"في إنجلترا هناك تقبل أكبر للممارسة الدينية مقارنة مع فرنسا، أن تكون مسلماً أو من أي ديانة أخرى هذا لن يمنعك من القيام باختياراتك بحرية مطلقة".
"في إنجلترا هناك تقبل أكبر للممارسة الدينية مقارنة مع فرنسا، أن تكون مسلماً أو من أي ديانة أخرى هذا لن يمنعك من القيام باختياراتك بحرية مطلقة".
بمجرد اندلاع شرارة أزمة اللاعب المغربي، زكرياء أبو خلال، مع ناديه تولوز الفرنسي تذكرت الكلمات المكتوبة أعلاه، والتي صرح بها قبل 3 سنوات عميد أسود الأطلس، رومان سايس، لقناة ناديه السابق "ولفرهامبتون"، مشيراً للهوامش الممنوحة له كمسلم في إنجلترا مقارنة بفرنسا مع العلم أنه بالأساس من مواليد ذلك البلد عكس أبو خلال القادم من هولندا.
شخصياً أعتبر أن ما حدث للاعب السابق لازد الكمار كان متوقعاً، بل إنه "تأخر" في الحدوث بالنظر للسجل المتشح بالسواد لفرنسا مع اللاعبين المسلمين، ونكتفي هنا بسرد المغاربة فقط؛ لأن المجال لن يسمح باستعراض باقي الوقائع وما أكثرها؛ والمثير للانتباه أن هذه الحقيقة متفق عليها وبشهادة مواليد هذا البلد أنفسهم، وبالأخص الملتزمين دينياً، وتشعر بأنهم رغم انخراطهم وتدرجهم في المجتمع الفرنسي وإتقانهم للغة موليير أكثر من العربية الفصحى مثلاً، يهرولون للعب خارج "الليغ 1" قصد الانعتاق من هذا الجحيم.
ونذكر هنا واقعة مشابهة حدثت للاعب المغربي يونس بلهندة، الذي صنع أفراح مونبلييه وقاده للتتويج بلقب الدوري الفرنسي سنة 2012، وشكل ثنائياً خطيراً برفقة أوليفيه جيرو حينها وقهروا باريس سان جيرمان المدجج بالنجوم بقيادة السلطان زلاتان إبراهيموفيتش؛ وحين غادر يونس صوب دينامو كييف ومكث هناك لـ3 سنوات، جاءه عقد إعارة من نادي نيس قصد العودة لليغ 1، وهو الذي ترك إرثاً محترماً هناك، وبالفعل تم الاتفاق في آخر ساعات الميركاتو الشتوي آنذاك، وفوراً استلّ الإعلام الفرنسي خناجره وهاجم الصفقة، ليس بسبب المستوى الفني للاعب، بل لأنه حسب قولهم "مهتم بالصلاة ومواظب عليها أكثر من كرة القدم" وقد تزعم الحملة وقتها الصحفي "دانييل ريولو".
إذن كان من المنطقي أن لاعباً ملتزماً دينياً مثل زكرياء أبو خلال سيعاني الأمرّين بعد أن اختار فرنسا كأول تجربة له خارج الأراضي الهولندية؛ حيث ترعرع وكبر؛ مع العلم أن المغاربة القادمين من "الارديفيزي" يجدون صعوبات جمة في التأقلم أولاً بالدوري الفرنسي، ونستحضر على سبيل المثال لا الحصر تجربة نور الدين البوخاري، الذي كان لامعاً رفقة أياكس، وفشل في إثبات نفسه مع نانت.
أيضاً مواطنه أسامة طنان صاحب اليسرى الساحرة لم يقوَ على الصمود في "سانت إيتيان"؛ لكن أبو خلال غرد خارج السرب وكسر تلك القاعدة، والدليل أنه في موسمه الأول، وعلى الأرجح أنه سيكون الأخير، نجح في تسجيل 13 هدفاً وتقديم 5 تمريرات حاسمة، وأبان عن تطور هائل في مستواه التهديفي، وأيضاً حضوره الحاسم وتوظيفه المتعدد المراكز كلاعب "جوكر"، والدليل أنه رغم هذه الأرقام الهجومية تمت الاستعانة به كظهير أيسر حين عجز المدرب عن إيجاد الحلول في ذلك المركز، وبالفعل برع زكرياء في دور غريب عنه، ولعل هذا ما عزز من فرص ضمه من لدن وليد الركراكي لكأس العالم، حين استلم مهام تدريب أسود الأطلس في وقت قصير، وصرح بها نفسه بأن اللاعب لديه صفات ومؤهلات مختلفة وقد نحتاجه نحن كذلك في مركز الظهير الأيسر، والذي ما زال مشكلة قائمة في كتيبة المنتخب المغربي.
لن نعود لتفاصيل واقعة زكرياء مع تولوز والقاصي والداني يعرفها؛ لكن وبعد انجلاء الغمامة واعتراف النادي الفرنسي بأن شبكة "آر إم سي" الرياضية تجنت على اللاعب، وأن كل ما نُسب له من مشادة كلامية مع "لورانس أريباجيه " نائبة عمدة المدينة والمسؤولة عن الرياضة بالمنطقة في 30 أبريل الماضي غير صحيح، وبالتالي تم انتهاء التحقيق الداخلي معه وعودته للتدريب الجماعي مع الفريق.
من حقنا أن نتساءل: كيف صدقت إدارة الفريق تقريراً إعلامياً لا يستند لأية إثباتات والمعنية بالأمر نفسها نفت الواقعة وتجاهلت موقف لاعبها الذي من المفترض أن تحميه أو على الأقل تنتظر مؤشرات رسمية تشير لتورطه حقاً؟
وهل بالفعل أنه وبانتهاء التحقيق الداخلي للنادي انتهى كل شيء؛ حيث إن هناك عدة معطيات تشير إلى نية الطرفين في الانفصال؟
وهنا نضيف سؤالاً عريضاً هو: كيف يتنازل الفريق عن لاعب تألق في المونديال وقاد نفس النادي للتتويج بالكأس وصار اسماً مطلوباً، وبالأخص في الدوري الإنجليزي والجميع أجمع على تطور هائل في مستواه وأيضاً ما يعنيه دخول أندية "البريميرليغ" على الخط والمبالغ الكبيرة التي قد تدفعها من أجل الظفر بخدمات اللاعب الذي لم يمض على التوقيع معه سوى عام فقط؟
كل الدلائل إذن تقودنا لنقطة مهمة هي أن رفض اللاعب ارتداء قميص دعم المثلية رفقة زملائه المسلمين واتهامه "بالتحريض " هي السبب الرئيسي لما حل به وأن الفريق يحاول "ترميم صورته" أمام الجهات المعنية "بمحاصرة" زكرياء أبو خلال، وبالتالي "طبخ" تلك التهمة المثيرة للسخرية لاسيما في توقيتها؛ إذ كيف يعقل انتظار 3 أسابيع حتى يتم فتح التحقيق في الموضوع؟ ولماذا الآن بالذات؟!
الخلاصة أن تولوز هو الخاسر الأكبر على كل المستويات وبالأخص إذا أنهى العقد مع اللاعب كما تفيد كل التقارير؛ بينما نجح اللاعب المغربي في تزكية صورته لدى الجمهور العربي والمسلم عموماً بأنه مثال يحتذى في الأخلاق الرفيعة والالتزام بتعاليم دينه الحنيف دون تجريح أو إيذاء للآخر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.