معايير باريس سان جرمان لطرح وبناء فكرة المشروع للأسف غير منهجية وفوضوية نوعاً ما، وذلك لأنهم مصممون على قلب الآية والبدء بالأداة ثم الفنان. يمكنك أن تتخيل أنك تريد رسم صورة ما، وأول ما اهتممت بالحصول عليه أدوات الرسم ثم بدأت باستقطاب فنان ليبدأ بالرسم، على الأغلب ستجد ردة فعل غير متوقعة، سيخبرك أن تلك الأدوات التي جلبتها أنت غير مناسبة لطريقة رسمه، وأنه بحاجة إلى أدوات أخرى حتى يتمكن من إخراج الرسمة كما المطلوب.
تكمن المشكلة في مجلس إدارة الفريق الباريسي أنهم يصممون على بناء مشروع وفقاً لما يفعلونه في سوق الانتقالات، نرى كل عام أن الفريق يقوم باستقطاب لاعبين لا علاقة لهم بالمشروع، المدير الفني للفريق لا يشارك برؤيته والأدوات والجودة التي يحتاجها، حتى فريق الكشافة ومحللو الأداء لا نرى لهم دوراً في أي سوق انتقالات خاص بباريس سان جيرمان.
تتصرف إدارة الفريق من تلقاء نفسها وكأنهم في لعبة فيديو يستقطبون كل نجم سطع اسمه في سماء اللعبة، وكأن لسان حالهم يقول: هيا نصنع فريق العالم بغض النظر إلى أي مدى سيفيدون الفريق، ولا نهتم بسجل إصاباتهم ولا حتى الأخذ بالاعتبار كل ما هو فني وبدني وذهني.
كيف يُدار باريس سان جيرمان؟
عند النظر إلى طبيعة عمل إدارة باريس سان جيرمان، خاصةً سوق الانتقالات، نفهم أن الفريق يريد نتائج فورية وسريعة، ولكن كرة القدم ليست بهذه السهولة! لما أجهد أحد نفسه كما يقولون، ولكان هدف الجميع جلب نجوم العالم للسيطرة على أوروبا.
لكن الأمر لا يسري كذلك أيها الفريق الباريسي، حتى إن ذلك النهج يضر كل من يعمل مع الفريق بشكل أو بآخر، على سبيل المثال أولئك الذين لا يعرفون مدرب فريق "باريس سان جيرمان" الفرنسي "كريستوف جالتير" وفقط يتابعون أبرز المباريات للفريق أو حتى يحكمون عليه منذ وقت توليه فريق العاصمة الفرنسية، بالطبع سيقولون إنه مدرب ضعيف الشخصية أو فقير تكتيكياً وصولات وجولات من الاتهامات كونهم لم يعرفوا من هو "جالتير" قبل تدريب باريس سان جيرمان.
"جالتير" كان المدير الفني السابق لفريق "ليل" الفرنسي، وقدم نسخة مدرب على أعلى مستوى من كل الجوانب على مستوى قوة الشخصية والأفكار التكتيكية بالملعب حتى إنه كان يزاحم الفريق الباريسي بجدول الترتيب وانتزع منهم لقب الدوري وقت توليه فريق "ليل" بموسم 2020/2021، وربما ذلك أهم ما لفت أنظار إدارة "باريس سان جيرمان" للتعاقد مع المدرب الفرنسي خلفاً للمدرب الأرجنتيني "بوتشتينو".
هوية الفريق بين النظام والفوضى
لا يخفى على أحد مستوى المدرب الفرنسي بباريس، وهنا نعود للاستدلال على ما ذكرناه في البداية، نقطة الرسام والأدوات، هو لم يشارك في اختيار الأدوات، بالتالي لم يستطِع تحقيق الاستمرارية في تكوين قوام تكتيكي ثابت، فسلوك إدارة الفريق في تهميش دور الجميع باختيار الصفقات أظهر المدرب الفرنسي كرسام فقير فنياً، بالرغم من امتلاكه جودة لاعبين على أعلى مستوى، فإن تلك الجودة كانت أول من تسبب بإظهار الفريق بذلك المشهد العبثي.
وذلك لأن اجتماع كل أولئك النجوم بفريق واحد يتطلب درجة معينة من الفوضى بالملعب حتى يستخرج كل لاعب أفضل ما يملك، وهنا تُعد الفوضى عدو "جالتير" الأول، فالمدرب الفرنسي عاشق لتطبيق النظام بحذافيره، لذا عندما يتداخل عاشق النظام مع محبي الفوضى واللعب بحرية نرى فريقاً متذبذب الهوية، يظهر الفريق بمستوى متواضع تماماً ويختفي تجمع أبرز النجوم من المشهد، وكأن كل لاعب في وادٍ، وذلك حتى وإن امتلكت مدرباً محترفاً ولاعبين لا يختلف عليهم أحد، لكن اجتماعهم بذات الأرضية يرتدون نفس قميص الفريق ذاك أمر غير مناسب، فالأمر أشبه، وكأنك توصل طرفين "موجب بموجب"، لن تحصل على نتيجة.
نجوم العالم والهوية المفقودة
الفوضى ليست الحل حتى لو قرر باريس سان جيرمان إعطاء كل لاعب حريته وتحويل الملعب إلى ساحة معركة بدنية، مع تحولات هجومية متواصلة لن يحدث ذلك أي فرق، المشكلة تكمن بمنهجية عمل إدارة الفريق.
حتى نبرهن ذلك بالفعل هذا ما حدث تماماً من نقل المباراة إلى مستوى الصراع البدني والتحولات الهجومية المستمرة أمام الفريق الألماني "بايرن ميونيخ" بملعب "أليانز أرينا" موسم 2020/21، وجدنا أن الفريق ما زال بلا هوية واضحة يتم الاعتماد عليها.
الفريق الباريسي نسي أهم ما يجب زرعه وهو تكوين هوية للفريق، "باريس سان جيرمان" بحاجة لعقلية الاستمرارية، بحاجة لبناء هوية بذكريات وتفاصيل يتم الاستناد عليها عندما يقف المنطق أمام روح الفريق عاجزاً، "باريس" يسعى إلى أن يواكب روح "ريال مدريد" لكن ليس لديهم أهم ما يملك فريق العاصمة الإسباني.
فلاعبو "ريال مدريد" لديهم بالذاكرة عشرات المواقف التي كان فيها الفريق خاسراً، وأثبت أنه قادر على العودة وقلب الطاولة على أكثر الفرق استقراراً مثل مباراة مانشستر سيتي الموسم المنصرم، والأمثلة لا تنتهي مع ريال مديد، وذلك ما يُطلق عليه البعض شخصية البطل، وقد حصد الفريق الملكي بطولة دوري أبطال أوروبا 14 مرة.
"ليفربول ومانشستر سيتي" خير مثال
إن لم تكن تمتلك تاريخاً أو هوية أو شخصية قوية يمكنك بناء مشروع قوي طويل الأمد بالطبع، لكن استند على معايير سليمة وابدأ البناء بنهج صحيح، فعندما قرر "مانشستر سيتي وليفربول" القيام بمشروع كامل منذ حوالي 6 سنوات، بدأ بالفنانين ثم بالأدوات، بمعنى أنهم بدأوا بالمدير الفني الذي سيقود المشروع بتفكيره التكتيكي وشخصيته المفروضة على الجميع، والذي بدوره يسيطر على كل ما يحدث في المشروع.
اهتموا بوظيفة المدير الرياضي، وفريق محللي الأداء وفريق الكشافة، وباقي أفراد الطاقم الفني بأكمله، ومن هنا تكمن مسؤولية اختيار الأدوات الأنسب لتحقيق أهداف المشروع على عاتق الطاقم الفني، وبالتالي تظهر النتيجة النهائية في أغلب الأحيان كما ينبغي.
كيف يخرج فريق باريس سان جيرمان من الحفرة؟
نادي باريس سان جيرمان ها هو ينفق الكثير من الأموال ويبذل المجهودات لسنوات عديدة، لكن كل ذلك ذهب هباًء منثوراً، فالفريق لم يحصد نتائج فورية كما كان يسعى وما زال غير قادر على بناء مشروع طويل الأجل، وذلك لأن الفريق ليس لديه تاريخ يستند عليه بالأوقات الصعبة، ولا هوية واضحة، ولا قدرة ذهنية للاستمرار بمستوى الهيمنة على الكرة الأوروبية، كما يطمح الفريق، حتى وإن كان لاعبو الفريق بجودة عالية ويوجد بالفريق نجوم العالم من الشرق للغرب، سيظل الاستنتاج واحداً: "لا يمكن اجتماع كل أولئك النجوم في فريق واحد بلا منهجية".
ختاماً.. إن أراد فريق باريس سان جيرمان الخروج من هالة أننا الأقوى بالعالم ولا يوجد فريق مثلنا، فيجب تغيير منهجية وطريقة عمل إدارة "باريس سان جيرمان"، أو سيبقى الفريق كالقنفذ الذي يحفر مكانه لا يحرك ساكناً، حتى وإن جلبوا أساطير اللعبة، لا بد من توافر العلم والعمل معاً واستقطاب وإشراك كل ذي علم بالنادي في إدارة المشروع، وإلا سيظل النادي فريقاً تجارياً بحتاً ولن يصبح فريق كرة قدم حاصداً للبطولات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.