عندما دخل آل غلايزر الـ”أولد ترافورد”.. لماذا تكره جماهير مانشستر يونايتد ملاك ناديها؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/03/20 الساعة 13:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/20 الساعة 14:21 بتوقيت غرينتش
أفرام غلايزر أحد ملاك نادي مانشستر يونايتد - رويترز

قبل أكثر من 15 سنة، أرسل رجل أعمال آسيوي، رئيس وزراء إسرائيل السابق، إيهود أولمرت، في مهمة خاصة. هوية رجل الأعمال ما زالت مجهولة حتى اليوم، لكن السرية التي اكتنفت المهمة الخاصة تبددت. 

رجل الأعمال الشرق آسيوي، يريد شراء مانشستر يونايتد، لكنه لا يعلم طريقاً للوصول إلى ملاكه الأمريكان، الجدد آنذاك، آل غلايزر. لكنه، كباقي مجتمع رجال الأعمال، على دراية بأن آل غلايزر تربطهم صلات متينة بإسرائيل، سياسياً واقتصادياً. لذا، وقع اختياره على إيهود أولمرت، فمن المرجح أن العائلة المحبة لكل ما هو إسرائيلي، ستسعد لمقابلة القائد السابق لتلك البلد.

بالفعل، كان رجل الأعمال محقاً، وتم عقد اللقاء في ولاية فلوريدا الأمريكية، داخل نادٍ خاص. مباشراً، سلم أولمرت ظرفاً يحوي بداخله شيكاً بقيمة (1.6 مليار دولار) لملاك النادي. لكن دون تفكير طويل، رفضوا العرض وأخبروه أن النادي ليس للبيع، ولسببين وجيهين.
أولاً، مانشستر يونايتد هو أقوى علامة تجارية رياضية في العالم. ثانياً، ستزداد قيمة النادي مع الوقت. 

في يوليو/تموز 2017، أي بعد سنوات من اللقاء بأولمرت، وفي نفس الشهر الذي خرج فيه الأخير من السجن، بدأت بوادر نجاح استثمار عائلة غلايزر في مانشستر يونايتد تلوح في الأفق؛ 2.8 مليار دولار هي قيمة النادي في بورصة نيويورك. لم تكن تلك لحظة عادية، ولا ينبغي لها أن تكون، فتلك هي المرة الأولى في تاريخ كرة القدم التي يمكن اعتبارها "بيزنس" مربحاً لملاك الأندية.

عائلة غلايزر اشترت نادي مانشستر يونايتد في عام 2005 مقابل (1.4 مليار دولار)، وتطلب الآن (6 مليارات دولار) مقابل بيع النادي، بالإضافة إلى تصفية ديونه. أرباح مهولة سيجنيها أبناء "صانع الساعات" ذي الأصول الليتوانية.

لكن الأدهى، أنهم اشتروا النادي دون أن يخرجوا قرشاً من جيوبهم تقريباً.

من هم آل غلايزر؟


ولد مؤسس إمبراطورية غلايزر، مالكوم، في حي روتشستر بنيويورك لأبوين يهوديين هاجرا من ليتوانيا في عام 1928. توفي غلايزر الأب عندما كان مالكوم مراهقاً، تاركاً وراءه 300 دولار، 7 أبناء، ودكاناً صغيراً لتصليح الساعات وبيع المجوهرات.

تحمل الشاب اليافع مالكوم عبء العائلة منفرداً، بصفته الابن الأكبر، فاضطر إلى ترك المدرسة وتولى أعمال والده.

نسج مالكوم شبكة علاقات جيدة في مجال تصليح الساعات وبدأ عمله في الازدهار، لكن القفزة المادية التي حوّلته إلى رجل الأعمال كانت الحصول على حق امتياز للساعات والمجوهرات في قاعدة للقوات الجوية الأمريكية في نيويورك. 

مالكوم غلايزر الذي توفي عام 2014

مع زيادة الأرباح، وبمساعدة والدته، دخل عالم البورصة والعقارات، لتبدأ الثروة في التراكم والتضاعف. كان تكتيك مالكوم غلايزر الاستثماري في سوق العقارات قائماً على الاقتراض والديون. في البداية يقترض بشراهة لشراء منازل في أحياء الفقراء والطبقة العاملة، ثم تجديدها وتأجيرها بأسعار أعلى؛ ما يرفع من قيمة العقار.

بعد ذلك، يرهن العقار القديم مقابل دين لشراء عقار جديد، وهكذا دواليك، حتى وضع يده على عقارات تجارية، دور رعاية مسنين ومتنزهات.
التفرع إلى العقارات التجارية وحدائق المقطورات ودور رعاية المسنين في غضون عام.

في عام 1962، عندما كان عمره 34 عاماً فقط، اشترى غلايزر وشريكه "البنك الوطني في سافانا" في مقاطعة واين داخل نيويورك. بتلك الصفقة فتحت أبواب مغلقة في وجه ابن المهاجر الليتواني، الذي لم يكتفِ بما حقق، فوسَّع دائرة استثماراته لتشمل المطاعم ومراكز التسوق ومحطات التلفزة، وفي عام 1995، قدرت صافي "فوربس" ثروته بـ(300 مليون دولار).

بعد جني الثروة، جاء دور الشهرة، قرر مالكوم غلايزر شراء نادي "تامبا باي بوكانيرز" في دوري الكرة الأمريكية للمحترفين في أكبر صفقة في تاريخ الـ"NFL" آنذاك مقابل (192 مليون دولار) عام 1995.

 وفي عام 2003، فاز الفريق بالـ"Super Bowl"، ما فتح شهية العائلة على المزيد من الاستثمار الرياضي.  

كيف استحوذ آل غلايزر على مانشستر يونايتد؟

في عام 2003، وضع أبناء الملياردير الراحل مالكوم غلايزر، اللبنات الأولى لخطة السيطرة على نادي مانشستر يونايتد. في البداية أقنعوا والدهم بشراء حصة 2.9% من أسهم النادي. وفي 2004، استمرت عملية الشراء وارتفعت حصة العائلة إلى قرابة 30% من أسهم النادي.

استغلت العائلة كل خلاف نشب بين حاملي الأسهم الحمراء، ليشتروا ويراكموا الحصص، حتى استحوذوا على أكثر من 50% من الأسهم في مايو/أيار 2005. وبعد سلسلة من الإجراءات المالية، أتيحت الفرصة لهم للاستحواذ الكامل على نادي مانشستر يونايتد.

بعد امتلاك حصة الأغلبية، رفعت أسهم النادي من البورصات العالمية وتم إيقاف التداول عليها. ثم ومن خلال شركة "ريد فوتبول" التابعة للعائلة، تم الاستحواذ على أسهم مانشستر يونايتد وتحويله إلى ملكية خاصة، بشكل أو بآخر، في صفقة اعتبرت "مشبوهة".

أفرام غلايزر مع لاعب مانشستر يونايتد سكوت ماكتومناي - رويترز
أفرام غلايزر مع لاعب مانشستر يونايتد سكوت ماكتومناي – رويترز

العقل المدبر للصفقة كان إد وودوارد، الرئيس التنفيذي السابق للنادي، والذي كان كبير مستشاري عائلة غلايزر لإتمام الصفقة. يمكن القول إنه وفريقه من ساعدا آل غلايزر على شراء "الشياطين الحمر" دون إخراج قرش واحد.

قبل استحواذهم، كان مانشستر يونايتد بلا ديون، لكن الصفقة التي خطط لها بعناية، تم تمويلها بقروض ترهن أصول النادي، أي تم تحميل النادي نفسه دين شراء آل غلايزر له!
لم يدفع آل غلايزر أية أموال خاصة، ذهبوا للبنوك وأخبروهم نيتهم شراء مانشستر يونايتد وطلبوا تمويل الصفقة في هيئة قروض، إن تعثر آل غلايزر في السداد، يصبح النادي ملكاً للبنوك المقرضة. ولأن النادي هو المهدد بالحجز عليه، تصبح الديون فعلياً على النادي، وهو المطالب بسدادها للبنوك.

قيمة الديون شارفت على (1 مليار دولار)، سدد منها النصف تقريباً، ويتبقى النصف. مع العلم، أن خدمة الدين وحدها تجاوزت مليار دولار. كل هذه الأموال دفعت من خزينة مانشستر يونايتد.

خلال سنوات الـ17 في إدارة النادي، لم تنفق العائلة من جيبها أكثر من (200 مليون دولار)، فيما كانت تجني أرباحاً سنوية تفوق (20 مليون دولار) يتم تقسيمها على الأشقاء الستة بعد وفاة الأب مالكوم في عام 2014.

كان غلايزر قد توفي في مايو/أيار 2014 بعد صراع طويل مع المرض؛ إثر إصابته بجلطة دماغية، وتم تقسيم حصته بين الأبناء الستة: أفرام، جويل، كيفين، برايان، دارسي وإدوارد.

لدفع ضرائب أقل على أرباح رأس المال، وحماية لملكيتهم للنادي، ولضمان مكاسب أكبر عند بيع النادي، نقل أبناء غلايزر السجل الضريبي للشركة من "أولد ترافورد" إلى "جزر كايمان" التي تعتبر أحد الملاذات الضريبية الآمنة في العالم. باختصار، تلك حيلة قانونية للتهرب من دفع الضرائب للدولة التي ستضخها بدورها في المجتمع الذي جنى من ورائه المستثمرون أرباحهم المهولة.

"مهولة" ليست مبالغة، ففي حال نجح آل غلايزر في بيع النادي مقابل (6 مليارات دولار) كما يطمحون، يكونون بذلك حققوا ربحاً يعادل 40 ضعف ما أنفقوه على شراء مانشستر يونايتد. 

"أحب اليونايتد، أكره الغلايزر".. لماذا يكره مشجعو مانشستر آل غلايزر؟ 

سيدوي في أذنك هتاف "أحب اليونايتد، أكره الغلايزر" إذا كنت من المحظوظين الذين حضروا مباراة لمانشستر يونايتد من قلب الأولد ترافورد يوماً ما.
أما إذا كنت من مشجعي مانشستر يونايتد، فأنت تعلم أن العلاقة بين الملاك والمشجعين لم تكن يوماً على ما يرام، ولم تشُبها لحظة ود أو محبة منذ صفقة الاستحواذ على النادي وإغراق النادي في الديون.

في يونيو/حزيران 2005 كانت الزيارة الأولى لعائلة غلايزر إلى أولد ترافورد انتهت نهاية مأساوية، حيث حاصر المشجعون جويل وأفرام وبريان غلايزر داخل الملعب، لتأتي الشرطة وتشتبك مع المشجعين لتفك الحصار المفروض عليهم.
وبحسب شبكة "سكاي" الإعلامية، تم تهريب جويل وأفرام وبريان عبر نفق الملعب المؤدي إلى غرف تغيير الملابس، وبعدها تم إخراجهم من الملعب في شاحنة مساعدات تابعة للشرطة.

صحيح أن إنجازات السير أليكس فيرغسون استمرت تحت إدارة العائلة؛ 5 ألقاب بريميرليغ، دوري أبطال أوروبا، وكؤوس أخرى محلية. لكن الغضب من الملاك الأمريكيين استمر أيضاً، ومع الوقت أخذ يتصاعد.

ففي عام 2010، بدأ مشجعو مانشستر يونايتد بارتداء الأوشحة (الصفراء والخضراء) احتجاجاً على ملكية عائلة غلايزر للنادي.

يشتهر يونايتد بقمصانه الحمراء، لكن القميص الأول للنادي الذي تأسس عام 1878، كان بالأشرطة الصفراء والخضراء الداكنة.
وفي ذروة الاحتجاجات، التقى مانشستر يونايتد مع إي سي ميلان في دوري أبطال أوروبا على "مسرح الأحلام"، مباراة شهدت عودة ديفيد بيكهام إلى ناديه الذي ترعرع فيه.
بعد المباراة، ألقى أحد المشجعين الوشاح الأصفر والأخضر على النجم الإنجليزي، الذي تلقفه وارتداه.

في نفس العام، حاولت مجموعة "الفرسان الحمر"، وهم مؤيدون أثرياء لمانشستر يونايتد، تقديم عرض لشراء النادي مقابل (1 مليار جنيه إسترليني)، لكن الرد كان قاطعاً: "لن يقبل الغلايزر بأي عرض".

كان على رأس أهداف المجموعة التي ضمت رئيس دوري كرة القدم الإنجليزي السابق كيث هاريس، وكبير الاقتصاديين في بنك "جولدمان ساكس" جيم أونيل، خفض مستويات الديون في النادي.

بعد اعتزال فيرغسون التدريب، دخل مانشستر يونايتد في متاهة، بل عدة متاهات؛ لأن فيرغسون كان "الكل في الكل". تخبط النادي على كل المستويات، خاصة مع جهل آل غلايزر بكرة القدم وعدم استقدامهم لمدير رياضي كفؤ يخطط ويدير شؤون الفريق. التخبط الذي نتج عنه فشل في حصد الألقاب؛ ما رفع مستويات الغضب تجاه الملاك.

فعلى الرغم من تعيين أسماء رنانة في عالم التدريب مثل جوزيه مورينيو ولويس فان غال، يفشل النادي في الفوز بالبريميرليغ منذ 2013، رغم إنفاقه أكثر من (1 مليار جنيه إسترليني) على شراء اللاعبين منذ ذلك الوقت.

كما لم يفز "الشياطين الحمر" بأي لقب أوروبي منذ اعتزال فيرغسون سوى بطولة الدوري الأوروبي عام 2017.

ما ضاعف الغضب، هو تألق الغريمين اللدودين؛ مانشستر سيتي وليفربول، اللذين حققا نجاحاً هائلاً بالتوازي مع تدهور أحوال مانشستر يونايتد. 

المصادر:

  1. "كم ستجني عائلة غلايزر إذا باعوا مانشستر يونايتد؟" – شبكة سكاي، كافيه سولهيكول 
  2. كتاب "سوكرنوميكس" – تأليف: سيمون كوبر وستيفان زيمانسكي
  3. "مانشستر يونايتد: كيف اشترت عائلة غلايزر النادي – وتركوا أولد ترافورد يصدأ في فوضى" – شبكة "سكاي"، كتابة: ديفيد ميركر
  4. "من هو مالك مانشستر يونايتد؟ ومن هي عائلة جليزر؟" – موقع "غول"
  5. وفاة مالك نادي مانشستر يونايتد مالكوم غلايزر عن عمر يناهز 86 عاماً – موقع "بليتشر ريبورت"

"من هم عائلة جليزر أصحاب مانشستر يونايتد وما هو صافي ثروتهم؟" – موقع "إيفيننغ ستاندارد"

تحميل المزيد