تُعد الرياضة في العالم العربي أحد متطلبات المجتمع الأساسية، وخاصة الكرة المستديرة وإبداعها الفني على المستطيل الأخضر وخارجه، هذا ليس من باب الترفيه والتشويق فقط، بل أحياناً تدخل حتى عالم السياسة نفاق ممارسيها.
العلاقة بين الرياضة والسياسة هي ظاهرة عابرة للقارات، وانعكاساتها وتشابك سر هذه العلاقة المتناقضة بين السياسيين والرياضيين يزيدها تعقداً.
كيف يستطيع السياسي أن يرتبط بالرياضي؟ ترى السياسي يمجد الرياضي النجم المحترف بقدر ما تراه ينبذه؛ هذا ما يجرنا للحديث عن الموضوع الذي سال حبر إعلام اليمين المتشدد واليمين المتطرف في فرنسا حول تغريدة كريم بنزيما، اللاعب المبدع المحترف الذي لم تحضنه فرنسا أبداً، على عكس الأسطورة زين الدين زيدان الذي يناديه كريم بنزيما "أخي". هي كلمة تعبّر عن الاحترام والحنان واللطف تجاه الأخ الأكبر، كما يستعمل كريم بنزيما كلمة: frérot (أخي بالفرنسية).
مفهوم كلمة أخ عند كريم وموسى
تفسير إعلام اليمين المتشدد واليمين المتطرف وقادة الأحزاب اليمينية المتشددة والمتطرفة، بل حتى عند وزير الداخلية الفرنسي الذي هو من أصول جزائرية، واسمه الأوسط موسى لهذه الكلمة أي كلمة frérot لها تفسير إيديولوجي/ ديني. بعد أسبوعين من عملية طوفان الأقصى التي أثبتت الانتصار التاريخي الكبير الذي حقّقته المقاومة الفلسطينية، الذي ردت عليه دولة الاحتلال بحرب هستيرية ضد المقاومة والمدنيين العزّل الفلسطينيين في غزة — أو حسب سردية دولة الاحتلال للإعلام الغربي المنحاز أنهم في حرب على الـ"إرهاب".
فالربط كلمة "أخي" ومفردات أخرى على غرار السلام عليكم والله أكبر بين المسلمين في الفضاء العام، بات الإعلام المتشدد والمتطرف في الغرب، وفي فرنسا خصوصاً، يربطها بالإسلام الـ"إخواني"، إذن كريم بنزيما أصبح "إخوانياً/ إرهابياً"، كونه أصبح أخاً لسبب بسيط منذ أن قرر الالتحاق بالبطولة السعودية لكرة القدم (كم يجهل هذا الإعلام ونخبه المتغطرسة علاقة السعودية مع الإخوان)؛ بعد نشر كريم بنزيما تغريدة أبدى من خلالها تضامنه مع سكان غزّة وسط استمرار حرب دولة الاحتلال على الفلسطينيين، خرج وزير الداخلية جيرالد موسى دارمانان متهماً كريم بنزيما بالارتباط بجماعة الإخوان المسلمين، عندها دخل موسى وكريم على حلبة مارين.
مهاجم نادي النصر السعودي ونجم ريال مدريد السابق والكرة الفرنسية وصاحب الكرة الذهبية لموسم 2021-2022 كريم بنزيما، الذي ارتبط بجماعة الإخوان المسلمين عقب تضامنه مع فلسطينيي غزّة، حسب تصريحات غيرارد موسى دارمانان. واتهم هذا الأخير على برنامج L'heure des Pros في قناة C-News، قناة اليمين المتطرف العنصري وخط تحريرها المُعادي للعرب والمسلمين؛ أن المهاجم الفرنسي من أصول جزائرية كريم بنزيما له علاقة مع جماعة الإخوان المسلمين.
وفي نفس السياق، هاجمت النائبة الأوروبية لحزب الجمهوريين، الحزب اليميني المتشدد LR نادين مورانو، في تصريح خلال مقابلة صحفية بأن اللاعب اختار معسكره وبات عميلاً للبروباغندا التي تمارسها حماس، وتهدف هي الأخرى لتحطيم إسرائيل. حسب قولها تمثل هذه النائبة التيار المتشدد ضد المهاجرين العرب والمسلمين داخل حزب الجمهوريين.
هجمة عدائية على قلب الهجوم مروع الحرّاس وكاسر المدافعين
كما خرج المحلل السياسي اليميني المتطرف جون مسيحة/بطرس عصام من أصول مصرية مصرحاً: بأن بنزيما يشعر بالارتباط بالأمة الإسلامية أكثر من فرنسا وهو مثل الكثيرين، إنه فرنسي على الورق فقط. كما دخلت على الخط أيضاً عضو مجلس الشيوخ لمقاطعة Les Bouches-du-Rhône جنوب شرق فرنسا في حزب الجمهوريين فاليري بويي،مطالبة العدالة الفرنسية من سحب الجنسية الفرنسية من كريم بنزيما. هذا العضو في مجلس الشيوخ الفرنسي تمثل التيار المسيحي المتشدد داخل حزب الجمهوريين، ولها خلفية مع الجزائر كون والديها من ما يُعرفون بالقدامى السود، لم تهزم هزيمة فرنسا الاستيطانية الاستعمارية في حرب التحرير الجزائرية الكبرى عام 1954-1962.
عند الحديث اليوم عن فلسطين، بالطبع الجزائر حاضرة في أذهان اليمين المتشدد واليمين المتطرف واللوبي الصهيوني الذي يديرهم — نرى هذه العلاقة الغريبة التي تكاد تصبح غرامية بين فاشية اليمين المتشدد والمتطرف واستحواذ التيار المسيحي الصهيوني على حزب جاك شيراك ذو الميول للديغولية، هو الذي كان العدو اللدود لنظام Vichy. اليوم اليمين المتشدد بات يغازل اليمين المتطرف الذي لديه تاريخ أسود مع علاقته وسياسته تجاه اليهود في فرنسا مع حكومة Vichy1940-1946 التي تُعد وصمة عار في تاريخ فرنسا. وكأن شبح العقدة اليهودية بات يطارد هؤلاء الانتهازيين في حزب الجمهوريين.
هنالك تقاطع جديد بين الفاشية والعنصرية في أوروبا الغربية وحتى في الهند مع الهندوسي العنصري وزير الهند الأول Narendra Modi وتعاطفه مع الصهيونية، هو من باب ديني مسيحاني Mesianic، قد انتهى الزمن الذي كان فيه النازي والفاشي والعنصري يكره اليهودي.
الصهيونية العالمية بعد سيطرتها على الإعلام والمال ووسائل الترفيه استطاعت أن تسحق هؤلاء العنصريين، وأن يتحدوا ويصطفوا جميعاً على عدائهم وكرههم للإسلام.
في ظل هذه الاتهامات الموجهة نحو كريم بنزيما، وكريم ليس هو اللاعب المحترف الوحيد الذي وجهت له اتهامات الإرهاب والمعادي للسامية. اللاعب الدولي الجزائري يوسف عطّال هو الآخر وُجهت له هذه التهم الباطلة، هو لاعب محترف مع فريق نيس l'OGNice هو الآخر ذهب ضحية هستيريا وعنصرية اليمين المتشدد والمتطرف في الإعلام الفرنسي، علماً أن مدينة نيس هي عقر دار رئيس حزب الحمهوريين إيريك سيوتي المتشدد والمقرب من اللوبي الصهيوني في باريس وحزب الليكود بدولة الاحتلال، وكان أحد القادة السياسيين الذين رافقوا رئيسة الجمعية الوطنية التي هي من أصول يهودية لدولة الاحتلال في إطار حملة التضامن مع المجتمع اليهودي في الدولة العبرية.
أوقفت اللجنة التأديبية التابعة لرابطة الدوري الفرنسي لكرة القدم يوسف عطال 7 مباريات بسبب مقطع فيديو نشره على حسابه الخاص في مواقع التواصل الاجتماعي. جاء هذا القرار بتهمة "الدفاع عن الإرهاب ومعاداة السامية، في ظل حرب دولة الكيان على الفلسطينيين في غزّة". تأتي هذه الهجمات من تصريحات وزير الداخلية الفرنسي غيرالد موسى دارمانان وقادة أحزاب اليمين المتشدد واليمين المتطرف ومحللين الإعلام العنصري في فرنسا.
كم من كريم في فرنسا آل لوبان وزيمور ودارمانان يريدون إسكاتهم؟
كريم بنزيما، الذي أصبح الشخصية المثالية في رواية هذا الإعلام وهؤلاء الساسة في سردية قتل شخصية كريم ولمن تسوّل له نفسه أن يتجرأ على نقد سياسة الأرض المحروقة والإبادة لدولة الاحتلال. كما تجرأ كريم ويوسف. اغتيلت شخصية الأستاذ طارق رمضان التي كم أقلقت وتحدت، ليس الإعلام والساسة المتشددين والمتطرفين فقط، بل كل الإستبلشمنت establishemnt الباريسي على الضفة الجنوبية لنهر السين.
إن مسألة علاقة كريم بنزيما مع تنظيم الإخوان هي سلسلة من أعراض مرض جنون العظمة، الذي أصيب به اليمين المتشدد واليمين المتطرف وإعلامهما الموجّه، لأنه إلى حد قريب كان كريم يعشق الحياة والسهر في الملاهي ولياليها الوردية — بين عشية وضحاها أصبح كريم يستمع لدروس عبد الحميد كشك، وكتابه المفضل العدالة الاجتماعية في الإسلام للأستاذ سيد قطب! حينئذ أصبح كريم بنزيما محل اهتمام للوزير الفرنسي للداخلية، كونه تقمص رسمياً قميص جماعة الإخوان المسلمين، عندها ضرب وزير الداخلية الفرنسي عصفورين بحجر، أي أصبح مدرباً محترفاً في الكرة المستديرة وفقيهاً مسموعاً في الدين الإسلامي، دين جدّه كما يدعي، كونه استطاع أن يشخّص تصرفات كريم بنزيما الذي انجرف نحو إسلام "صارم".
كريم بنزيما، الولد المنبوذ في فرنسا، لكنه أعطى درساً لمهاجميه في الوطنية الاجتماعية؛ طالما أنتُقد كريم بنزيما لرفضه ترديد النشيد الوطني الفرنسي في المباريات الدولية مع فرنسا، وفخره بأصوله الجزائرية. رغم إقامته في إسبانيا التي دامت 14 سنة في مدريد، كريم بنزيما كما أبدع في الرياضة، يبدع أيضاً في الإخلاص للوطن الذي قدّم له الكثير، كان نموذجياً في التزاماته الجبائية، كان يدفع ضرائبه، كما باقي المواطنين الفرنسيين خلافاً لجل المتهربين من الضرائب، ومن بينهم فنانون وسياسيون وأصحاب شركات عالمية كبار. إن بنزيما على عكس غيره من النجوم الكرويين، لم يلجأ إلى البحث عن "اللجنة الضريبية". ولكنه اختار أن يثبت شركته "بوب" في مدينة ليون التي وُلد وترعرع فيها، وأن يفي بالتزاماته تجاه مصالح الضرائب الفرنسية، حسب موقع Mediapart.
تعيش فرنسا هذه الأيام على قلق وهلع تداعيات حرب دولة الاحتلال على الفلسطينيين في غزّة بسبب اصطفاف الحكومة الفرنسية مع سياسة الأرض المحروقة والعقاب والانتقام الجماعي في غزّة والضفة الغربية المحتلة التي يتعبها قادة دولة الإحتلال مدنيين وعسكريين على حد السواء، بحجة "الدفاع عن النفس". يبدو أن انعكاسات هذه الحرب الهستيرية قد عمقت من فجوة الاحتقان السياسي بين تياري اليمين المتشدد والمتطرف من جهة وتيار اليسار الواقعي الذي يمثله حزب فرنسا الأبية LFI من جهة أخرى — أما على صعيد النسيج الاجتماعي فأصبحت مسألة التوجة العرقي والديني حقيقة وليست ظاهرة اجتماعية فقط، كون اليوم فرنسا تحتضن أكبر جالية مسلمة في أوروبا وأكبر جالية يهودية في أوروبا، هذان المكوّنان أصبحا بشكل واضح يزيدان في تصاعد معادلة تصادم الحضارات التي يؤمن بها التيار المتطرف والمتشدد في الإعلام الفرنسي.
خلاصة، أصبح الاتهام لشباب غيور على مبادئه، والذي لا تهمه السياسة وتصريحات نفاق السياسيين بقدر ما يتأثر بصور أطفال ونساء أبرياء عزل خذلهم أهلهم في العالم العربي، وغطرسة واستعلاء قادة الغرب الـ"متحضر الإنساني" الذي بات فيه وزير ونائب عضو في مجلس الشيوخ ومحلل سياسي وزعيم لحزب عنصري يتهم رياضيين بالجهاد على فرنسا وعلى الصحفيين، كما صرّح آريك تيمور، رئيس حزب اليمين المتطرف! بل يريدون ترويضهم، متهمين إياهم بالخيانة العظمى.
ليس كونهم عملاء كما وصفهم هؤلاء، بل قالوا كلمة حق في وجه إعلام عنصري وسياسيين متغطرسين، لقد انتهت فترة لما كان بإمكان أن تكون مسلماً في فرنسا دون أن تكون أخاً مسلماً ورياضياً محترفاً دون أن تكون جهادياً متطرفاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.