بالتأكيد شاهدت خماسية ريال مدريد في مرمى نادي ليفربول الإنجليزي، في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا. لم تكن هذه النتيجة الثقيلة إلا بينة لما يعانيه فريق يورغن كلوب هذا الموسم، سواء على المستوى الرياضي، أو الإداري.
في الخلفية، وتحديداً في المكاتب المغلقة، يبدو أن الأمور هناك مضطربة هي الأخرى. لا يخفى على أحدٍ أنه داخل قلعة ستامفورد بريدج، تسير المجريات نحو البيع أو الاستثمار، ويبدو كذلك أن الوجهة ستكون نحو أحد صناديق الاستثمار الخليجية.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، تم الكشف مؤخراً عن أن المدير الرياضي جوليان وارد سيغادر النادي، بعد موسم واحد فقط رسمياً في منصبه، كما تم الكشف أن إيان جراهام، عالم البيانات الذي يحظى باحترام كبير داخل النادي، قد اتخذ القرار نفسه هو الآخر.
عاش ليفربول فترة ذهبية في السنوات الثماني الأخيرة، تحت قيادة الألماني يورغن كلوب، الرجل الذي يُنسب إليه الفضل في إعادة إحياء الفريق، بعد سنوات التيه، لكن كلوب لم يكن وحده صاحب الفضل في هذا الإنجاز، بل كان أحد أضلاع المثلث، الذي تكوّن من الأمريكي مايك جوردان، رئيس مجموعة فينواي الرياضية، التي استحوذت على ليفربول عام 2010، والمدير الرياضي مايكل إدواردز.
منذ عام 2015، دفع مثلث كلوب وجوردون ومايكل إدواردز ليفربول إلى الأمام، حيث فاز النادي بكل شيء تقريباً. نال كلوب كل الإشادة من الجميع، وحقق جوردان مكاسب خيالية، لكنه يُعتقد أن قصة مايكل إدواردز، ومن خلفه جوليان وارد هي القصة التي كانت تستحق تسليط الضوء عليها، لكنها لم تنل ذلك؛ لذا دعنا نخوضها معاً.
على الهامش: مجرد محلل أداء وكشاف
في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، انضم إدواردز إلى ليفربول كمحلل أداء، قادماً من نادي توتنهام الإنجليزي، قبل أن يشق طريقه في التسلسل الهرمي، ليصبح رئيساً لمحللي الأداء بعد عامين فقط من دخوله النادي.
منذ استحواذه على ليفربول عام 2010، سعى جوردان لخلق مدير رياضي ذي كفاءة عالية، لمساعدته في بناء الفريق. كان أداء إدواردز مبشراً للغاية، مما جعله الشخص المختار لهذه المهمة.
بحلول ذلك الوقت، ظهر جوليان وارد، الذي جاء من مانشستر سيتي في خريف عام 2012 ككشاف مسؤول عن لاعبي إسبانيا والبرتغال، وكمدير للقروض والمعاملات المالية، وبصرف النظر عن بناء العلاقات مع الأندية وتأمين الصفقات، كان من مسؤوليته الموافقة على رسوم تلك القروض، واتخاذ قرار بشأنها.
اختلاف في الطريقة: اثنان في السر وواحد في العلن
مع وصول كلوب، وتوليه قيادة الفريق، عمل إدواردز ووارد وجوردون بعيداً في الخلفية إلى الحد الذي يمكن لكل منهم السير في أحد شوارع ليفربول ولن يتعرف عليهم أحد. لم يكن ذلك مهماً، بقدر ما كانت أهمية منصبه حول إعادة ليفربول إلى قمة أوروبا وكرة القدم المحلية.
اعتمدت خطة إدواردز في محاولته لإعادة ليفربول، على الموازنة بين عملية بيع وشراء اللاعبين، وهو ما سيسمح للنظام الاقتصادي للنادي بالمضي قدماً، لكن كيف يمكن لأي مدير رياضي تحقيق هذه المعادلة؟
الإجابة ببساطة، هي مرونة إدارة النادي والمدير الفني في الموافقة على رحيل بعض اللاعبين، وهنا كان الاختلاف الأول بين كلوب وإدواردز.
عندما حضر كلوب إلى ليفربول، كان الألماني على مشارف الدخول لمرحلة جديدة في حياته التدريبية، على الرغم من ضخامة اسمه حينها في عالم التدريب، فإنه في وظائفه السابقة بناديي ماينز وبوروسيا دورتموند الألمانيين، كان أفضل لاعبيه يُسحبون منه عادةً بسبب العروض المغرية من الأندية الأكبر. لكن الآن، اختلف الوضع، أراد كلوب أن يكون لديه رأي أكبر في تحديد مستقبل أولئك اللاعبين.
عمل وارد هو الآخر مع إدواردز وكلوب، كما تم تكليفه بترتيب مباريات الفريق الودية، التي أراد كلوب أن تُلعب إما في ملعب ليفربول، أو على بعد ساعة من الملعب كحد أقصى. كانت تلك هي شرارة الاختلاف بينه وبين كلوب من جهة، والتي ستمتد إلى نهاية هذه الحقبة، تحدى كلوب وإدواردز، وإلى حدٍ ما، وارد بعضهم البعض، إذ كانوا غير راضين عن شيء ما.
لكن جوردون كان قادراً على تصفية المشاعر، وإيجاد منطقة رمادية في المنتصف بين الثنائي.
رحيل مفاجئ
في عام 2020، عندما قاد كلوب ليفربول إلى لقب البريميرليغ الغائب منذ ثلاثة عقود، كان إدواردز يفكر بالفعل في مستقبله. في غضون الأشهر القليلة المقبلة، أبلغ جوردون أنه يخطط لأخذ استراحة من كرة القدم.
عندما انتقلت تدريبات ليفربول اليومية من ميلوود إلى مركز التدريب الجديد في كيركبي في نهاية عام 2020، بدأ وارد العمل مساعداً لإدواردز، لكن الأخير اختفى عن الأنظار تدريجياً، كان يظهر فقط في المنشأة من حين لآخر.
لم يتحدث إدواردز علناً عن أي شيء يخص رحيله الوشيك، لكنه رأى أن الوقت قد حان للمضي قدماً بعد عقدٍ من الزمن في ليفربول.
في الوقت نفسه، كانت قوة كلوب قد أصبحت أكبر مما كانت عليه في أي وقت مضى، بسبب ما كان يقدمه على أرض الملعب. لكن ومع رحيل أحد أهم، هل يمكن للنظام الذي ساعد ليفربول في مثل هذا المنصب الواعد أن يستمر حقاً في الوجود بالطريقة التي كان عليها من قبل؟
اكتسب السير أليكس فيرغسون القوة نفسها في مانشستر يونايتد، وحافظ على ثقافة النجاح التي استمرت لأكثر من 20 عاماً. بالنسبة لأرسين فينغر في آرسنال، الأوقات الجيدة لم تدم طويلاً. لكن كلا الناديين سيشهد فترات انحدار عندما تغادر هذه الشخصيات المركزية في النهاية. في النهاية، لا شيء في كرة القدم يدوم إلى الأبد. كل ما حاول ليفربول فعله هو السعي والتأكد من استمرار التجربة لأطول فترة ممكنة.
جوليان وارد: من كشاف إلى مدير رياضي
بدا وارد كأنه الخليفة المثالي لإدواردز، حيث شغل منصب المدير الرياضي المساعد بينما كان إدواردز يستعد لرحيله. ثم جاءت الفرصة كمفاجأة، لأن إدواردز لم يعط أي إشارة مسبقة لأي من موظفي النادي في ميرسيسايد إلى أنه كان يخطط للمغادرة.
كان وارد يستمتع بوظيفته، وعلى الرغم من أنه كان طموحاً، فإنه لم يكن يفكر في التطور إلى المنصب الذي شغله إدواردز. ومع ذلك قبل الفكرة بسبب عرض جوردون، حيث كان الأمر كله يتعلق بضرورة استمرارية المشروع.
داخل قلعة الأنفيلد، كان هناك تشكك في قدرة وارد على تعويض إدواردز، خاصةً فيما يتعلق بملف الصفقات، لكن حسمه لصفقة لويس دياز، واقتناصها من توتنهام، وهو في أيامه الأولى، بعثا برسائل طمأنينة للجميع.
سرعان ما كثرت الشائعات عن تداعيات بين وارد وكلوب، لكنها في الحقيقة كانت بين كلوب وكل من يشغل منصب المدير الرياضي، سواء كان وارد، أو إدواردز، كانت إلى حد كبير، عملية لم تتغير، حيث يتحدى أحدهما الآخر. قد يكون الاختلاف بسبب قبلة المداخلات المنتظمة من جوردون، وبالتالي تآكلت خطوط الاتصال القديمة والموثوقة.
بالنسبة للموظفين في الغرف الخلفية، فإن ليفربول هو نادٍ إما يطردك أو يتركك تغادر. وقلة قليلة هم المستثنون من حالة عدم اليقين المتعلقة بالبطالة. ومع ذلك، كان هناك عامل آخر يخص وارد، وهو أنه لم يكن مشجعاً أو منتمياً إلى ليفربول في الأساس، لقد كان أحد لاعبي إيفرتون. وعلى الرغم من أن المصلحة الشخصية يمكن أن تغير الشخص، فإنه لا يوجد اتصال عاطفي عميق بالنادي.
لكن مع رحيل وارد هو الآخر، هل انفرط عقد الفترة الذهبية في ليفربول؟
إدواردز من جديد
يتساءل البعض، من هو المدير الرياضي الذي سيوافق على دخول النادي في ظل هذه الحالة المتخبطة للإدارة، وفي ظل عدم التيقن بمن هو المستثمر القادم؟
صرح مصدر من داخل النادي لصحيفة ذا أثلتيك، بأن إدواردز قد يعود، بعدة شروط، أهمها صلاحيات أكبر من ذي قبل، وعدم تدخل يورغن في تفاصيل عمله.
يعتقد هذا المصدر، أن وجود كلوب حالياً، ليس إلا لأسباب تجارية بحتة، وأن عقود الرعاية التي تُضخ إلى النادي، أصبح كلوب نجمها الأول، ما يعني أن التفريط فيه حالياً مستحيل، لكن وفي ظل تردي الأوضاع داخل النادي، يجب أن يعود الرجل الذي قاد مع كلوب هذه الثورة، حتى ولو اختلفا الثنائي في وجهات النظر.
ربما لم تكتب سطور النهاية في قصة إدواردز، مع الريدز، وربما نراه في قادم الأيام بمنصبه من جديد، كمدير رياضي للفريق، لكن السؤال المطروح الآن: هل يتخطى ليفربول هذه الكبوة، ويخرج منها إلى فترة ذهبية جديدة، أم انتهت تلك الحقبة عند هذا الحد؟
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.