فاجأ اللاعب الإسباني سيرجيو راموس مُتتبعي الرياضة العالمية بإعلانه الاعتزال الدولي، يوم 23 فبراير/شباط 2023، بعد تأكده من استحالة عودته في المستقبل القريب للعب مع منتخب بلاده، في ظل وجود المدير الفني الحالي للفريق، لويس دي لاوفينت.
ويقترب سيرجيو راموس من بلوغ سن الـ37 من عمره، وينتهي عقده مع نادي باريس سان جيرمان الفرنسي في يونيو/حزيران القادم، ومن غير المستبعَد أن يكون هذا هو آخر فريق كبير يلعب له قبل الاعتزال نهائياً، بعد مشوار حافل بالإنجازات مع منتخب إسبانيا ونادي ريال مدريد.. ومشوار مليء أيضاً بالتناقضات، سنكتشف البعض منها من خلال المقال التالي.
تلقى سيرجيو راموس تكوينه الرياضي بمدينة إشبيلية الأندلسية
وُلد سيرجيو راموس يوم 30 مارس/آذار 1986 ببلدة كاماس بضواحي مدينة إشبيلية الإسبانية، فتعلم المبادئ الأولى لرياضة كرة القدم في سن مبكرة ضمن فريق مسقط رأسه، قبل أن يلتحق بالمركز التكويني لنادي إشبيلية في سنة 1996، حيث تدرج ضمن مختلف الفرق العمرية للنادي الأندلسي، ثم فريق الرديف في موسم (2003-2004) الذي كان ينشط في دوري الدرجة الثالثة الإسبانية.
وبالموازاة مع لعبه ضمن فريق الرديف لإشبيلية، فإنّ راموس استُدعي، خلال الموسم ذاته، للمشاركة في 7 مباريات للفريق الأول الذي كان يدربه الإسباني خواكين كاباروس، فخاض أول لقاء له في دوري الدرجة الأولى (الليغا) يوم 1 فبراير/شباط 2004، أمام نادي ديبورتيفو لاكورونيا، أي لما كان يبلغ من العمر 17 عاماً و10 أشهر.
وفي الموسم الموالي (2004- 2005) ضمّ المدرب كاباروس اللاعب الشاب راموس بشكلٍ رسميٍ للفريق المحترف لإشبيلية، فشارك المدافع الواعد في 42 مباراة رسمية بكل المسابقات المحلية والقارية، سجل خلالها 3 أهداف.
يملك سيرجيو راموس الرقم القياسي لأكبر عدد من المباريات مع منتخب إسبانيا
وخلال ذلك الموسم اكتشف متتبعو الكرة العالمية مدافعاً شاباً شرساً ذا نزعة هجومية "يُتنبأ" له بمستقبل رياضي واعد، خاصة بعدما تم استدعاؤه من طرف المدير الفني لمنتخب إسبانيا الأول، لويس أراغونيس، في مارس/آذار 2005، لخوض مباراة ودية أمام منتخب الصين، انتهت بفوز "لاروخا" بـ3 أهداف لصفر، وشارك فيها راموس بديلاً، في بداية الشوط الثاني، لزميله كارليس بويول، وهو يبلغ من العمر 18 سنة و361 يوماً.
وكانت تلك المباراة الدولية، بداية لقصة طويلة مليئة بالأحداث الجميلة والحزينة بالنسبة لسيرجيو راموس مع منتخب بلده، استمرت قرابة 18 سنة.
فقد ترك راموس بصمته في تاريخ منتخب إسبانيا بكونه صاحب الرقم القياسي كأكثر لاعب مشاركة مع "لاروخا" بمجموع 180 مباراة، سجل خلالها 23 هدفاً، ما يجعله يحتل المركز العاشر في قائمة هدافي منتخبه الوطني لكل الأوقات.
وحقق راموس مع منتخب إسبانيا إنجازات جد مميزة، بحيث تُوّج بـ3 ألقاب دولية متتالية، متمثلة في بطولة أوروبا للأمم في سنة 2008، ثم كأس العالم في 2010، وبطولة أمم أوروبا في 2012. ولكنه تعرض لانتقادات شديدة خلال مونديال 2014، بحيث تم تحميله رفقة زميله في وسط الدفاع، جيرارد بيكيه، مسؤولية إقصاء الفريق من الدور الأول للمسابقة، وبالخصوص في الهزيمة الثقيلة أمام المنتخب الهولندي (1-5).
وفي بطولة أمم أوروبا لسنة 2016، تسلم سيرجيو راموس شارة قيادة منتخب إسبانيا خلفاً لحارس المرمى إيكر كاسياس، الذي لم يكن ضمن التشكيلة الأساسية للفريق في مسابقة اكتفى فيها الإسبان ببلوغ الدور ربع النهائي، والإقصاء على يد المنتخب الإيطالي (0-2).
وتواصل تراجع نتائج المنتخب الإسباني في مونديال 2018، حيث فشل في تجاوز عقبة منتخب البلد المنظم روسيا، في الدور ثمن النهائي، بانهزامه بركلات الترجيح، ثم تدارك أموره في بطولة أمم أوروبا 2021 بوصوله إلى الدور نصف النهائي، ولكن دون مشاركة راموس لمعاناته من الإصابة، كما غاب سيرجيو عن مونديال قطر الأخير لخيارات فنية من المدير الفني لويس إنريكي، وهي البطولة التي أقصي فيها الفريق في الدور ثمن النهائي من طرف منتخب المغرب بركلات الترجيح.
وكان سيرجيو راموس، إذاً، ينتظر عودته لصفوف منتخب بلاده في شهر مارس/آذار القادم بمناسبة المباراتين المقررتين أمام النرويج وأسكتلندا برسم تصفيات بطولة أمم أوروبا 2024، لكن تلقيه مكالمة هاتفية من المدير الفني الجديد للمنتخب، لويس دي لاوفينت، يوم الخميس الماضي، يؤكد له من خلالها عدم الاعتماد على خدماته، جعلت ابن مدينة إشبيلية يقرر الاعتزال الدولي بشكل نهائي، لتكون بذلك آخر مباراة شارك بها بقميص منتخب إسبانيا هي تلك التي خاضها يوم 31 مارس/آذار 2021، أمام منتخب كوسوفو (3-1) لحساب التصفيات الأوروبية لمونديال قطر 2022.
سجل سيرجيو راموس أكثر من 100 هدف مع ريال مدريد
ما يُلاحظ، إذاً، على مسار سيرجيو راموس مع المنتخب الإسباني أنه كان مدافعاً شرساً، ولكن دون أن يمنعه ذلك من ترك بصمته كهداف متميز، وقد كان كذلك أيضاً مع نادي ريال مدريد، الذي قضى معه معظم مسيرته الاحترافية، والتي امتدت لـ16 سنة كاملة.
فقد انضم للنادي الملكي في آخر أيام الميركاتو الصيفي للعام 2005، في صفقة بلغت قيمتها 27 ميلون يورو، وأمضى على عقده الأول لمدة 8 سنوات، ثم قام بتجديده مع مرور المواسم إلى أن رحل عنه في صيف 2021 نحو نادي باريس سان جيرمان الفرنسي.
وبغض النظر عن الألقاب المحلية والقارية والدولية الكثيرة التي تُوّج بها رفقة ريال مدريد، فإنّ سيرجيو راموس يعتبر من اللاعبين القلائل الذين سجلوا أكثر من 100 هدف في تاريخ النادي، بحيث وقّع بالضبط 101 هدف في 617 مباراة رسمية.
وقد كانت بعض تلك الأهداف حاسمة في تتويجات فريقه، وخاصة في مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، على غرار نهائي سنة 2014، لما عادل النتيجة أمام أتلتيكو مدريد، في الوقت بدل الضائع من اللقاء (د90+3)، قبل أن يضيف زملاؤه 3 أهداف في الوقت الإضافي (4-1)، كما سجل أمام نفس المنافس في نهائي بطولة 2016 (1-1) والتي فاز به الريال بركلات الترجيح، ليصبح بذلك المدافع الوحيد الذي سجل هدفين اثنين في نهائيين مختلفين لدوري الأبطال.
وإضافة للقبي نسختي 2014 و2017، فقد تُوّج راموس بلقبين آخرين لدوري أبطال أوروبا مع ريال مدريد، في سنتي 2017 و2018، وقد تميز نهائي العام 2017 بحدث مميز بالنسبة للمدافع الإسباني، تمثل، بحسب ما كشف عنه موقع "فوتوبول ليكس" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، في فشل اللاعب في اختبار تناول المنشطات.
وأوضح الموقع المتخصص في كشف أسرار نجوم الكرة العالمية، أنّ فحص المنشطات الذي خضع له راموس بعد نهائي دوري الأبطال لسنة 2017 أمام نادي يوفنتوس الإيطالي قد كشف تناول اللاعب لمادة "ديكساميثارون" المحظورة، لكن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم لم يتخذ إجراءات تأديبية ضد سيرجيو وضد ناديه ريال مدريد.
وقد تمت تبرئة راموس من تعمد تناول تلك المادة المنشطة لزيادة نشاطه، بعدما أوضح أنه قد تناولها للعلاج من أحد الالتهابات، وبرخصة من الجهاز الطبي لنادي ريال مدريد، ولكن طبيب الفريق ارتكب خطأ إدارياً عند تسليم استمارة إخطار اتحاد الكرة الأوروبي بتناول اللاعب لتلك المادة قبل المباراة، بحيث كتب مادة "سيلستون كرونودوز" بدلاً من "ديكساميثارون".
لا ينسى سيرجيو راموس صديقه المُتوفى بويرتا في المناسبات الكبيرة
ومثلما سبقت الإشارة إليه في هذا المقال، فإنّه يُعرف عن سيرجيو راموس عنفه الكبير داخل الميدان، ما جعل منه اللاعب الأكثر تلقياً للبطاقات الحمراء في تاريخ نادي ريال مدريد، بمجموع 19 بطاقة، لكنه أيضاً معروف عنه "قلبه الواسع"، فكثيراً ما يقدم اعتذاراته العلنية (عبر وسائل التواصل الاجتماعي) لخصومه الذين يسبب لهم الإصابات، مثلما حدث مع المصري محمد صلاح والتشيكي ميلان هافيل، كما أصبح صديقاً للنجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، بعد مزاملته في نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، على الرغم من "العداوة" الرياضية المبالغ فيها التي كانت بينهما عندما كانا ينشطان في الدوري الإسباني.
كما أظهر راموس وفاءً كبيراً لصديقه وزميله السابق في نادي إشبيلية، الإسباني أنطونيو بويرتا، الذي توفي يوم 28 أغسطس/آب 2007 بعد تعرضه لسكتة قلبية خلال مباراة فريقه مع نادي خيتافي الإسباني يوم 25 من نفس الشهر.
فكثيراً ما يظهر راموس على قميصه صورة صديقه المتوفى عند الاحتفال بالتتويجات الكبرى، مثلما حدث عندما نال رفقة منتخب إسبانيا، لقبي البطولة الأوروبية في 2008 و2012 ولقب كأس العالم في 2010.
ويعمل سيرجيو راموس منذ 14 يونيو/حزيران 2014 سفيراً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، وهو الذي يملك 4 أبناء من زوجته الصحفية التلفزيونية، بيلار ريبيو، أكبرهم يحمل نفس اسمه "سيرجيو"، الذي يبلغ من العمر 10 سنوات، وأصغرهم "ماكسيمو"، ويبلغ عامين ونصف.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.