كان غريباً بعض الشيء، أن يختار بيب غوارديولا مساعداً لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بكرة القدم، لكن غوارديولا رأى أن من الحِنكة أن يأتي به، وأن يستمع لكل نصيحة تخرج من فمه، ثم يعمل بها!
في عام 1961 وُلد، وهو كتالوني النشأة والأصل، احتاج لـ15 سنة فقط لكي يصل إلى واحدة من أعظم مراحل مجاله؛ أن يصبح لاعباً في منتخب إسبانيا لكرة الماء، ثم بعد 3 سنوات يُصبح قائداً للمنتخب نفسه.
هو مانويل إستيارتي، الكتالوني الذي تُشبه مسيرته في الماء مسيرة ميسي على العشب الأخضر، والذي حاول بقدر ما حاول ميسي، وانتهت مسيرتهما إلى الخاتمة الجميلة نفسها.
كان مانويل إستيارتي من أعظم لاعبي عصره في كرة الماء، وكانوا يلقبونه بمارادونا المياه، من شدة موهبته والتطلعات العالية عليه، لكن مشكلة مانويل أنه لم يكن محظوظاً أبداً!
مستواه كان يدفع الناس إلى توقع أنه سيحقق ما يحلمون به، ولعب أكثر من دورة في الألعاب الأولمبية، لكن في كل مرة تنتهي المشاركة بسيناريو غريب، شارك في أولمبياد موسكو، ولوس أنجلوس، وحتى في أولمبياد برشلونة، لكن في كل مرة، إما أن يحصد المركز الثاني أو الثالث، لم يعرف أبداً طعم الذهب، حتى في بطولة العالم في كرة الماء، كان مانويل إستيارتي يفشل دائماً!
وكونه موهبة تُعجب الناس، كان عليه أن يدفع ضريبة كل إخفاق دون تذمر، وأن يتسع صدره للاتهامات التي تنهال عليه مع كل إخفاق؛ وهكذا تحول الموهوب إلى شخص يشك في نفسه وفي قدراته.
لكن بعد عودته من أولمبياد لوس أنجلوس، لم يتوقف حزن مانويل إستيارتي؛ لأن ما كان ينتظره في المنزل كان أكبر بكثير من ميدالية أو لقب، لقد رحلت روزا.. ومن هي روزا تلك؟ هي أخته، التي كانت تكبره، والتي ربته ورعته في صغره وطفولته، وكانت تعني له الكثير، لكن روزا لم ترحل بصورة طبيعية، لقد انتحرت وتركت وراءها أكثر من سبب لانتحارها!
وكان على مانويل إستيارتي أن يتعامل مع الضغوطات الاجتماعية والمهنية في آن واحد، وفي عام 1992، احتضنت مدينة برشلونة الألعاب الأولمبية، مع توقعات ضخمة أن يظهر اللاعبون في أبهى صورة، وبلا شك كان مانويل إستيارتي واحداً منهم.
وفي افتتاحية الأولمبياد، سار جنباً إلى جنب مع لاعب فريق برشلونة لكرة القدم، واللاعب الذي أصبح صديقه؛ إنه بيب غوارديولا، وزادت آمال الناس بأن تحصد إسبانيا الميدالية الذهبية في الكرتين: كرة القدم، وكرة الماء.
وكما هي العادة، مانويل إستيارتي يصل إلى النهائي، وفي الناحية الأخرى بيب غوارديولا يصل إلى النهائي، لكن لأنه مانويل إستيارتي تحديداً، انقلبت المباراة فجأة بعد أن كانت تتجه في صالح إسبانيا، وخسرت إسبانيا من جديد، ولم تتذكر إسبانيا إلا أنها فازت بالميدالية الذهبية لكرة القدم، وفَرح بيب غوارديولا في وقت كان الحزن لا يُفارق مانويل إستيارتي.
ورغم كل ما حدث، لم يتوقف إيمان مانويل بنفسه أبداً، وبعد أكثر من 20 سنة مع المنتخب في كل البطولات، وجد ضالته في عام 1996، في أولمبياد أتالانتا، وحصدت إسبانيا أخيراً الميدالية الذهبية، ثم زادته الحياة فرحة بتتويجه ببطولة العالم عام 1998، وانتهت مسيرته بنهاية شبيهة تماماً بنهاية ليونيل ميسي في كرة القدم، بعد محاولات لم تتوقف، ابتسم لهما القدر بأفضل خاتمة ممكنة لمسيرة عظيمة من الكفاح.
وماذا بعد الاعتزال؟
حقق مانويل إستيارتي ما حلم به، لكن شيئاً كان ينقصه، ربما هي المساحة التي يتقاسم بها تلك الفرحة مع أكثر إنسانة ساعدته ووقفت بجواره؛ إنها روزا، شقيقته التي رحلت، لكنها لم تفارقه أبداً.
وظلت روزا تطارده، إلى أن قرر أن يكتب سيرته الذاتية، لكنه واجه مشكلة في صياغة مقدمتها، واسترجع ذاكرته.. يا تُرى من يُمكنه المساعدة؟ فوجد نفسه يتصل ببيب غوارديولا، الرجل الذي سار بجانبه في عام 1992، والذي أصبح صديقه منذ ذلك اليوم، وطلب منه أن يساعده في كتابة المقدمة.
في الوقت نفسه، كان بيب غوارديولا يصعد بخطوات تدريجية في التدريب، وكان على أعتاب تدريب الفريق الأول لبرشلونة، وحينها أدرك بيب أن مانويل قد يكون إضافة مذهلة، وأن وجوده في جهازه الفني سيكون فارقاً لفريقه ولبيب غوارديولا نفسه!
لم يرفض مانويل إستيارتي العرض، وأصبح مساعداً لغوارديولا، وتدرج معه بنفس تدرجات بيب في كل مكان، وكان مانويل إستيارتي شاهداً على نجاح بيب غوارديولا في برشلونة، وفي ألمانيا مع بايرن ميونخ، وحتى في إنجلترا رفقة مانشستر سيتي.
يقول بيب غوارديولا إن مساعده مانويل إستيارتي، هو بمثابة ذراعه الأيمن، لا يستغني عنه أبداً، ولا يستطيع أن يُفكر من دونه، ولا يستطيع أن يتخذ قراراً مصيرياً دون مشورته.
مانويل إستيارتي، بالنسبة لغوارديولا وفِرقه، هو معالج نفسي، رجل يتكلم عن الفنيات لكنه لا يغفل الجانب البشري إطلاقاً، ويعرف كيف يُفرغ الضغط عن غوارديولا وكل عنصر من عناصر الفريق.
رأى بيب غوارديولا أن مانويل إستيارتي يرى كرة القدم من نطاق أعلى من غوارديولا شخصياً، وأنه يُنبهه لبعض الأخطاء في أرض الملعب، وأيضاً في التدريبات يضع تفاصيل لا يراها غيره.
كما أن مانويل إستيارتي لا يقتصر دوره على مساعدة بيب غوارديولا في النطاق الفني، بل يختار له ما يجب أن يقوله في المؤتمرات الصحفية، وينتقي له مع من يتحاور وكيف يتحاور.
وهو أمر مفهوم، ألا نعرف مانويل إستيارتي؛ لأنه وإن كان أسطورة في رياضة مثل كرة الماء، إلا أنها رياضة لا تتمتع بشعبية كبيرة ككرة القدم، ومن الطبيعي ألا نُركز معه في أرض الملعب، لأن غوارديولا هو من يظهر للأضواء، ويتحمل سهام النقد، كما يغتنم المدح.
لكن الأكيد، أن مساعد بيب غوارديولا مانويل إستيارتي، هو واحد من أولئك الذين يعملون طوال حياتهم في الظل، ويستريحون لعملهم بهذه الطريقة، لكنه كما قال بيب غوارديولا، ما فعله طوال مسيرته وإصراره وكفاحه ورغبته في النجاح رغم كل الإخفاقات التي عاشها؛ تجعله أسطورة ومثالاً يُحتذى به، وهو ما دفع غوارديولا لضمه والتعاون معه، ومن المؤكد أيضاً أن معظم النجاحات التي حققها بيب غوارديولا ما كانت لتكون لولا وجود مانويل إستيارتي خلفها!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.