قبل 5 أعوام تقريباً أطلق المدرب الفرنسي الشهير، آرسين فينغر، نبوءة لم تؤخذ على محمل الجد حينها. مدير قسم تطوير كرة القدم بـ"فيفا" تنبأ بأن تستبدل الروبوتات المدربين خلال 20 عاماً.
كان فينغر محقاً جزئياً في المسألة، لكن جانبه الصواب بعض الشيء. إذ لم تحتج شركات التكنولوجيا 20 عاماً لتطوير أول روبوت برتبة مدير فني، سنة واحدة كانت كافية.
في بداية عام 2019، أعلنت شركة "This is Cow" الشروع في كتابة تاريخ جديد لكرة القدم، بتصميم وتصنيع أول مدرب كرة قدم ينتمي لجنس الذكاء الاصطناعي، وسمته "أليكسا فيرغسون".
تم تصنيع أليكسا خصيصاً من أجل معرض "Big Bang" للعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات للصغار في بريطانيا. اختارت الشركة استخدام كرة القدم للترويج لقدراتها وخدماتها، فهي بالأساس شركة علاقات عامة، وكذلك لتحفيز الصغار على الإقبال على العلم.
خطف المدرب الأول من نوعه في التاريخ أنظار مسؤولي ناديي "وينغايت" و"فينشلي" الناشطين في دوري الدرجة السابقة، فتعاقدا مع الشركة لاستخدام المدرب لتحديد تشكيلة الفريق الأساسية في المباريات وكذلك التكتيك المعتمد.
تمت تسمية "أليكسا" بهذا الاسم، لأنها معروضة على منصة "Amazon Alexa"، بينما الاسم "فيرغسون" فاختير على الأرجح تيمناً بالمدرب الأسطوري لنادي مانشستر يونايتد؛ السير أليكس فيرغسون.
باختصار، "أليكسا فيرغسون" هي سماعة ذكية، مربوطة بجهاز كمبيوتر عن طريقه تدخل المعلومات إليها، ثم تقوم "أليكسا" بمعالجة تلك المعلومات لإصدار أفضل قرار تكتيكي.
ولتحديد التشكيلة الأمثل، تسأل "أليكسا" أحد مدربي الفريق من البشر بضعة أسئلة عن الفريق الخصم ولاعبيه وأسلوبه المعتمد، ثم تقدم له التشكيلة الأمثل من وجهة نظرها.
وفي حالة طرد أو إصابة أحد اللاعبين، ستقدم أليكسا مقترحاتها التكتيكية لمعالجة النقص العددي، وستقترح التبديلات على المدرب أيضاً.
تم تصميم "أليكسا" للتعلم من التجربة، أي أنها تعمل بمبدأ "جرب واخطأ"، تراكم الخبرات مباراة تلو مباراة، مما يعني تطور طريقة تفكيرها وقراراتها خلال الموسم.
العدل أم المتعة؟
تاريخ كرة القدم قبل دخول التكنولوجيا الحديثة، هو تاريخ للمتعة والإثارة.. والسرقة.
"يد الرب"، الهدف الذي سرق به مارادونا الإنجليز في كأس العالم 1986، في لقطة ما زالت تثير الجدل حتى اليوم. ورغم كل الأساطير التي نسجت حولها، وكم الحكايات التي حولت الهدف إلى قصة درامية، إلا أن جوهرها ثابت: الغش.
لكن، في عصر الـ"VAR" الوضع مختلف، "السرقات المارادونية" لم تعد ممكنة.
ما دافع عنه المشجعون والرياضيون الرافضون لدخول التكنولوجيا الحديثة لكرة القدم، ليست المتعة والإثارة والتشويق، بل "لذة الغش". للنجاح في التغلب على القانون أمام أنظار العالم، كما فعل مارادونا، لذة محببة للنفس. تتضاعف تلك اللذة عندما يقودك الغش للفوز بكأس العالم.
قبل أن ترفع لواء الأمانة يا عزيزي، وتدعي كره الغش والغشاشين، فاعلم أن الكثير من البشر لا يميلون فقط للغش، بل ويستمتعون به في زهو وسرور، دون أي عقدة ذنب، حسب نتائج دراسة من جامعة واشنطن.
لذلك، لم يندم دييغو أرماندو مارادونا يوماً على تسجيله هدفاً باليد، بل تمادى ساخراً من العالم كله، بقوله: "إنها يد الرب".
محظوظ دييغو، لو كانت التكنولوجيا حاضرة في مونديال المكسيك، لتغير تاريخه وتاريخ كرة القدم للأبد.
على كلٍّ، التكنولوجيا الرياضية، وفي القلب منها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بشكل عام ليست تطبيقاً للعدل المطلق، لكنها على الأقل تكافح الغش والسرقة. تفرض أجواء أكثر عدلاً، وأقل متعة.
في هذا التقرير، نستعرض أهم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في صناعة كرة القدم.
- تقنية التسلّل شبه الآلية الجديدة
حسب موقع "الجزيرة"، تعمل تقنية التسلّل شبه الآلية الجديدة، التي أثبتت كفاءتها في نهائيات كأس العالم 2022، من خلال تثبيت 12 كاميرا متخصصة أسفل سقف الملعب، تتبّع الكاميرات حركة الكرة، تلك الكاميرات تتبّع 29 نقطة بيانات مختلفة على جسم كل لاعب ومتأخّرة بنحو 0.5 ثانية فقط عن اللعب المباشر، مما يسرع من عملية اتخاذ القرارات، ويوفّر دقة أعلى في تحديد حالة التسلّل من عدمه. ويرسل جهاز استشعار تم وضعه وسط الكرة البيانات إلى غرفة المشاهدة "500 مرة في الثانية"، مما يجعل من الممكن تحديد متى تم لعب الكرة بدقة أكبر بكثير مما يمكن أن تفعله العين البشرية.
ومن خلال دمج هذه البيانات، واستخدام الذكاء الاصطناعي، سيتم إرسال تنبيه إلى حكام الفيديو "كل مرة يتم فيها تسلّم الكرة من قِبل مهاجم كان في موقف تسلّل" وقت التمريرة.
وتعتمد التقنية على نظام ذكاء اصطناعي (AI) يرسل رسالة فورية إلى حكام "الفار" عندما يكون اللاعب متسللاً، مع ترك الحرية للحكام لتحديد ما إذا كان اللاعب متسللاً أثناء تمرير الكرة أم لا، حيث سيكون بوسعهم في غضون ثوانٍ معدودة التحقّق من لحظة التمريرة وكذلك خط التسلّل، قبل إبلاغ الحكم الرئيسي للمباراة من قبل حكم الفار لإعلان القرار النهائي الذي لا يستطيع تجاوزه.
وتتعقب تقنية الكاميرا والحاسوب حركات اللاعبين وكذلك الكرة، وتترك القرار للذكاء الاصطناعي ليحدّد حالات التسلّل.
- الكشافة وتوظيف المواهب
هناك الكثير من المواهب المدفونة في العالم، تولد وتكبر وتموت في ملاعب كرة القدم بالأحياء الشعبية. تلك المواهب لم تأخذ فرصتها أبداً لأن أعين الكشافة لم تلتقطها.
شركة "AiSCOUT"، وهي شركة ناشئة مقرها إنجلترا، تحاول تغيير هذا الواقع. تتيح الشركة من خلال تطبيقها، للاعبين الهواة تصوير مقاطع فيديو لأنفسهم وهم يلعبون كرة القدم، ويمارسون تمارين بدنية مختلفة، وتعرضها على شبكة من الكشافين لاتخاذ القرار سواء كانوا يريدون ضم اللاعب أم لا.
يقول الرئيس التنفيذي للشركة، دارين بيري، لـ "Forbes": "الأمر كله يتعلق باغتنام اللاعبين للفرص. هناك لاعبون لن يتم اكتشافهم أبداً، نحن نستخدم التكنولوجيا للوصول إلى هؤلاء اللاعبين".
"بن غرينوود" مثال على ما يمكن للذكاء الاصطناعي تقديمه للاعبين الهواء. فمن خلال "AiSCOUTS" حقق بن غرينوود حلمه، ويلعب الآن في صفوف تشيلسي ومنتخب آيرلندا.
أما شركة "Ensk.ai"، فهي تجلي لاستخدام الذكاء الاصطناعي في المجالات التي تتقاطع فيها تفاصيل كرة القدم الفنية مع الأهداف الاستثمارية لملاك الأندية.
شركة التحليلات الرياضية البلغارية تعمل على تطوير الجيل القادم من أدوات تحليل الفني، وتحديداً توظيف اللاعبين، باستخدام مجموعة من النماذج الإحصائية المتقدمة والذكاء الفني وفهم احتياجات كل نادي وفلسفاته وديناميكيات الفريق. تهدف الشركة الناشئة من خلال ذلك النموذج إلى تقليل هدر الأموال في شراء لاعبين غير مناسبين، وتحديد المواهب المناسبة لكل نادي.
- تحسين عملية صنع القرار للمدربين
لن يختفي الخطأ البشري أبداً من كرة القدم، أخطاء اللاعبين على أرض الملعب يصعب تداركها، لكنها قابلة للتدارك بنسبة ضئيلة، وهنا يأتي دور المدرب الذي يدرس إمكانيات لاعبيه ويوظفهم في نظام تكتيكي يغطي على عيوبهم الفنية وقادر على تدارك أخطائهم إن وقعت.
لذلك، بدأت أندية كثيرة استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي لتتبع وتحليل مبارياتهم، وأداء كل لاعب على حدة، وحتى طريقة لعب منافسيهم. وبالتالي، تحسين قرارات المدرب، وتطوير رؤاه الفنية، مما نسبة وقوع الخطأ البشري بدرجة أو بأخرى. أحد الأندية الرائدة في هذا المجال، غلاسكو رينجرز الاسكتلندي.
- مراقبة صحة اللاعبين
أهم عنصر في كرة القدم هو أداء اللاعبين. تأثير المدرب لا يتعدى الـ30 % في أفضل الأحوال. أداء اللاعبين لا يعتمد فقط على كفاءة التمرير والتسديد والمراوغة، بل على الصحة بشكل كبير. لا كرة قدم حديثة بدون التحامات بدنية قاسية، وركض طوال الوقت، وتغطية مساحات ضخمة من أرض الملعب.
هذا "العنف الفني" الذي يجبر اللاعبين على الركض لمسافات ضخمة في المباريات، ناهيك عن التدريبات البدنية القاسية، وعدد المباريات الضخم، سبب أزمات صحية لعدد من اللاعبين، كان آخرهم الأرجنتيني سيرجيو أغويرو.
لمراقبة صحة اللاعبين، تم تطوير سترات مدعومة بالذكاء الاصطناعي تظهر مؤشراتهم الصحية على جهاز كمبيوتر موجود على مقاعد البدلاء.
على سبيل المثال، عندما يرتفع معدل ضربات قلب لاعب معين بشكل كبير، قد يقرر المدرب إبعاده للحصول على قسط من الراحة، استعداداً للمباراة القادمة.
كما أن هناك تطبيقات وأجهزة معتمدة على الذكاء الاصطناعي قادرة على التنبؤ بإصابات اللاعبين، ومدة غيابهم عن الملاعب، وتحديد أفضل وسيلة للعلاج بناء على التاريخ المرضي للاعب.
هكذا، بهذه التطبيقات الثورية في أثرها، سيغير الذكاء الاصطناعي كرة القدم إلى الأبد.