أحياء وحافلات ومطاعم ومدارس وشواطئ ومستشفيات للبيض، ونسخ رديئة متهالكة مما سبق للسود. يحظر اختلاط الأعراق بالزواج أو العلاقات الجنسية، كما أن قرابة 90% من الأراضي كانت للبيض الذين جاؤوا من بريطانيا وهولندا، وباقي الأراضي كانت "محميات عرقية"، أحياء للسود الذين كلما ثاروا ردت عليهم نيران السلطة بلا رحمة أو اكتراث، فهم سود أقل منّا نحن معشر البيض. هذا مختصر جنوب إفريقيا عندما كانت دولة فصل عنصري.
مثل ما حدث في مذبحة شاربفيل عام 1960، عندما تظاهر الآلاف من أصحاب الأرض للاحتجاج على القرار الذي أصدرته السلطات العنصرية بإجبار المواطنين السود على حمل جوازات مرور من أجل التنقل داخل البلاد والحصول على تصريح لدخول مناطق البيض. تجمع الرجال السود رفقة أطفالهم وزوجاتهم، ففتحت الشرطة النار عليهم وأردت 69 قتيلاً.
لفتت المذبحة ما تبقى من ضمير العالم آنذاك إلى حقيقة نظام الفصل العنصري، وبدأ يتم عزل جنوب أفريقيا دولياً.
خلال حقبة الفصل العنصري التي امتدت من عام 1948 وحتى عام 1991، تعرضت جنوب أفريقيا لمجموعة متنوعة من العقوبات الدولية مثل الطرد من الأمم المتحدة وحظر بيع الأسلحة، والمقاطعة الاقتصادية، كما نظمت حملات شعبية وأنشطة ثقافية لإنهاء الفصل العنصري. على سبيل المثال، الاحتفال الموسيقي الضخم الذي أقيم في ملعب "ويمبلي" عام 1990 لإدانة الفصل العنصري وتكريم نيلسون مانديلا.
ووصل الأمر إلى حد الاستبعاد الرياضي من المنافسات الدولية، فاستبعدت من دورة الألعاب الأولمبية طوكيو 1964. وبحلول أوائل سبعينيات القرن العشرين، تم استبعاد منتخبات جنوب أفريقيا الوطنية من معظم الرياضات الأولمبية، على الرغم من أن جنوب أفريقيا تنافست في الأحداث الفردية في بعض الألعاب الرياضية الاحترافية بشكل رئيسي خلال الثمانينيات.
كان "فيفا" واللجنة الأولمبية الدولية من بين المنظمات الرياضية الأولى التي اتخذت إجراءات ضد جنوب أفريقيا بسبب سياسة الفصل العنصري. عارضت اللجنة الأولمبية الدولية سياسة الفصل العنصري التي تميز ضد مواطني جنوب أفريقيا غير البيض ومنعتهم من المنافسة في الألعاب الأولمبية. لم يتم رفع العزلة الدولية عن جنوب أفريقيا عن الرياضة إلا بعد إطلاق سراح نيلسون مانديلا من السجن في عام 1990.
أثر المقاطعة
كان للمقاطعة الرياضية لجنوب أفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري تأثير كبير على اقتصاد البلاد. كانت المقاطعة واحدة من العديد من المبادرات التي تهدف إلى الضغط على حكومة جنوب أفريقيا لتتخلى عن الفصل العنصري.
لقد كانت المقاطعة أحد أكثر أشكال الضغط الدولي وضوحاً وفاعلية على نظام الفصل العنصري. أدت المقاطعة إلى استبعاد جنوب أفريقيا من معظم الأحداث الرياضية والثقافية الدولية، مما أدى إلى خسارة عائدات السياحة وحقوق البث التلفزيوني. إن عزلة البلاد عن المجتمع الرياضي الدولي تعني أيضاً أن الرياضيين في جنوب أفريقيا لم يتمكنوا من المنافسة على أعلى مستوى، ما أثر على قدرتهم على جذب الرعاية والتأييد. وكان للمقاطعة أيضاً تأثير ثقافي، حيث منعت مواطني جنوب أفريقيا من المشاركة في الأحداث الرياضية الدولية والتفاعل مع الثقافات الأخرى.
أين الفيفا؟
بحسب عدة تقارير صادرة عن منظمات حقوقية دولية، بما فيها الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش، فإن إسرائيل تمارس الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. تشير التقارير إلى أن إسرائيل تفرض نظاماً من القمع والهيمنة ضد الفلسطينيين في جميع المناطق الخاضعة لسيطرتها، من أجل مصلحة اليهود الإسرائيليين، وهو ما يرقى إلى مستوى الفصل العنصري كما يحظره القانون الدولي. وتشير التقارير أيضاً إلى أن سياسات إسرائيل وممارساتها تجاه الفلسطينيين تشكل فصلاً عنصرياً، وأن الوضع، على الأقل في الضفة الغربية، يعادل فصلاً عنصرياً. ويخلص التقرير إلى أن معاملة إسرائيل للفلسطينيين كفصل عنصري هي حقيقة قاسية وأن نظام القمع الذي تمارسه حكومة إسرائيل ضد الفلسطينيين هو جريمة فصل عنصري. ومن المهم الإشارة إلى أن استخدام مصطلح "الفصل العنصري" في هذا السياق هو تسمية قانونية لحالة من التمييز المؤسسي والتفوق العنصري، وليس مقارنة بجنوب أفريقيا في ظل الفصل العنصري.
وخلاصة القول، إنه وفقاً لعدة تقارير لمنظمات حقوقية دولية، فإن إسرائيل تمارس الفصل العنصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهو ما يعتبر جريمة فصل عنصري بموجب القانون الدولي.
ضحايا الفصل العنصري في الماضي أنفسهم، يرون إسرائيل دولة فصل عنصري، إذ اعتمدت أعلى هيئة لصنع القرار في الكنيسة الأنجليكانية في جنوب أفريقيا قراراً بإعلان إسرائيل دولة فصل عنصري.
ليس الضحايا فقط، الجلاد أيضاً اعترف بالأمر، إذ اعتبر الرئيس السابق لجهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد" تامير باردو، أن إسرائيل تفرض نظام الفصل العنصري في الضفة الغربية المحتلة. قال باردو في مقابلة مع وكالة "أسوشيتد برس" الأمريكية، نصاً: "هناك دولة فصل عنصري هنا".
ليصبح السؤال الذي يطرحه المراقبون: لماذا لا تقوم اللجنة الأولمبية الدولية والفيفا بطرد إسرائيل أو تجميدها على الأقل؟