منذ أن دخلت لعبة كرة القدم عالم الاحتراف، ظلّت هذه الرياضة، الأكثر شعبية في العالم، مستهدفةً من المحتالين، سواء داخل مكاتب المراهنات أو حتى داخل المستطيل الأخضر.
من فضائح التلاعب في المباريات إلى فضيحة عقد اللاعب السنغالي علي ديا مع نادي ساوثهامبتون الإنجليزي، ظهر العديد من الأشخاص المهووسين بالشهرة والمال عبر النصب بكرة القدم.
ويعدّ البرازيلي كارلوس هنريكي رابوزو، الملقّب بـ"القيصر"، لتشابهه مع القيصر الألماني فرانز بيكنباور في الشكل، أعظم محتالٍ في تاريخ كرة القدم.
فالرجل الذي لعب لبعض أكبر الأندية في أمريكا الجنوبية والفرنسية، كان يبذل قصارى جهده طيلة مسيرته، التي امتدت لـ26 سنة، من أجل أن يتجنب لعب مباراة كرة قدم احترافية في حياته.
من الملاهي البرازيلية بدأت رحلة كارلوس هنريكي للاحتيال على كرة القدم
مثل غالبية أطفال ومراهقي البرازيل، كان لكارلوس هنريكي حلمٌ واحدٌ، هو أن يصبح لاعب كرة قدم شهيراً، فقد نشأ كمشجع لكرة القدم في أعقاب النجاح المذهل لمنتخب السامبا في كأس العالم 1970، أراد كارلوس هنريكي محاكاة أبطاله على أرض الملعب.
مع ذلك، أظهر كارلوس هنريكي بعض المواهب، حين تقدّم لإجراء التجارب مع فريق Puebla FC، الذي كان وقتها ينشط في دوري الدرجة الأولى المكسيكي، كانت المشكلة الوحيدة في حلم كارلوس أنه لم يكن جيداً بما يكفي للانضمام إلى النادي المكسيكي، فتمّ رفضه دون أن يلعب أي مباراة على الإطلاق مع النادي المكسيكي.
عاد هنريكي إلى مسقط رأسه ريو دي جانيرو بخيبة أملٍ، من فشل تجربته للاحتراف في المكسيك، لكن الفتى البرازيلي كانت قصته على وشك أن تبدأ فعلاً.
فقد تيقّن أنّ قدراته ومواهبه التي بدأت تخفت لن توصله إلى تحقيق حلمه، وأنّ عليه انتهاج طريقة أخرى من أجل الوصول إلى الاحتراف والشهرة، وطبعاً الأموال.
عازماً على مواصلة مسيرته الكروية، استهدف كارلوس هنريكي النوادي الليلية لريو دي جانيرو، وهي الأماكن المفضلة لنجوم لعبة كرة القدم البرازيلية، هناك عقد كارلوس هنريكي صداقة من ألمع المواهب البرازيلية في ذلك العصر، من بينهم بيبيتو وروماريو وريناتو غاوتشو.
استفاد كارلوس هنريكي من الحياة الليلية للاعبي كرة قدم مشهورين، واستخدم معارفه الجديدة لتعزيز آفاق مسيرته الكروية.
ادعاء الإصابة.. هكذا تهرّب هنريكي من المباريات
حسب backpagefootball، تمكن كارلوس هنريكي، بمساعدة أصدقائه، من الحصول على عقد تجريبي مدته ثلاثة أشهر مع نادي بوتافوجو البرازيلي، وهو ما منحه فرصة للمشاركة في مباريات الدوري، خصوصاً أنّ كارلوس هنريكي كان يتمتع باللياقة البدنية المثالية للاعب كرة القدم، لذا كانت الانطباعات الأولى عنه مواتية.
لكن كارلوس كان يعلم أنه سيُطلب منه اللعب في مباراة تدريبية قريباً، بعد توقيعه على عقده الاحترافي الأوّل، لذا توصل إلى طريقة بسيطة وفعالة لإطالة مسيرته في بوتافوجو، وهي التظاهر بالإصابة.
ومن أجل حبك السيناريو الجيد، طلب كارلوس هنريكي تدريب اللياقة البدنية لبضعة أسابيع، قبل أن يلعب أول مباراة له.
عندما حان وقت أوّل مباراة له مع بوتافوجو، سقط على الأرض ممسكاً بأوتار ركبته، وأصرّ على أنها تمزقت، من أجل ألا يلعب. نظراً لغياب التكنولوجيا الطبية في ثمانينيات القرن الماضي، كان من الصعب اكتشاف كذب هنريكي، لذلك ذهب كارلوس إلى المستشفى من أجل العلاج وهكذا قضى أوّل مواسمه.
انطلت خدعة كارلوس هنريكي على إدارة بوتافوجو، فطيلة أشهر ظلّ يأخذ راتبه العالي، بينما كان يقضي هذه الفترة في النوادي الليلية مع زملائه، ويتباهى أمامهم بمسيرته.
انتقل كارلوس هنريكي إلى مستوى آخر في الاحتيال والنصب على لاعبي وإدارة نادي بوتافوجو، حيث كان يعزز في سمعته من خلال التظاهر بالتحدث باللغة الإنجليزية على هاتفه المحمول، الذي يكاد يكون الوحيد في البرازيل خلال تلك الفترة، ويبرز إعجاب الأندية الأوروبية به أمام زملائه في الفريق وطاقم عمل بوتافوجو.
استمر هذا الأمر حتى أدرك طبيب النادي، الذي كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة، أن الملقب الآن بـ"القيصر" لم يكن قادراً على التحدث باللغة الإنجليزية على الإطلاق، فعند إلقاء نظرة على هاتفه المحمول، أدرك الطبيب أنه ليس أكثر من لعبة.
وقبل أن يكتشف أمره، غادر كارلوس هنريكي نادي بوتافوجو، واستخدم معارفه بين لاعبي كرة القدم لتأمين عقد جديد له، هذه المرة في نادي فلامينغو.
باستخدام الأسلوب نفسه وادعاء الإصابة، تمكن كارلوس هنريكي من الحصول على راتبٍ جيدٍ وشهرة كبيرة لمدة عدة أشهر في نادي فلامينغو، من دون أن يلعب أية مباراة، قبل الانتقال مرة أخرى.
حِيل كارلوس هنريكي العبقرية مدّدت تعاقده عوض طرده!
وفقاً لصحيفة theguardian، انتقل كارلوس هنريكي إلى نادي بانغو البرازيلي سنة 1985، بعد أن اقتنع مالك النادي الثري "كاستور دي أنغرادي" بإمكاناته، وأراد رؤيته في الملعب لاعباً لناديه بانغو.
أثناء تعافيه من إحدى إصاباته التي لا تنتهي فوجئ كارلوس هنريكي بأن اسمه قد أدرج ضمن قائمة المباراة التالية، ولكن المدرب طمأنه بأن السبب الوحيد هو استكمال القائمة لكثرة الإصابات، وأنه لن يدفع به حتى اكتمال شفائه.
مع ذلك، وجد كارلوس هنريكي نفسه في وضع محرج، فبعد تأخر فريقه في النتيجة طلب المدرب منه الإحماء، استعداداً للمشاركة، خصوصاً أنّه يحتاج مهاجماً للعودة في النتيجة.
استغلّ كارلوس هنريكي غضب الجماهير من سوء النتائج، ومطالبتهم برحيل المدرّب دي أنغرادي، ودخل في اشتباك معهم أثناء الإحماء، ليُشهر حكم المباراة البطاقة الحمراء في وجهه، لينجو من ورطة اللعب في تلك المباراة.
بعد المباراة، صبّ دي أنغرادي جام غضبه على كارلوس هنريكي، وتوقّع الجميع نهاية رحلة كارلوس هنريكي مع نادي بانجو، لكن كارلوس هنريكي فعّل عبقريته لتبرير فعله.
قال كارلوس لمدربه "قبل أن تقول حرفاً دعني أخبرك بشيءٍ واحد؛ لقد أخذ مني الرب أباً فيما سبق، ثم عاد ومنحني أباً آخر هو أنت، ضع نفسك مكاني، هل كنت لتقبل أن يُنعت أبوك بأنه لص؟ هذا ما فعله المشجعون، ولو عاد بي الزمن لكررت فعلتي دون ندم". بعد هذا التبرير العبقري، قام النادي بتمديد تعاقده مع كارلوس هنريكي لستة أشهر إضافية دون أن يلعب!
بعد مسيرة طويلة مع أندية البرازيل وأمريكا الجنوبية، قرّر كارلوس هنريكي الاحتراف في أوروبا، وبالضبط في نادي أجاكسيو الفرنسي.
وأمام آلاف المشجعين الفرنسيين، الذين احتشدوا لاستقبال الموهبة البرازيلية الجديدة، كان على كارلوس هنريكي إظهار بعض مهاراته للجمهور، لكنه اكتفى بركل كل الكرات إلى الجمهور للاحتفاظ بها للذكرى، واكتفى بالركض في أوّل حصة تدريبية له.
تشير بعض المصادر أنّ كارلوس هنريكي لعب مع نادي أجاكسيو الفرنسي 30 مباراة، بينما تشير مصادر أخرى إلى أنّه لم يلعب أية مباراة على الإطلاق، لكن الأكيد أنّ كارلوس هنريكي الذي يلعب مهاجماً لم يسجّل أي هدف في مسيرته.
كيف نجح كارلوس هنريكي في الاحتيال لمدة 26 عاماً؟
بشكل مثير للدهشة، استمر في هذا الاحتيال لمدة 26 عاماً حتى اعتزل كرة القدم الاحترافية سنة 2004، عن عمر يناهز 41 عاماً، ودخل التاريخ باعتباره المهاجم الذي لم يسجّل أي هدف، وفقاً لـmirror البريطانية.
اجتمعت الكثير من الأسباب في استمرار خدعة كارلوس هنريكي، وتسويق نفسه على أنه أفضل نجوم كرة القدم في البرازيل، فقد كانت البداية من تعاقد المدرب والنجم البرازيلي الشهير كارلوس ألبرتو مع كارلوس هنريكي، والتي اعتبرها اللاعب شهادة إثباتٍ على موهبته ومسيرته الكروية.
إضافةً إلى الخجل الذي أصاب معظم الأندية البرازيلية، التي تعرّصت إلى خداع كارلوس هنريكي، فلم يستطع أي نادٍ التصريح بأنه تعرّض إلى الاحتيال من قِبل القيصر، كما كان تركيز الصحافة البرازيلية منصباً على نجوم المنتخب، وهكذا واصل كارلوس هنريكي الانتهازي حيله دون أن يكشفه أحد.
كما ساعده الشبه المتقارب لشكله مع الأسطورة البرازيلية ريناتو غاوتشو، ولقبه الشبيه مع لاعبٍ برازيلي حقيقي، على تصميم العديد من الفيديوهات، والادعاء بأنّها مهاراته، في وقتٍ لم يكن فيه الإنترنت وجوجل متوفرين لكشف احتياله وتزييفه.