأس أوروبا 2024 التي تستضيفها ألمانيا الصيف المقبل، والحرمان من استضافة كأس العالم 2023 بالمشاركة مع المغرب والبرتغال، وذلك بعد أن قررت الحكومة وضع اتحاد الكرة الإسباني تحت وصايتها.
بينما يتابع المغرب "الوضع الخطير" الذي يعيشه الاتحاد الإسباني لكرة القدم دون أن يصدر أي تعليق علني، توصلت مدريد السبت 27 أبريل/نيسان 2024، برسالة من الاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم يطلبان من خلالها توضيح خلفيات قرار وضع الاتحاد المحلي لكرة القدم تحت وصايتها.
فيما يخشى المراقبون من تطور دراماتيكي للأحداث قد تعصف بمستقبل كرة القدم الإسبانية وتعرضها لعقوبات غير مسبوقة، خاصة أن "فيفا" عاقبت الكثير من الاتحادات المحلية لنفس السبب، تدخل السياسة في الرياضة، فكيف يبدو الوضع في إسبانيا؟
أصل أزمة الاتحاد الإسباني لكرة القدم
بعد ضلوعه في قضية فساد تلت فضيحة القبلة القسرية لرئيسه السابق لويس روبياليس للاعبة في منتخب السيّدات، أعلنت الحكومة الإسبانية الخميس 25 أبريل/نيسان، وضع اتحاد كرة القدم الإسباني تحت الوصاية.
حيث أشار المجلس الأعلى للرياضة التابع لوزارة الرياضة الإسبانية إلى أن الحكومة "اعتمدت هذا القرار لإعادة تصويب الوضع الخطير للاتحاد الإسباني لكرة القدم، حتى يتمكن الكيان من بدء مرحلة التجديد في مناخ من الاستقرار".
كما قال المجلس في بيان: "ستقوم لجنة الإشراف والتطبيع والتمثيل التي أنشأها المجلس الأعلى للرياضة" والتي يديرها "أشخاص مستقلون" بـ"الوصاية على الاتحاد الإسباني لكرة القدم في الأشهر المقبلة".
المجلس اعتبر أيضاً أن قراره يأتي من أجل "مصلحة إسبانيا" المرشّحة لتنظيم كأس العالم 2030 بالاشتراك مع البرتغال والمغرب.
إذ عصفت بالهيئة الكروية العُليا في إسبانيا فضيحة فساد بعد تقبيل روبياليس بالقوة لاعبة المنتخب جيني هيرموسو عقب تتويج إسبانيا بكأس العالم للسيدات، وأدى ذلك إلى استقالته من منصبه وإخضاعه والرئيس المؤقت بدرو روشا للتحقيق في إطار فضيحة فساد.
حيث أشار تحقيق في المحكمة الرياضية العُليا في إسبانيا إلى أن الاتحاد الإسباني لكرة القدم اتخذ قراراتٍ "خطيرة للغاية" و"تتجاوز صلاحياته". وأدّى التقرير إلى قرار المجلس الأعلى للرياضة وضع اتحاد الكرة تحت الوصاية.
وفي آذار/مارس، أقال الاتحاد العديد من المديرين المرتبطين بتحقيقات الفساد، فيما فتشت الشرطة مقر الاتحاد على مشارف مدريد إلى جانب ممتلكات روبياليس في غرناطة.
إذ يتعلق الأمر بعقود وقعها روبياليس لإقامة كأس السوبر الإسبانية في المملكة العربية السعودية، من بين أمور أخرى، وفق ما ذكرته وسائل إعلام إسبانية.
صراع الحكومة والاتحاد الكروي
بعد يوم واحد من إعلان الحكومة الإسبانية وصايتها على اتحاد الكرة، أعلن الأخير، الجمعة 27 أبريل/نيسان، تعيين بيدرو روشا، الذي يخضع للتحقيق في قضايا فساد، رئيساً جديداً له.
إذ قال الاتحاد الإسباني، في بيان: "جرى تعيين بيدرو روشا، الجمعة، رئيساً جديداً للاتحاد الملكي الإسباني لكرة القدم، بعد حصوله على دعم أغلبية جمعية هذه المؤسسة التي تحكم كرة القدم الإسبانية".
كما تابع الاتحاد الإسباني لكرة القدم: "وقد وافقت على ذلك مفوضية الانتخابات التي اجتمعت صباح اليوم، بناء على الجدول الزمني الذي تم وضعه لهذا الإجراء".
أضاف: "وفقاً للأمر المؤرخ يوم 25 يناير/كانون الثاني، والذي ينظم العمليات الانتخابية في الاتحادات الرياضية الإسبانية واللوائح الانتخابية للاتحاد الإسباني لكرة القدم، شرعت اللجنة الانتخابية في إعلان المرشح مباشرة، والذي سيتولى على الفور منصب رئيس هذا الاتحاد".
هذا التجاذب بين الحكومة في مدريد والاتحاد الإسباني لكرة القدم دفع وسائل الإعلام الإسبانية المتخصصة للتحذير من العواقب الكارثية على الكرة الإسبانية، ودعوا المسؤولين للتعامل بجدية مع تهديدات الاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم.
هذا ما ينتظر الاتحاد الإسباني لكرة القدم
كأس العالم أصبح معقداً بالنسبة لإسبانيا، "هذا ليس تهديداً كاذباً، بل هو حقيقة واقعة"، هكذا علقت صحيفة "Marca" الرياضية الإسبانية، الأحد 28 أبريل/نيسان، على أزمة اتحاد الكرة الإسباني وتهديدات الاتحادين الأوروبي والدولي لكرة القدم.
الصحيفة قالت إن العقوبة المحتملة من قبل الاتحادين الأوروبي والدولي ضد كرة القدم الإسبانية مطروحة على الطاولة ويمكن أن تتخذ شكلاً نهائياً في مؤتمر "الفيفا" القادم شهر مايو/أيار المقبل، كما حدث في الاجتماعات السابقة مع الاتحادات الأخرى.
حيث تلقى المجلس الأعلى للرياضة (حكومي) خطاباً مرسلاً من كل من الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحاد الأوروبي لكرة القدم، حثه فيه على توضيح محتوى هيئة الإشراف والاشتباه في وجود تدخلات سياسية في الاتحاد الكروي.
صحيفة "Marca" أشارت إلى أنه إذا لم يكن هناك رد فعل ملموس من السلطات بمدريد في الأيام المقبلة، فمن الممكن أن تأتي العقوبة على الفور.
كما أكدت صحيفة "InfoBae" الإسبانية أن أعلى هيئة في كرة القدم العالمية لا تخجل من معاقبة الهيئات الإدارية الأخرى للعبة الجميلة عندما لا تتصرف بشكل صحيح، "ولا يُستبعد أن يحدث الشيء نفسه للاتحاد الإسباني إذا لم تتوقف أزمته الداخلية"
في السنوات الأخيرة، فرض "الفيفا" عقوبات على اتحادات محلية في دول مثل بيرو وتشاد وغواتيمالا وكينيا وترينيداد وتوباغو وزيمبابوي، ويمكن أن يكون التالي هو الإسباني، تضيف الصحيفة الإسبانية.
حسب الاتحادين الأوروبي والدولي، فإن المسؤولين عن الشأن الكروي في إسبانيا "خان كل ما تمت مناقشته سابقاً، وبالتالي، إما أن يقدما تفسيرات مقنعة أو يمكن لإسبانيا أن تبدأ في دفع ثمن ما فعلته لجنة التنمية المستدامة".
حيث أشارت صحيفة "Marca" إلى أن العقوبات على الاتحاد الإسباني لكرة القدم قد تبدأ بحرمان المنتخب الإسباني من المشاركة في كأس أوروبا 2024 في ألمانيا ثم معاقبة الأندية الإسبانية، وصولاً إلى حرمان إسبانيا من استضافة كأس العالم 2030 مع المغرب والبرتغال.
موقف المغرب من أزمة الاتحاد الإسباني
فيما ينتظر المسؤولون عن تدبير الشأن الكروي في إسبانيا تطورات أزمتهم الداخلية، بدأ مراقبون في التحذير من استغلال المغرب للأزمة لتحقيق مكاسب متعلقة بكأس العالم 2030، في ظل المنافسة بين مدريد والرباط بشأن من سيستضيف مباراتي افتتاح ونهائي مونديال 2030.
في افتتاحية "Marca" نُشرت السبت 27 أبريل/نيسان، حذر مدير الصحيفة، خوان إجناسيو جالاردو، من استغلال المغرب "حالة الفوضى" التي يعيشها الاتحاد الإسباني لكرة القدم.
جالاردو قال في افتتاحيته: "يستغل شركاؤنا هذا الوضع للعمل بشكل متواصل على تحقيق هدفهم العظيم: استضافة المباراة النهائية الكبرى لكأس العالم.. بينما تحاول إسبانيا حل العقدة، فإن المغاربة يحققون هدفهم".
في المقابل، قلّل مصدر بارز داخل الاتحاد المغربي لكرة القدم من خطورة الوضع القانوني الذي يعيشه الاتحاد الإسباني في ظل الأنباء التي تحدثت عن احتمال تجميد أنشطته من قبل الاتحادين الأوروبي والدولي بسبب تدخل الحكومة الإسبانية في تسييره.
حيث أبدى المسؤول الذي تحدث إليه "عربي بوست" ثقته التامة في أن ينجح الاتحاد الإسباني بقيادة بيدرو روشا في الخروج من مشكلاته (رفض تسميتها بالأزمة) مع الاتحادين الدولي والأوروبي بطرق إدارية دون أن تصل الأمور إلى الحد الذي تصوره التقارير الإعلامية.
فيما استطرد قائلاً: "طبعاً نحن في الاتحاد المغربي نتابع الوضع، لأن إسبانيا شريك أساسي في ملف مونديال 2023، ونجاحه رهين بكل الشركاء نحن والبرتغال أيضاً، لذلك كل منا يتابع الآخر، لأننا في النهاية أعضاء ضمن مشروع موحد ونريد جميعاً نجاحه".
بينما رفض المتحدث مقارنة وضعية الاتحاد الإسباني لكرة القدم باتحادات أخرى، أوقفت من قبل الاتحاد الدولي مثل بيرو وتشاد وغواتيمالا وكينيا وترينيداد وتوباغو وزيمبابوي، مشيراً إلى أن الفرق شاسع بين أشكال التدخل الحكومي لديها ولدى إسبانيا.
كما أكد: "نشتغل في اللجنة الثلاثية المشتركة لمونديال 2030 بجانب الاتحادين الإسباني والبرتغالي لكرة القدم على رسم معالم طريق أنجح مونديال على الإطلاق، لذلك لا مجال للحديث عن تفكيرنا في شريك آخر أو اقتسام كعكة المونديال مع البرتغال، لأن احتمال سحب الترشيح من إسبانيا أو معاقبة الاتحاد بتجميد نشاطه بعيد جداً من وجهة نظرنا".
بينما ختم قائلاً: "تنظيم المونديال مشروع دولة، والاتحاد الدولي لكرة القدم تلقى ضمانات حكومية من الدول الثلاث المغرب وإسبانيا والبرتغال، والسيناريوهات التي تتحدث عن التقارير الإعلامية الدولية فيها نوع من المبالغة، بغرض خلق الإثارة والانتشار، نحن نشتغل معاَ ولم نُثر نهائياً هذا الموضوع داخل الاتحاد المغربي في الوقت الراهن".