"يحق للاعب كرة القدم التفاوض مع أي ناد يرغب في ضمه إليه مع دخول عقده مع ناديه الحالي الشهور الستة الأخيرة دون الرجوع إلى الإدارة"، هذه القاعدة بات يعرفها جميع عشاق كرة القدم في كافة أنحاء المعمورة.
ما هو قانون بوسمان الذي حرر اللاعبين؟
لكن هذه القاعدة لم تأت من فراغ، فوراءها قصة معركة قانونية طويلة استمرت لسنوات، كان بطلها البلجيكي جان مارك بوسمان الذين يدين له اللاعبون بالتحرر من سيطرة أنديتهم مع وصول عقودهم إلى الأشهر الأخيرة.
كيف بدأت أزمة بوسمان؟
في عام 1990 كان بوسمان، البالغ من العمر وقتها 25 عاماً، لاعباً في صفوف ستاندرد لييج البلجيكي وقد وصل إلى نهاية عقده مع الفريق الذي انضم إليه لمدة عامين بدءاً من عام 1988.
في الفترة الأخيرة من مدة التعاقد تلّقى بوسمان عرضاً مالياً أفضل للانضمام إلى فريق دانكيرك الفرنسي الذي صُدم بمطالب مالية خيالية من ستاندرد لييج.
شكّلت المطالب المالية "الشرعية" في ذلك الوقت للفريق البلجيكي صدمة كبيرة لدانكيرك حيث طالب الأول الثاني بمبلغ 500 ألف جنيه إسترليني يتم دفعها بشكل فوري، الأمر الذي دفع الفريق الفرنسي إلى الانسحاب من الصفقة سريعاً.
في ذلك الوقت كان اللاعب مجبراً على انتظار انتهاء عقده رسمياً قبل الدخول في مفاوضات مع أندية أخرى، وهي القاعدة "القانونية الشرعية" التي استند إليها ستاندرد لييج مع بوسمان.
تقول شبكة sky sports البريطانية: "قبل قانون بوسمان، لم يكن يحق لأي لاعب الرحيل في نهاية عقده ما لم يسمح له ناديه بالخروج مجاناً، وعليه أُلزم النادي الذي يرغب في ضم لاعب معين أن يدفع رسوم انتقال إلى نظيره".
لكن إدارة فريق ستاندرد لييج أمعنت في معاقبة بوسمان وقررت تقليص راتبه إلى 75% فقط، ليتقاضى اللاعب راتباً شهرياً وصل إلى 500 جنيه إسترليني بحجة أنه "لم يعد لاعباً في الفريق الأول".
معركة قضائية
لم يتقبل بوسمان هذا القرار ورفع دعوى قضائية لدى محكمة العدل الأوروبية ضد كل من الاتحاد البلجيكي لكرة القدم ونظيره الأوروبي "يويفا" بالإضافة إلى فريق ستاندرد لييج، استند فيها إلى أن هذا القانون يتنافى تماماً مع بنود اتفاقية روما الموقّعة عام 1957 والتي تسهّل حرية الحركة والتجارة بين الدول الأوروبية.
واستمرت هذه القضية في أروقة المحكمة لمدة 5 أعوام، حتى أصدرت حكماً قضائياً في يوم 15 ديسمبر/كانون الأول عام 1995 يمنح اللاعبين حرية تحديد مصيرهم بعد انتهاء عقودهم مع أنديتهم.
وعلّقت سكاي سبورتس على قرار المحكمة بالقول: "ساعد اللاعب غير المعروف جان مارك بوسمان على تغيير وجه كرة القدم الحديثة".
وخلال فترة التقاضي واجه بوسمان العديد من التحديات والظروف الصعبة، أبرزها حرمانه من اللعب من قبل الاتحاد البلجيكي لكرة القدم لرفضه توقيع عقد جديد ومخفّض مع لييج، كما رفضته الأندية الأخرى في بلجيكا.
وعلى الرغم من ذلك لعب بوسمان لفترات قصيرة مع فريقي سانت كوينتين (أحد أندية جزيرة ريونيون الواقعة في المحيط الهندي) وسانت دينيس في فرنسا، إلى جانب بعض الأندية من الدرجات الأدنى.
وعقّب بوسمان على هذا القرار في مقابلة مع صحيفة theguardian البريطانية: "أعتقد أنني فعلت شيئاً جيداً للغاية، فقد أعطيت الناس حقوقهم".
تداعيات إقرار قانون بوسمان
لم يقف هذا القرار عند منح الحرية لكافة اللاعبين بتحديد مصائرهم بل تعدى ذلك لاعتبار جميع لاعبي الاتحاد الأوروبي كلاعبين محليين في دوريات البلاد المنضمة للاتحاد الأوروبي، ما يعني أن الأندية يحق لها التعاقد مع هؤلاء اللاعبين بحرية تامة دون وجود حد أقصى.
وقبل إصدار هذا القرار كانت الأندية خاضعة لقاعدة 3+2 في المسابقات الأوروبية، بمعنى أنه لا يحق للأندية الأوروبية ضم أكثر من ثلاثة لاعبين أوروبيين غير محليين بالإضافة إلى اثنين آخرين صعدوا إلى الفريق الأول من أكاديمية النادي نفسه.
بمعنى أكثر وضوحاً أن النادي الأوروبي بإمكانه التعاقد مع ثلاثة لاعبين أوروبيين فقط، بالإضافة إلى وجود اثنين آخرين ممن نشأوا في أكاديميته.
ففي عام 1994 كان الاتحاد الأوروبي ينظر إلى اللاعبين من ويلز واسكتلندا على أنهم أجانب في الدوري الإنجليزي، الأمر الذي أجبر السير أليكس فيرغسون على استبدال الدنماركي بيتر شمايكل بحارس المرمى غاري والش في المباراة التي خسرها مانشستر يونايتد أمام برشلونة صفر-4 في دوري المجموعات لدوري أبطال أوروبا.
لكن وبعد قرار بوسمان تغير الحال تماماً فأصبح بإمكان الأندية ضم ما تشاء من اللاعبين في الاتحاد الأوروبي، وهي القاعدة التي استفاد منها مانشستر يونايتد بالذات بعدما تضرر منها سابقاً.
ونجح "الشياطين الحمر" بقيادة المدرب الأسطوري فيرغسون في التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا لموسم 1998-1999 وإكمال الثلاثية التاريخية، من خلال إشراك ثمانية لاعبين أجانب.
وقال بوسمان في مقابلته مع "غارديان": "أعتقد أنه الآن قد يكون هناك جيل جديد من اللاعبين الذين لا يدركون أنهم محظوظون بقدرتهم على الرحيل من نادٍ والانضمام إلى آخر بكل سهولة حتى لو كانوا خامس أو سادس أجنبي بفريقهم الجديد".
أول مستفيد من قانون بوسمان
دخل الهولندي إدغار ديفيدز التاريخ باعتباره أول لاعب يستفيد من هذا القانون بانتقاله المجاني من أياكس أمستردام إلى إنتر ميلان بعد نهاية عقده في موسم 1996-1997.
تبعه مواطنه باتريك كلويفرت الذي رحل من أياكس أيضاً إلى ميلان في صيف عام 1997، ثم الدنماركي برايان لاودروب الذي انتقل من رينجرز إلى تشيلسي في صيف عام 1998 ثم ستيف ماكمانامان الذي ترك ليفربول ووقّع لريال مدريد في صيف عام 1999.
إفلاس بوسمان
تُجمع الكثير من وسائل الإعلام الأوروبية على أن قانون بوسمان كان بمثابة طوق النجاة للاعبي كرة القدم، لكن البلجيكي نفسه مر بالكثير من الصعوبات والتحديات فيما بعد.
وحسب شبكة "سكاي سبورتس" فقد تقاضى بوسمان ما قيمته 312 ألف جنيه إسترليني في عام 1998 كتعويضات، أنفق معظمها على تكاليف المعركة القضائية ليعاني بعدها من إدمان الكحول، ثم دخل في حالة اكتئاب حادة قبل أن يعلن إفلاسه.