عندما كان المراقبون والمحللون الرياضيون ينتقدون مدرب منتخب الجزائر لكرة القدم، جمال بلماضي، كان هذا الأخير يرد بأنّه يملك "عقداً معنوياً" مع الشعب الجزائري.
ونفس الجواب كان يستعمله بلماضي لما كان يُسأل عن تجديد عقده وعن استمراره مع المنتخب الجزائري أو الرحيل لما تعرض فريق "الخضر" لخيبتين متتاليتين في بداية سنة 2022، بخروجه من الدور الأول لكأس أمم أفريقيا لكرة القدم التي جرت دورتها النهائية بالكاميرون، ثم إقصائه من الدور الفاصل في التأهل إلى مونديال قطر، أمام المنتخب الكاميروني.
هوس الجماهير الجزائرية ببلماضي بلغ درجة "التقديس"
وكان بلماضي مُحقّاً نسبياً في حديثه عن العقد الذي يربطه بالشعب الجزائري، إذ كان معظم أنصار فريق "محاربي الصحراء" ينظرون إلى "الكوتش" جمال بأنه ذلك "المُنقذ" الذي أعاد هيبة الكرة الجزائرية، لما قاد المنتخب للتتويج بلقب كأس أمم أفريقيا خلال النسخة التي جرت بمصر في صيف 2019.
وقد جاء ذلك اللقب بعد 29 سنة كاملة من أول وآخر تتويج باللقب القاري الذي ناله خلال دورة 1990 بالجزائر.
وقد بلغ هوس الجماهير الرياضية الجزائرية بالنجاح المؤقت للمدرب بلماضي، إلى درجة "تقديسه"، إذ كان كل صحفي أو ناقد رياضي يعبر عن رأيه عن إخفاقات جمال وفشل خططه التكتيكية يُتهم بـ"الخيانة".
واستمر، إذاً، "تقديس" الكثير من أنصار منتخب الجزائر للمدرب بلماضي حتى بعد فشله الذريع في الحفاظ على لقبه الأفريقي في "كان 2022" وفي التأهل إلى نهائيات مونديال 2022.
ولكن هذا "الشخص المقدس" بدأ يفقد من هيبته فور دخول المنتخب الجزائري نهائيات كأس أمم أفريقيا لكرة القدم "كان 2023″، المتواصلة حالياً بكوت ديفوار، إذ تعثر الفريق في مباراته الأولى بتعادله مع منتخب أنغولا (1-1) ثم تعادل في اللقاء الثاني لحساب المجموعة الرابعة مع المنتخب البوركينابي (2-2).
فبغض النظر عن سلبية هاتين النتيجتين، فإنّ أداء منتخب الجزائر كان مخيباً في كلتا المباراتين، كما ظهر جلياً أنّ بعض اللاعبين لم يعد لهم مكان في الفريق، ونخص بالذكر قائد الفريق، رياض محرز.
وبدلاً من تقديم توضيحات فنية حول أسباب التعثر، فإنّ بلماضي كان يبرر الفشل في الفوز بأمور أخرى غير رياضية وبالخصوص الأخطاء التحكيمية، كما كان يدافع باستماتة عن محرز، ويتحدث عن إنجازاته السابقة، في حين أن الواقع يؤكد أن "رياض" لم يعد يحمل سوى الاسم، وأنه فقد الكثير من مستواه منذ رحيله، في الصيف الماضي، عن نادي مانشستر سيتي الإنجليزي نحو الدوري السعودي.
رفض الاعتذار مباشرة للشعب الجزائري
وقد وقع الطلاق نهائياً بين الجماهير الجزائرية وجمال بلماضي، بعد نهاية مباراة مساء الثلاثاء 23 يناير 2024، التي خسرها "الخضر" أمام منتخب موريتانيا (0-1)، لحساب الجولة الثالثة والأخيرة من الدور الأول لنهائيات "كان 2023" والتي رسمت إقصاء منتخب الجزائر من البطولة الأفريقية.
ولم يأت هذا الطلاق بسبب الإقصاء فقط، بل بسبب "العجرفة" التي استمر فيها بلماضي، إذ لما سُئل، خلال المؤتمر الصحفي بعد المباراة، إن كان سيعتذر للجمهور الجزائري ويستقيل من تدريب المنتخب الوطني، رد قائلاً: "أتحمل مسؤولية الإقصاء للمرة الثانية على التوالي، والآن لا يمكنني أن أحدد موقفي من المواصلة، وعندما أعود إلى الجزائر، سأتكلم بشأن مستقبلي".
صحيح، من حق بلماضي تأجيل الإعلان عن الاستقالة، لكن كان بإمكانه أن يعتذر مباشرة لأنصار منتخب بلاده، بحكم تأكيده دوماً على العقد المعنوي الذي يربطه بالشعب الجزائري.
الجماهير الغاضبة اقتحمت مقر إقامة المنتخب
وقد يكون هذا الجواب الذي بلغ مسامع الأنصار المتواجدين بكوت ديفوار، هو السبب في ثورة أولئك الأنصار الذين توجهوا إلى مقر إقامة المنتخب الجزائري بمدينة بواكي الإيفوارية، مرددين عبارة باللغة الفرنسية التي يفهمها جيداً المدرب "بلماضي ديغاج"، أي "بلماضي ارحل".
وقد التفت مجموعة كبيرة من الأنصار حول رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم، وليد صادي (الذي كانت له الشجاعة للحديث إليهم)، حيث طالبوه بإقالة بلماضي بالكوت ديفوار قبل العودة إلى الجزائر، وذلك قبل أن تتدخل قوات الأمن الإيفوارية لإخراج الأنصار الغاضبين من ساحة الفندق الذي كانت تقيم فيه بعثة المنتخب الجزائري.
وقد أفادت بعض التقارير الإخبارية بأنّ بلماضي قد أخبر لاعبيه في تغيير الملابس بعد نهاية مواجهة موريتانيا أنّ تلك المباراة هي الأخيرة بالنسبة له مع المنتخب الجزائري.
ومن المؤكد أنّ بلماضي سيعلن استقالته من تدريب منتخب "محاربي الصحراء" عند عودة بعثة المنتخب الوطني إلى الجزائر، في الساعات القليلة القادمة، ولكن الأمر الأهم هو أنّ بلماضي قد فسخ رسمياً عقده المعنوي مع الشعب الجزائري.
ويرى الكثير من النقاد الرياضيين أنّه كان الأجدر بجمال بلماضي الرحيل عن المنتخب الجزائري مباشرة بعد الإقصاء من التصفيات الأفريقية لمونديال قطر 2022، حتى يحفظ كرامته ويُبقي على تلك الصورة الجميلة التي أخذها عنه الكثير من الأنصار لما قاد الجزائر للتتويج باللقب الأفريقي في دورة 2019 بمصر.
وربما الرغبة في الخروج من الباب الواسع والطموح الزائد هو الذي جعل بلماضي يواصل مهامه على رأس الجهاز الفني لمنتخب الجزائر على أمل قيادته للتأهل إلى نهائيات مونديال 2026.. ولكن العكس هو الذي حدث، إذ خرج "الكوتش جمال" من الباب الضيق.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.