بعد أيام من التجاذبات بخصوص مشاركة المنتخب المغربي في كأس إفريقيا للمحليين المقررة في الجزائر، حسم المغرب أمره بمقاطعة هذه المنافسات في آخر لحظة، وفي الوقت الذي اعتبر إعلامه الرسمي موقفه هذا تعبيراً عن الحنكة وقوة شخصية جامعته الكروية، فإن الحقيقة أن تبعاته سلبية على الكرة المغربية وعلى صورة المغرب رغم الحماس الذي يبديه كثير من المغاربة لهاته الحرب المستعرة التي تتخذ في كل مرة شكلاً ومنحى جديداً.
لم تكن مبررات جامعة لقجع منطقية والتعسف في تكييف واقعة إغلاق المجال الجوي الجزائري أمام المغاربة باعتباره قوة قاهرة لا يستقيم، فتعذر تنظيم رحلة مباشرة للمنتخب المحلي على متن الخطوط المغربية لا ينفي إمكانية إيجاد خيارات بديلة، فكثير من الفرق الرياضية تضطر للسفر عبر رحلات متقطعة من أجل المشاركة بالاستحقاقات الخارجية في البلدان التي تعرف قطيعة سياسية مع بلدانها أو تلك التي يكون التواصل معها محدوداً.
إن المسرحية الرديئة التي أخرجتها الجامعة، بحشر لاعبين شباب في معسكر كأنهم رهائن للجزائر واللعب على أعصابهم بعد انتزاعهم من أنديتهم التي حرمت من الاستفادة من خدماتهم وجعلهم يعيشون الترقب كأنهم أمام نتيجة امتحان كل هذا من أجل الضغط على الطرف الجزائري، قد أساءت للمغاربة بعد أن أسفرت عن الرفض القاطع لمقترحهم، حيث ظهروا كالضيف الذي يشترط على مضيفه والذي يقابل اشتراطاته بصد الباب في وجهه، وتلك نتيجة متوقعة.
فهل كان يأمل فوزي لقجع من الزوبعة التي أثارها أن يلوي ذراع الجزائريين؟ أم هل كان يبحث عن مبرر لعدم مشاركة المغرب في هذه المنافسات بعد أن أصبح يشعر بتضخم في القيمة الناجم عن بلوغ المنتخب الأول إلى المربع الذهبي في المونديال الأخير، هو الذي كان يستثمر في هذه الكأس سابقاً كتعويض عن إخفاقات الكرة المغربية في المنافسات الكبرى؟
لقد كان الأولى بالمغرب الرسمي بعد أن قطعت الجزائر العلاقة معه وأغلقت عنه مجالها الجوي أن يصنع نفس الشيء وأن يغلق بدوره مجاله الجوي أمامها، هذا ما تقتضيه الأعراف الدبلوماسية أي المعاملة بالمثل، ساعتها سيلجأ الرياضيون المغاربة والجزائريون على حد سواء إلى بلد ثالث من أجل التنقل للمشاركة في الفعاليات الرياضية المنظمة في أحد البلدين، وسيبقى الشأن الرياضي بمنأى عن التجاذبات السياسية، وفي هذه الحالة نحقق التوازن ونحفظ قدرنا وكرامتنا.
قرار الانسحاب من "الشان" قرار ارتجالي يعوزه التماسك والذي يفرض على المغاربة تبعات لن يقووا على التعاطي معها فيما بعد، ففوق احتمال تعرضهم لعقوبة مجانية بسبب مقاطعتهم لهذه الكأس، عليهم أيضاً أن يحتفظوا بذات الموقف مع كل الفعاليات الرياضية المستقبلية التي ستنظم في الجزائر ما دام مجالها الجوي موصداً في وجههم الشيء غير الممكن قطعاً، فلو فرضت قرعة إقصائيات كأس العالم على المنتخب منازلة المنتخب الجزائري هل سيقاطع تلك الإقصائيات؟ وهل ستقاطع الأندية المغربية كأسي عصبة الأبطال والكونفدرالية إذا واجهت الأندية الجزائرية؟
لا نعرف ماذا يجري في دماغ المسؤولين المغاربة المتسم بالمزاجية والتخبط مع قدر هائل من الانتفاخ، لكن المؤكد أن سطوتهم على قطاعات من المغاربة استُثمِرت في التأثير على أولوياتهم حتى أنستهم متابعة المتورطين في فضيحة تذاكر المونديال التي جعلت بلادنا مسخرة، حيث أكدت أن جامعة الكرة أصغر من أن ينسب إليها إنجاز المنتخب، والتي تنصل رئيسها منها بعد أن نصب نفسه قاضياً في هذا الملف وهو إلى يومنا هذا ما زال يتهرب من متابعة باقي المتورطين فيها.
لقد أصبح التحرش بالجزائريين فرصة لنيل شرعية كفاحية متوهمة، فكلما اشتد الضغط الشعبي على مسؤول مغربي، سعى لتشتيت انتباه المغاربة بعيداً عبر افتعال أزمة مع مسؤولي الجارة الشرقية حتى يتحول فجأة إلى رمز كفاحي وإلى بطل سيادي في عيون بعضهم وكأنه شارك في حرب التحرير، وهو عين ما يفعله مسؤولو الجزائر أيضاً بشعبهم في تناغم وتواطؤ ضمني بين مسؤولي البلدين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.