صنع اللاعب الدولي البرازيلي الشاب فينيسيوس جونيور الحدث في الوسط الرياضي العالمي لما قاد فريقه ريال مدريد الإسباني لفوز ثمين بديار مضيفه ليفربول الإنجليزي (5-3)، الثلاثاء، 21 فبراير 2023، في ذهاب الدور ثمن النهائي لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم، بتسجيله هدفين اثنين وصناعته هدفاً آخر لزميله كريم بنزيما، ما جعله ينال جائزة أفضل لاعب في اللقاء.
ويُضاف هذا التألق الجديد لفينيسيوس جونيور لسلسلة من التألقات المميزة، التي ما فتئ يسجلها منذ حوالي سنتين، لكن سرعان ما يتناساها النقاد والمحللون الرياضيون لأسباب لا علاقة لها بكرة القدم.
فينيسيوس جونيور.. بدأ اللعب كظهير أيسر وبرز في كرة القدم داخل الصالات
وقبل الحديث عن الوضعية الحالية للظاهرة البرازيلية الجديدة، دعونا نتعرف على المشوار الرياضي لهذا اللاعب الشاب.
وُلد فينيسيوس جونيور يوم 12 يوليو/تموز 2000 بمدينة ساو غونتشالو بولاية ريو دي جانيرو البرازيلية، وبدأ ممارسة رياضته المفضلة في سن السادسة من عمره، ضمن إحدى المدارس الـ125 التابعة لنادي فلامينغو العريق، وبالضبط بالمدرسة التابعة لحي "ميتيوا" الذي كان يعيش به.
وبدأ فينيسيوس اللعب في مركز ظهير أيسر قبل أن يستغل مدربوه الأوائل قدراته الفنية المميزة لتحويله إلى مهاجمٍ شرسٍ وهدّافٍ كبيرٍ.
وبحسب المقربين من النجم البرازيلي، فإنّه لم يكن يشبع من لعب الكرة، لدرجة أنّه انضم، في سنة 2007، إلى نادي ساو غونتشالو لكرة القدم داخل الصالات، فكان ينشط في فريقين مختلفين لرياضتين مختلفتين إلى عام 2010.
وقد كانت فترة لعبه كرة الصالات جد مفيدة له في ممارسته لكرة القدم داخل المستطيل الأخضر، بحيث ساعدته في تطوير مراوغاته بالمساحات الضيقة، وفي تحسين سرعة ردة فعله وخفة حركاته.
وعند بلوغه العاشرة من عمره، كان لا بد على فينيسيوس جونيور الفصل في الاختصاص الرياضي الذي سيسك طريقه، فتخلى عن كرة القدم داخل الصالات، وقام بتجارب ناجحة مع نادي فلامينغو لكرة القدم على الهواء الطلق، (وليس أحد فروعه الـ125) فضمه لصفوفه في شهر أغسطس/آب 2010.
أخرج عائلته من الفقر بعد عقده الاحترافي في سن الـ16
وبانضمامه لنادي فلامينغو لأقل من 13 سنة، دخل فينيسيوس في مرحلة شبه حاسمة في مشواره الرياضي، وأدخل من خلالها عائلته في فترة من المعاناة، بحيث كان حي"ميتيوا" الذي تقطن به العائلة يبعد بـ70 كلم عن المركز التدريبي "نينهو دو أوربو" التابع لنادي فلامينغو.
وفي تلك الفترة كان فينيسيوس الأب مُضطّراً للعمل بمدينة ساو باولو البعيدة لكسب قوت عيش أسرته الصغيرة، فكانت والدته فيرناندا هي من ترافق الطفل فينيسيوس كل صباح إلى بلدة "جافيا" ليستقل الحافلة إلى "نينهو"، ثم تنتظره في موقف الحافلات حتى عودته من التدريبات
وخفّت معاناة العائلة قليلاً لما أصبح فينيسيوس يبيت عند أحد أعمامه الذي يقطن ببلدة قريبة من مقر تدريبات نادي فلامينغو، وذلك قبل أن ترتاح نهائياً من الشقاء في مطلع سنة 2017، لما رحلت للعيش في المنطقة الغربية لولاية ريو دي جانيرو، بعدما أصبح الطفل أحد النجوم الواعدين للكرة البرازيلية، وبعدما منحته إدارة فلامينغو أول عقد احترافي وهو في سن الـ16 فقط.
ولم يكن منح نادي فلامينغو لفينيسيوس جونيور عقداً احترافياً بشكلٍ اعتباطيٍّ، بل جاء من أجل تفادي خطف "الجوهرة" البرازيلية من طرف أحد الأندية الأوروبية الكبيرة التي كانت قد بدأت مساعيها في إغراء اللاعب الواعد، على غرار قطبي الكرة الإسبانية، برشلونة وريال مدريد.
ريال مدريد سبق برشلونة في خطف فينيسيوس جونيور من فلامينغو
وفعلاً، فقد تعاقد ريال مدريد مع فينيسيوس جونيور يوم 23 مايو/أيار 2017، بعدما دفع مبلغ 45 مليون يورو لنادي فلامينغو، ولكن بحكم أن قوانين الاتحاد البرازيلي لكرة القدم تمنع انتقال اللاعبين القصّر إلى خارج البلاد، فإنّ المهاجم الموهوب لم ينضم لفريق العاصمة الإسبانية إلّا بعد تجاوزه سن الـ18، في يوليو/تموز 2018.
وقبل التطرق لمشوار فينيسيوس مع ريال مدريد، دعني عزيزي القارئ أستعرض مسار اللاعب الشاب مع نادي فلامينغو.
فلقد كان فينيسيوس جونيور ينشط مع فريق أقل من 13 سنة لنادي فلامينغو وهو في العاشرة من عمره فقط، ثم قاد فريق أقل من 15 سنة، عام 2015، لنيل كأس "فوتور أنتيم"، أحد أهم مسابقات تلك الفئة العمرية بالبرازيل، حيث سجل في دورتها النهائية 6 أهداف في 9 مباريات.
وفي سنة 2016، توج، رفقة فلامينغو، بلقب رابطة ولاية ريو دي جانيرو لأقل من 17 سنة، بعدما سجل 10 أهداف وقدّم عدة تمريرات حاسمة، ثم شارك عام 2017 في الدورة النهائية لمسابقة كأس ساو باولو لأقل من 20 سنة، حيث تألق كأحد أبرز نجوم الدورة، على الرغم من أنه كان يصغر باقي الاعبين بـ3 سنوات، بحيث سجل 3 أهداف حاسمة، قاد بها فريقه إلى ربع النهائي المسابقة.
وخاض فينيسيوس جونيور مباراته الأولى مع الفريق الأول لفلامينغو يوم 13 مايو/أيار 2017، لما دخل كلاعب بديل في الدقيقة الـ82 للمباراة التي جرت أمام نادي أتلتيكو مينيرو (1-1) لحساب الدوري البرازيلي، على ملعب "ماراكانا" الشهير، وسجّل هدفه الأول كلاعب محترف، يوم 10 أغسطس/آب 2017، في مرمى نادي باليستينو (فلسطين) التشيلي، برسم الدور الثاني لمسابقة كأس أمريكا الجنوبية لكرة القدم.
وشارك فينيسيوس في 68 مباراة رسمية مع الفريق الأول لفلامينغو، سجل خلالها 14 هدفاً، مساهماً بها في تتويج النادي بلقبي دوري ولاية ريو دي جانيرو لسنة 2017 وكأس ولاية ريو دي جانيرو للعام 2018، وبلوغ نهائي كأس البرازيل في 2017 ونهائي كأس أمريكا الجنوبية (كوبا سود أمريكانا)، وذلك قبل أن يغادره رسمياً نحو نادي ريال مدريد في يوليو/تموز 2018.
انفجر في الموسم الماضي وازداد توهجاً في الموسم الحالي
وعلى الرغم من خوضه تحضيرات الموسم الرياضي (2018- 2019) رفقة الفريق الأول لريال مدريد، فإنّ البداية الرسمية لفينيسيوس جونيور مع النادي الملكي كانت من بوابة الفريق الرديف، في الدوري الإسباني للدرجة الثالثة، وانتظر يوم 29 سبتمبر/أيلول 2018، ليشارك في لقائه الأول مع الفريق المحترف، لما دخل بديلاً لزميله كريم بنزيما في دربي العاصمة الإسبانية، أمام الأتلتيكو (0-0) ضمن مسابقة "الليغا"، ثم انتظر يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام ليسجل هدفه الأول بقميص "الميرنغي"، أمام ريال بلد الوليد.
وبعد أداء متوسط في مواسمه الثلاثة الأولى مع ريال مدريد، انفجر فينيسيوس في الموسم الماضي (2021- 2022)، حيث سجل 22 هدفاً، وقدم 16 تمريرة حاسمة في 52 مباراة في جميع المسابقات المحلية والدولية، مُساهماً بها في تتويج الملكي بلقبي الدوري الإسباني ودوري أبطال أوروبا.
ولكن هذه الأرقام المميزة، لم تشفع له ليكون موجوداً في قائمة الثلاثة الأوائل لجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم لسنة 2022، والتي نالها زميله في الريال، الفرنسي كريم بنزيما، في حين اكتفى هو باحتلال المرتبة الثامنة.
ويسير فينيسيوس جونيور في الموسم الجاري (2022- 2023) نحو تحقيق أرقام وإنجازات أفضل، إذ تُوّج إلى الآن، بألقاب السوبر الإسباني والسوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية، كما سجل 18 هدفاً وصنع 9 أهداف أخرى، في 35 مباراة، ونال جائزة أفضل لاعب في دورة كأس العالم للأندية.
معاناة كبيرة من العنصرية
وعلى غرار ما حدث في العام الماضي، فإنّ التألق الخارق لفينيسيوس جونيور في الموسم الحالي، قد لا يكون كافياً ليُتوّج بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم التي تمنحها سنوياً مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية، وذلك لأسباب غير رياضية.
فهذا اللاعب المتميز لا يحظى بالمديح والثناء الكبيرين من النقاد إلّا في مناسبات قليلة، مثلما كان الشأن عليه مثلاً، بعد لقاء الثلاثاء الماضي أمام ليفربول، إذ كثيراً ما يركز الإعلام العالمي على الإهانات العنصرية التي يتلقاها فينيسيوس من طرف جماهير العديد من الأندية المنافسة بسبب طريقة احتفاله عند تسجيل الأهداف، حيث يقوم برقصات تعتبرها تلك الجماهير استفزازية لها.
ولكن النجم البرازيلي، وعلى الرغم من تأثره معنوياً بتلك العنصرية، فإنّه يعود للتألق في المباريات التالية، ويُكرر نفس طريقة الاحتفال المثيرة للجدل، فاسحاً المجال للنقاد للحديث عن سلوكيات الجماهير الرياضية كظاهرة اجتماعية بدل تحليل الأداء الفني للاعب.
وبحسب هذا المعطى، فإنّ حتى الإعلام الذي ينتقد العنصرية تجاه فينيسيوس، فإنّه يمارسها هو أيضاً بشكلٍ غير مباشرٍ، من خلال عدم التطرق كثيراً للإنجازات الفنية للاعب، ما ينعكس سلباً عند التصويت على جائزة أفضل لاعب في العالم، ولذلك ففي حال استمرار الحال على وضعه الحالي، فإنّ الفتى البرازيلي الموهوب لن ينال أبداً هذه الجائزة الثمينة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.