رفض الاحتراف مع الإنجليز في صغره وثبت كاميرات في رؤوس اللاعبين.. قصة الياباني ميتوما لاعب برايتون

العقد الاحترافي في سن صغيرة، هو السبيل الوحيد لأي لاعب كرة في أي مكان في العالم، والجميع يسعى لنيله، ما بالك إذا أتاك ورفضته؟

كاورو ميتوما، الياباني الذي يبزغ نجمه في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو الرجل الذي نتحدث عنه في الفقرة الأولى؛ لأنه رفض عقداً احترافياً حينما كان يبلغ من العمر 18 عاماً، والعقد كان مغرياً لدرجة كبيرة!

والعقد لم يكن مغرياً من الناحية المادية والفنية فحسب، بل لأنه سيتدرب تحت قيادة المدير الفني الياباني واللاعب السابق ياهيرو كازاما، أي أن الأمر سيعود عليه بالنفع من كافة النواحي.

لكن على عكس معظم من تُغريهم هذه الأمور، رفض كاورو ميتوما هذا العرض، وقرر ألا يقفز عدة قفزات مرة واحدة، ورأى أن عمره لن يسعفه ليلعب بشكل احترافي وتُسلط عليه الأضواء؛ لذا اتجه إلى ما يُمكنه من الاستفادة من قدراته.

نحو جامعة تسوكوبا الشهيرة ذهب، وهناك درس كل شيء خاص بالرياضة وتحديداً كرة القدم، هناك عرف كل الأمور الممكنة ليصبح لاعباً يعرف كيف ومتى يُنفذ الأشياء بدقة وبراعة.

درس التربية البدنية والتغذية، لمدة أربع سنوات تفرغ بالكامل للدراسة وفهم كيف يدور كل شيء بخصوص كل لاعب في أرض الملعب.

وثبت كاميرا في رأسه ورؤوس كل زملائه؛ ليعرف كيف يتحرك كل لاعب، وكيف يُحدد مساراته أثناء وبعد استحواذه على الكرة، وراقب لماذا يتمتع بعض اللاعبين بمهارة المراوغة في حين أن غيرهم لا يتمتعون بها!

من هنا، عرف كاورو ميتوما لماذا يتمتع البعض بمهارة المراوغة ولا يتمتع بها البعض الآخر؛ السبب الذي اكتشفه أن اللاعب الذي يتمتع بمهارة عالية لا ينظر إلى الكرة في قدمه أثناء استحواذه عليها، بل ينظر إلى المساحة التي أمامه ليُقرر ماذا سيفعل بالضبط.

واللاعب الذي لا يتمتع بمهارة المراوغة، بمجرد أن يحصل على الكرة ينظر إلى الكرة في قدمه، فيصب تركيزه بالكامل عليها دون أن يرفع رأسه ويُلقي نظرة إلى من يُقابله ولا حتى المساحة التي يركض بها، وهذا هو الاختلاف الجوهري الذي اكتشفه.

فكرة مشروع تخرجه كانت فريدة من نوعها، وبالتالي جذبت أنظار مدربه في الجامعة ماساكي كويدو، والذي قال إن كاورو ميتوما حين رآه للمرة الأولى يلعب، لم يتوقع منه الكثير، توقع أن يكون مهارياً لكن جسده لا يوحي بقدرة على تحمل ضغط المباريات.

وصعوبة فكرة مشروع تخرجه تكمن في أن هذا النوع من الأبحاث لم يحدث من قبل، ولا توجد دراسات أكاديمية يمكن لميتوما أن يستند عليها، أي أن الأمر برمته وقع على عاتق اللاعب الياباني الذي درس كل شيء دراسة ذاتية، وقدم نتائج تتوافق مع فهمه لما حدث، وإدراكه بما حدث له ولزملائه في الفريق حين ثبت الكاميرا في رأسه ورؤوسهم.

وفي عام 2017، ترك كاورو ميتوما تقريراً على مكتب كويدو، يشرح فيه بعض النقاط المهمة، أهمها أنه يريد أن يُمثل المنتخب الأول لليابان في خلال ثلاثة أعوام، وأن يحترف خارج اليابان خلال نفس المدة.

واكتشف ماساكي كويدو الآن، أن كاورو ميتوما كان على حق، وأصبح لاعباً أساسياً في صفوف المنتخب الياباني الأول، ويُشارك بصفة أساسية مع برايتون الإنجليزي!

كيف استفاد كاورو ميتوما من دراسته؟

كاورو ميتوما هو نتاج الموهبة مع العمل الشاق، ربما نظر إليه ماساكي كويدو، وظن أن معظم أحلام ميتوما لم تكن تمُت لواقعه بصلة في ذلك الوقت؛ لأنه لم يكن قد التحق بفريق الجامعة في الأصل في نفس الوقت، فكيف له أن يحلم بأن يلعب أساسياً في منتخب اليابان ويحترف خارجها؟

ظل ميتوما هكذا، يدرس ويُحاول، ويتمرن، وبين كل هذه الأشياء كان في أكاديمية كواساكي فرونتال، ومنها خرج إلى الطريق الذي رسمه لنفسه، ووصل إلى برايتون الإنجليزي في صيف 2021، والأغرب أن أول عقد احترافي حصل عليه كان في عام 2020، أي أن استقطابه من دوري مثل الدوري الياباني كان أمراً يحمل مخاطرة بالنسبة لأي نادٍ يُفكر في ذلك.

لذا لم يكن وصوله إلى برايتون تمهيداً لشيء أكبر؛ لأن برايتون نفسه أعاره إلى فريق بلجيكي، وعاد إليه في الصيف الماضي، وطوال هذه السنوات انتظر كاورو ميتوما فرصته التي أتته بعد سنوات من الدراسة والتدريب والعمل أيضاً.

فرصته الأولى، كانت تطبيقاً واقعياً لكل ما درسه، وأصبح كاورو ميتوما حديث الساعة في إنجلترا، كونه أحد أولئك الذين أتوا من اليابان ومهاراتهم توحي بأنهم من غيرها! ووضع ميتوما نفسه بين اللاعبين الأكثر تأثيراً على فريقه وأيضاً في إحصائيات الدوري الإنجليزي الممتاز.

بمساهمات تزيد عن 10 مساهمات بين الصناعة والتسجيل، جعل كاورو ميتوما برايتون يُنافس منافسة شرسة هذا الموسم في الدوري الإنجليزي، بل وإمكانية أن يُشارك برايتون في إحدى المسابقات الأوروبية لا زالت حقيقية وممكنة!

ولم يتوقف ما درسه كاورو ميتوما على مسابقة الدوري فحسب، بل حتى حينما تقابل برايتون مع ليفربول في الكأس، كان ميتوما هناك، وفي الدقائق الأخيرة مارس علم المراوغة على دفاع ليفربول وسجل هدفاً كان كافياً لإقصاء ليفربول من الكأس!

ويوم أن ظن ماساكي كويدو أن كاورو ميتوما يُبالغ في رغبته في تمثيل المنتخب الياباني الأول ربما لم يكن يعرف ما سيحدث مستقبلًا، وأن ميتوما سيشارك مع بعثة المنتخب الياباني التي رحلت إلى قطر للمشاركة في كأس العالم قطر 2022.

وأن ميتوما تحديداً، سيكون سبباً رئيسياً في إحداث بلبلة في قطر، حين يلحق بالكرة التي كادت أن تُغادر أرض الملعب لكي لا تُغادر اليابان قطر خلفها، وأن تلك الكرة بالذات حينما لحق بها ميتوما؛ جعلت اليابان تتأهل كمتصدر للمجموعة التي تضم ألمانيا وإسبانيا وكوستاريكا، وتفوز اليابان فيها على المنتخبين: الألماني والإسباني بنفس الطريقة، بعد أن تقلب نتيجتها من تأخر إلى انتصار، وتحقق مفاجأة ترتقي إلى كونها طفرة في بطولة كأس العالم طوال تاريخه!

وهكذا وصل ميتوما إلى مبتغاه، ولم تفتنه الأموال ولا الخطوات الاستباقية في مسيرته، وقرر أن يعيش مسيرة متوازنة، وأن يدرس كل شيء يخص جسده كلاعب ورؤية خصومه، وحلمه الوحيد الذي لم يتحقق بعد؛ أن يصل إلى دوري أبطال أوروبا ويشارك أساسياً به، سواء كان هذا الحلم مع برايتون الذي يُجاهد معه لذلك، أو أن ينتقل إلى الأندية الكبرى في إنجلترا التي تتمنى وصوله، وستُقدم له عروضاً في الصيف، وتُشركه معها في دوري أبطال أوروبا.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]