ماكينة أهداف بولندية، فاز بجائزة "بوشكاش" لأفضل هدف في العالم، لكنه لا يلعب في أي فريق مشهور، واسمه لم تسمع به من قبل.. إنه مارشين أوليكسي.
هل عرفته؟ لا.. حسناً استمر في القراءة.
مهاجم فريق "فارتنا بوزناني" تغلب على كل من الفرنسي ديميتري باييه، مهاجم نادي "مارسيليا"، والبرازيلي ريتشارلسون مهاجم نادي "توتنهام"، واختير هدفه أفضل هدف في العالم عن العام المنصرم.
لكن الحقيقة هي أن الهدف الذي سجله مارشين هدف جيد، ربما جيد جداً، لكنه ليس مذهلاً، وبالتأكيد ليس خرافياً. ولو سجله نجم من عيار ليفاندوفسكي أو ميسي أو غيرهما لما فاز بالجائزة المرموقة، ولعله لم يرشح لها بالأساس.
ففي مباراة عادية، استقبل مارشين أوليكسي عرضية زميله المتقنة بضربة مقصية سكنت شباك فريق "ستال رزيزو"، ولم يحرك حارس المرمى ساكناً. وإذا ما قارنا هذا الهدف بهدف الفرنسي ديميتري باييه في مرمى باوك ثيسالونيكي في دوري المؤتمر الأوروبي، أو هدف النجم البرازيلي ريتشارلسون في مباراة البرازيل وصربيا في كأس العالم قطر 2022، لرجحت كفة أي من الهدفين الآخرين على هدف مارشين، سواء من الناحية الجمالية أو من حيث الأهمية.
هل حابى "فيفا" اللاعب البولندي لسبب غير كروي.. سبب متعلق بالحرب الروسية-الأوكرانية، أم أن الأمر حقاً أكبر من مجرد هدف؟
مارشين أوليكسي.. عامل البناء
مارشين أوليكسي كان عامل بناء، رقيق الحال، يحب كرة القدم ويلعب حارس مرمى، يحلم بالمجد والنجومية والأموال، كحال معظم محبي كرة القدم، لكن حادثاً خطيراً غيّر مسار حياة مارشين للأبد.
أثناء مناوبة عمل قبل 9 سنوات سقطت آلة على ساقيه، مما أجبر الأطباء على بتر الجزء السفلي من ساقه اليسرى لإنقاذ حياته.
كان عمره 23 عاماً فقط في ذلك الوقت، كان "المنطقي" أن يتخلى عن الأمل في أن تصبح كرة القدم جزءاً من حياته مرة أخرى. بدلاً من ذلك، قرر مارشين احتراف كرة القدم بعد إجرائه جراحة البتر وتعافيه كما الاستمرار في عمله كعامل بناء.
تحدته الحياة مرة أخرى، فنادي مدينته ليس به فريق لذوي الاحتياجات الخاصة، لم يستسلم، وقرر التعلم؛ ليصبح مدرب حراس مرمى، وبالفعل بدأ مع نادي "فارتا بوزنان" العمل مع فرق الصغار.
بعد ردح من الزمان، أنشأ النادي فريقاً لذوي الاحتياجات الخاصة، شارك معه أوليكسي، لا كحارس مرمى، بل كمهاجم!
هل هي لعبة القدر؟ ربما.
قدرات أوليكسي الكروية حجزت له مكاناً في منتخب بولندا في كأس العالم لكرة القدم لمبتوري القدم عام 2022، حيث وصلوا إلى دور الـ16 قبل أن يخسروا أمام البرازيل بنتيجة (2-1).
في نفس العام، وفي مباراة أمام خصم محلي، تحدى أوليكسي قوانين الطب والجاذبية، بعدما نسي أن ساقه اليسرى مبتورة، ارتقى برشاقة وسدد ضربة مقصية ساحرة، قلما نراها في ملاعب ذوي الاحتياجات الخاصة.
سينتشر ذلك الهدف بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي، وسيلفت أنظار عشاق وخبراء القدم في العالم – بما في ذلك ابن بلده ليفاندوفسكي، الذي شارك الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي، وشجع معجبيه على التصويت لصالح مواطنه.
نعم، هو ذات الهدف الذي حصد جائزة "بوشكاش" عن عام 2022، عن جدارة واستحقاق، لأنه قصة ملهمة، لأنه أكثر من مجرد هدف. ذات الهدف الذي كان سيوصف بالجيد، لو سجله نجم كبير، لكنها تفاصيل صغيرة ومهمة، قادرة على إبراز جمال وعظمة خفيين، وقادرة على وضع الأمور في نصابها.
سرقة الأضواء من الفائز بجائزة بوشكاش
إذا كنت تتساءل لماذا حرص وأصرّ أوليكسي على الانغماس أكثر في كرة القدم بعد بتر ساقه، فالإجابة هي: ابنه. كان حلم مارشين الأكبر منذ زواجه هو لعب الكرة مع ابنه، وهو ما حرص على فعله فور ما حصل على طرف صناعي.
"كنت أحلم دائماً بأن ألعب كرة القدم مع ابني، لذلك عندما حصلت على طرف صناعي رياضي، أخذته إلى ملعب كرة القدم وبدأنا اللعب".
- مارشين أوليكسي، في حوار مع شبكة "ESPN"
بفضل مثابرته وصراعه مع قدره – ناهيك عن موهبته – وضع مارشين أوليكسي اسمه جنباً إلى جنب مع لاعبين عظماء، مثل كريستيانو رونالدو ونيمار ومحمد صلاح وزلاتان إبراهيموفيتش، الذين سبق لهم الفوز بجائزة "بوشكاش".
لن تعود حياة مارشين كما كانت قبل الجائزة، منحته كرة القدم حياة جديدة على الأرجح، منحته حكاية سيتناقلها وعائلته جيلاً بعد جيل. وهذا أجمل ما في كرة القدم.
أما أسوأ ما فيها، فهو أنها تخضع لحسابات النجوم، تضع حكاياتهم مهما كانت عديمة الفائدة والمغزى في واجهتها، تسمح لهم بسرقة الأضواء دون عناء من أمثال مارشين.
كان المفترض أن يحظى الدولي البولندي بتحية حارة وإشادة واسعة من الجماهير، وأن يكون حديث الشارع الكروي عربياً وعالمياً ولو ليوم واحد. لكن الصراع الأزلي بين أتباع رونالدو وميسي سرق الأضواء، ومنع ولادة حالة جماهيرية فريدة، كان يمكن استثمارها في تحسين أحوال كرة القدم لذوي الاحتياجات الخاصة.