الليلة في ملعب "الأليانز آرينا"، 90 دقيقة بين بايرن ميونيخ وباريس سان جيرمان، لن تحدد فقط هوية الفريق المتأهل إلى دور الثمانية من "الشامبيونز ليغ"، بل لربما تكتب نهاية مستقبل "مشروع" باريس سان جيرمان ونهاية الـ"MMN".
باريس سان جيرمان في دوري الأبطال دائماً على الحافة، يضعون أنفسهم في مواقف غاية في الصعوبة دون داعٍ، يلعبون "البوكر" أكثر مما يلعبون كرة القدم، يرقصون على حبال رفيعة وكثيراً ما ينتهي بهم الحال ساقطين على الأرض، خاصة في دوري الأبطال.
لا مبرر للحلول ثانياً في مجموعة أقوى منافس فيها كان بنفيكا البرتغالي، ثم الدعاء من أجل مواجهة خصم سهل في دور الـ16 لم يأتِ! وأتى بدلاً منه خصم شرس ومتمرس كبايرن ميونيخ.
ولا مبرر للأداء الهزيل الذي قدمه الفريق طيلة 70 دقيقة على الأقل في مباراة الذهاب على أرضه وبين جماهيره والخسارة (1-0)، ثم البدء في الحشد والاستعداد الخاص من أجل العودة في مباراة الإياب.
في الموسم الماضي، لعب باريس سان جيرمان بالنار أمام ريال مدريد، فأحرقه الملكي في دقائق معدودة وأخرجه من البطولة، وفي الموسم قبل السابق، خسر نصف النهائي ذهاباً وإياباً أمام مانشستر سيتي، وفي موسم 2019-2020 خسر المباراة النهائية أمام بايرن ميونيخ، في مباراة تبارى فيها نيمار ومبابي في إهدار الفرص الحاسمة.
لكن، هذه المرة قد تختلف ردة فعل الإدارة القطرية في حال الخروج من البطولة المأمول الفوز بها منذ شراء "جهاز قطر للاستثمار" للنادي. فمع اقتراب الاستحواذ القطري على نادي مانشستر يونايتد، قد تستغل فرصة الخروج من دوري أبطال أوروبا لتقليل حجم الإنفاق والتخلص من النجوم، أو بيع النادي كما أشارت تقارير صحفية.
ومن ثم التركيز على الاستثمار في مانشستر يونايتد وتحويل النادي إلى قوة أوروبية ضاربة، كما وعد الشيخ جاسم بن حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني في العرض الذي قدمه لآل جليزر لشراء النادي.
الضغط ليس على اللاعبين فقط، المدرب كريستوف غاليتييه أمام مباراة حاسمة لمستقبله مع "الكتيبة الباريسية"، وكذلك مستقبله المهني في الكرة الأوروبية. يتوجب على غاليتييه الانتصار أو تقديم مباراة كبيرة من الناحية التكتيكية على الأقل لإثبات جدارته بقيادة الفريق، أو ليتم منحه فرص لتدريب فرق كبرى حين يأتي موعد الرحيل.
مع انتهاء موسم نيمار وخروجه من حسابات الفريق، وإصابة القائد ماركينيوس، وتذبذب مستوى الحارس دوناروما، تزداد الضغوطات أكثر على المدرب.
مع ذلك، من الطبيعي أن تتجه الأنظار إلى النجمين كيليان مبابي وليونيل ميسي لإحداث الفارق على أرض الألمان، فإذا "لم يحرق" متصدرو جائزة "الأفضل" أشجار "الأليانز آرينا" فمن سيفعلها؟!
مباراة الليلة قد تكتب شهادة وفاة مشروع باريس سان جيرمان إلى الأبد، أو قد تضعه على جهاز التنفس الاصطناعي لبضعة أشهر إضافية.
مبابي والمجهول
قبل أيام، أكد كيليان مبابي أن نتيجة مباراة اليوم أمام بايرن ميونيخ لن تؤثر على مستقبله مع باريس سان جيرمان. تأكيدات مبابي لا تعدو كونها "كلام ليل"، وكلام الليل عند المصريين مدهون بالزبدة، يأتي عليه النهار "سايح".
مثل هذه التأكيدات لا تعني شيئاً، وإن عنت فإنها تشير إلى العكس، أي إن هذه المباراة حاسمة لمصير مبابي مع باريس سان جيرمان بدرجة أو بأخرى. فبها سيتأثر قراره بالبقاء أو الرحيل في نهاية الموسم الحالي أو الذي يليه.
كم مرة رأيت لاعباً يقبل شعار فريقه بعد إحرازه هدفاً وسط شائعات تقول برحيله، ثم يخرج ليعلن أن عقده مع النادي وجماهيره أبدي، وفي الميركاتو الصيفي يقبل شعار ناديه الجديد وسط تحية الجمهور. هذه هي كرة القدم، التصريحات فيها جزء من لعبة أكبر، تتعلق بالعلاقة مع الجماهير والإدارة وسوق الانتقالات، وليست حقائق خالدة يا عزيزي.
ريال مدريد، لم يرفع الراية البيضاء في مسألة مبابي، رغم الضيق والغضب من قراره الصيف الماضي بتجديد عقده، إلا أن الرئيس فلورنتينو بيريز أبدى تعاطفه مع مبابي بسبب الضغوطات التي وضعت عليه لتجديد عقده. كما أن كريم بنزيمة في نهاية مسيرته الكروية، وعلى الفريق التعاقد مع خليفة له، أي مبابي.
في حال ضغط مبابي بقوة في الصيف، قد يقدم ريال مدريد عرضاً جديداً للتعاقد معه. وإن قرر مبابي عدم خوض الحرب من أجل الملكي، فسينتظر بيريز حتى انتهاء عقده صيف 2024 والتعاقد معه مجاناً.
"باي باي" نيمار
أعلن نادي باريس سان جيرمان عن خضوع نيمار لعملية جراحية في كاحله وانتهاء موسمه بسبب الإصابة، إصابة جديدة تضاف إلى سلسلة الإصابات الطويلة التي ضربت نجم السامبا عبر مشواره الكروي.
في 19 فبراير الماضي تعرض نيمار لالتواء في الكاحل في مباراة فريقه أمام نادي ليل، وخرج من الملعب محمولاً على نقالة وذارفاً للدموع. حسب موقع "ترانسفير ماركت"، غاب نيمار عن النادي الباريسي 741 يوماً بسبب الإصابة منذ انضمامه للفريق في موسم (2017-2018)، ليستحق في نظر الكثير من جماهير الكرة لقب "اللاعب الزجاجي".
لكن، ولأسباب تكتيكية وانضباطية، يمكن القول إن باريس سان جيرمان أفضل دون نيمار في الفريق، لكن البرازيلي قادر على تغيير مجرى أي مباراة في أي لحظة، وفي أقدامه حلول ألغاز المباريات المستعصية.
في حال ودع باريس الليلة دوري الأبطال أمام بايرن ميونيخ، قد تتاح الفرصة للتخلص من نيمار ببيعه لأحد الأندية المهتمة بالتعاقد معه، مثل تشيلسي.
ميسي إلى برشلونة؟
ينتهي عقد ميسي مع باريس سان جيرمان يوم 30 يونيو/حزيران 2023، وما زال مستقبل بطل العالم غامضاً، وسط معلومات تفيد برحيله إلى الدوري الأمريكي أو العودة لبرشلونة، أو تمديد تعاقده مع فريق العاصمة الفرنسية.
اعترف رئيس برشلونة أنه قابل وكيل أعمال ووالد ميسي، لكنه نفى تطرق حديثهما إلى عودة ميسي لبرشلونة، "نعم لقد قابلت خورخي ميسي، وتحدثنا عن إقامة مباراة تكريم، وما حدث في كأس العالم، أنا سعيد من أجل فوز ليو، لكنه في باريس سان جيرمان الآن، لذلك لا أريد أن أتحدث عما إذا كان بإمكانه العودة أم لا".
لكن، حسب صحيفة AS الإسبانية، برشلونة لم يفقد الأمل في ضم ميسي ومستمر في محاولاته لإعادة ليونيل إلى "كامب نو" من أجل موسم أخير ينال فيه ليو التكريم اللائق قبل اعتزاله كرة القدم.
يمكن تفهم رغبة برشلونة في إعادة ميسي لأسباب عاطفية، واقتصادية على المدى القصير، سنتان ربما، هما ما يستطيع ميسي قضاءهما في المستوى التنافسي العالي.
من الناحية التسويقية، ستعود العودة المأمولة بالكثير من النفع على برشلونة وميسي، ستكون الحدث الرياضي الأضخم وسيتم الاحتفاء بها، وربما تصنع عنها وعن كواليسها أفلام عديدة، وبكل تأكيد ستدغدغ مشاعر الجماهير.
لكن على الناحية الفنية، فعودة ميسي قرار محفوف بالمخاطر، لأن فيها تقويضاً لمشروع بناء الجيل الجديد الذي انطلق الموسم الماضي مع قدوم تشافي على رأس الجهاز الفني.
أيضاً، ستضع عودة ميسي ليفاندوفسكي في خانة "الشك"، هل سيقدر الفريق على حمل لاعبين كلاهما في منتصف الثلاثينيات وليس لهما مساهمات دفاعية تذكر؟
كما أن ليونيل ميسي بحاجة لفريق يلعب من أجله، فنياً ونفسياً، مثل النسخة الحالية من منتخب الأرجنتين. منتخب مكون من لاعبين عاشقين لميسي ومستعدين لخوض غمار الحرب من أجله.
برشلونة الحالي مختلف عما تركه ميسي، عماده لاعبون صغار في السن، يحاربون من أجل إثبات أنفسهم، لصناعة مجدهم الخاص، لتسلط عليهم الأضواء. وميسي، على دكة البدلاء، قادر على سحب البساط وجذب الأضواء، ووضعهم جميعاً في الظل. وضعية تهدد مشروع النادي الكروي بأكمله.
غاليتييه "أوت"؟
كل مدير فني لباريس سان جيرمان مطالب بتحقيق لقب واحد: دوري الأبطال. سواء أخبرته الإدارة أم لا؟ نصّ على ذلك في عقده أم لا؟ هو مطالب بالفوز بدوري الأبطال وغاليتييه ليس استثناءً.
أي مدرب سيفشل في تحقيق اللقب الأوروبي لن يطول به الأمد في باريس، توماس توخيل وماوريسيو بوكيتينو وأوناي إيمري، فقدوا وظائفهم في النادي بسبب عدم تحقيق النجاح الأوروبي.
الآن، الأعين كلها على غاليتييه، وكيف سيتعامل مع مباراة الليلة، وهل سيكون قادراً على التفوق على ناغلزمان أم أن الأخير سيحقق فوزه الأكبر في الموسم.
صحيح أن باريس سان جيرمان يقدم مستويات أفضل نسبياً في الآونة الأخيرة، لكن دفاع الفريق ما زال هشاً. على كلٍ، مباراة الغد هي التحدي الأكبر لغاليتييه في مسيرته التدريبية.