في البرازيل، يمكنك أن تصبح لاعباً محترفاً، لكن لا يمكنك أن تصبح أسطورة لديهم بسهولة، حدث ذلك عندما كان هاوياً وقرر أن يضع حداً لروتين مسيرته.
فكر كثيراً، كيف يمكن للإنسان أن يصل إلى القمة؟ وحينما كان منشغلاً في تفكيره، حدث ما لم يتوقعه، "حادث سير" كان كافياً لإبعاده عن لعبة كرة القدم نهائياً، واعتزاله منها حينما اقترب عمره من الثلاثين.
لم يعد مُخيراً بين الثراء والفقر، فما جناه من مسيرته لا يُساوي فلساً واحداً، وعاد فقيراً بلا عمل، ورغم أنه لعب في أندية لا يهتم بها أحد في الدرجات الأقل في البرازيل، إلا أنه خرج منها خالي الوفاض، لا مال ولا مسيرة.
فقد بات همه الوحيد بعد نكرانه لكرة القدم أن يبحث عن عمل، في إحدى الشركات التي تُناسب مؤهله وقدراته، وهو بالفعل ما حدث، كان "نيمار سانتوس سينيور"، والد "نيمار جونيور" لاعب منتخب البرازيل، هو الرجل الذي أحب كرة القدم لكنها لم تحبه أبداً، وسعيه خلفها انتهى إلى طريق مسدود!
مشكلته الوحيدة أنه لم يجد مالاً لرؤية ابنه نيمار في بطن أمه عبر فحوصات "السونار"، وربما كان سيسعد إذا علم أنه ولد، وأنه "نيمار" تحديداً، وحينما وصل نيمار إلى الدنيا، زاد الوضع سوءاً، وأصبحوا بلا كهرباء ولا سكن؛ فاضطرت الأسرة بالكامل إلى أن تذهب إلى بيت والده ليعيشوا كلهم على مرتبة واحدة: هو، زوجته، ونيمار وأخته رافاييلا!
حيث قال حينها إن أكثر ما سمعه منه أطفاله هي كلمة "لا" كلما أرادوا شيئاً رفضه بحجة أنه لا يحتكم على مقابله، وهكذا أدركوا قيمة المال، وأدركوا أيضاً صعوبة الحصول عليه.
فجأة ودون مقدمات، يستقيل "نيمار سانتوس سينيور" من عمله، ويركض خلف ابنه "نيمار جونيور" الذي بدأت موهبته في الظهور مبكراً، وتحول إلى والده ووكيل أعماله معاً، وكان حلمه أن يحصل ابنه على عقد احترافي، وهو الحلم الذي لم ينله هو أبداً، وكان "سانتوس" هو المحطة التي وصلها قطار نيمار سانتوس سينيور، قبل أن يصلها ابنه.
قصة نيمار مع رئيس نادي سانتوس
كانت بداية مشوار نيمار قد كان لنادي "سانتوس" البرازيلي رئيس عبقري ومرح، وصفته الصحافة في البرازيل بأنه أحد أكثر رؤساء "سانتوس" حباً للنادي وللجماهير؛ هذا الرجل هو "لويس ألبرتو دي أوليفييرا ريبيرو"
لكن فيما بعد، سيقول "لويس ريبيرو" رئيس نادي "سانتوس" عن والد نيمار إنه يستحق جائزة نوبل في الاقتصاد، وفيما بعد سيتعامل معه عن قرب، وسيحبه ويُشيد به، إلى تلك الليلة التي يُغادر فيها نيمار نادي "سانتوس" وينتقل إلى نادي "برشلونة".
حيث سيكتشف "لويس ريبيرو" أنه خُدع من نفس الرجل الذي وثق به، واكتشف أن والد نيمار كان قد اتفق فعلياً مع نادي "برشلونة" منذ نهائي كأس العالم للأندية في عام 2011 بين "برشلونة وسانتوس"، والذي انتهى بخسارة نادي "سانتوس" البرازيلي بـ4 أهداف دون رد.
منذ تلك الليلة أصبح نيمار شبه لاعباً رسمياً في صفوف نادي برشلونة؛ أي أنه كان يلعب ضد فريقه القادم، ونيمار يعلم ذلك وكذلك والده، لكن "لويس ريبيرو" لم يصله خبراً بعد!
"لويس ريبيرو" الرئيس السابق لنادي "سانتوس" هو الرجل الذي أحب الحياة، لكنه زهدها، وعانى بقدر ما عانى، إلى أن رحل في عام 2016 متأثراً بصراعه الطويل مع مرض السرطان، لكن قبل وفاته عايش الاكتئاب الذي تغلب عليه في النهاية.
الاكتئاب كان سببه نيمار ووالده، حيث خُدع من قبلهما، فلم يسلم من شرهما حتى بعد رحيلهما عن البرازيل كلها؛ ليكتشف أن والد نيمار قد رفع قضية رسمية عليه يُطالبه بتعويضات عن التشهير به وسبه وقذفه!
وانتهت القضية إلى انتصار والد نيمار عليه، واضطر لويس ريبيرو لدفع المبلغ المطلوب؛ ليخرج على الصحفيين المهتمين بالقضية قائلاً: "على نيمار سانتوس سينيور أن يبتعد عني بعد الآن؛ لأنني لو رأيته أمامي سأدهسه بسيارتي ولن أفكر في الأمر مرتين".
قبل أن يرحل عن عالمنا، ترك لويس ريبيرو رسالتين: الأولى بالإسبانية، والثانية بالبرتغالية، لكن كلتاهما تتضمن نفس المعنى؛ المعنى الذي يقول: "إنه لم يسامح نيمار ووالده أبداً".
والد نيمار وضحاياه
في نادي برشلونة لعب "نيمار، وفاز، لعب وخسر، حقق ما حقق وقوبل ببعض الانتقادات، لكنه جدد عقده في عالم 2016 حتى عام 2021، وهذا يعني أنه قد يستمر للأبد برفقة برشلونة.
لكن، وعلى عكس المتوقع، تفاجأ الجميع بوجود عرض ضخم من نادي "باريس سان جيرمان"، وأن "نيمار" يُفكر، وأن والده يدرس الأمر، ثم انتهت القصة إلى رحيله عن برشلونة بفيديو مُصور يستعرض فيه لحظاته السعيدة مع جماهير الفريق ويودعهم بكلام عاطفي.
في خلفية الفيديو كانت الموسيقى الحزينة، وفي الخلفية التي لا نراها كان "نيمار سانتوس سينيور"، هو من طلب من ابنه أن يصطنع هذه الحالة مع ترديد لعبارات: "والدي حاول إقناعي بالبقاء، لكنني أبحث عن تجربة جديدة".
ربما استوعب نادي "برشلونة" الآن لماذا عانى معهما "لويس ريبيرو"، فبنفس الطريقة التي فعلها "نيمار سينيور" للانضمام لنادي برشلونة في عام 2011، استخدمها ضدهم في عام 2017، واتفق مع إدارة نادي "باريس سان جيرمان" على كافة تفاصيل العقد قبل مدة طويلة، وهي المدة التي حدثت خلالها كل هذه الأحداث قالت الصحافة البرازيلية إنها لم تكن كافية أبداً لإتمام الصفقة، وأن والد نيمار قد اتفق بالفعل مع باريس سان جيرمان منذ زمن طويل.
ما حدث مع "ريبيرو" رئيس نادي سانتوس، حدث لنادي "برشلونة"، وقد تعرض رئيس برشلونة للسخرية والشتائم من نيمار ووالده، لكنهما قررا أن يدخلا المحاكم خلف برشلونة لتعويضات التشهير والتزييف.
يُقال في البرازيل إن شركة الإعلانات يمتلكها والد نيمار، وإن الإعلانات الخاصة بـ"نيمار" تذهب 85% من أرباحها لشركة والده تلك، وإن نيمار ووالده يقومان بأعمال خيرية كثيرة في البرازيل، بغرض "تحسين صورتهما" بين من يعرفونهما.
في البرازيل يقولون إن "نيمار سانتوس سينيور" يُعيد مسيرته بالكامل عن طريق ابنه، ويتحكم به كأنه يتحكم في ماضيه، وأول شيء يفعله نيمار حينما يخرج من أية مباراة؛ أن يُراسله ويسأله عن رأيه فيما قدمه، وأن والده يختار له دائرة الأصدقاء ونمط الحياة.
في البرازيل قالوا بقدر ما قالوا، لكن "نيمار سانتوس سينيور" لم يلتفت لهم أبداً؛ لأنه رأى أنه كان الأب والأم لأبنائه، قال لهم "لا" في صغرهم، وأصبح يرعاهم طوال الوقت وفي أي مكان، أصبح يُشعرهم بضرورة البحث عنه، أقنعهم بأنهم محاطون بالمخاطر وهو الوحيد القادر على إنقاذهم منها.
فالرجل الذي كان حلمه الوحيد مجرد وظيفة حينما تخطى الثلاثين، أدرك أن ابنه هو الوظيفة المثالية، وعوض من خلاله ما تمناه لنفسه، وجمع من مهاراته ما عجزت مهاراته عن جلبه، وعاش في القصور بعد أن كان ينام بلا كهرباء.
رغم أن "لويس ألفارو دي أوليفييرا ريبيرو" لم يُخطئ أبداً، حين قال إن "نيمار سانتوس سينيور" يجب أن يحصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، عن مهاراته في التفاوض، فإنه لم يُدرك أن نفس الرجل سيكون سبباً في وفاته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.